إذا كنت تتجول حول العالم بحثاً عن المناطق التي تقود مسيرة التحوّل العالمي للطاقة، فقد لا تقع عيناك على بلدان منطقة الشمال الأوروبي.

فهذه المجموعة الهادئة من الدول الصغيرة في شمال غرب أوروبا – والتي تضم الدنمارك، والنرويج، والسويد، وفنلندا، وأيسلندا – لا تشتهر لدينا عموماً بأنها دول رائدة عالمياً، ربما بسبب تواضع إسهاماتها الثقافية في العالم.

كما أن الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول يبدو أقل بكثير عن الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا والصين والاتحاد الأوروبي (مجتمعة)، ونادراً ما تثير هذه الدول المحبة للسلام، المتاعب على مسرح السياسة العالمي. والحقيقة أن قلة ظهورها في المشهد العالمي إنما يحجب عنا إرثاً من الابتكارات المتطورة، خاصة في مجال الطاقة المتجددة الذي تنشط فيه منذ فترة طويلة، وتضطلع فيه بدور كبير نحو التحوّل العالمي إلى الطاقة الخضراء.

تُظهر أحدث البيانات أن دول الشمال الأوروبي الخمس تُعد من بين أفضل 10 دول على مستوى العالم في توليد الطاقة المتجددة كنسبة مئوية من إجمالي إنتاج الطاقة:

  • أيسلندا (المركز الأول – 87%)
  • النرويج (المركز الثاني – 56%)
  • السويد (المركز الثالث – 92%)
  • الدنمارك (المركز السادس – 25% )
  • فنلندا (المركز التاسع – 61%) [1]

وعلى الرغم من وجود أنماط أساسية توحد ملامح الطاقة في هذه الدول الواقعة في الشمال الأوروبي، إلا أن البيانات تكشف عن فروق دقيقة بنفس القدر. فما الذي إذن يجعل هذه الدول في صدارة البلدان التي تسير بخطى حثيثة نحو الصفر الصافي – وهل تأتي معظم الطاقة فيها من مصادر متجددة كما يبدو للوهلة الأولى؟

مصادر الطاقة المتجددة تدعم مصفوفة متنوعة من احتياجات الطاقة

النرويج:  باعتبارها أكبر منتج للطاقة الكهرومائية في أوروبا، تتمتع النرويج بقدرة إنتاجية مركبة تبلغ33  جيجاواط. ومع سهولة الوصول إلى الطاقة الكهرومائية الرخيصة والنظيفة، تمكنت النرويج من أن تصبح رائدة عالمياً في مجال السيارات الكهربائية. ولنا أن نعرف أن السيارات الكهربائية استحوذت على حوالي 82.4%  من مبيعات السيارات الجديدة في النرويج في عام 2023 [2]، رغم أن حصة السيارات الكهربائية العالمية من السيارات الجديدة لا تشكل سوى 15.8% فقط .[3] وفي حين أن معظم الكهرباء المنتجة في البلاد تأتي من الطاقة الكهرومائية، إلا أن النرويج تُعد في الوقت نفسه واحدة من أكبر مستخرجي النفط والغاز الطبيعي في العالم. فبفضل موقعها على الجرف القاري، تستحوذ النرويج على حوالي2%  من إنتاج النفط الخام و3% من إنتاج الغاز الطبيعي على مستوى العالم. وبالطبع يشكل الدخل المتأتي من هذه الأنشطة حافزاً مغرياً –  فالنفط والغاز مسؤولان معاً عن حوالي خُمس الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بحسب البيانات الصادرة في عام 2021 [4].

السويد:  مع قلة موارد الطاقة الأحفورية، تعتمد السويد إلى حد كبير على النفط والغاز الطبيعي المستورد للوفاء بالاحتياجات الاستهلاكية من الطاقة. ومع ذلك، فإن ثلاثة أرباع إنتاج السويد المحلي من الكهرباء يأتي من الطاقة الكهرومائية والطاقة النووية. وبفضل مساحتها الشاسعة والمفتوحة وكثافتها السكانية المنخفضة، تُعد مزارع الرياح أيضاً مساهماً كبيراً بنسبة 16% في قطاع الطاقة.  وكثيراً ما تجعل وفرة الكهرباء بأسعار معقولة من السويد أكبر مُصَدِر للطاقة في أوروبا.  فقد باعت البلاد 17 تيراواط ساعة من الكهرباء في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2022وحده، وكان أكبر عملائها هم فنلندا والدنمارك والاتحاد الأوروبي. [5]

الدنمارك: ولأن الدنمارك محاطة بالبحر من معظم جوانبها، فليس من المستغرب أن تعتمد البلاد بشكل كبير على طاقة الرياح البحرية. وقد حققت الدنمارك بالفعل العديد من الإنجازات المشهود لها في مجال طاقة الرياح، ففي عام 1978 أصبحت الدنمارك أول دولة تركب توربينات متعددة الميغاواط، وفي عام 1991 كانت أول دولة تفتتح مزرعة رياح بحرية في فينديبي. وبلغة الأرقام، يتم توليد نصف الطاقة الكهربائية في الدنمارك من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، و20% من الكتلة الحيوية والوقود الحيوي، والباقي من الوقود الأحفوري. [6]ولا تزال الدنمارك تعتمد على الفحم والنفط والغاز في حوالي 50% من استهلاكها للطاقة، بيد أن الانفتاح المتنامي تجاه مصادر الطاقة المتجددة ينذر بتغيير جذري في هذه النسب قريباً، إذ تخطط البلاد لمضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة بنحو ثلاث مرات ليصل إلى 104 تيراواط ساعة بحلول عام 2030، مع خفض انبعاثات الكربون بنسبة 70%. وفي إطار هذه الإستراتيجية، تعتزم الحكومة توليد 4-6 جيجاواط من طاقة التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين الأخضر.

فنلندا:  تعتمد فنلندا، الفقيرة في احتياطات النفط والغاز، على الوقود الأحفوري المستورد لتلبية أكثر من ثلث احتياجاتها من الطاقة، خاصةً في مجالي الصناعة والنقل [7]. ويتم تلبية الطلب المتبقي إلى حد كبير من الطاقة النووية والوقود الخشبي وحرق نبات الخث. أما من حيث الإنتاج، فيمثل الوقود الحيوي والنفايات الحيوية (54%) والطاقة النووية (34%) الدعائم الأساسية لمزيج الطاقة في البلاد. وتمثل مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الكهرومائية، أكثر من نصف إنتاج الكهرباء، بينما توفر الطاقة النووية الثلث الآخر. وتهدف فنلندا إلى أن تصبح محايدة للكربون قبل جيرانها، وتحديداً بحلول عام 2035، وهو هدف يعتمد إلى حد كبير على الإدارة المدروسة والحصيفة لمساحات شاسعة من الغابات التي تعمل كمصدر تصريف طبيعي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

أيسلندا: تزخر أيسلندا بينابيعها الساخنة الشهيرة وبراكينها النشطة، وهي في طليعة الدول التي تستخدم الطاقة الحرارية الأرضية لإنتاج الكهرباء وفي أعمال التدفئة. وتوفر البلاد أكثر من ربع احتياجاتها من الكهرباء عبر الطاقة الحرارية الأرضية، والباقي من الطاقة الكهرومائية [8]. ومع اعتماد التدفئة بنسبة 90% على الطاقة الحرارية الأرضية، فإن اعتماد آيسلندا على الوقود الأحفوري يكاد يكون ضئيلاً للغاية. وقد حددت آيسلندا تاريخاً مستهدفاً للحياد الكربوني وهو عام 2040، وتهدف إلى تسريع رحلتها نحو الصفر الصافي من خلال التوسع في تكنولوجيا احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه والتحول إلى أشكال أنظف من وسائل النقل.

وقد يبدو للوهلة الأولى أن كل بلد من بلدان الشمال الأوروبي يسلك طريقاً منفرداً نحو تعزيز مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة المستدامة، لكننا في الوقت نفسه نجد بعض الاستراتيجيات التكاملية على مستوى المنطقة.

نهج منسق لثورة الطاقة المتجددة

في عام 2019، وقّعت النرويج والسويد والدنمارك وفنلندا وأيسلندا على الإعلان المشترك بشأن الحياد الكربوني في دول الشمال الأوروبي (DNCN ) [9]، وهو ما أضفى طابعاً رسمياً على فرص التعاون في إزالة الكربون من سوق الطاقة، عبر تدابير ترمي إلى التخفيف من آثار تغير المناخ في مختلف القطاعات.

وقد أظهر هذا التعاون المشترك دول الشمال الأوروبي كقادة محتملين في مجال الطاقة الخضراء على مستوى العالم، وسلط الضوء كذلك على تفوق المعايير البيئية لهذه الدول، إلى جانب برامجها البحثية والاستثمارية العامة والخاصة واسعة النطاق في مجال الاقتصاد الحيوي.

وفي سبيل الخروج بأكبر قدر من المكاسب من التحوّل في مجال الطاقة، تتوخى هذه الدول أيضاً تعظيم الاستفادة من الحلول التكنولوجية الرائدة في المنطقة والسياسات التقدمية وأنظمة التمويل المتطورة.

وشملت أهداف الاتفاق ما يلي:

  • الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري
  • التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة
  • كهربة قطاع النقل
  • تعزيز التمويل الأخضر والمشتريات الخضراء والاستثمار المؤثر
  • تطوير ونشر المزيد من تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه واستخدامه
  • تشجيع خيارات الاستهلاك الواعية بالمناخ.

وفي ورقة بحثية لبرنامج الطاقة النظيفة في بلدان الشمال الأوروبي (NCES)، تم إعدادها بتكليف من شبكة الطاقة النظيفة في بلدان الشمال الأوروبي، وضع القائمون على البحث سيناريوهات مفصلة لتحديد أولويات الطاقة المتجددة في المنطقة، والأهم أنهم أرسوا مساراً طموحاً لمصادر الطاقة المتجددة من الآن وحتى عام 2030.

وأشارت الورقة إلى أن تحقيق الحياد الكربوني في دول الشمال الأوروبي يستلزم خفض معدل الانبعاثات بمقدار خمسة أضعاف مقارنة بالعقد السابق، لكنها عادت وأقرت بصعوبة تحقيق هذا الهدف لما يكتنفه من تحديات تستدعي “توازن بين ما يمكن أن يكون فعالاً من حيث التكلفة وما سيكون مقبولاً من الناحية السياسية والاجتماعية والبيئية “. [10]

لكن السيناريوهات المختلفة المقترحة في ورقة أبحاث برنامج سيناريوهات الطاقة النظيفة في بلدان الشمال الأوروبي، ستؤدي، حال نجاحها، إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 95% بحلول منتصف القرن، مدفوعة جزئياً بالبحوث المتسارعة في مجال مصادر الطاقة المتجددة. ويُعد التوسع في طاقة الرياح مكوناً جوهرياً في هذا الطموح، وذلك باستغلال طاقة الرياح غير المستغلة في بلدان الشمال الأوروبي، مدعوماً بمرونة خزانات الطاقة الكهرومائية. وبشكل عام، يطمح كل سيناريو إلى تخفيض حصة الوقود الأحفوري في إجمالي إمدادات الطاقة الأولية في المنطقة من 42% في عام 2020 إلى 6-9% بحلول عام 2050.

وتشير الورقة البحثية ذاتها إلى أنه بحلول ذلك التاريخ الأخير، يمكن توليد أكثر من 900 تيراواط ساعة من الطاقة النظيفة سنوياً داخل بلدان الشمال الأوروبي، وذلك بمعدل 300 تيراواط ساعة تقريباً من الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح البحرية؛ وأكثر من 150 تيراواط ساعة من الرياح البرية؛ ونحو 100 تيراواط ساعة من الطاقة النووية؛ وحوالي 50 تيراواط ساعة من الطاقة الشمسية. وتُعد الكهربة المباشرة للمستخدمين النهائيين مكوناً جوهرياً في جميع السيناريوهات المطروحة، حيث تكتسب قوة دفع خاصة في المصانع والمنازل ومراكز البيانات والمركبات وفي تحويل الكهرباء إلى أشكال أخرى من أشكال الطاقة والوقود.

ويضع التقرير عدة توصيات رئيسية لزيادة الطلب على الكهرباء، أولها تشجيع المستهلكين على شراء السيارات الكهربائية وإنشاء بنية تحتية شاملة للشحن؛ واستبدال مراجل الوقود الأحفوري بأنظمة التدفئة المنزلية الكهربائية والمضخات الحرارية؛ ووضع تشريعات تنظم الاستخدام الاقتصادي للحرارة المهدرة من الصناعة ومراكز البيانات.

وتكمن الفكرة الرئيسية المستخلصة من الورقة البحثية لبرنامج سيناريوهات الطاقة النظيفة في أن بلدان الشمال الأوروبي ستكون أقوى عندما تعمل معاً ضمن إطار تعاوني موحد، خاصة في ظل تفاوت قدرات هذه الدول من حيث انتاج الطاقة النظيفة، وهو تفاوت ينطوي على ميزات محتملة. فمع نمو قدرة توليد طاقة الرياح الكلية في جميع أنحاء المنطقة، ستتيح شبكات النقل والوصلات البينية الدنماركية والسويدية تصدير الكهرباء من الدول الاسكندنافية إلى أوروبا القارية. وفي الوقت نفسه، تستعد النرويج لتعزيز أمن الطاقة الإقليمي من خلال استثماراتها الطويلة الأمد في الأصول المتجددة الأكثر توافراً في دول الشمال الأوروبي، ألا وهي الطاقة الكهرومائية.

الطبيعية تشكل ملامح سوق الطاقة المتجددة

تمثل الطاقة الكهرومائية، بحسب بيانات عام 2020، أكثر من نصف إجمالي توليد الكهرباء في منطقة الشمال الأوروبي، بمعدل يصل إلى حوالي 250 تيراواط ساعة من إجمالي 430 تيراواط ساعة. وفي الوقت الحالي، تُعد الطاقة النووية وطاقة الرياح البرية من أهم المساهمين في مزيج الطاقة النظيفة، بحصة تبلغ حوالي 80 تيراواط ساعة و50 تيراواط ساعة على التوالي.

وإذا ما علمنا أن الطاقة الكهرومائية تمثل 17% فقط من توليد الكهرباء على مستوى العالم [11]، فقد يحملنا ذلك إلى التساؤل عن السبب وراء غلبة مصدر الطاقة هذا في ذلك الجزء من العالم؟

الجواب يكمن في الأصول الطبيعية، متمثلة في عدد لا يحصى من الشلالات والمضايق والأنهار التي تزخر بها تضاريس النرويج والسويد وأيسلندا، على وجه الخصوص، مما يوفر فرصاً مغرية لتوليد الطاقة الكهرومائية.

ويمكن للسويد أن تدّعي بحق أنها تمثل مركزاً للطاقة الكهرومائية، حيث توفر حوالي 1800 محطة كهرومائية بالبلاد ما يقرب من نصف حاجة البلاد من الكهرباء. وإذا كانت السويد كذلك، فإن النرويج هي بؤرة مركز الطاقة الكهرومائية هذا، إذ تنتج حوالي 1700 محطة في البلاد ما لا يقل عن 90% من الطاقة الكهربائية. [12]

وتُعد النرويج بالفعل مُصدِّراً صافياً للطاقة، فبحسب بيانات عام 2020، باعت البلاد نحو 87% من طاقتها إلى دول أخرى [13]– وهو اتجاه قد يتنامى مع استمرار أوروبا في التخلص تدريجياً من إمدادات الغاز الروسي بما تحمله من تعقيدات سياسية. وتتيح شبكة البلاد الواسعة التي تضم أكثر من 1000 خزان لتخزين ثروتها الكهرومائية واستغلالها في الوقت المناسب. ويُعتقد أن الخزانات النرويجية تمثل حوالي نصف إجمالي الطاقة الكهرومائية في أوروبا، لكن غالبية انتاجها يذهب لصالح  المستهلكين المحليين. وإذا ما تم تفعيل شبكة الطاقة الكهرومائية المشتركة بين دول الشمال الأوروبي، فقد تصبح مصدراً تكميلياً للمصادر الأخرى التي لا يمكن التعويل عليها كثيراً مثل الرياح والطاقة الشمسية في الدول المجاورة.

ولعل أحد الأسباب وراء تصاعد شعبية الطاقة الكهرومائية تكمن في متانة البنية التحتية. ففي جميع أنحاء بلدان الشمال الأوروبي، لا تزال العديد من المحطات تولد الكهرباء النظيفة رُغم مرور قرن من الزمان تقريباً على إنشائها. كما أن الطاقة الكهرومائية متعددة الاستخدامات أيضاً، فهي واحدة من مصادر الطاقة المتجددة الوحيدة التي يمكن تنظيمها بسهولة، وذلك نظراً لقدرة مولداتها على مزامنة العرض مع الطلب دون عناء.

وما من شك في أن إنتاج الطاقة الكهرومائية سيتصاعد خلال العقود القادمة في دول الشمال الأوروبي، ولكن من المتوقع أن تتراجع حصتها في مزيج الطاقة بتلك البلدان بحلول عام 2050 من حوالي 56% الآن إلى 25%  فقط [14]، متأثرة بالصعود السريع المتوقع لمصدر آخر منافس من مصادر الطاقة الخضراء، ألا وهو الرياح.

الرياح تدفع مصادر الطاقة المتجددة في بلدان الشمال الأوروبي إلى اتجاه جديد. . .

مع استمرار تراجع أسعار تكنولوجيا التوربينات في العقود القادمة، فمن المتوقع أن تصبح طاقة الرياح قوة مهيمنة في مصادر الطاقة المتجددة في بلدان الشمال الأوروبي. وتشير بعض التقديرات إلى أن طاقة الرياح البحرية في المنطقة سترتفع إلى 7 جيجاواط بحلول عام 2030 وإلى 65 جيجاواط بحلول عام 2025 [15].

وقد اتحدت الدنمارك والسويد والنرويج وفنلندا في هذا التوجه نحو طاقة الرياح، سواء البرية أو البحرية.

ففيما يتعلق بالرياح البرية، تخطط السويد لتركيب توربينات جديدة بقدرة 30 جيجاواط بحلول نهاية العقد الحالي وزيادة صادرات الطاقة في المقابل. وبالمثل، تتوقع فنلندا أن تنمو طاقة الرياح البرية من 5 جيجاواط إلى 20 جيجاواط بحلول ذات التاريخ.  وبالتوازي مع ذلك، تعتزم الدنمارك زيادة قدرتها من طاقة الرياح البرية بمقدار 11.5 جيجاواط بحلول عام 2030 [16]. وفي المقابل، تجاوز انتاج النرويج من طاقة الرياح البرية أخيراً عتبة 5 جيجاواط في عام 2022، وهو ما يمثل زيادة في القدرة بمقدار ثلاثة أضعاف في ثلاث سنوات فقط [17].

ولدى الدنمارك والنرويج رؤى طموحة لغزو سوق طاقة الرياح البحرية أيضاً.

فبفضل موقعها المثالي على بحر الشمال وبحر البلطيق، وحماسها الاستثنائي في أنشطة البحث والتطوير، تُعد الدنمارك بالفعل من بين أكبر خمسة أسواق أوروبية في مجال طاقة الرياح البحرية. كما أنها مُصدِّر رئيسي لتكنولوجيا طاقة الرياح بصادرات بلغت قيمتها حوالي 7 مليارات دولار أمريكي حتى عام 2020 من خلال هذا القطاع الحيوي الذي يوفر آلاف الوظائف للسكان. [18]  وهي الآن لا تهدف إلى أن تصبح رائدة أوروبية فحسب، بل رائدة عالمية في مجال طاقة الرياح البحرية .

وبحلول عام 2030، ستزداد قدرة الرياح البحرية في الدنمارك بشكل كبير من 2.3 جيجاواط إلى 12.9 جيجاواط. وتكمن الاتفاقيات الدولية في صميم هذه الخطط الكبرى، فالدنمارك هي إحدى الدول الموقعة على إعلان إسبيرغ مع ألمانيا وهولندا وبلجيكا، من أجل توليد طاقة رياح بحرية تبلغ مجتمعة 150 جيجاواط بحلول عام 2050؛ وكذلك إعلان مارينبورغ الذي تعهدت فيه ثماني دول مطلة على بحر البلطيق بإنتاج ما يقرب من 20 جيجاواط من الرياح البحرية بحلول عام 2030.

ولكي لا تتخلف النرويج عن الركب، فقد شرعت حكومة البلاد في إطلاق حملة كبيرة للترويج لطاقة الرياح البحرية في مايو 2022، معلنةً عن هدفها المتمثل في إنتاج 30 جيجاواط من الطاقة الكهربائية البحرية بحلول عام 2040 – أي ما يعادل تقريباً إجمالي كمية الكهرباء التي تنتجها النرويج حالياً سنوياً [19].

وبفضل خبرتها البحرية الهائلة في صناعات النفط والغاز، تتوقع النرويج أيضاً أن تصبح طاقة الرياح البحرية إحدى صادراتها المميزة، مستهدفة توليد ما قيمته 12.9 مليار يورو سنوياً من هذا القطاع بحلول منتصف القرن [20].

كما تُعد النرويج رائدة في سوق طاقة الرياح البحرية ”العائمة“، حيث كانت من أوائل الدول في إدخال منصات التوليد العائمة التي تُستخدم حيثما تحول مياه البحر العميقة دون تركيب منشآت ثابتة. وقد كان النموذج الأولي للتوربينات العائمة النرويجية بمثابة الأساس لمنشأة «هايويند» (Hywind) قبالة ساحل اسكتلندا، والتي أصبحت عند إطلاقها في عام 2017 أول مزرعة للتوربينات العائمة التجارية في العالم. وقد بدأ تشغيل أول مزرعة رياح عائمة في النرويج، وهي مزرعة «هايويند تامبين» بقدرة 88 ميجاواط، في أغسطس من العام الماضي.

وفي تقييم أجرته مديرية الموارد المائية والطاقة النرويجية، تبين أن القدرة الإجمالية للبلاد من مزارع الرياح العائمة والثابتة مجتمعة تصل إلى 12,600 ميجاواط، مما يعني انتاج ما بين 19 و50 تيراواط ساعة سنوياً – أي ما يلبي ثلث استهلاكها الإجمالي من الكهرباء [21].

الطاقة الشمسية تنضم إلى السباق

في منطقة غير معروفة بطقسها المشمس، قد  يُدهش البعض لمعرفة أن الطاقة الشمسية آخذة في الصعود في دول الشمال الأوروبي.  فعلى الرغم من أشهر الشتاء الطويلة، فإن السويد وفنلندا على وجه الخصوص تخطو خطوات كبيرة نحو مستقبل يعتمد على الطاقة الشمسية.

تمتلك حالياً السويد نحو 3.7 جيجاواط من الطاقة الشمسية، ومن المتوقع أن يرتفع هذه الرقم إلى 18 جيجاواط بحلول عام 2030 (بزيادة تبلغ  486%)، وبحلول ذلك الوقت سترتفع حصة الطاقة الشمسية في سوق الطاقة السويدية من 1.4% إلى 6%. وتُولد فنلندا حالياً ما يعادل 1.1 جيجاواط من الطاقة الشمسية، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 9.6 جيجاواط بحلول عام 2030 (بزيادة تبلغ 856%)، لتستحوذ بذلك على حصة قدرها 6.8% من سوق الطاقة الفنلندية، مقارنة بنسة 0.8% الآن [22].

يتم توليد الطاقة الشمسية عن طريق الضوء وليس الحرارة، ويمكن لجنوب فنلندا، بشمسها الساطعة في أوائل الربيع وأواخر الشتاء، أن تنتج طاقة شمسية تفوق ما تنتجه منطقة وسط أوروبا في أوقات الذروة من العام.

وفي هذا الصدد، يقول أنتي كوسونين، الأستاذ المساعد في جامعة لابينرنتا للتكنولوجيا في فنلندا: ”تتجلى ميزة فنلندا في انخفاض درجة حرارة الغلاف الجوي، مما يحسن من كفاءة الخلايا الشمسية الكهروضوئية. فكلما زادت برودة الجو، كانت الألواح الشمسية أكثر قدرة على الانتاج. كما يمكن للألواح الشمسية أن تتحمل أحمال الثلوج إذا ما تم تركيبها باتباع الارشادات. ويمكن أيضاً ربط هذه المنظومة بشبكة الكهرباء، ومن حسن الحظ أن الأجهزة منخفضة التكلفة نسبياً وسهلة التركيب.”

وثمة عاملان آخران يدفعان الارتفاع الأخير في استخدام الطاقة الشمسية في بلدان الشمال الأوروبي. أولاً، التحوّل التدريجي من الأنظمة الصغيرة على أسطح المنازل إلى المزارع الأرضية الكبيرة، مما يحقق وفورات في الحجم. وثانياً، الانخفاض المستمر في تكلفة التكنولوجيا. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن ينخفض سعر الألواح الشمسية إلى النصف من السعر الحالي البالغ 0.2 للواط الواحد، وذلك استناداً إلى الاتجاه السائد في العقد الأول من هذا القرن والذي تمخض عن تراجع تكلفة الألواح الشمسية بنسبة 90%.

وخلاصة كل ما سبق أننا بصدد مزيج حديث ومستدام تماماً من الطاقة لهذه المجموعة من البلدان الواقعة في الشمال، في وقت يواجه فيه كوكبنا تحدياً وجودياً تحت وطأة تغيّر المناخ.

الموارد المتجددة تسير بمحاذاة الطموح البشري

تتمتع دول الشمال الأوروبي، من نواحٍ عديدة، بمكانة متميزة بالنسبة لعالم يسعى حثيثاً للتحوّل إلى الطاقة المتجددة. فمع وفرة الرياح، والمقومات الطبيعية الحرارية الأرضية النشطة للغاية، وشبكة من الممرات المائية لتوليد الطاقة الكهرومائية، تبدو البيئة الطبيعية في هذه الدول الاسكندنافية كما لو كانت مصممة باقتدار لاستخلاص الطاقة المتجددة.

غير أن دول الشمال الأوروبي تنعم بميزة أخرى تتجاوز الموارد الطبوغرافية أو الجيولوجية، ألا وهي الزخم البشري. ولعلنا نرى هذا الزخم جلياً في الأنظمة التشريعية المواتية في كل من النرويج والدانمارك والسويد وفنلندا وأيسلندا؛ وفي روح الوحدة التي تتجلى في الاتفاقات العابرة للحدود والتوافق التكنولوجي المصمم بعناية.

صحيح أن حلم الاكتفاء الذاتي قد يكون بعيد المنال، ولكن مع وجود حصن الطاقة الكهرومائية النرويجي، مدعوماً بصناعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية المزدهرة، فنحن بلا شك أمام مسار خالٍ من العقبات لإعادة تشكيل أنظمة الطاقة في دول الشمال الأوروبي بطريقة تتماشى مع الأولويات المناخية العالمية.

وعبد اللطيف جميل ليست بعيدة أبداً عن هذا الزخم، فهي تُعد من أبرز الداعمين للاقتصاد الأخضر، مستفيدةً من قوة رأس المال الاستثماري الخاص للنهوض بقضية الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وخارجه، عبر ذراعها شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة (FRV)، التي تدير محفظة من مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهجينة ومنشآت تخزين الطاقة في جميع أنحاء آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وأستراليا. وفي الوقت نفسه، تهدف شركة فوتواتيو- اكس (FRV-X)، ذراع الابتكار التابع لشركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة، إلى طرح حلول تكنولوجية من الجيل التالي من شأنها أن تسهم في تحويل أهداف المناخ الطموحة لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (كوب 28) من طور البحث النظري البحت إلى الواقع الملموس.

وقد جاء العام 2023 حاملاً معه بداية جديدة لشركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة في سوق الطاقة المتجددة بمنطقة دول الشمال الأوروبي، من خلال اتفاقية مع شركة ”ويل آند موست“ (Will & Must) الفنلندية المحلية، وبموجبها سيشرع الشريكان في تطوير محفظة من مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية في غضون ثلاث سنوات في سبيل إنتاج 600 ميجاواط من الطاقة النظيفة.

Fady Jameel
فادي جميل
نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس الإدارة للعمليات الدولية
عبد اللطيف جميل
ويقول فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس الإدارة للعلميات الدولية في عبد اللطيف جميل: “نرى في بلدان الشمال الأوروبي ما يبرهن على قوة التعاون بين القطاعيّن العام والخاص لخلق مزيج مرن من الطاقة وقابل للتكيف وملائم للمستقبل”
”وإذا كنا نبحث عن نماذج عالمية ناجحة في جهود التخفيف من التأثيرات البيئية الضارة، فإن بلدان الشمال الأوروبي و”سعيها الدؤوب نحو مصادر الطاقة المتجددة” تمثل من نواحٍ عديدة نموذجاً يحتذي به لنا جميعاً، فلقد أثبتت هذه الدول أن التغيير الحقيقي ممكن الحدوث عندما تتحد القوى السياسية والتجارية والمجتمعية وراء هدف مشترك.“

 

[1] https://wisevoter.com/country-rankings/renewable-energy-by-country/

[2] https://www.reuters.com/business/autos-transportation/tesla-extends-lead-norway-evs-take-record-82-market-share-2024-01-02/

[3] https://www.ev-volumes.com/

[4] https://www.eia.gov/international/analysis/country/NOR

[5] https://www.enappsys.com/sweden-remains-europes-largest-net-power-exporter/

[6] https://il.boell.org/en/2022/11/15/green-transition-nordic-countries-lessons-sustainable-development

[7] https://www.iea.org/countries/finland

[8] https://il.boell.org/en/2022/11/15/green-transition-nordic-countries-lessons-sustainable-development

[9] https://www.norden.org/en/declaration/declaration-nordic-carbon-neutrality

[10] https://pub.norden.org/nordicenergyresearch2021-01/nordicenergyresearch2021-01.pdf

[11] https://www.iea.org/reports/hydropower-special-market-report/executive-summary

[12] https://www.downing.co.uk/insights/the-nordics-a-renewable-energy-powerhouse

[13] https://www.iea.org/reports/norway-2022/executive-summary

[14] https://www.woodmac.com/news/opinion/abundant-low-cost-renewables-will-transform-nordic-power-markets/

[15] https://www.woodmac.com/news/opinion/abundant-low-cost-renewables-will-transform-nordic-power-markets/

[16] https://www.rystadenergy.com/news/finland-denmark-and-sweden-leading-on-the-green-revolution

[17] https://windeurope.org/newsroom/news/norway-needs-more-onshore-and-offshore-wind-to-keep-up-with-growing-energy-demand/

[18] https://il.boell.org/en/2022/11/15/green-transition-nordic-countries-lessons-sustainable-development

[19] https://il.boell.org/en/2022/11/15/green-transition-nordic-countries-lessons-sustainable-development

[20] https://www.regjeringen.no/contentassets/07635c56b2824103909fab5f31f81469/offshore-wind-opportunities-for-the-norwegian-industry.pdf

[21] https://www.en-former.com/en/norway-a-sustainable-northern-power-house/

[22] https://www.fortum.com/newsroom/forthedoers-blogsolar-power-accelerate-green-transition-nordics/solar-power-accelerate-green-transition-nordics