قطاع الطيران يتخلص من الكربون
لا تعد صناعة الطيران مجرد قطاع من قطاعات النقل وحسب. فهي تمثل شبكة عالمية قوية ترسم ملامح المجتمعات، وتحرك الاقتصادات، وتمتلك القدرة على أن تلعب دورا مؤثراً في رحلتنا نحو بلوغ مستقبل أكثر استدامة.
تؤكد مجموعة العمل المعنية بالنقل الجوي ATAG [1] على التأثير متعدد الأوجه لهذه الصناعة، وعلى إسهامها في خمسة عشر هدفاً من أهداف الأمم المتحدة الـ 17 المعنية بالتنمية المستدامة.
من ناحية أخرى، يعتبر قطاع الطيران جهة توظيف عالمية كبرى، فهو يدعم 87.7 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم، منها 11.3 مليون فرصة عمل مباشرة. ووفقاً للإحصائيات الصادرة عن مجموعة العمل المعنية بالنقل الجوي، يسهم قطاع الطيران بحوالي 3,5 تريليون دولار أمريكي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي. فلو كان الطيران دولة، لكان قد احتل المركز السابع عشر بين اقتصادات العالم.[2]
لكن هذا الاسهام في الاقتصاد العالمي ينطوي على تكلفة بيئية: فالطيران يعد مسؤولا عما يقرب من 2٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية و 2,5% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة، وهو ما يعادل حوالي 1 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2018.[3] وبينما تعد هذه الأرقام متواضعة مقارنة بالنقل البري (الذي يمثل 11.9٪ من غازات الدفيئة) وتربية الماشية (التي تمثل 5.8٪)، فإن تأثيرات هذه الانبعاثات تتنامى بشكل غير متناسب في قطاع الطيران.
وتمتد آثار الطيران إلى ما هو أبعد من حرق الوقود. فالطائرات تغير من تركيز العديد من الغازات والملوثات في الغلاف الجوي، وهو ما يؤثر على مستويات الأوزون على المدى القصير والطويل، ويقلل الميثان، وينتج بخار الماء والسخام والهباء الجوي الكبريتي والمخلفات (مسارات التكثيف). وبينما تسبب بعض من هذه التأثيرات التبريد، فإنها في النهاية تؤدي بصورة إجمالية إلى الاحترار. وبالتالي، يمثل قطاع الطيران حوالي 3.5٪ من مشكلة الاحتباس الحراري.
وهنا يكمن التحدي الذي يتعين علينا مواجهته: كيف نحافظ على اسهام الطيران في الاقتصاد العالمي، بينما نسعى في الوقت نفسه إلى الحد من اسهامه في ظاهرة الاحترار العالمي – إن لم يكن التخلص نهائياً من هذا الاسهام.
الالتزام بالتحدي
يدرك قطاع الطيران بالفعل هذه المشكلات، وهو على استعداد لقبول التحدي.
ففي أكتوبر 2022، وأمام الدورة الحادية والأربعين للجمعية العمومية لمنظمة الطيران المدني الدولي ICAO تعهد قطاع الطيران ببلوغ صافي الانبعاثات الصفري من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050.
جاءت هذه الخطوة في أعقاب العمل الرائد الذي شهدناه في عام 2016، عندما قامت منظمة الطيران المدني الدولي – وهي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة – بتقديم خطة التعويض عن الكربون وخفضه في مجال الطيران الدولي[4] (CORSIA)، والتي بموجبها يتحتم على شركات الطيران تعويض الانبعاثات التي تتجاوز خط الأساس عن طريق شراء أرصدة، ويعتمد ذلك على حصة شركة الطيران من إجمالي الانبعاثات الناجمة عن القطاع.
وفي المرحلة التجريبية، والتي من المنتظر أن تستمر حتى نهاية عام 2023، فإن خط الأساس هو الانبعاثات الناجمة عن صناعة الطيران في عام 2019 [5]، وبعد ذلك، واعتباراً من العام 2024، سيتم خفض خط الأساس إلى 85٪ من انبعاثات عام 2019. وقد أوضح النقاد أن شركات الطيران قد تكون قادرة على تجنب شراء أرصدة الكربون تماماً من خلال الاعتماد على وقود الطيران المستدام الذي يتم تصنيعه من نفايات زيت الطهي، وهو الأمر الذي يتلقى دعماً كبيراً في الولايات المتحدة.
لكن ثمة نقطة نغفلها هنا: وهي أن خطة التعويض عن الكربون وخفضه في مجال الطيران الدولي تمثل المرة الأولى التي يوافق فيها قطاع واحد على إجراء يقوم على السوق العالمية في مجال تغير المناخ.
تشديد الإجراءات
إن الإشادة بالتقدم الذي يتم إحرازه على المستوى العالمي لا يعني غض الطرف عن الإسهامات التي يمكن أن تأتي من الدول والجمعيات منفردة. فعلى سبيل المثال، قام الاتحاد الأوروبي (EU) بإدراج الطيران ضمن خطة تداول الانبعاثات ETS في عام 2022. ومن المنتظر أن يتم التخلص تدريجيا من البدلات المجانية التي تمكن شركات الطيران من تجنب الدفع مقابل انبعاثات الكربون بحلول عام 2026، أي قبل عام واحد مما كان متوقعاً في المقترح الأصلي للاتحاد الأوروبي. ومن المقرر أن يتم خفض المخصصات المجانية بنسبة 25% بالنسبة لعام 2024 و50% لعام 2025.
ومن جانبهم، أشار منتقدو خطة التعويض عن الكربون وخفضه في مجال الطيران الدولي إلى أن أرصدة الكربون في مخطط الاتحاد الأوروبي أعلى بكثير من تلك التي صدرت بموجب الخطة، إذ تبلغ حوالي 90 يورو (96 دولاراً أمريكياً) للطن الواحد، في حين حددتها الخطة بـ 3 دولارات فقط. ولكن تجدر الإشارة إلى أن مخطط الاتحاد الأوروبي يخضع لقيود المخاوف التجارية[6]، بينما تغطي خطة التعويض عن الكربون وخفضه في مجال الطيران الدولي معظم أنحاء العالم (انظر الرسم البياني) ويتسع نطاقها بشكل ملحوظ. وتقع بريطانيا وسويسرا ضمن الخطة، ولكن الرحلات الجوية إلى دول أخرى تقع خارج المجموعة ستظل معفاة. ويعزى ذلك إلى مشكلة عام 2012 التي حدثت عندما هددت الصين بالتوقف عن شراء الطائرات من شركة إيرباص، وهي شركة أوروبية، وهددت أمريكا بعدم الامتثال إذا طلب الاتحاد الأوروبي من جميع الرحلات الجوية المشاركة في مخططها.
نطاق خطة التعويض عن الكربون وخفضه في مجال الطيران الدولي
ولعل الدرس المستفاد من ذلك هو أن المبادرات التي تقودها صناعة الطيران بشكل عام تحظى بقبول واسع النطاق مقارنة بالمخططات التي ترتبط بالحدود الجغرافية. وعلى الرغم من ذلك، تظل قدرة الصناعة على التحكم في الجوانب الرئيسة لهذا التحول محدودة. فسواء كان الأمر يتعلق بإنتاج الوقود، أو تصنيع الطائرات، أو إدارة المطارات والحركة الجوية، فإن كل عنصرمن هذه العناصر يخضع لإدارة كيانات مختلفة تقع داخل الشبكة المعقدة لعمليات الطيران. وبدون تحقيق الاتفاق والتعاون بين كل هذه العناصر المختلفة، تظل إزالة الكربون تحدياً هائلاً. ولكن إذا استطعنا تحقيق تعاون حقيقي، فإن صناعة الطيران وأبرز الجهات الفاعلة فيها سيتمكنون من جني ثمار اتساع النطاق والتآزر – وهو ما سيحدث فارقاً حقيقياً.
و ثمة دلائل مشجعة في هذا الصدد. فعلى مدارالعقود العديدة الماضية، عكس تراجع تنامي الانبعاثات الناجمة عن قطاع الطيران تحسناً كبيراً في كفاءة الطيران. فقد تراجعت نسبة ثاني أكسيد الكربون المنبعث لكل RPK (عائد المسافر للكيلو متر)، وهو مقياس لكفاءة الطيران، إلى حوالي 125 جراماً في عام 2018، من عشرين ضعف في عام 1950، وأحد عشر ضعف في عام 1960.
وتُعزى زيادة الكفاء التي شهدناها خلال نصف القرن الماضي إلى التقدم في مجال التكنولوجيا وتصميميات الطائرات، وأحجام الطائرات الكبيرة التي تحمل عدداً أكبر من الركاب في كل رحلة، وعوامل زيادة القدرة الاستيعابية للركاب – ونعني بها النسبة المئوية المستخدمة من عدد الكيلومترات المتوفرة للمقاعد. وبعبارة أبسط، أصبحت الرحلات الجوية اليوم أكثر اكتمالاً من ذي قبل.
أهداف الانبعاثات
تعهدت العديد من الشركات عبر سلسلة قيمة الطيران بمجموعة متنوعة من الأهداف البيئية. وتتدرج هذه الأهداف من الالتزام بأهداف خفض الانبعاثات[7] واعتماد وقود الطيران المستدام، إلى عضوية التحالفات المعنية بالاستدامة.
ومن الأمثلة المهمة على ذلك مبادرة الأهداف المستندة إلى العلم (SBTi)، والتي تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على الأهداف البيئية لصناعة الطيران متماشية مع أهداف صافي الانبعاثات الصفري المنصوص عليها في اتفاق باريس.
وتعد مبادرة الأهداف المستندة إلى العلم جهداً مشتركاً يضم أربع منظمات غير حكومية مؤثرة: مشروع الكشف عن الكربون CDP، والاتفاق العالمي للأمم المتحدة United Nations Global Compact، ومعهد الموارد العالمية (WRI)، والصندوق العالمي للحياة البرية من أجل الطبيعة (WWF).
وتتمثل مهمتها في مواءمة أهداف خفض الانبعاثات على مستوى الشركات مع الإجماع العلمي لتحقيق صافي الانبعاثات الصِفري بحلول عام 2050. وقد قدمت مبادرة الأهداف المستندة إلى العلم بعض الاهداف الارشادية لمجال الطيران فيما يتعلق ببلوغ هدف الـ 1.5 درجة مئوية[8]. ويستلزم ذلك وضع أهداف طموحة لخفض الانبعاثات لشركات الطيران، وهو ما يتطلب خفض ثاني أكسيد الكربون لكل طن من الإيرادات لكل كيلومتر (RTK) بأكثر من 30٪ بحلول عام 2030 وبأكثر من 50٪ بحلول عام 2035، مقارنة بمستويات عام 2019. ويتوافق هذا بشكل وثيق مع الأهداف التي حددتها وكالة الطاقة الدولية لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري.
وقد تعهدت 25 شركة طيران بوضع أهداف محددة قائمة على العلم[9] – إن لم تكن قد قامت بوضعها بالفعل. وكان أغلب هذه الشركات في الأمريكتين وأوروبا. ويمثل التزام هذه المجموعة أكثر من 30% من حركة الركاب العالمية، وهو ما يشير إلى تحول كبير نحو الممارسات المستدامة في هذا المضمار. وفي الوقت نفسه، تعهدت شركات الطيران والدفاع، والتي تمثل نحو 20% من مجموع القيمة العالمية، بمواءمة أهدافها مع مبادرة الأهداف القائمة على العلم.
التركيز على الكفاءة
تتمحور الكثير من المناقشات حول الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون حول الوقود، أو استبدال وقود الطائرات بالوقود المستدام أو تشغيل الطائرات بالبطارية أو الهيدروجين. ولكن هناك تدابير أخرى يجب أخذها في الاعتبار قد تكون فعالة للغاية إذا كان أصحاب المصلحة على استعداد للتعاون. فعلى سبيل المثال، ووفقاً لتحليل أجرته شركة ماكنزي للاستشارات، خفضت شركات النقل استهلاكها للوقود لكل كيلومتر – للمسافر بحوالي 39% بين عامي 2005 و2019 (أي ما قبل جائحة كوفيد-19)، وهو معدل نمو سنوي مركب يبلغ حوالي 3.4% سنوياً[10] من خلال برامج كفاءة استهلاك الوقود و تجديد الأسطول والحمولة وكثافة المقاعد.
وبالفعل ثمة مبادرتان رئيستان قيد الدراسة والتنفيذ من شأنهما خفض الانبعاثات من خلال تحديث البنية التحتية لمراقبة الحركة الجوية: المبادرة الأولى ه مبادرة NextGen أو “الجيل التالي” التي انطلقت في الولايات المتحدة، والثانية هي “برنامج السماء الأوروبية الموحدة Single European Sky[11]. ومن المنتظر أن تقدم مبادرة الجيل التالي، والتي تشرف عليها إدارة الطيران الفيدرالية بالولايات المتحدة[12]، نظام “الملاحة القائمة على الأداء” لاختيار مسارات طيران أقصر وأكثر دقة لتوفير الوقود. وبينما يعمل برنامج الاتحاد الأوروبي على إزالة الحدود الوطنية فوق المجال الجوي المشترك للاتحاد الأوروبي، فإنه بصدد إضافة 49 كيلومترًا إضافية إلى معظم الرحلات.
ويقول ويلي والش، المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي:
“بإمكاننا خفض ثاني أكسيد الكربون في أوروبا بنسبة 10% إلى 12% من خلال برنامج السماء الأوروبية الموحدة، ومن الممكن أن يحدث ذلك بين عشية وضحاها. دون الحاجة إلى أية استثمارات في التكنولوجيا.
فلدينا التكنولوجيا بالفعل للطيران بأعلى كفاءة.
الابتكار في الطيران
ومن الطرائق الأخرى التي من شأنها مساعدة شركات الطيران على تقليل بصمتها الكربونية تحديث أساطيلها عدة مرات وتزويدها بطائرات أحدث وأكثر كفاءة. ويمكن لهذا النهج، خاصة عند الأخذ في الاعتبار التدابير المستقبلية المحتملة والتي قد تشمل الالتزام باستخدام وقود الطيران المستدام أو فرض الضرائب على الكيروسين، يمكن أن يحد من مستويات الانبعاثات بتكلفة بسيطة، أو حتى بدون تكلفة.
وبالنظر إلى نماذج الطائرات المتوافرة اليوم، يمكن لشركات الطيران خفض انبعاثاتها الكربونية بنسبة تصل إلى 15% إلى 20%، إذا اعتمدت على الوضع الحالي لأسطولها. وخلال السنوات العشر المقبلة، من المنتظر أن يتم استبدال عدد كبير من الطائرات القديمة بنماذج الجيل التالي مثل إيرباص [13]A320neo وعائلة بوينج 777-X الأكثر صداقة للبيئة. فعلى سبيل المثال، تعد طائرة A320neo حالياً أكثر الطائرات كفاءة في استهلاك الوقود بين الطائرات التي تماثلها في الحجم، حيث توفر 20٪ من استخدام الوقود وانبعاثات الكربون، في حين تعد طائرة بوينج 777X [14] بالحد من استهلاك الوقود وانبعاثات الكربون بنسبة 10٪.
أنواع وقود أكثر مراعاة للبيئة
وفقًا للاتحاد الدولي للنقل الجوي، من المنتظر أن يسهم التخلص من إزالة الانبعاثات من وقود الطائرات في الحد من انبعاثات الكربون التي يطلقها القطاع بنسبة 65%.[15]
وإذا استطعنا التحول إلى استخدام وقود الطيران المستدام، فإن ذلك سوف يكون أكثر الطرق فاعلية لبلوغ صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050. فوقود الطيران المستدام يمكن إدراجه ضم أنظمة الوقود الحالية دون الحاجة إلى تغيير تصميمات الطائرات أو البنية التحتية للمطارات، وبالمقارنة مع وقود الطائرات التقليدي الذي يعتمد على الوقود الحفري، يمكن لوقود الطيران المستدام أن يحد من الانبعاثات الناجمة عن الطيران بنسبة تصل إلى 80%[16] وذلك في حالة الاعتماد على هذه الأنواع وحدها بدلاً من مزجها مع وقود الطائرات التقليدي كما هو الحال في الوقت الحاضر.
ويعد وقود الطيران المستدام، وفقاً لتعريف منظمة الطيران المدني الدولي، من أنواع الوقود المتجددة أو المشتقة من النفايات والتي تلتزم بمعايير الاستدامة. ولكن تعريف وقود الطيران المستدام أمر جد مهم، كما يتضح من التشريع الأخير الذي أصدره الاتحاد الأوروبي. حيث قام الاتحاد الأوروبي بوضع إلزاماً فيما يخص وقود الطيران الصديق للبيئة، وذلك من خلال مبادرة ReFuelEU – والتي تعني إعادة التزود بالوقود في الاتحاد الأوروبي – والتي تلزم كافة الرحلات الجوية التي تغادر مطارات الاتحاد الأوروبي اعتباراً من عام 2025 باستخدام الحد الأدنى من حصة وقود الطيران المستدام، و تبدأ بنسبة 2٪ في عام 2025، ثم 6٪ بحلول عام 2030، على أن تتم زيادة النسبة بشكل تدريجي حتى تصل إلى 70٪ بحلول عام 2025. ويعطي ذلك الإلزام الأولوية للوقود الاصطناعي (الكيروسين الإلكتروني) ويستبعد المواد الخام للوقود الحيوي المثيرة للجدل مثل المحاصيل الغذائية ونواتج زيت النخيل، لأن ذلك من شأنه زيادة أسعار المواد الغذائية أو تسريع عمليات إزالة الغابات ونواتج زيت النخيل، لأن ذلك من شأنه زيادة أسعار المواد الغذائية أو تسريع عمليات إزالة الغابات.
وعلى الرغم من مزايا وقود الطيران المستدام، إلا أن الجدوى الاقتصادية لهذا النوع من الوقود لا تزال تثير لغطاً وتمثل تحدياَ – حيث يمكن أن تصل تكلفة الوقود الاصطناعي إلى 10 أضعاف تكلفة وقود الطائرات. وكما أوضح ديفيد كالهون، الرئيس التنفيذي لشركة بوينج: “لا توجد طريقة رخيصة لإزالة الكربون من قطاع الطيران”.[17]
ويلتزم بعض موردي الوقود بالفعل بمواجهة تحديات استخدام وقود الطيران المستدام. فعلى سبيل المثال، قامت شركة شل[18] بالاستثمار في مجموعة من التقنيات لإنتاج وقود الطيران المستدام، كما تقوم ببناء منشأة خاصة بالوقود الحيوي في روتردام، والتي من المنتظر لها أن تنتج وقود الطيران المستدام والديزل المتجدد من النفايات، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في عام 2025.
وعلى الرغم من كل هذه التطورات، تشير الأبحاث إلى أن إمدادات وقود الطيران المستدام، حتى في حالة وجود الاستثمارات الضخمة والتقدم التكنولوجي، قد لا تفي بحجم الطلب على وقود الطائرات بحلول عام 2050. وترى شركة باين للاستشارات [19] أن الوقود الذي يتم استخراجه من الاسترات والأحماض الدهنية المعالجة بالجفاف، وهوأحد أنواع وقود الطيران المستدام المصنوع من زيت الطهي والدهون الحيوانية، قد يلبي فقط ما يصل إلى حوالي 8٪ من الطلب على وقود الطائرات في عام 2050، وذلك بسبب محدودية المواد الخام. ويخلص التقرير إلى أن الوقود الاصطناعي أو الإلكتروني، والذي يتم إنتاجه عن طريق دمج الهيدروجين الأخضر مع ثاني أكسيد الكربون، من الممكن أن يوفر نظرياً كميات غير محدودة، ولكن هذا النوع لم يتم تجربته بعد على نطاق واسع.
الأمل في الهيدروجين
وتتعلق الآمال بالهيدروجين عندما نتطرق إلى بلوغ قطاع طيران خالي من الكربون، نظر لأن الهيدروجين وقود عديم الانبعاثات. ويبرز الهيدروجين الأخضر – الذي يتم إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي للمياه باستخدام الطاقة المتجددة – كبديل مستدام للكيروسين، ولكن على الرغم من تكلفة إنتاجه التي تتناقص بسرعة، فإن الانتقال من مرحلة الفكرة النظرية إلى مرحلة التطبيق الفعلي في مضمار الطيران لا يزال يمثل تحدياً.
وضعت شركة إيرباص الأمل في عام 2020 عندما أعلنت أنها سوف تقوم بتطوير طائرة تعمل بالهيدروجين، وهي ZEROe وذلك بحلول عام 2035[20].
وقد تبعتها العديد من الشركات الأخرى، بما في ذلك رولز رويس، وإيزي جيت، وبوينج، التي دخلت أيضاً في مجال تطوير تكنولوجيا الهيدروجين.
فعلى سبيل المثال، قامت كل من رولز رويس وإيزي جيت بإجراء اختبارات أرضية لمحرك طائرة يعمل باحتراق الهيدروجين، بينما تعاونت شركة إيرباص مع شركتي جنرال إلكتريك وسافران لتزويد طائرة عملاقة من طراز A380 بمحرك يعمل بالهيدروجين.
حتى أن شركة إيرباص قد أعلنت عن خطط لانتاج محرك يعمل بخلايا وقود الهيدروجين، من المحتمل أن يكون قادراً على تشغيل طائرة تتسع لـ 100 راكب، على أن تبدأ اختبارات الطيران تقريباً في عام 2026.
أحلام كهربائية
يلعب الطيران الكهربائي دوراً كبيراً فيما يتعلق بإزالة الكربون من قطاع الطيران، حتى وإن كان ذلك لا يحدث في الوقت الحالي بالنسبة للرحلات الطويلة. فالطيران الكهربائي يقتصر حالياً على الرحلات القصيرة نسبياً، والتي تصل إلى 400 ميل.
ومن المقرر أن يطلق ديل فينس، مؤسس شركة الطاقة البريطانية ايكوتريسيتي Ecotricity، في عام 2024 شركة ايكوجيت Ecojet، أول شركة طيران كهربائية في بريطانيا. وتهدف الشركة بصفتها “شركة الطيران الوطنية لبريطانيا الخضراء”، إلى إطلاق طائرة تشمل 19 مقعدًا وتقوم برحلات بين إدنبرة وساوثهامبتون.
ومن المنتظر أن تستخدم الرحلات الجوية الأولى الوقود الذي يعتمد على الكيروسين، ثم ستتحول إلى المحركات التي تعمل بالهيدروجين الأخضر في السنوات اللاحقة.[21]
وفي الوقت نفسه، قطعت طائرة “روح الابتكار”[22] من رولز رويس شوطاً كبيراً في مجال الطيران الكهربائي. وأشارت الشركة إلى أن طائرتها الكهربائية كلية تعد أسرع مركبة كهربائية بالكامل في العالم، حيث أن بإمكانها الطيران بسرعة 555.9 كم/ساعة خلال ثلاثة كيلومترات، وتبلغ سرعتها القصوى 623 كم/ساعة. وتعد الطائرة جزءاً من مشروع ACCEL (تسريع تحول قطاع الطيران إلى الكهرباء) وهي تحلق مدفوعة بمجموعة نقل الحركة الكهربائية وبطارية دفع تبلغ قدرتها 400 كيلووات (500 + حصان).
طائرة جوبي للطيران العمودية الكهربائية. حقوق الصورة: جوبي للطيران©
وبالمثل، قامت شركة جوبي للطيران، وهي شركة ناشئة يقع مقرها في ولاية كاليفورنيا، وتدعمها شركة عبد اللطيف جميل لإدارة الاستثمار (JIMCO)، وهي الذراع الاستثماري لشركة عبد اللطيف جميل، قامت بجمع رأس مال ضخم من أجل مشروعها التجريبي لطائراتها العمودية المسيرة كهربائياً بالكامل. ومن المفترض أن توفر الطائرة ذات الأربعة مقاعد، والتي يمكن أن تصل سرعتها إلى 320 كم/ساعة وتقطع 240 كم اعتماداً على شحنة واحدة، خدمة التاكسي الطائر بأسعار معقولة في جميع أنحاء العالم دون أن يصدر عنها أي انبعاثات أو أي صوت على الإطلاق.
ويقول حسن جميل ، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة عبد اللطيف جميل: “لا تزال خدمة التاكسي الطائر تخطو خطواتها الأولى في الأسواق، إلا أنها ينتظرها مستقبل واعد وهي قادرة على إحداث تحول جوهري في مجال التنقل”. ويضيف: “ومع الحد من انبعاثات الكربون في الوقت نفسه يصبح الأمر ملحاً لغاية”.
ومما لا شك فيه أن رسالة إزالة الكربون من قطاع الطيران مهمة جد صعبة وتنطوي على العديد من المشكلات ولكنها ليست مستحيلة.
وتتنامى المحفزات التي تشجع على التحرك في هذا الاتجاه، لا سيما مع فرض الضوابط الصارمة و تكاتف أصحاب المصلحة من موردي الوقود والمصنعين والمطارات وشركات الطيران ومشغلي الشحن – على سبيل المثال لا الحصر – من أجل تحقيق هذا الهدف. في الوقت نفسه، تستمر الإنجازات التكنولوجية، لتنتج لنا مركبات أكثر كفاءة مقارنة بأي وقت مضى، من شأنها أن تسهم في إنجاح هذه المهمة. وفي نهاية المطاف، تتجمع كل هذه الخيوط لجذب قطاع الطيران نحو مستقبل خالٍ من الكربون – ونحن في أمس الحاجة إلي ذلك.
[1] https://www.iata.org/contentassets/8d19e716636a47c184e7221c77563c93/finance-net-zero-roadmap.pdf Page 2
[2] https://atag.org/industry-topics/supporting-economic-social-development
[3] https://ourworldindata.org/co2-emissions-from-aviation
[4] https://www.iata.org/en/iata-repository/pressroom/fact-sheets/fact-sheet—corsia/
[5] https://www.economist.com/finance-and-economics/2022/12/15/the-struggle-to-put-a-carbon-price-on-a-flight
[6] https://www.economist.com/finance-and-economics/2022/12/15/the-struggle-to-put-a-carbon-price-on-a-flight
[7] https://www.mckinsey.com/industries/aerospace-and-defense/our-insights/decarbonizing-aviation-executing-on-net-zero-goals
[8] https://sciencebasedtargets.org/news/the-sbtis-new-interim-1-5-c-aviation-pathway
[9] https://www.mckinsey.com/industries/aerospace-and-defense/our-insights/decarbonizing-aviation-executing-on-net-zero-goals
[10] https://www.mckinsey.com/industries/aerospace-and-defense/our-insights/future-air-mobility-blog/fuel-efficiency-why-airlines-need-to-switch-to-more-ambitious-measures
[11] https://www.kambr.com/articles/what-is-single-european-sky#:~:text=An%20improvement%20in%20safety%20performance,increase%20in%20capacity%20where%20needed.
[12] https://www.faa.gov/nextgen/today
[13] https://aircraft.airbus.com/en/aircraft/a320-the-most-successful-aircraft-family-ever/a320neo-creating-higher-customer-value
[14] https://simpleflying.com/sustainable-777x/
[15] https://climatetrade.com/why-is-it-so-hard-to-decarbonize-aviation/
[16] https://www.shell.com/energy-and-innovation/the-energy-future/decarbonising-aviation.html?utm_source=&utm_medium=Deloitte&utm_content=Deloitte_web_link_001_&utm_campaign=decarbonisingaviation__sep-dec_2021
[17] https://www.google.com/search?q=%27There+is+no+cheap+way+of+decarbonising+air+travel%27&oq=%27There+is+no+cheap+way+of+decarbonising+air+travel%27&gs_lcrp=EgZjaHJvbWUyBggAEEUYOTIHCAEQIRigAdIBCDE2NzdqMGo3qAIAsAIA&sourceid=chrome&ie=UTF-8
[18] https://www.shell.com/business-customers/aviation/the-future-of-energy/sustainable-aviation-fuel.html#iframe=L2wvODc3OTYyLzIwMjMtMDUtMjIvNHdiNjh2
[19] https://www.bain.com/insights/will-plans-to-decarbonize-the-aviation-industry-fly/
[20] https://www.theguardian.com/business/2022/nov/30/airbus-boss-warn-delay-decarbonising-airline-industry-hydrogen-sustainable-aviation-fuel
[21] https://www.theguardian.com/business/2023/jul/17/green-energy-tycoon-to-launch-uk-first-electric-airline
[22] https://www.rolls-royce.com/media/press-releases/2021/19-11-2021-spirit-of-innovation-stakes-claim-to-be-the-worlds-fastest-all-electric-vehicle.aspx