الانتصار على الملح… مستقبل تحلية المياه
تمثل تحلية المياه عنصرًا مهما في العديد من أنظمة المياه في العالم. على الرغم من ذلك، لا تزال الإمكانات الكاملة لتلك التقنية غير مستغلة حتى يومنا هذا. إنقسمت الأراء بشأن تحلية المياه، وعرقل نموها العديد من المعوقات التي تشمل ارتفاع التكلفة والمخاوف البيئية وعدم فعالية العمليات المتعلقة بها. لكن كل ذلك قد يشهد تغيرًا ملحوظًا في المستقبل القريب. فزيادة الاستثمارات التي يتم ضخها في هذا المجال والتقدم التكنولوجي الرائد سيجعلا تحلية المياه تثبت في نهاية المطاف أنها السلاح الأهم في المعركة التي يخوضها العالم ضد ندرة المياه.
بقلم فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة العمليات الدولية لشركة عبد اللطيف جميل
ندرة المياه … حقائق تْدمع العين
لا شك أن ندرة المياه تعتبر أزمة إنسانية واقتصادية وبيئية. وتذهب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إلى أن هذه المشكلة تعد أحد أكبر التحديات التي تواجهها فيما يتعلق بتحقيق التنمية المستدامة[1]. ووفقًا لأحد التقارير التي صدرت مؤخرًا عن اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية (WHO) ، لا يحصل شخص واحد من بين كل ثلاثة أشخاص في العالم على مياه آمنة صالحة الشرب[2].
وأوضح معهد الموارد العالمية أن سبع عشرة دولة -يقطنها نحو ربع سكان العالم تقريبا – تواجه مستويات “مرتفعة للغاية” من الإجهاد المائي الأساسي[3]. اثنتا عشرة دولة من هذه الدول تقع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث المناخ الجاف الذي يرافقه تزايد استخدام المياه في مجالات الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي[4] .
لاشك أن ندرة المياه مشكلة عالمية. والطلب الهائل على المياه، والذي يتزايد بوتيرة متسارعة، يزج بالولايات المتحدة والصين والهند إلى قلب منطقة الخطر. من ناحية أخرى، كانت كيب تاون على بعد 90 يومًا فقط من مواجهة مشكلة حقيقية تتعلق بندرة المياه في عام [5]2018. وحتى المناطق التي تتوافر لديها المياه بصورة نسبية تلعب هي الأخرى دورًا في تفاقم المشكلة.
و أحدى الدراسات التي أجريت ضمن مشروع IMPREX (نحو إدارة وتوقعات أفضل للإمكانيات المائية)[6] الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي، أوضحت أن 38% من الاستهلاك الفعال للمياه في الاتحاد الأوروبي يقع خارج حدوده ويتعلق بانتاج السلع والخدمات – وغالبًا من قبل المناطق التي تتأثر بشكل مباشر بمشكلة ندرة المياه[7].
وبينما تتراجع إمدادات المياه باطراد، يتزايد الطلب عليها باطراد أيضا. ففي القرن العشرين، تضاعف عدد سكان العالم أربع مرات – وارتفع معدل استخدام المياه ستة أضعاف.[8]
وبحلول عام 2050، قد يتراجع المعروض من المياه بنسبة تصل إلى 25 في المائة في العديد من أحواض المياه حول العالم[9]. ويعتقد خبراء البنك الدولي أن ندرة المياه قد تكلف بعض المناطق ما يصل إلى 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي وقد تؤدي إلى الهجرة الجماعية والصراعات خلال الثلاثين عامًا القادمة[10]. على الرغم من ذلك، يمكن مواجهة مثل هذه المخاطر من خلال تبني القرارات السياسية الرشيدة. وثمة بعض المناطق التي تتأهب لتعديل معدلات النمو بها بنسبة تصل إلى 6 في المائة من خلال إدارة الموارد المائي بشكل أفضل.
تؤثر مشكلة ندرة المياه على العديد من أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر المتعلقة بالتنمية المستدامة، ويشمل ذلك المياه النظيفة والصرف الصحي (الهدف 6)، والعمل المناخي (الهدف 13)، وطاقة نظيفة بتكلفة معقولة (الهدف 7)، والقضاء على الجوع (الهدف 2)[11]. ويثير تغير المناخ، على وجه الخصوص، مخاوف العلماء.
ووفقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) “سيشهد 7 في المائة من سكان العالم انخفاضًا بنسبة 20 بالمائة أو أكثر فما يتعلق بموارد المياه المتجددة مقابل كل درجة من الاحترار العالمي[12]“.
ولعل الحل بات جليًا الآن: إننا نحتاج إلى المزيد من المياه. ولحسن الحظ، أننا محاطون به.
المياه في كل مكان
ولكن ثمة مشكلة: فعلى الرغم من أن 71 في المائة من الكوكب مغطى بالمياه، 1 في المائة فقط منها يصلح للاستهلاك الآدمي. فـ 2 في المائة منها مياه متجمدة، والباقي يوجد في المحيطات والبحيرات والمياه الجوفية وما إلى ذلك (إلى جانب كميات هائلة من الصوديوم والمعادن الأخرى المختلفة والملوثات وجميع الكائنات البحرية).
إن تحويل المياه من مياه المحيط المالحة إلى مياه صالحة للاستخدام البشري، ناهيك عن الاستهلاك المباشر، ليس بالعمل اليسير كما قد يعتقد البعض. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى كمية الملح الكبيرة والشوائب الأخرى في مياه البحر.
وتحلية المياه هي عملية استخلاص الملح من مياه البحر لغرض الحصول على المياه العذبة، والتي يمكن تحويلها إلى مياه عالية النقاء تصلح للشرب أو مياه نقية تصلح للاستخدامات الصناعية والزراعية.
وتعتبر تحلية المياه الحرارية وتحلية المياه بالاعتماد على الأغشية أكثر طريقتين استخداما في هذا الصدد.
تعتمد التحلية الحرارية للمياه على الحرارة في تبخير المياه وفصلها عن الملح. أما عملية تحلية المياه بالاعتماد على الأغشية فتستخدم التناضح العكسي (RO)، حيث يتم تمرير المياه عبر أغشية شبه نافذة لإزالة الملح والشوائب الأخرى. وتقوم العديد من محطات تحلية المياه أيضًا بمعالجة المياه مسبقًا لتحسين الكفاءة.
هناك أكثر من 17,000 محطة تحلية في 174 دولة. وتقوم تلك المحطات بإنتاج 107 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يوميًا[13]. وثمة العديد من البلدان التي لا تستطيع العيش دون تحلية المياه. ويمثل الشرق الأوسط أقل بقليل من نصف السعة الإجمالية، بينما تعمل آسيا والصين والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية سريعا على زيادة قدرتها فيما يتعلق بتحلية المياه.
وتقوم المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي بتوسيع بنيتها التحتية الضخمة بالفعل فيما يخص تحلية المياه. وأنا، على المستوى الشخصي، أفخر بأن أقول إن شركة عبد اللطيف جميل بدأت تلعب دورًا متزايد الأهمية في هذا الصدد من خلال شركة ألمار لحلول المياه.
وألمار لحلول المياه هي شركة تابعة لشركة عبد اللطيف جميل للطاقة، وهي متخصصة في توفير القدرات التقنية لتطوير البنية التحتية للمياه، بما في ذلك التصميم والتمويل والتشغيل. وقد اثبتت نجاحًا هائلاً في تكاملها مع شقيقتها شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة، وهى شركة متخصصة في مجال الطاقة المتجددة وتتبع أيضًا شركة عبد اللطيف جميل للطاقة .
وفي يناير 2019، حصلت شركة ألمار لحلول المياه على عقد في المملكة العربية السعودية لتطوير مشروع محطة الشقيق 3 لإنتاج المياه المحلاة، والتي تعد إحدى أكبر محطات تحلية المياه التي تعتمد علي تقنية التناضح العكسي في العالم.
تقع المحطة بالقرب من مدينة الشقيق الواقعة على البحر الأحمر. ومن المنتظر أن يوفر المشروع، والذي يبلغ حجم استثماراته 600 مليون دولار أمريكي، التمويل اللازم لتطوير محطة تغطى مساحة 34 ملعب كرة قدم. وعند اكتماله في عام 2021، سيوفر المشروع 450 ألف متر مكعب من المياه النظيفة يوميًا على أساس نظام ابني، امتلك، وشغل الذي يمتد على مدار 25 عام مع الشركة السعودية لشراكات المياه SWPC. وسيحصل أكثر من 1.8 مليون شخص على المياه العذبة من هذا المشروع والذي سيوفر أيضا 700 فرصة عمل.
جاءت أخبار مشاركتنا في هذا المشروع بعد أقل من ثمانية أسابيع من منحنا عقدًا لتأسيس أول محطة كبرى لتحلية المياه في كينيا. وبمجرد تشغيلها، ستوفر المحطة 100,000 متر مكعب من مياه الشرب لأكثر من مليون شخص في مومباسا، الواقعة على الساحل الكيني، حيث تسببت أزمة المياه الحادة في انقطاع الإمدادات لعدة سنوات.
ليس كل ما يقال عن تحلية المياه صحيحًا
إن توافر الإمدادات من المياه المالحة يجعل من تحلية المياه مورداً رئيسًا من المحتمل أن يسهم في الحد من مشكلات المياه وتحقيق الأمن والازدهار لبعض أفقر دول العالم. ولكن لسوء الحظ، قد يكون الأمر مكلفًا ومستهلكًا للطاقة.
فمتوسط استهلاك محطة التحلية التي تعتمد على تقنية التناضح العكسي من الطاقة يصل إلى 13 كيلوواط / ساعة لكل ألف جالون يتم انتاجه[14]. ويعتبر الوقود الأحفوري اليوم المصدر الرئيس لمعظم الطاقة المستخدمة في ذلك. ومن المنتظر أن تصل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية الناتجة عن محطات تحلية المياه التي تعمل بالكربون إلى 218 مليون طن بحلول عام 2020[15]. وبالطبع لا يمكن اعتبار انبعاث المزيد من ثاني أكسيد الكربون لحل مشكلة سببها تغير المناخ حلاً مستدامًا، حيث أنه يحمل في طياته أسباب إخفاقه.
ومن المفارقات أن تحلية المياه غالبًا ما تكون باهظة الثمن وغير موفرة من ناحية التكلفة في المناطق التي تكون في أمس الحاجة إليها. وبالإضافة إلى تكاليف الطاقة الكبيرة التي يتم استهلاكها، تعتبر المياه ثقيلة ولذا فنقلها جد مكلف مقارنة بقيمتها. ويعني ذلك أن محطات تحلية المياه تقع عادة على الساحل وبالقرب من مناطق الاستهلاك، لتخدم الطلب على المياه من القطاع الصناعي أو التجاري أو المنزلي[16]، وتترك المناطق الداخلية الأكثر حرمانًا من المياه ” جافة” نسبيًا.
وأوضح معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة أننا في حاجة إلى ابتكارات تكنولوجية وآليات مالية مبتكرة من أجل نشر أنظمة لتحلية المياه بأسعار معقولة و طرق صديقة للبيئة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل وذلك لدعم استدامة مثل هذه الأنظمة[17].
مخاوف بيئية
وأثيرت مخاوف أيضًا بشأن المنتجات الثانوية الرئيسة التي تنتج عن عمليات تحلية المياه. ونعني بذلك “المحلول الملحي” أو المياه التي يرتفع فيها تركيز الملح والتي تنتج عن هذه العملية. يذهب بعض النقاد إلى أن المحلول الملحي يستنفد مستويات الأكسجين في مياه البحر ويمكن أن يلحق الأضرار بالحياة البحرية. لهذا السبب، نحتاج إلى نشر هذا المحلول على مساحات كبيرة للتقليل من تأثيره. ووفقا لأحد التقارير الذي صدر مؤخرًا عن جامعة الأمم المتحدة، تقوم محطات تحلية المياه بتفريغ 50٪ من المحلول الملحي أكثر مما كان يعتقد سابقًا، وهو ما يكفي لأن يدفع بولاية فلوريدا 30 سم تحت الماء كل عام.[18]
على الرغم من ذلك، ترى الجمعية الدولية لتحلية المياه (IDA) أنه لا داعي لمثل هذه المخاوف وتقول: “تشير الخبرة طويلة المدى في جميع أنحاء العالم إلى أن المخلفات التي تقوم محطات تحلية مياه البحر بتصريفها آمنة بيئيًا ولا تؤدي إلى إحداث أية تغييرات في البيئات النباتية أو الحيوانية المائية.[19]“
يتفق العديد من الخبراء على أن المحلول الملحي ليس سامًا. فهو ببساطة يحتوي على الأملاح نفسها التي كانت موجودة في البحر في الأصل، والتي أعيدت بعد ذلك إلى البحر بعد أن تم تمريرها عبر عملية الترشيح الغشائي. وفيما يتعلق بالحاجة إلى نشر المحلول الملحي على مساحة كبيرة لغرض تخفيفه والحد من تأثيره، يشير العلماء إلى حقيقة أن كل المياه الناتجة عن محطات تحلية المياه – المياه المحلاة وكذلك المحلول الملحي – تجد طريقها في النهاية إلى البحر كجزء من دورة المياه العادية، ولذا فإن مستوى التخفيف يتم الحفاظ عليه بشكل طبيعي. علاوة على ذلك، تسهم مياه الأمطار في المزيد من هذا التخفيف، وهو ما يضمن للمحيطات الحفاظ على المستوى الطبيعي لتركيز الملح.
التعطش للإبتكار
على الرغم من هذه التحديات، فإنني أؤمن بشدة أن هناك العديد من الأسباب التي تدفعنا كي نبقى إيجابيين. فالتطورات الحديثة التي شاهدناها فيما يتعلق بالتكنولوجيا والبحث والتطوير تشير إلى أن تحلية المياه على وشك تحقيق طفرة هائلة يمكن أن ينتج عنها تحولاً ملحوظًا في أنظمة المياه العالمية.
أدى الابتكار المستمر الذي شهدناه منذ سبعينيات القرن الماضي بالفعل إلى خفض استهلاك عمليات التناضح العكسي للطاقة بمعامل 10. ومن المتوقع انخفاض التكاليف بنسبة تصل إلى الثلثين خلال العقدين المقبلين[20]. وتعد الأبحاث المكثفة التي تجرى على المعالجة المسبقة، والتصفية باستخدام تقنية النانو، والأساليب الكهروكيميائية جد واعدة فيما يتعلق بجعل تحلية المياه أكثر كفاءة. والعديد من تلك الأبحاث تركز على تحسين كفاءة الأغشية المستخدمة في التناضح العكسي وعمليات تحلية الأغشية الأخرى.
وقد ثبت أن الأغشية التي تعتمد بنيتها على تقنية النانو تحقق مكاسب إنتاجية تبلغ نسبتها 20 بالمائة. إذ يمكن أن يؤدي استخدام الأنابيب النانونية الكربونية المعبأة بكثافة في أغشية التناضح العكسي إلى خفض تكاليف تحلية المياه إلى مستوى التقنيات التقليدية لمعالجة المياه في غضون عقد من الزمن[21].
وقد طور علماء في جامعة مانشستر مؤخرًا مصفاة من الجرافين تقوم بتحويل مياه البحر إلى مياه للشرب. ويحمل ذلك في طياته إمكانات هائلة إذا ما كان من الممكن زيادة حجمها[22]. وقال البروفيسور راهول ريفندران ناير، من جامعة مانشستر، في تعليق صدر في مجلة ” نتشير نانوتكنولوجي Nature Nanotechnology التي تتم مراجعتها من قبل النظراء من العلماء” إن الوصول إلى أغشية قابلة للتطوير لها حجم مسامى موحد يصل إلى حجم الذرة يعد خطوة مهمة إلى الأمام، وسيفتح أفاقًا وإمكانيات جديدة لتحسين كفاءة تقنيات عملية تحلية المياه[23].
وتستخدم شركة بريطانية أخرى أكسيد الجرافين لغرض تحسين فعالية فلاتر الأغشية الموجودة حاليا والتي تعتمد على البوليمر.[24]
لنتعلم من الطبيعة
إن الطبيعة تقدم لنا الكثير من الدروس في الكيمياء أيضًا.
تحاول بعض أكثر الأبحاث إثارة محاكاة حلول نقل المياه الذكية التي ابتكرتها عمليات التطور الطبيعية. حيث تعتبر أغشية المحاكاة الحيوية ذات هياكل الأكوابورين التي تم تصميمها محاكاة بالكائنات الحية الدقيقة في المراحل البحثية الأولى، ولكن يمكنها أن تحقق طفرة هائلة فيما يتعلق بعمليات تحلية المياه التي تستهلك طاقة أقل.[25]
وبالفعل، يتم استخدام التناضح الأمامي، وهى العملية التي تمتص من خلالها النباتات المياه من التربة، في معالجة مياه الصرف الصناعي. وقد تكون هذه العملية مجدية أيضًا فيما يتعلق بتحلية المياه. وعلى النقيض من عملية التناضح العكسي، والتي يتم استخدام الضغط فيها، فإن التناضح الأمامي هو عملية تعتمد على طاقة أقل. حيث تقوم “الأملاح القابلة للتحويل” بسحب المياه النقية من مياه البحر وترسيبها على الجانب الآخر من الغشاء. ويتم دفع الهواء الساخن عبر المادة المالحة المضافة ثم تحويله إلى غاز، يمكن تجميعه وإعادة استخدامه في حلقة عالية الكفاءة من حيث استخدام الطاقة.[26]
ويرجع الباحثون الفضل في ذلك إلى النباتات. حيث إن ندرة المياه تعني أن الزراعة أصبحت تعتمد بشكل متزايد على تحلية المياه. ومع ذلك، فإن التقنية الأساسية المستخدمة، وهي التناضح العكسي، تهدر الكثير من الماء وتزيل العناصر الغذائية المفيدة التي يجب إضافتها مرة أخرى من خلال الأسمدة. وتسعى الأبحاث الرائدة إلى تطوير حلول جديدة محتملة في هذا الصدد.
ويقول كيشور جوفيند نايار، طالب دكتوراه في معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS) بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.: “يزيل التحليل الكهربائي الانتقائي الذكي (أي إس إي دي ISED) من المياه الأيونات التي لا تريدها النباتات – وهي الأيونات أحادية التكافؤ (شحنة واحدة) مثل الصوديوم والكلوريد – ويحتفظ في الوقت نفسه بالعناصر الغذائية المفيدة مثل الكالسيوم والمغنيسيوم”. ويضيف كيشور: ” إننا نعتقد أن هذا الحل يمكن أن يوفر ما يصل إلى 25 بالمائة من استهلاك المياه و30 بالمائة من استخدام الأسمدة، وذلك مقارنة بعملية التناضح العكسي”.
ويعتبر تلوث الغشاء بالأملاح والمواد النشطة بيولوجيًا (الترسبات الحيوية) أحد المشكلات الرئيسة التي تحدث أثناء عملية التناضح العكسي.[27] وتعتبر المعالجة الكيميائية المسبقة للمياه الداخلة مرتفعة التكلفة وذات فعالية جزئية فقط. كما أنها تستغرق وقتا طويلاً. وثمة توجه متزايد نحو التحلية الصديقة للبيئة/ الخضراء، والتي تعمل على الحد من المواد الكيميائية المستخدمة في تحلية المياه من خلال استخدام عمليات تصميم وتشغيل متقدمة للمعالجة المسبقة. ويعمل البروفيسور Xuanhe Zhao، وهو باحث آخر في معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS)، وفريقه على تطوير تقنية لتنظيف الغشاء تعتمد على الاهتزاز مع إمكانية تحسين العمر التشغيلي للغشاء وكفاءته بالإضافة الي خفض تكاليف عملية التناضح العكسي.
ومن المنتظر أن تجعل كل هذه التقنيات، التي تهدف إلى تعزيز الكفاءة، من السهل زيادة الإنتاج.
هناك أيضًا مجموعة كبيرة من الابتكارات التي تركز على جعل عملية تحلية المياه نفسها “أنظف”.
إن الأنظمة التي يطلق عليها اسم انظمة ” التصريف الصفري للسائل” [28] تعمل على الحد من انتاج المحلول الملحي، وذلك من خلال، على سبيل المثال، معالجة مياه الصرف الصحي عن طريق إعادة التدوير ثم استعادتها وإعادة استخدامها في الأغراض الصناعية.
وعلى الرغم من أن هذه العملية تعتبر مرتفعة التكلفة في الوقت الحالي، إلا أنها تمهد الطريق لتحقيق فوائد اقتصادية جمة، وذلك من خلال استعادة الأملاح والمعادن الأخرى التي يحتمل أن تكون مفيدة مما يتم تصريفه.
ويوجد في البحار أكبر احتياطيات الليثيوم في العالم، فضلاً عن العديد من المعادن المفيدة الأخرى مثل الكالسيوم والصوديوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم. ويكمن الأمل في أن تتوافر في المستقبل تقنيات تعمل على فصل هذه المعادن وإنتاج المياه المحلاة الخاصة بالاستخدام الصناعي والمنزلي والزراعي كمنتج ثانوي، وهو ما يساعد على حل مشكلة ندرة المياه.
وقد دعا أحد التقارير التي صدرت مؤخرًا عن جامعة الأمم المتحدة إلى ضخ المزيد من الاستثمارات لتطوير طرق فعالة من حيث التكلفة لاستخراج مثل هذه المواد، والتي تعتبر جد حيوية للعديد من الصناعات[29].
من ناحية أخرى، حصل معهد الأبحاث وتقنيات التحلية التابع للمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة (SWCC) في المملكة العربية السعودية، والذي يعتبر أحد أكبر مستخدمي تقنية تحلية المياه، حصل مؤخرًا على براءة اختراع لجهاز تركيز محلول ملحي يقوم بضخ تدفقات مزدوجة من مياه البحر تحتوي على نسب مرتفعة من المعادن.[30] ويمكن أيضًا استخدام الكالسيوم المستخرج من المحلول الملحي في المعالجة اللاحقة للمياه المحلاة، وهو ما يقلل من الاعتماد على المركبات التي يتم توريدها تجارياً.[31]
المستقبل مشرق
لا شك أن هذه التقنيات الناشئة مشجعة. لكن مستقبل مياه الشرب يتطلب منا التحرك الآن.
ولكي نحقق لتكنولوجيا المياه الاستدامة والفعالية من حيث التكلفة، فإننا نحتاج إلى زيادة الاستثمار في أفضل الممارسات التي تعمل على تعزيز الكفاءة، والاهم من ذلك، الطاقة المستدامة.
حدد التحالف العالمي لتحلية المياه النظيفة هدفًا يتمثل في تشغيل 20٪ من محطات تحلية المياه الجديدة من خلال مصادر الطاقة المتجددة وذلك بين عامي 2020-[32]2025. ويجمع التحالف بين أصحاب المصلحة من صناعات الطاقة وتحلية المياه ومرافق المياه والحكومات ومؤسسات التمويل والأوساط الأكاديمية ومراكز البحث والتطوير ويهدف إلى “الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تصدر عن محطات تحلية المياه القائمة، وكذا توسيع نطاق استخدام تقنيات تحلية المياه النظيفة من خلال إجراءات تنسيقية”.[33]
وبدأت الحكومات ذات النظرة المستقبلية بالتحرك بالفعل. حيث قدمت المملكة العربية السعودية هدفًا من خلال رؤية 2030 يتمثل في توليد 9.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة حتى عام 2023. وفي غرب أستراليا، بات يتعين على جميع محطات تحلية المياه الجديدة استخدام الطاقة المتجددة. كما يتم تشغيل محطة تحلية مياه البحر في بيرث (SWRO)، وهي الأولى من نوعها في أستراليا، اعتمادًا على الكهرباء المولدة من مزرعة لطاقة الرياح.
التصميم من أجل كفاءة الطاقة
هناك ثلاث طرق رئيسة لزيادة كفاءة المحطات: مشاركة الموقع، والتوليد المشترك، والتكنولوجيا الهجينة.
مشاركة الموقع: تستخدم المحطات التي تشترك في الموقع نفسه الموجودة في الموقع نفسه المياه المبردة الناتجة من محطة طاقة قريبة كمياه للتغذية. ونظرًا لأن هذه المياه قد تم تسخينها بالفعل، فإن هذه العملية تستهلك طاقة أقل. ثم يضاف الماء الذي يخرج كمنتج ثانوي إلى مياه التبريد التي تتدفق الي محطة الطاقة، فيؤدى ذلك إلى تخفيفها قبل أن تعود إلى المحيط. فعلى سبيل المثال، تستخدم منشأة تامبا باي لتحلية مياه البحر بالتناضح العكسي في فلوريدا ما يصل إلى 444 مليون جالون من مياه البحر الدافئة الناتجة اعتمادا على نظام التبريد في محطة توليد الكهرباء في بيج بيند التابعة لشركة تامبا إلكتريك (TECO).[34]
التوليد المشترك: تستخدم محطات التوليد المشترك البخار المنبعث من محطة توليد الطاقة كمصدر إضافي للطاقة وذلك لغرض تقليل استهلاك للوقود الأحفوري.
المحطات الهجينة: تجمع المحطات الهجينة بين طرق معالجة مختلفة لتحسين أداء المحطة. وتشمل هذه الطرق، على سبيل المثال، التناضح العكسي. وتستخدم هذه الطرق للمياه قليلة الملوحة والتبادل الأيوني[35] للمياه التي ترتفع بها المحتويات العضوية. وخير مثال على ذلك محطة تحلية مياه كيب هاتيراس الواقعة في ولاية كارولينا الشمالية.[36]
ويعتبر إطلاق العنان لإمكانيات الطاقة الشمسية أمرًا مهمًا بشكل خاص لأن الكثير من البلدان التي تعاني من النقص الشديد في المياه تتمتع بالقدر الأكبر من أشعة الشمس.يعد التصميم الفعال أمرًا ضروريًا، ولكن الفرصة الحقيقية تكمن في الاستعاضة عن الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة المتجددة. فطاقة المياه والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة النووية تقنيات معروفة يمكنها توفير كميات كبيرة من الطاقة التي تتطلبها تحلية المياه بشكل ثابت ومستمر. وحتى وقت قريب، كان يُنظر إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على أنها مكلفة للغاية لاستخدامها لتشغيل محطات تحلية المياه، لكن هذه الفكرة تتغير الآن – وبوتيرة متسارعة.
ولحسن الحظ، فإن التقدم التكنولوجي يجعل مستقبل الطاقة الشمسية حقيقة واقعة.
وثمة نظام تحلية سلبي يعمل بالطاقة الشمسية تم تطويره من قبل مجموعة من الباحثين في معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء وفي الصين يمكنه أن ينتج أكثر من 1.5 جالون من مياه الشرب العذبة في الساعة اعتمادًا على متر مربع واحد من مساحة الألواح الشمسية. ويستخدم النظام عالي الكفاءة الحرارة المنبعثة من كل مرحلة لتشغيل المرحلة التالية. ووفقًا لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، “يمكن لمثل هذه الأنظمة أن تخدم المناطق الساحلية الجافة الغير متصلة بالشبكة لتوفير مصدر مياه ذي كفاءة ومنخفض التكلفة “.[37]
وتمضي عمليات التطوير في مجال الطاقة المتجددة قدمًا بدعم المنظمات التي تمد يد العون للمجتمعات التي لا تستطيع تحمل تكلفة مثل هذه التقنيات. حيث توفر مؤسسة جيف باور غير الهادفة للربح أنظمة تحلية مياه تعمل بالبطاريات والطاقة الشمسية للمجتمعات الفقيرة حول العالم.[38] وتقع واحدة من تلك المحطات الخاصة بتحلية المياه في كينيا وتوفر قرابة ال 19,800 جالون من المياه الصالحة للشرب يوميًا لعامين وهو ما يكفى لسد احتياجات نحو 25,000 شخص.[39]
وتنطوي الطاقة المتجددة على ميزات خاصة بالنسبة للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. فتحويل عمليات تحلية المياه إلى الطاقة الشمسية توفر طاقة خالية من الكربون كما تتيح الفرصة لتصدير النفط، وهو ما يؤدى بدوره إلى تعزيز الاقتصاد. كما أن ذلك يعني أنه على خلاف محطات الطاقة، يمكن أن تكون محطات تحلية المياه بالقرب من المدن وهو ما يحد بدوره من تكلفة التوزيع وخطر الهدر.
المياه للجميع
لا شك أنا تحلية المياه أمرًا حيويًا. ومن المنتظر أن تزداد أهميتها مع استمرار تزايد الطلب على إمدادات المياه. فالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي – وبقاء الملايين على قيد الحياة – يعتمد عليها.
وعلى الرغم من أن مواجهة مشكلة ندرة المياه ستتطلب تنسيق الجهود من أجل الحد من الاستهلاك وتطوير أنظمة أكثر فعالية لعملية إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، ستظل تحلية المياه تعتبر جزءًا أساسيًا من مجموعة الأدوات التي نستخدمها لضمان مستقبل كوكبنا.
إن أزمة المياه هي مسؤولية الجميع، ونحن لدينا جميع الأسباب التي تجعلنا نؤمن بأننا قادرون معًا على إيجاد حل لهذا التحدي الصعب.
تأتي أجندات العمل مدفوعة بالمسؤوليات السياسية والشخصية على حد سواء. ومن المرتقب أن توفر الاستثمارات والابتكارات التي نشهدها في مجالات الطاقة المتجددة عمليات تحلية للمياه يمكن أن يعتمد عليها من هم في أمس الحاجة إليها، من ناحية، وتضع من ناحية أخرى حدا للاعتماد على الوقود الحفري وتخفف من تأثير تغير المناخ. وتبشر التقنيات الناشئة بطفرات هائلة في الإنتاجية والفعالية وإدارة النفايات – وهو ما يسهم في تأمين مستقبل مستدام للجميع.
1 http://www.fao.org/about/en/
2 https://www.who.int/news-room/detail/18-06-2019-1-in-3-people-globally-do-not-have-access-to-safe-drinking-water-unicef-who
3 https://www.wri.org/news/2019/07/release-updated-global-water-risk-atlas-reveals-top-water-stressed-countries-and-states
4 https://www.wri.org/blog/2019/08/17-countries-home-one-quarter-world-population-face-extremely-high-water-stress
5 https://www.weforum.org/agenda/2019/08/cape-town-was-90-days-away-from-running-out-of-water-heres-how-it-averted-the-crisis/
7 Dependencies of Europe’s economy on other parts of the world in terms of water resources
8 https://www.mckinsey.com/business-functions/sustainability/our-insights/water-a-human-and-business-priority
9 https://www.mckinsey.com/business-functions/sustainability/our-insights/climate-risk-and-response-physical-hazards-and-socioeconomic-impacts
10 https://www.worldbank.org/en/topic/water/publication/high-and-dry-climate-change-water-and-the-economy
11 https://www.un.org/sustainabledevelopment/sustainable-development-goals/
12 http://www.fao.org/zhc/detail-events/en/c/880881/
13 https://idadesal.org/wp-content/uploads/2019/04/World-Bank-Report-2019.pdf
14 https://www.nationalgeographic.com/environment/2019/01/desalination-plants-produce-twice-as-much-waste-brine-as-thought/
15 Energy Efficient Desalination, International Water Summit, 15-18 January 2018
16 https://idadesal.org/wp-content/uploads/2019/04/World-Bank-Report-2019.pdf
17 https://www.unenvironment.org/news-and-stories/story/towards-sustainable-desalination
18 https://unu.edu/media-relations/releases/un-warns-of-rising-levels-of-toxic-brine.html
19 https://idadesal.org/wp-content/uploads/2019/10/EEC-White-Paper-10-13.pdf
20 https://idadesal.org/wp-content/uploads/2019/04/World-Bank-Report-2019.pdf
21 https://idadesal.org/wp-content/uploads/2019/04/World-Bank-Report-2019.pdf
22 https://www.manchester.ac.uk/discover/news/graphene-sieve-turns-seawater-into-drinking-water/
23 https://www.nature.com/articles/nmat5025
24 https://www.theguardian.com/world/2019/apr/10/desalination-world-clean-water-crisis
[25] https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6161077/
[26] https://www.herox.com/blog/162-the-challenge-of-desalination
[27] Treating A Moving Target: Harmful Algal Blooms
28 https://www.sciencedirect.com/topics/engineering/zero-liquid-discharge
29 https://unu.edu/media-relations/releases/un-warns-of-rising-levels-of-toxic-brine.html
[30] https://saudigazette.com.sa/article/571985
[31] https://idadesal.org/wp-content/uploads/2019/10/EEC-White-Paper-10-13.pdf
[33] http://climateinitiativesplatform.org/index.php/Global_Clean_Water_Desalination_Alliance_(GCWDA)
[34] https://www.waterworld.com/home/article/14071194/desalination-opportunities-and-challenges
[35] #:~:text=Ion%20exchange%20is%20the%20most,combined%20with%20selective%20ion%20exchange.
[36] https://www.waterworld.com/home/article/14071194/desalination-opportunities-and-challenges
[37] http://news.mit.edu/2020/passive-solar-powered-water-desalination-0207
[38] https://bigthink.com/technology-innovation/solar-power-desalination
[39] https://bigthink.com/technology-innovation/solar-power-desalination