نُدرة المياه: إيجاد فرصة عالمية من تحدٍ إقليمي
هيمنت مسألة دراسة الأثر الاقتصادي للسوائل التي تخرج من باطن الأرض على اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي خلال معظم عام 2016؛ حيث ظل النفط الركيزة الأساسية التي تقوم عليها اقتصادات دول المجلس على مدار عقود طويلة، وأثمرت الإيرادات التي جنتها دول المجلس منه في ظهور مدن حديثة مذهلة، كما دفعت تلك الإيرادات قاطرة الاستثمار والتحديث، ودعمت مسيرة التنمية في المنطقة، ومع ذلك، إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي عازمةٌ على مواصلة وتيرة النمو والتقدم، فإن ثمة أمر آخر ينبغي أن يشغل تفكير تلك الدول – الأمر الأهم بكثير لمستقبل المنطقة، ألا وهو: الماء.. شريان الحياة.
تحقيق التوازن بين الطلب والتوزيع
الماءُ أصل الحياة، إلا أن مسألة ضمان توفيره بمعدلات مستقرة ومتجددة لا تزال تمثل تحدياً كبيراً. وعلى الرغم من وجود فائض من المياه العذبة على الأرض يكفي لسبعة مليارات شخص، إلا أن عدد المناطق التي تُعاني من نقص مُزمن في المياه آخذ في الازدياد طوال الوقت، ويرجع ذلك -إلى حد كبير- إلى غياب العدالة في توزيع المياه. وتتفاقم المشكلة في ظل وجود أنماط الاستهلاك غير الرشيدة، إلى جانب الكميات الهائلة من المياه المُهدرة أو الملوثة أو التي لا تُدار على نحو يسمح بتوافرها باستمرار. وفي الواقع، فقد ارتفع معدل استخدام المياه على مدار القرن الماضي بما يفوق ضعف معدل الزيادة السكانية.
ويزداد الأمر سوءاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي المنطقة الأكثر جفافاً في العالم؛ حيث يعاني أكثر من نصف سكان المنطقة من “الإجهاد المائي”، ويفوق الطلب على الماء مستويات الإمدادات المتاحة منه[1]. ومع أن ذلك ربما لا يثير الدهشة في منطقة تضم 12 بلداً من قائمة البلدان الأشد معاناة من نُدرة المياه في العالم، فإن مستوى الفارق بين العرض والطلب يدق ناقوس الخطر
ووفقاً لإحصاءات البنك الدولي، تضم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 6 في المئة من سكان العالم، إلا أن بها أقل من 2 في المئة من موارد المياه المتجددة في العالم[2]. فإنه ليس من غير المألوف لبلدان المنطقة توليد المياه المتجددة للفرد الواحد أقل من 1000 متر3 في السنة[3].
قد كشف بحثٌ نشرته (وكالة ناسا) و(جامعة كاليفورنيا في إيرفين) عام 2013 عن مدى نضوب احتياطيات المياه العذبة بالشرق الأوسط على نحو مفاجئ بين عاميّ 2003 و 2009[4]. فخلال فترة السنوات السبع تلك، تقلص حجم احتياطي المياه العذبة في المنطقة بما يقدر بـ 143,6 كيلومترات مكعبة – ويأتي ذلك بين كبرى خسائر المياه العذبة على هذا الكوكب خلال هذه الفترة، كما يعادل تقريباً مياه البحر الميت بأكمله. وفي الإمارات العربية المتحدة وحدها، انخفض منسوب المياه الجوفية بحوالي 1 متر في العام على مدار الثلاثين عاماً الماضية، ومن المتوقع أن تنضب موارد المياه العذبة الطبيعية في دولة الإمارات خلال ما يقرب من 50 عاماً[5].
الاستهلاك خارج نطاق السيطرة
يشكل التدهور المتسارع لاحتياطيات المياه تحدياً خطيراً لا يُستهان به، حتى وإن تم احتواء الطلب على الماء العذب. ومع هذا، فإننا نلحظ أن معدلات استهلاك المياه في منطقة الشرق الأوسط من أعلى المعدلات في العالم. فعلى سبيل المثال، تستخدم البحرين 220 في المئة من احتياطيات المياه المتجددة المتاحة كل عام، غير أن هذا الرقم يرتفع إلى 2465 في المئة من احتياطيات المياه المتجددة في الكويت[1]. أما في المملكة العربية السعودية، يُقدر الرقم بـ 943 في المئة، حسب البحث الصادر عن جامعة الملك سعود، الذي يُقدر متوسط الاستهلاك اليومي للفرد في المملكة العربية السعودية بـ 265 لتراً[6].
جديرٌ بالذكر أن قطاع الزراعة يحصل على نصيب الأسد من استهلاك المياه؛ حيث يستحوذ هذا القطاع وحده عادةً على 80 في المئة من احتياجات المياه سنوياً في المنطقة[7]، كما أن ثمة عوامل أخرى تلعب دورها. تتفاقم الأزمة بسبب التوسع في استخدام المياه لأغراض الصناعة، في حين لا يتوقف معدل استهلاك المياه عن الارتفاع لتلبية احتياجات الحياة المدنية الحديثة وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين وممارسة الأنشطة الحياتية المعتادة، حيث يستهلك أداء المهام اليومية، مثل العناية بالحدائق وغسيل السيارات، قدراً لا بأس به من موارد المياه.
ولا تبشر التكهنات حول مستقبل المياه عموماً بالخير، بل إن المشكلة تزداد سوءاً بمرور الوقت. فمع الضغط المتواصل على إمدادات المياه نظراً لزيادة النمو السكاني، وضراوة الآثار المترتبة على تغيّر المناخ العالمي، سينخفض نصيب الفرد من المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى النصف بحلول عام 2050[8].
لتأثير التجاري لنُدرة المياه
لا يقتصر تأثير نُدرة المياه على الجانب المجتمعيّ فحسب، بل لها تأثير كبير كذلك على الأنشطة التجارية، وقد يزداد هذا التأثير التجاري وتشتد ضراوته ما لم نفعل شيئاً لحل المشكلة.
فوفقاً لتقارير البنك الدولي، فإن نُدرة المياه قد تكبد بعض المناطق 6 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على مدار الأعوام الثلاثين المقبلة[9]، كما تُعد نُدرة المياه أحد الأسباب الأساسية الدافعة للهجرة، وارتفاع أسعار الغذاء، واحتمال نشوب الصراعات.
تردد أصداء لهذه المخاوف بين أروقة الأمم المتحدة. ففي تقريرها لتنمية الموارد المائية في العالم لعام 2016[10]، أعربت هيئة الأمم المتحدة عن تخوفها من أن محدودية توافر المياه “ستؤثر سلباً على الأمن المائي والغذائي، فضلاً عن أمن الطاقة، في المنطقة، وقد يمتد ذلك التأثير ليصل إلى الأمن الجغرافيّ السياسيّ كذلك”. كما تشير الأمم المتحدة إلى التهديدات الواقعة على النشاط الاقتصادي وسوق العمل، فضلاً عن تأكيدها أن “الحق في مياه الشرب والصرف الصحي هو حق إنساني معترف به دولياً… وأنه جزءٌ لا يتجزأ من حقوق الإنسان الأخرى”.
تحدٍّ ضخم يُمهد السبيل لفرصة أعظم
تحتاج عمليات إنتاج كميات مياه تكفي لتلبية احتياجات النمو السكاني المتزايد بالشرق الأوسط إلى استثمارات ضخمة في المرافق والبنية التحتية الخاصة بإنتاج المياه، فضلاً عن احتياجات الطاقة لهذه العمليات.
وقد لجأت العديد من الأسواق الإقليمية إلى تحلية المياه منذ أكثر من 50 عاماً. ويستحوذ الشرق الأوسط على ما يقرب من 70 في المئة من القدرة الإجمالية لتحلية المياه في العالم في الوقت الحالي، وهذه النسبة آخذة في الازدياد طوال الوقت. فعلى سبيل المثال، خصصت المملكة العربية السعودية استثمارات قدرها 24,3 مليار دولار أمريكي حتى عام 2020 من أجل النهوض بقدراتها في مجال تحلية المياه.
ومع ذلك، فإن النهج المتبع حالياً في تحلية المياه من أجل الحصول على المياه العذبة لا يتسم بالاستدامة على الإطلاق؛ حيث يتطلب استخدام طاقة كثيفة ويعتمد على وفرة النفط، كما أن تكلفته البيئية باهظة، إذ ينبعث من محطات تحلية المياه في جميع أنحاء العالم حوالي 76 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام، أي ما يُعادل الكمية المنبعثة من دولة مثل رومانيا، وما لم يطرأ على ذلك النهج تغيير جذري، فمن المتوقع أن يصل حجم الانبعاثات إلى ثلاثة أضعافه بحلول عام 2040.
لذا نجد أننا بحاجة ماسّة لاتّباع نهج أكثر استدامة لإنتاج المياه النقية. ولا يشكل هذا تحدياً كبيراً فحسب – بل إنه يحمل بين طيّاته فرصة رائعة وواعدة كذلك. تشير الأبحاث الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)[11] إلى أن 1 في المئة فقط من المياه المُحلاة في العالم حالياً تعتمد على الطاقة المستخلصة من مصادر متجددة – وهو ما يوجه الأنظار إلى الفرص التجارية الضخمة التي تنتظر دول مجلس التعاون الخليجي لتتزعم العالم في مجال هذه التقنية المبتكرة.
المياه المتجددة: هل يمكن الحصول عليها بتكلفة معقولة؟
وفقاً للجمعية الدولية لتحلية المياه، فإن الطلب على تحلية المياه يشهد إقبالاً متزايداً بنسبة 8 في المئة سنوياً[12]. تجدُر الإشارة إلى أن تكلفة عملية تحلية المياه “التقليدية” ذات تكلفة معقولة ومناسبة للمناطق والبلدان ذات الدخل المتوسط. ومع ذلك، فإن الاستخدام الحالي لأنواع الوقود الأحفوري من أجل توفير الطاقة المطلوبة لمحطات تحلية المياه التقليدية ما هو في واقع الأمر إلا استبدال لمشكلة بيئية بغيرها؛ أي حل مشكلة بيئية وخلق مشكلة أخرى بدلاً منها.
وبدلاً من ذلك، يجب التركيز على تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة، وقد قطعت بعض الأسواق العالمية التي تتلهف لخلق مستقبل أفضل شوطاً رائعاً على هذا الطريق. فعلى سبيل المثال، فرضت السلطات الحكومية في غرب أستراليا على جميع محطات تحلية المياه الجديدة استخدام الطاقة المتجددة[13] – ونتيجة لذلك، تعتمد محطة تحلية مياه البحر في بيرث (SWRO) على الكهرباء المُولّدة من محطة لتوليد الطاقة من الرياح شمال بيرث.
ومع استمرار انخفاض تكاليف تقنيات الطاقة المتجددة، فضلاً عن التطورات المتلاحقة في التقنيات المستخدمة سواء لتوليد الطاقة المتجددة أو تحلية المياه، ستصبح مسألة الحصول على مياه مُحلاة متجددة أسهل من أي وقت مضى.
كما تُسهم التقنيات الجديدة – التي تضم عمليات ما قبل المعالجة، وعمليات التنقية بتقنية النانو، والتحلية الكهروكيميائية للمياه– في جعل عملية تحلية المياه أكثر فاعلية وكفاءة. ومع ذلك، فلا تزال هذه العمليات والتقنيات في مراحلها الأولى ولا يزال أمامنا شوطاً طويلاً من التطوير حتى نصل للغاية المنشودة. وعلينا بذل الجهد اللازم لتطوير تلك التقنيات والعمليات، والنهوض بتقنيات الطاقة المتجددة الملائمة لتحلية المياه، مثل الطاقة الشمسية الحرارية، والطاقة الشمسية الكهروضوئية (PV)، وطاقة الرياح، والطاقة الحرارية المستمدة من الأرض. وإذا نجحنا في تسخير تلك التقنيات والطاقات وحُسن استغلالها، فسنتمكن حينها من جني ثمار توفير المياه المتجددة، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل في جميع أنحاء العالم،
وقد أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة أهمية هذه الفرص التجارية وبادرت لاقتناصها. ففي العام الماضي خلال أسبوع أبوظبي للاستدامة، اضطلعت إحدى الوكالات التابعة لحكومة إمارة أبوظبي بدور فعّال في هذا الصدد؛ حيث أطلقت مبادرة لاستكشاف السبل الملائمة للحد من انبعاثات الكربون الناتجة عن عملية تحلية المياه، كما كان لها دور فاعل رئيسي في إطلاق التحالف العالمي لتحلية المياه النظيفة (GCWDA)،
وثمة مساعٍ حميدة ينبغي لنا جميعاً تشجيعها وتسليط الضوء عليها. فخلال خمس سنوات فقط، أصبحت شركة عبد اللطيف جميل للطاقة أكبر مطوّر للطاقة الشمسية في دول مجلس التعاون الخليجي وأحد أبرز مطوّري حلول الطاقة الشمسية على مستوى العالم. وقد نمت الشركة وضخّت استثمارات متعددة لتطوير حلول الطاقة المتجددة العالمية والمتنوعة، مع ترسيخ حضورها ونشاطها في أكثر من 15 بلداً.
ويمكن أن تساعد قصة النجاح هذه ومثيلاتها من قصص النجاح على إحداث نقلة نوعية قطاع المياه، علماً بأن شركة عبد اللطيف جميل للطاقة Abdul Latif Jameel Energy] تبذل قصارى جهدها في هذا القطاع من خلال تسخير إمكاناتها المتنوعة لتحقيق مزيد من الإنتاج المستدام للمياه من أجل تلبية احتياجات السكان
نهجٌ مشترك يقوم على تضافر الجهود
بينما يبدو الطريق نحو تحلية المياه من خلال الاعتماد على الطاقة المتجددة واضحاً وميسوراً، إلا أن ذلك التحوّل سيظل حلماً بعيد المنال ما لم يكن مصحوباً بعدة عوامل أخرى؛ فلا تزال هناك حاجة لمواصلة وضع أساليب جديدة ومبتكرة للتغلب على مشكلة نُدرة المياه في العالم، وذلك من خلال اضطلاع كل جهة بالدور المنوط بها، بما في ذلك الحكومات والأطراف الفاعلة في قطاع الماء والجهات العلمية والمجتمع.
ويجب أن تكون الكفاءة إحدى الدعائم الجوهرية في هذه الاستراتيجية. تجدُر الإشارة إلى أن الدعم الكبير لأسعار المياه في دول مجلس التعاون الخليجي قد تسبب في خلق حالة من عدم إدراك قيمة الماء وعدم الترشيد في استخدامه. وتتعالى حالياً الأصوات المطالبة برفع تعريفة المياه في أبوظبي، كما ركّبت «هيئة البيئة – أبو ظبي» صمامات لمنع تسرّب الماء في 55 ألف منزل و5 آلاف مبنى حكومي[14]. ويتعين على جميع البلدان التي تُعاني شبح «الإجهاد المائي» التفكير في دمج تدابير السياسة العامة والإجراءات العملية معاً حتى تتغلب على هذه المشكلة.
العصا السحرية للتنمية العلمية لا شك أن مسألة تعزيز الشراكات بين الجهات الفاعلة في قطاع الماء والمؤسسات الأكاديمية من خلال المبادرات -مثل مبادرة «معمل عبداللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي» (J-WAFS) Lab في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)- تُعد أمراً حاسماً للمساعدة على ترجمة البحوث الرائدة إلى حلول عملية للمجتمعات في شتى أنحاء العالم،
علماً بأن معمل عبداللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي قد استثمر أكثر من مليونيّ دولار أمريكي في عام 2016 وحده لتقديم حلول ناجحة في قطاع الماء، كما شهد شهر مايو/أيار من عام 2016 تقديم تمويل بمبلغ 1,3 مليون دولار أمريكي، تلته خمس منح أخرى قيمة كل منها 150 ألف دولار أمريكي في شهر أغسطس/آب من عام 2016. وحالياً يعكف معمل عبداللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي على تنفيذ 17 مشروعاً لإنجاز عدة أهداف من بينها عملية الفصل الكهروكيميائي للمياه الملوثة، واستخدام الخمائر الفطرية لتحويل النفايات إلى غذاء. ويحرص المعمل على إنفاق كل دولار من هذه الأموال للمساعدة في التصدي للمشكلات الرئيسة التي ستواجهها البشرية على مدار الخمسين عاماً المقبلة.
ويتعين على الحكومات كذلك الاضطلاع بواجبها لمواجهة المشكلات المشتركة والملحة التي تواجه الجنس البشري. ويحرز الشرق الأوسط بالفعل تقدماً رائعاً في هذا المضمار. استراتيجية التنمية الوطنية في رؤية 2030 الخاصة بالمملكة العربية السعودية واضحة المعالم فيما يتعلق بإدراك أهمية ندرة المياه، مما يضع على عاتق الدولة تشجيع “الاستخدام الأمثل لمواردنا المائية عن طريق الحدّ من الاستهلاك، والاستفادة من المياه المعالجة والمتجددة”. وتضيف: “… ستحتل مسألة استخدام المياه في الزراعة صدارة الأولويات في المناطق التي بها مصادر مياه طبيعية ومتجددة، كما سنواصل مدّ جسور التعاون مع المستهلكين، ومصنّعي المواد الغذائية، والموزعين لتقليل أي هدر في الموارد.”
وعلى الصعيد الإقليمي، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي لاستكشاف إمكانية إقامة شبكة مياه عابرة للحدود، وذلك لتفعيل نقل المياه من المناطق التي تتمتع بفائض نسبي إلى المناطق التي تعاني من نقص المياه، أما المدن المستدامة “الذكية”، التي تنصب عليها الاستراتيجيات الإنمائية في المنطقة، فستساعد المجتمعات المحلية على استيعاب أهمية المياه والتعرّف على الأسلوب الأمثل لاستهلاكها بأساليب غير مسبوقة،
سعيٌ عالمي لا يهدأ
على الرغم من وجود بوادر مشجعة في منطقة مجلس التعاون الخليجي، إلا أن نُدرة المياه مشكلة عالمية، وعلى الجميع في شتى أرجاء العالم العمل على قدم وساق لتحقيق التقدم التكنولوجي اللازم لحل تلك المشكلة. ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي استغلال الفرصة الذهبية السانحة ليس فقط بأن تسير في الرَكب، بل أن تقود مسيرة السعي العالمي لحل مشكلة نُدرة المياه وتتصدر المشهد.
والفرص التجارية سانحة الآن بكل تأكيد، كما يتضح من تنمية سنغافورة الناجحة لعملية “NEWater”؛ وهي عملية استصلاح مياه عالية الجودة وتمثل الآن جزءاً رئيساً من استراتيجية المياه المستدامة في سنغافورة[15]. فمنذ عام 2000، تمر المياه المستعملة المعالجة بعملية من ثلاث خطوات مبنية على تقنية الأغشية المتقدمة، ويكون الناتج مياه مستصلحة شديدة النقاء. وهي توفر حالياً 30 في المئة من احتياجات سنغافورة من المياه، ومن المتوقع أن تلبي 55 في المئة من احتياجات سنغافورة بحلول عام 2060.
أما محطة مياه الشرب “ألتو دا بوا فيستا” في ساو باولو في البرازيل، فقد أطلقت أول نظام تنقية فائقة لمياه الشرب في أمريكا الجنوبية في عام 2014. ويستخدم النظام أغشية التدفق الشديد من شركة “Koch Membrane Systems Inc” لمضاعفة قدرات المعالجة بالمحطة، وتمكينها من التعامل مع المستويات العالية للطحالب في المياه الآتية من الخزان المحلي وأجهزة التنقية خلال موسم الجفاف[16].
وتستثمر شركة Sisyan LLC في باخا كاليفورنيا سور في المكسيك في محطات التناضح العكسي الكهروضوئية التي توفر تحلية مياه متجددة[17]. وفي ملبورن في أستراليا، يوفر نظام استخلاص المياه من الصرف الصحي من Arup 600 متر3 في اليوم من المياه المعاد تدويرها لثلاثة مناطق رياضية – “الاستفادة من المياه بدلاً من أن تظل في الصرف الصحي بغير فائدة”[18].
حان وقت العمل
ستخسر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا الكثير والكثير إن تخلفت عن المشاركة في مثل هذه المبادرات التي تهدف لمكافحة نُدرة المياه، ونحن نتمتع في المنطقة بالمهارات والخبرات اللازمة لنصبح روّاد العالم في هذا المجال المثير وللاستفادة من الفرص التجارية الضخمة المتاحة أمامنا. وتأكيداً على التزامنا بأن تصبح شركتنا جهة رائدة عالمياً في قطاع حلول المياه، أعلنت شركة عبد اللطيف جميل للطاقة توسيع قدراتها من خلال تأسيس شركة «المار لحلول المياه» في مؤتمر القمة العالمية لطاقة المستقبل عام 2017 المنعقد في أبوظبي في شهر يناير/كانون الثاني. جديرٌ بالذكر أن شركة المار لحلول المياه تقدم خبرات متخصصة في تطوير البنية التحتية للمياه، وهي تسعى لتلبية احتياجات الأمن المائي في منطقتنا في ظل النمو السكاني العالمي المتزايد من خلال تنفيذ برنامج مستدام لتحلية المياه، ومعالجة المياه والمياه المُهدرة، إلى جانب مبادرات إعادة التدوير وإعادة الاستعمال، كما أننا ندرس فرص المشاركة في تطوير مواقع توليد الطاقة المتجددة، والتحلية بالتناضح العكسي معاً، وذلك لتقليل الطاقة المستخدمة في الإنتاج، وانبعاثات الكربون الناتجة من عملية تحلية المياه. ومع التركيز في البداية على مشروعات المياه في أمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط، وأفريقيا، أثبت الفريق أن لديه الخبرة في العديد من الأسواق الدولية. وقد حازت المار لحلول المياه مكانة متميزة تؤهلها لتنفيذ مشروعات البنية التحتية الرئيسة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا، كما أصبحت في الآونة الأخيرة تتمتع بالكفاءة التامة لاقتناص الفرص الضخمة، نذكر منها على سبيل المثال المشروعات المتاحة بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، والهيئة الاتحادية للكهرباء والماء بالإمارات العربية المتحدة.
ومن المتوقع أن تتزايد قدرات تحلية المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين عاميّ 2007 و 2030 من 21 مليون متر3 يومياً إلى ما يقرب من 110 مليون متر3 يومياً. وفي المقابل، سيزداد الطلب على الكهرباء لتحلية المياه بمقدار ثلاث مرات ليصل إلى 122 تيرا واط/ساعة بحلول عام 2030[19]. لذا، فإن الإمكانات المتاحة أمام من يستطيعون ريادة جهود تحلية المياه المتجددة واضحة وضوح الشمس وسانحة أمامهم.
ومع ذلك، فإن التقدم السريع في هذا القطاع أمرٌ حتمي لا مناص منه. وعن طريق التصدي لمشكلة نُدرة المياه، وتشجيع الاستثمار والابتكار والشراكات في المجتمع، يمكن أن تضع دول مجلس التعاون الخليجي نفسها في طليعة هذا المجال الابتكاري ذي الوتيرة المتسارعة، كما سيحظى هذا المجال بأهمية بالغة متزايدة على صعيد التنمية العالمية على مدار السنوات المقبلة.