مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28 … هل يُسهم في مواجهة الأزمة؟
عشرات الآلاف توجهوا إلى مدينة إكسبو بدبي في ديسمبر الماضي، لحضور ما وُصف بأنه مؤتمر المناخ الأكثر أهمية على الإطلاق. قادة وطنيون، وأصحاب أعمال، وناشطون من الشباب، وأصحاب أعمال خيرية، وأعضاء لمنظمات دولية جاؤوا من جميع أنحاء العالم.
الجميع لا يسيطر على أذهانهم سوى فكرة واحدة – إنقاذ الكوكب.
جاء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28 بعد عام شهدنا فيه ظواهر مناخية متطرفة وارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة.
جاء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28 بعد عام شهدنا فيه ظواهر مناخية متطرفة وارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة. عام شهد اطلاق كميات غير مسبوقة من الغازات الدفيئة في غلافنا الجوي وذوبان الجليد بشكل قياسي… عام أدى فيه الاحتباس الحراري العالمي إلى وصول معدل ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.4 درجة مئوية مقارنة بمعدلات ما قبل الصناعية، مما أثار الذعر لاقتراب هذا المعدل من الـ 1.5 درجة مئوية التي يعتبر بلوغها معياراً لنجاح أجندة العمل المناخي أو إخفاقها [1]
تمثل الهدف، كما أوضحه الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، رئيس مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) والمبعوث الخاص لدولة الإمارات العربية المتحدة لتغير المناخ، في أن يدور الحوار حول أربع ركائز رئيسة:
- تسريع عملية التحول العادل والمنظم والمنصف للطاقة
- تحفيز التمويل اللازم للعمل المناخي
- التركيز على الشعوب والحياة وسبل العيش
- توفير الدعم مع التأكيد على مبدأ الشمولية [2]
وبعد أسبوعين غادرت الوفود دبي، وبينما راح البعض يشيد بالتفاؤل والاتفاقات الجديدة والالتزامات المالية الموجهة نحو المعركة التي يخوضها العالم ضد تغير المناخ، وغادر آخرون المؤتمر وهم يشعرون بأنه ربما كان من الممكن تحقيق المزيد، وأن الوقت يضيع – وكذا ما هو متاح لنا من فرص .
على الرغم من ذلك، ما من أحد يستطيع أن ينكر أن هذا المؤتمر قد جعل أزمة المناخ تتصدر من جديد عناوين الأخبار في جميع أنحاء العالم.
ربما كان من المهم أن يعقد المؤتمر في دولة الإمارات العربية المتحدة تحديدا، حيث سجلت الدولة خلال عام 2023 درجات حرارة تفوق ال 50 درجة مئوية عدة مرات. وتجدر الإشارة إلى أن منطقة الخليج بأسرها عرضة لمواجهة خطر ما يعرف بدرجة حرارة البصيلة الرطبة في وقت لاحق من هذا القرن. ويصف المصطلح بعض الظروف التي تشمل ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة معاً لمعدلات تتجاوز قدرة الجسد على تبريد نفسه عن طريق التعرق، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
ومن جانبه، سلط الدكتور الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات العربية المتحدة والمبعوث الخاص لتغير المناخ، ورئيس مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) ، سلط الضوء على العديد من النجاحات المناخية التي حققتها دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تشمل وقف حرق الغاز في السبعينيات. وأشار الجابر أيضا إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت أول دولة في المنطقة صادقت على اتفاق باريس (وهو المعاهدة الدولية الأساسية التي تتناول تغير المناخ والصادرة في عام 2015) ، كما أنها أول دولة تعلن عن مبادرة استراتيجية تهدف إلى بلوغ صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050. وقد قامت الدولة حتى الآن باستثمار 50 مليار دولار أمريكي في مشروعات الطاقة النظيفة في 70 دولة، كما تم الإعلان مؤخراً عن شراكة إماراتية أمريكية ترنو إلى تسريع التحول إلى الطاقة النظيفة [3]، وهو ما يعني تقديم تمويل إضافي بقيمة 100 مليار دولار أمريكي لإنتاج 100 جيجاوات من الطاقة النظيفة على مستوى العالم [4].
في ظل هذه الخلفية، ومع تحمس الوفود لأصوات نشطاء المناخ في جميع أنحاء العالم، ما هي النتائج الرئيسة التي تمخض عنها مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) ؟
تقييم مؤتمر أثار الجدل
وفي ملخص تم الاستشهاد به على نطاق واسع تناول الاتفاق التاريخي الذي خلص إليه المؤتمر، قال سيمون ستيل، الأمين التنفيذي للأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، في كلمته الختامية التي ألقاها أمام المؤتمر “إنها بداية النهاية” لعصر الوقود الحفري [5].
لكن هذا الرأي كان له وقعاً مختلفاً على الحضور. فكل من كان يحدوه الأمل في تسريع تحقيق نتائج أفضل في مضمار العمل المناخ راح يندد باتفاق التسوية الذي شمل التعهد بـ “التحول بعيداً عن” الوقود الحفري لا “التخلص منه تدريجياً” – ويمثل الأخير موقفاً أيدته 130 من أصل 198 دولة حضرت مؤتمر دبي [6]. وتجدر الإشارة إلى أن مقال نشر في مجلة نيتشر ذهب إلى حد وصف النتائج بـ “الخطيرة [7].”
على الرغم من ذلك، فإن “التقييم العالمي” للاتفاق بشأن العمل المناخي – والذي يعد الأول من نوعه – عكس اتخاذ خطوات ملموسة نحو حل أزمة المناخ. فقد تم الاعلان عن ضرورة انخفاض انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 43٪ بحلول عام 2030 (مقارنة بمستويات عام 2019)، والتأكيد على وجوب الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وعدم تجاوز معدلات ارتفاع الحرارة الـ 1.5 درجة مئوية [8].
صفقات تاريخية تدعم الركائز الأربع
على الرغم من اختلاف الآراء حول ما تم إحرازه خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28)، فإن بعض أبرز الانجازات التي خلص إليه المؤتمر يمكنها أن تضع تعريفاً جديداً للمعركة التي نخوضها ضد ظاهرة الاحتباس الحراري.
تسريع عملية التحول العادل والمنظم والمنصف للطاقة – أبرز النقاط:
ألزم التعهد العالمي الجديد للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة الموقعين عليه بمضاعفة القدرة العالمية القائمة لتوليد الطاقة المتجددة ثلاث مرات لتصل إلى ما لا يقل عن 11,000 جيجاوات بحلول عام 2030. كما وضع خططاً لمضاعفة المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة الطاقة من 2% إلى 4% سنويا من الآن وحتى نهاية هذا العقد [9]، في حين اشتمل التعهد العالمي للتبريد على التزام 66 حكومة بخفض الانبعاثات المرتبطة بالتبريد في جميع القطاعات بنسبة 68٪ على الأقل بحلول عام 2050 [10].
وقد حظي ملف الطاقة النووية باهتمام بالغ و تلقى دفعة قوية مع الإعلان عن مضاعفة قدرة الطاقة النووية على مستوى العالم إلى ثلاثة أمثالها بحلول عام 2050، ووضع خطة للمؤسسات المالية تهدف إلى تعزيز الطاقة النووية من خلال سياسات الإقراض الطموحة. [11].
ومن المنتظر أن تسهم خطط الاعتراف المتبادل الجديدة للتصديق على مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر [12] في تعزيز اعتمادهم– وبالتالي تحفيز الاستثمارات – في 37 دولة مشاركة. ويُلزم ميثاق إزالة الكربون من النفط والغاز [13] الموقعين عليه والبالغ عددهم 52 ببلوغ صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050 وكذا الوصول بانبعاثات غاز الميثان بالقرب من الصفر، في حين شهد برنامج تسريع التحول الصناعي [14] موافقة 35 شركة كبرى من القطاع الخاص على إزالة الكربون من القطاعات التي تطلق معدلات عالية للغاية من الانبعاثات بما في ذلك قطاع الطاقة والصناعة والنقل.
وتعد البنية التحتية الملائمة بالغة الأهمية لأي تحول قابل للاستمرار، لذلك كان من دواعي سرورنا أن نرى 25 شركة عالمية تعمل في مجال الطاقة تؤسس معا “تحالف مرافق من أجل بلوغ الصفر [15] لتعزيز التحول إلى الكهرباء، و مد شبكات مصادر الطاقة المتجددة، ونشر الطاقة النظيفة في جميع أنحاء العالم.
وعلى نحو مماثل، فإن مبادرة الأسمنت والخرسانة [16]، التي أطلقتها كندا والإمارات العربية المتحدة، تجبر الصناعة على التعجيل بإزالة الكربون من خلال تبادل أفضل الممارسات والحلول الابداعية فيما يتعلق بالتكنولوجيات الناشئة مثل احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه. وفي الوقت نفسه، انضمت 10 شركات أخرى إلى مبادرة “أصحاب البضائع من أجل سفن خالية من الانبعاثات”، ويعمل الآن أكثر من 30 عميل شحن من أجل بلوغ نقل بحري بدون انبعاثات [17].
تحفيز التمويل اللازم للعمل المناخي – أبرز النقاط:
تم إحراز تقدم هائل فيما يتعلق بإقرارنا بأننا مدينون للبلدان النامية، وكذا بأهمية إصلاح الهيكل المالي العالمي.
وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة كبيرة من الحكومات الوطنية صادقت على إعلان قادة دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن الإطار العالمي لتمويل المناخ [18]، والذي يدعو إلى جمع 100 مليار دولار أمريكي من خطط التخفيف من آثار تغير المناخ حتى عام 2025. وبناءً على ذلك، يدعو الإعلان إلى ضخ استثمارات بقيمة 5 دولارات أمريكية – 7 تريليون دولار تهدف إلى تحويل الاقتصاد العالمي إلى اقتصاد أخضر بحلول عام 2030. ولعل الاتفاق يقوم على الفكر القائل بأنه لا ينبغي لأي دولة أن تختار بين مكافحة الفقر ومكافحة تغير المناخ.
من ناحية أخرى، أطلقت بعض البنوك والمنظمات غير الحكومية إعلاناً مشتركاً تمثل هدفه في تعزيز التمويل المستقل والمستدام لملفات الطبيعة والمناخ [19]. ويعني ذلك تخفيف أعباء الديون على المدى القصير وتوفير حلول مالية طويلة الأجل للبلدان النامية، مما يساعدها على تحقيق التوازن بين التخفيف العاجل لآثار تغير المناخ ودفع عجلة مشروعات إزالة الكربون.
وعلى نحو مماثل، وبدعم من الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، جاء التحالف العالمي لبناء القدرات بوعود بتوفير المساعدات التقنية للمؤسسات المالية في الأسواق الناشئة [20] وفي مكان آخر، من المنتظر أن يسهم تحالف وكالات ائتمان الصادرات الملتزمة بالحياد المناخي في إزالة الكربون من قطاع التجارة العالمية و كذا في تنسيق التمويل العام والخاص [21].
وفي الوقت نفسه، يهدف مركز حلول الطبيعة لآسيا والمحيط الهادئ [22]، والذي أطلقه بنك التنمية الآسيوي، إلى توجيه التمويل إلى الحفاظ على الطبيعة و مواجهة فقدان التنوع البيولوجي في هذه المناطق المتضررة
التركيز على الناس والحياة وسبل العيش
شهد اليوم الأول من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) موافقة الوفود على تخصيص مبلغ يزيد عن 700 مليون دولار أمريكي يوجه لصندوق الخسائر والأضرار لغرض تعويض البلدان النامية عن الخسائر الاقتصادية والحياتية التي تنتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري [23]. وقد وعدت كل من إيطاليا وفرنسا بمبلغ 108 ملايين دولار أمريكي، والإمارات العربية المتحدة وألمانيا بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي، والولايات المتحدة الأمريكية بمبلغ 17.5 مليون دولار أمريكي، واليابان بمبلغ 10 ملايين دولار أمريكي. ومن المنتظر أن يركز الصندوق على تدابير التكيف التي تغطي التمويل وأنظمة المراقبة والقدرة على تحمل الحرارة والبنية التحتية الصحية والزراعة. وسيتم تقييم التقدم الذي تم احرازه مع إعلان الإمارات العربية المتحدة بشأن المناخ و الإغاثة والتعافي والسلام [24]في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP29) في نوفمبر من هذا العام في باكو، بأذربيجان.
وتجدر الإشارة إلى أن الإعلانات الجديدة أقرت بالحاجة إلى إطلاق عمل جماعي بشأن المناخ والصحة والزراعة المستدامة وتغيير النظم الغذائية، في حين حددت خريطة طريق جديدة 120 إجراءً رئيسياً للقضاء على سوء التغذية مع البقاء ضمن حدود ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية.
ومن المنتظر أن تمثل الغابات وأشجار المانجروف والمحيطات محور مبادرات التمويل الجديدة القائمة على الطبيعة. علاوة على ذلك، أعلنت كولومبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغانا وبابوا غينيا الجديدة عن حزم تمويل وطنية للمناخ و الحفاظ على الطبيعة بدعم من الشركاء من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني.
ويمثل تعزيز القدرة على الصمود في مواجهة التغيرات المناخية وتحسين سبل العيش على مستوى المجتمعات تحدياً مستمراً، لذلك شهد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) موافقة 65 حكومة على تحالف الشراكة متعددة المستويات عالية الطموح (CHAMP) للعمل المناخي [25].
وتهدف المجموعة إلى تحقيق إصلاحات في قطاع تمويل المناخ، وتسريع التحول في مجال الطاقة، وتعزيز القدرة على الصمود من خلال تطبيق التدابير المحلية على أرض الواقع.
ومن ناحية أخرى ، تهدف مبادرة “ثورة المباني”، التي تم إطلاقها بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، إلى جعل المباني الخالية من الانبعاثات والقادرة على التكيف مع تغيرات المناخ عناصر أساسية في نماذج التصاميم المفترض وضعها بحلول عام 2030.
توفير الدعم مع التأكيد على مبدأ الشمولية:
يستطيع تغير المناخ أن يؤثر بشكل مجحف على المجتمعات الهشة والفئات المهمشة. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه بدون الإصغاء إلى الجميع، لن يتمكن العمل المناخي أن يكون مصدرا لإلهام الجيل القادم من القادة والمبتكرين.
وقد شهد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) تعيين معالي وزيرة تنمية المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة، شما المزروعي، بصفتها بطلة الشباب للعمل المناخي، من أجل تعزيز دمج الشباب وتعظيم أولوياتهم المناخية[26]. من المنتظر أن تسهم شراكة التحولات العادلة الجديدة المراعية للنوع الاجتماعي و العمل المناخي[27] في مواءمة العمل المناخي مع النهوض بحقوق المرأة.
كما اتخذ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) خطوات مهمة بهدف ضمان مشاركة ممثلي السكان الأصليين. ومن المنتظر أن توفر مبادرة سكان بودونج الأصليين[28] التمويل مباشرة للمجتمعات الأصلية، مما يضمن وصول نسبة من أموال ملف المناخ إلى مناطق السكان الأصليين مباشرة.
ومع الإعلان رسمياً عن أهمية التوقف عن استخدام الوقود الحفري، والتأكيد على الرؤية القائلة بضرورة علاج البشرية من إدمان مثل هذه الملوثات، كان مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) بمثابة نقطة تحول بالغة الأهمية بالنسبة لكفاح كوكبنا من أجل البقاء.
لقد استطاع النشطاء البيئيون ونشطاء المناخ تحقيق انتصارات هائلة في شتى المجالات. وكان لدى شركات الطاقة الخضراء أيضاً الكثير من دواعي الاحتفال لا سيما مع إطلاق الاتفاق الدولي الذي يقضي بمضاعفة قدرة الطاقة المتجددة العالمية إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030. والآن لم تعد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المراعية للبيئة مجرد مصادر مكملة للنفط والفحم والغاز؛ ولكنها الآن على المسار الذي سيجعلها تحل محل هذه الأنواع التقليدية للوقود إلى الأبد. وعلى نحو مماثل، فإن الالتزام بمضاعفة كفاءة استخدام الطاقة بحلول نهاية هذا العقد من شأنه أن يعزز الثقة في قدرتنا على إحداث تغيير حقيقي.
على الرغم من كل ذلك، أعربت أطراف أخرى عن أسفها للفرص الضائعة، وسلطت الضوء على التحديات التي فشل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في معالجتها في رحلتنا نحو مستقبل أكثر اخضراراً وإنصافاً.
الوقود الحفري، والدول الجزرية الصغيرة وصندوق الخسائر والأضرار يواجهون الإحباط
أثار عدم التوصل إلى تعهد ملزم “بالتخلص تدريجياً” من الوقود الحفري حفيظة عدد من المعلقين الذين راحوا ينتقدون دور النشطاء في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28). من ناحية أخرى، ذهب البعض إلى أن ما تم التوصل إليها من اتفاقات تركت هدف إبقاء معدل ارتفاع درجة الحرارة في حدود ال 1.5 درجة مئوية قائماً “من الناحية الشكلية فقط” [29]. وواقع الأمر أنه مع عدم وجود جدول زمني قوي للتحول إلى الوقود المستدام، ووضع ثقة هائلة في تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه التي لا تزال في طور التجربة، مثل المؤتمر مجرد صفحة جديدة – لا ثورة حقيقية – في معركتنا المستمرة ضد تغير المناخ.
ولأن الشركات الزراعية كانت ممثلة تمثيلاً جيداً في المؤتمر، جاء النص النهائي خالياً من أية إشارة إلى دور قطاع الماشية في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي؛ وذلك على الرغم من الأبحاث التي أكدت أن قطعان الماشية المجترة على مستوى العالم مسؤولة عن 7% على الأقل من انبعاثات الميثان التي يمكن تجنبها [30].
من ناحية أخرى، شعرت الدول الجزرية الصغيرة، و التي هي عرضة بشكل خاص لمواجهة تأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر، أنها غادرت مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) دون الضمانات اللازمة لبقائها. فقد أعلن تحالف الدول الجزرية الصغيرة، والذي يضم أعضاء من منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ والمحيطين الأفريقي والهندي وبحر الصين الجنوبي، أعلن أن الاتفاقات أخفقت في تحقيق “التغير المطلوب” وأخطأت كثيراً باتباعها نهج يركز – كما هو معتاد – على المشروعات والأعمال [31]
وحتى صندوق الخسائر والأضرار الذي تزيد قيمته عن 700 مليون دولار أمريكي فقد اعتبرته بعض الدوائر غير كافياً. وبدت المساهمات المقدمة من الولايات المتحدة والصين، وهما من أكبر الدول المسؤولة عن انبعاثات الكربون في العالم، ضئيلة مقارنة بما قدمته دول ذات ناتج محلي إجمالي أصغر بكثير.
وتجدر الإشارة إلى أن أكثر الفئات التي غض المؤتمر الطرف عنها قد تكون الأجيال القادمة – تلك الأجيال التي ستتحمل تبعات ظاهرة الاحتباس الحراري الجامح. حيث تشير الدراسات إلى أن تغير المناخ، إذا تُرك دون مواجهة، قد يكلف الاقتصاد العالمي 178 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2070؛ وهو تقصير واضح في أداء الواجب، خاصة إذا نظرنا إلى حجم المكاسب المحتملة، والتي قد تصل إلى 43 تريليون دولار أمريكي، والتي تنتظرنا إذا ما استطاعنا بلوغ هدف صافي الانبعاثات الصفرية خلال العقود الخمسة المقبلة .[32]
والآن تقع مسؤولية تحقيق بعض هذه التحولات الهائلة على عاتق مؤتمر الأطراف القادم (COP29) المزمع انعقاده في أواخر عام 2024. وهنا يثار التساؤل – إلى أين يتجه ملف أزمة المناخ، ومن هم الذين يبذلون الجهد من أجل ضمان غدٍ أكثر أماناً؟
لما لم تنتهي المعركة بعد؟
ومع استمرار الخلاف حول مدى خطورة أزمة المناخ، قد نشهد خلال عام 2024 اتخاذ خطوات مهمة نحو رصد آثار الاحتباس الحراري وإقرارها.
ويضع إطار الشفافية المعزز [33] الذي تم التفاوض بشأنه خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ COP28 الأسس لأدوات جديدة للمراجعة وكتابة التقارير تم تطويرها من خلال اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC – الهيئة المكلفة بتنسيق التحرك العالمي لمواجهة هذا التهديد غير المسبوق). وبحلول يونيو 2024، سيتم إصدار النسخ النهائية لهذه الأدوات الموحدة والتي ستضع موضوعا كم عانينا من غموضه في دائرة الضوء.
ومن المنتظر أن يشهد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP29) – والمقرر انعقاده في نوفمبر القادم في أذربيجان – تركيز الحكومات على التدابير الجديدة الخاصة بتمويل جهود مكافحة تغير المناخ. كما ستقوم الحكومات بإصدار تحديثات خاصة بالمساهمات المحددة وطنيا والمتوافقة مع هدف الوصول بمعدل ارتفاع درجات الحرارة عالميا إلى 1.5 درجة مئوية.
ويتطلع الآن كل من غادر مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) وهو يشعر بالإحباط بسبب التصريحات التي تناولت التنوع البيولوجي إلى أكتوبر 2024، حيث ستنعقد الندوة المعنية بالتنوع البيولوجي تحت عنوان “مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي”، في كولومبيا، بأمريكا الجنوبية [34]. ومن المقرر أن يتناول الاجتماع الدور الحيوي الذي يستطيع التنوع البيولوجي أن يلعبه من أجل حماية الكوكب والإنسانية.
إن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP29) ، و كذا مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي ليسا المنتديين الوحيدين اللذان ينتظر أن يتصدرا العناوين الرئيسة في عام 2024. فمن المقرر أن يشهد شهر مارس انعقاد القمة العالمية للمحيطات والمعرض السنوي الحادي عشر [35] في لشبونة، بالبرتغال، و أن يتناول الحدث حلول المناخ التي تتعلق بالمحيطات وكيفية تأسيس اقتصاد مستدام يقوم على المحيطات. أما المؤتمر الدولي السنوي الرابع للدول الجزرية الصغيرة النامية [36]، والمقرر انعقاده في مايو 2024 في أنتيجوا وبربودا، فمن المنتظر أن يقدم لهذه الدول الضعيفة فرصة أخرى لتسليط الضوء على الغبن الذي يظهر في تحميلها فاتورة التغير المناخي والحاجة الملحة إلى وجود شراكات لضمان حماية الأراضي.
وسوف يكون شهر يونيو هو شهر نشطاء المناخ. فالمجلس الدولي للمبادرات البيئية المحلية (ICLEI) (الحكومات المحلية من أجل الاستدامة) [37] في ساو باولو، بالبرازيل، سيشهد تبادل الحكومات المحلية والإقليمية من جميع أنحاء العالم أفضل الممارسات في مجال التنمية الحضرية المستدامة.
وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، سيتم عقد المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لمنظمات البحوث الحرجية (IUFRO) في ستوكهولم، بالسويد [38] وسوف يعمل هذا الحدث – الذي يعقد كل خمس سنوات للاتحاد الدولي لمنظمات البحوث الحرجية – على حشد قادة المجتمع المدني والعلماء من أجل مناقشة القضايا المتعلقة بالنمو السكاني والعولمة والاستغلال التجاري للغابات.
وتعد هذه المؤتمرات، ومثيلاتها، أفضل الفرص المتاحة لدينا لتنسيق وحشد الجهود الجماعية من أجل مواجهة الخطر الذي يلوح في الأفق والمتمثل في أزمة تغير المناخ. وتجدر الإشارة إلى أن التأثير الأعمق لن يتحقق بدون الاستفادة من السمات الفريدة لكل من القطاعين العام والخاص.
وهذا هو المضمار الذي يمكن لكيانات مثل عبد اللطيف جميل، والتي تمتلك قوة رأس المال الخاص فضلاً عن الحماس للتحرك لمواجهة الأزمة، أن تسهم في ترجمة الحوارات التي تتناول التغير المناخي إلى تحركات حقيقية للتصدي للكارثة.
القطاع الخاص يقود الدعوة لمواجهة أزمة تغير المناخ
تدعم شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة (FRV) ،وهي الشركة التابعة لنا والرائدة في مجال الطاقة المتجددة، تدعم بشكل فعال دعوة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) لمضاعفة قدرة الطاقة المتجددة في العالم ثلاث مرات بحلول عام 2030. وتدير شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة مجموعة متنامية من مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتخزين الطاقة والطاقة الهجينة على مستوى العالم – في مناطق الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأوروبا وأستراليا.
كما تدير شركة فوتواتيو – إكس FRV-X ذراع الابتكار لشركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة، منشآت لتخزين طاقة البطاريات على نطاق المرافق (BESS) في المملكة المتحدة في كل من كونتيجو في غرب ساسكس؛ وهولزباي في دورست؛ وكلاي تاي في إسيكس. وقد شهد خريف 2022 حصول شركة فوتواتيو – إكس على مشروعين إضافيين لتخزين طاقة البطاريات على نطاق المرافق في المملكة المتحدة إلى جانب الاستحواذ على حصة الأغلبية في مخطط لمشروع تخزين طاقة البطاريات على نطاق المرافق في اليونان.أما في أستراليا، فإن شركة فوتواتيو – إكس تقوم بتشغيل محطة هجينة للطاقة الشمسية ومشروع لتخزين طاقة البطاريات على نطاق المرافق في دالبي في ولاية كوينزلاند شرقي أستراليا.
وتتمتع الطاقة الشمسية بالقدرة على توفير الطاقة لكل من المنازل والشركات حيثما تشرق الشمس، ولذا فإنها سوف تلعب دوراً رئيسياً في أي استراتيجية مستقبلية تسعى إلى بلوغ صافي الانبعاثات الصفرية. وقد ألقت شركة فوتواتيو – إكس بثقلها المالي خلف شركة إيكوليجو – وهي شركة ألمانية متخصصة في توفير الطاقة الشمسية كخدمة – باستثمارات بلغت قيمتها 10.6 مليون دولار أمريكي. تأسست شركة إيكوليجو في عام 2016، وهي تساعد الشركاء في القطاعين التجاري والصناعي في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا على تمويل مشروعات الطاقة الشمسية عبر منصة استثمار جماعي.
ومع تفاقم الأزمة البيئية، من المنتظر أن تواجه المزيد من المجتمعات نقصاً حاداً في المياه، وقد يترك مئات الملايين أوطانهم بنهاية العقد بسبب الجفاف [39]. ويعمل فريق شركة ألمار لحلول المياه، وهي جزء من شركة عبد اللطيف جميل للطاقة والخدمات البيئية، على توسيع نطاق الحصول على امدادات يمكن الاعتماد عليها من المياه النظيفة. ويقع ضمن مشروعاتها مشروع الاتصالات الذكية للبنية التحتية للمياه في أبو ظبي، وهو ما يساعد على تطوير شبكة ذكية للمياه فضلاً عن رقمنة البنية التحتية المحلية.
من ناحية أخرى، يؤثر تغير المناخ وأنماط الطقس غير المنتظمة سلباً على الأمن الغذائي. ويقوم معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (J-WAFS)، الذي شارك في تأسيسه مجتمع جميل في عام 2014، يقوم بتمويل الأبحاث التي تجرى في مجال التقنيات الزراعية المتطورة – ويشمل ذلك البذور المقاومة للجفاف، ومزارع المستقبل التي تعتمد على التكنولوجيا.
ويقول فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة شركة عبد اللطيف جميل: “لقد انعقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28 ) في العام الذي سجل أكثر درجات الحرارة ارتفاعاً على الإطلاق … إنه العام الذي لقي فيه الآلاف حتفهم بسبب الطقس القاسي وسجلت محيطاتنا درجات حرارة مرتفعة على نحو خطير“.
“بعبارات قاسية، وصفت ووفود مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28 ) أزمة المناخ التي تواجه الجنس البشري، واتخذت خطوات جريئة نحو تعافي كوكبنا المتضرر” .
“إن ما فعلناه بكوكبنا لم يحدث بين عشية وضحاها، و ما هو مطروح من حلول الآن يحتاج إلى الصبر والالتزام.
وبدون تضافر الجهود من جانب العديد من أصحاب المصلحة – من نشطاء وعلماء وحكومات ورواد بالقطاع الخاص، سيصعب توفير الأدوات التكنولوجية والقوة المالية والحماس اللازمين لمواجهة هذه الأزمة الوجودية”.
“ومع تجدد الأمل، يمكن للوفود أن يتطلعوا إلى الخروج من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ COP 29 والمزمع انعقاده في أذربيجان باستراتيجيات أكثر إقداماً، وربما مسلحين بإعلانات قاطعة يمكنها قلب الطاولة في هذا الصراع الذي بنتائجه سترتسم ملامح العصر.”
[1] https://wmo.int/news/media-centre/2023-shatters-climate-records-major-impacts
[2] https://unfccc.int/sites/default/files/resource/Summary_GCA_COP28.pdf
[3] https://www.iea.org/policies/17310-pace-uae-us-clean-energy-strategic-partnership
[4] https://www.mofa.gov.ae/en/mediahub/news/2022/11/23/23-11-2022-uae-cop28
[5] https://unfccc.int/news/cop28-agreement-signals-beginning-of-the-end-of-the-fossil-fuel-era
[6] https://www.theguardian.com/environment/2023/dec/14/failure-cop28-fossil-fuel-phase-out-devastating-say-scientists
[7] https://www.nature.com/articles/d41586-023-03955-x
[8] https://unfccc.int/news/cop28-agreement-signals-beginning-of-the-end-of-the-fossil-fuel-era
[9] https://www.cop28.com/en/global-renewables-and-energy-efficiency-pledge
[10] https://www.cop28.com/en/global-cooling-pledge-for-cop28
[11] https://www.energy.gov/articles/cop28-countries-launch-declaration-triple-nuclear-energy-capacity-2050-recognizing-key
[12] https://www.cop28.com/en/cop28-uae-declaration-on-hydrogen-and-derivatives
[13] https://www.cop28.com/en/news/2023/12/Oil-Gas-Decarbonization-Charter-launched-to–accelerate-climate-action
[14] https://www.bloomberg.org/press/cop28-presidency-united-nations-climate-change-and-bloomberg-philanthropies-launch-new-industrial-transition-accelerator-for-heavy-emitting-industries/
[15] https://www.irena.org/News/pressreleases/2023/Dec/Global-Power-Utilities-Declare-Joint-Action-Plan-to-Drive-Energy-Transition-at-COP28
[16] https://cement.ca/cement-and-concrete-breakthrough-initiative-launched-cop-28/
[18] https://www.cop28.com/en/climate_finance_framework
[19] https://climatechampions.unfccc.int/wp-content/uploads/2023/12/Joint-Declaration-on-Credit-Enhancement-of-Sustainability-Linked-Sovereign-Financing-for-Nature-Climate.pdf
[20] https://www.bloomberg.org/press/un-agencies-multilateral-development-banks-private-sector-finance-and-philanthropy-leaders-unite-to-scale-climate-finance-capacity-building/
[21] https://www.unepfi.org/climate-change/net-zero-export-credit-agencies/
[22] https://www.adb.org/news/adb-and-partners-launch-nature-financing-initiative-asia-and-pacific
[23] https://www.weforum.org/agenda/2023/12/cop28-loss-and-damage-fund-climate-change/
[24] https://www.cop28.com/en/cop28-declaration-on-climate-relief-recovery-and-peace
[25] https://www.cop28.com/en/cop28-uae-coalition-for-high-ambition-multilevel-partnerships-for-climate-action
[26] https://www.cop28.com/en/cop28-uae-youth-climate-champion
[27] https://www.cop28.com/en/cop28-gender-responsive-just-transitions-and-climate-action-partnership
[28] https://www.iucn.org/press-release/202312/podong-indigenous-peoples-initiative-co-designed-and-co-led-indigenous-peoples
[29] https://www.theguardian.com/environment/2023/dec/14/cop28-winners-and-losers-fossil-fuel-climate-crisis
[30] https://www.worldwildlife.org/industries/beef
[31] https://www.reuters.com/business/environment/alliance-small-island-states-sees-a-litany-loopholes-cop28-text-2023-12-13/
[32] https://www.deloitte.com/global/en/about/press-room/deloitte-research-reveals-inaction-on-climate-change-could-cost-the-world-economy-us-dollar-178-trillion-by-2070.html
[33] https://unfccc.int/process-and-meetings/transparency-and-reporting/preparing-for-the-ETF
[34] https://www.cbd.int/article/colombia-host-cop16
[35] https://icriforum.org/events/world-ocean-summit-2024/
[36] https://sdgs.un.org/conferences/sids2024
[37] https://iclei.org/news/iclei-world-congress-2024
[39] https://www.unicef.org/wash/water-scarcity