يبدو أن العالم يقف اليوم على أعتاب ثورة تعليمية جديدة تلعب فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي دوراً فعالاً في إعادة تشكيل طرق التعليم والتعلّم خلال السنوات القادمة.

كان عام 2023 محطة فارقة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي (genAI)، وهو شكل سريع التطور من الذكاء الاصطناعي يتميز بقدرته على إنشاء محتوى جديد تماماً. وعلى وجه الخصوص، حظي إطلاق روبوتات الدردشة النصية القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (genAI) بحفاوة هائلة من جانب الأوساط المهتمة بالذكاء الاصطناعي. ففي نوفمبر من ذات العام، أعلنت شركة «أوبن إيه آي» (OpenAI) عن إطلاق تطبيقها الثوري «شات جي بي تي» (ChatGPT) وإتاحته إلى 100 مليون مستخدم أسبوعياً [1]. وسرعان ما استحوذ «شات جي بي تي» على عقول جمهور المستخدمين، بفضل قدرته وسرعته الفائقة في إنتاج محتوى مكتوب حول مجموعة واسعة من المواضيع، وبمستوى عالٍ من الدقة، فضلاً عن إمكاناته الاستثنائية في إجراء محادثات مع البشر بأسلوب يبدو طبيعياً إلى حد مذهل. وقد أدى ذلك كله إلى اهتمام كبير بالكيفية التي يمكن بها لهذه التكنولوجيا أن تغير الطريقة التي نعيش ونعمل بها.

ويرى الخبراء أن «شات جي بي تي» هو تطبيق الإنترنت الاستهلاكي الأسرع نمواً على الإطلاق، حيث وصل عدد مستخدميه إلى 100 مليون مستخدم شهرياً في غضون شهرين فقط من إطلاقه. وعلى الرغم من أنه يواجه الآن منافسة شرسة من تطبيقات أخرى مثل Gemini من Google (المعروف سابقاً باسم Bard) ، إلا أنه لا يزال أكثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي شعبية بين مستخدمي الإنترنت.

وثمة أيضاً تطبيقات أخرى شائعة (مثل Dall-E وMidjourney) تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنتاج صور من النصوص، وحتى إنشاء مقاطع الموسيقى والفيديو. كما يتوقع الخبراء أن يكون لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي تأثير كبير على الاقتصادات والمجتمعات، إذ تتوقع بلومبرج إنتليجنس أن ينمو سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي من 40 مليار دولار أمريكي في عام 2022 إلى 1.3 تريليون دولار أمريكي على مدى السنوات العشر المقبلة [2]. وفي الوقت نفسه، تؤكد شركة ماكنزي في تقرير لها أن عام 2023 شهد ”طفرة“ في تغلغل الذكاء الاصطناعي التوليدي في عالم الأعمال. ففي استطلاع للرأي أجري في أبريل 2023 وشمل جميع قطاعات الأعمال، قال ما يقرب من ربع المشاركين (22%) إنهم بالفعل يستخدمون تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي بانتظام في إنجاز أعمالهم [3].

ويُعد التعليم أحد المجالات التي يُتوقع أن يُحدث الذكاء الاصطناعي التوليدي ثورة غير مسبوقة فيها. فعلى الرغم من وجود بعض المخاوف بشأن احتمالية أن تتسبب هذه التطبيقات في زيادة حالات الانتحال الأكاديمي والسرقات الأدبية ونشر المعلومات المضللة، إلا أننا أيضاً بصدد إمكانات مثيرة لإثراء تجارب المتعلمين والمعلمين بفرص جديدة كلياً.

فرص واعدة أمام قطاع التعليم

أدى ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى إثارة مخاوف عديدة لدى البعض من أن المتعلمين قد يستخدمونه للغش والانتحال الأكاديمي، حتى أن بعض المدارس في الولايات المتحدة عمدت إلى حظر «شات جي بي تي» كلياً، متذرعةً “بتأثيراته السلبية المحتملة على تعلم الطلاب، وغيرها من المخاوف المتعلقة بسلامة ودقة المحتوى“[4]. كما أثيرت شواغل مماثلة بشأن تأثير هذه التكنولوجيا على التعليم العالي. ومن المفارقات العجيبة أن ورقة بحثية أكاديمية نُشرت في مارس 2023 وناقشت ما تثيره أدوات الذكاء الاصطناعي من مخاوف تتعلق بالنزاهة الأكاديمية والسرقات الأدبية، تبين لاحقاً أنها لم تكن أكثر من مجرد بحث مكتوب بواسطة موقع «شات جي بي تي»، وهو ما لم يتم الكشف عنه إلا بعد نشر البحث! [5]

وسرعان ما تم رفع هذا الحظر المتسرع مع تراجع مواقف المعلمين الرافضة لهذه التكنولوجيا، [6]بل وبات مقبولاً الآن لدى كثير من الخبراء أن هذه التكنولوجيا إنما وُجدت لتبقى، بما يُحتم علينا أن نبادر إلى تسخير فوائدها بدلاً من النظر إليها كخطر يهدد التعليم.

في الواقع، يرى العديد من الخبراء والمتخصصين أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يفتح الباب أمام تطوير أساليب جديدة للتدريس والتعلم من شأنها أن تدعم المشاركة والإنتاجية في مجموعة واسعة من المستويات التعليمية. فعلى سبيل المثال، يرى مركز الابتكار في التدريس بجامعة كورنيل أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، بما يوفره من كميات هائلة من المعلومات، يمكن أن يُسهم في استحداث طرق لمساعدة المتعلمين ذوي القدرات أو الخلفيات أو الاحتياجات الخاصة. وهذا إلى جانب قدرته على تعزيز شغف الاستكشاف والإبداع، وإثارة الفضول، واقتراح أفكار وطرق جديدة للتفكير. [7]

توفر تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي أيضاً فوائد كبيرة للمعلمين، من جهة أنها يمكن أن تساعد أعضاء هيئة التدريس في إنتاج محتوى ومواد المقررات الدراسية، مثل خطط الدروس، أو أسئلة الاختبارات، أو نماذج المسائل، أو سيناريوهات الكتابة. ويمكن للمحاضرين كذلك استخدامها في صياغة أهداف التعلم أو توصيفات المقررات الدراسية أو بيانات المنهج الدراسي أو سياسات المقررات الدراسية.

وقد أفاد تقرير صادر عن وزارة التعليم الأمريكية العام الماضي أن المعلمين بدأوا بالفعل في استكشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي في كتابة الدروس أو تحسينها، وفي البحث عن المواد واختيارها وتكييفها لاستخدامها في دروسهم. ويشير التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، رُغم مخاطره، قد يُساعد في تحقيق الأولويات والأهداف التعليمية بطرق أفضل، وعلى نطاق واسع، وبتكاليف أقل. ويؤكد التقرير على “ضرورة المسارعة إلى دمج الذكاء الاصطناعي في منظومة التعليم للاستفادة من مزاياه، وتجنب المخاطر الناشئة عنه والتخفيف من حدتها، ومعالجة العواقب المحتملة [8].”

إقبال متزايد

تبدو هذه التوصية الملحّة من جانب وزارة التعليم الأمريكية في محلها، إذ تشير الأدلة الواردة من المملكة المتحدة إلى شيوع استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بين المعلمين والطلاب على حد سواء، فقد خلص استطلاع أجرته شركة «إنترنت ماترز» في عام 2024 أن 44% من الأطفال يتفاعلون بنشاط مع أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي – حيث يستخدمها أكثر من نصف هذه المجموعة (54%) في حل الواجبات المنزلية أو المدرسية [9]. وفي الوقت نفسه، خلصت دراسة استقصائية سابقة أجرتها وزارة التعليم التابعة لحكومة المملكة المتحدة في أبريل 2023، أن 23% من الأطفال يميلون إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وبحسب تقرير آخر أصدرته وزارة التربية والتعليم بالمملكة المتحدة في يناير [10]2024، يتركز استخدام المعلمون حالياً لتقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي على إنشاء محتوى للدروس وكأداة للدعم الإداري. ومن بين القادة والمعلمين الذين استعانوا بهذه التكنولوجيا، كان 62% منهم يستخدمونها لإنشاء الدروس أو تصميم المقررات الدراسية، فيما كان حوالي 42% منهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي لتخطيط الدروس أو محتوى المناهج الدراسية، و17% منهم للتواصل مع أولياء الأمور أو مقدمي الرعاية. وشملت الاستخدامات الأخرى تقديم الدروس، وتصحيح الإجابات أو إبداء الملاحظات، وصياغة وثائق السياسات. وثمة أدلة متزايدة على استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجموعة واسعة من المواد الدراسية. ففي العلوم والحوسبة، يستخدم المعلمون الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنتاج أفكار التجارب وأدوات المراجعة والأكواد البرمجية. أما في الرياضيات، فقد أنشأ المعلمون اختبارات ذاتية التصحيح، بينما يجري استخدامه في المواد التي تعتمد على اللغة لتوليد أمثلة كتابية وأسئلة أسئلة الفهم والاستيعاب.

الذكاء الاصطناعي كأداة للتعلم الشخصي

في عام 1984، صاغ عالم النفس التربوي بنجامين بلوم نظريته المعروفة باسم “مشكلة السيجما الثنائية“، وكان ذلك ضمن أبحاثه التي سلطت الضوء على الأداء الأفضل بكثير الذي يمكن أن يحققه المتعلمون من خلال الدروس الفردية مقارنةً بالتعليم في الفصل الدراسي. ولأسباب تتعلق بالتطبيق العملي والموارد المتاحة، ظل الوصول إلى هذا النوع من النمط التعليمي محدوداً حتى الآن. إلا أن بعض المبادرات تستكشف الآن إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي لجعل التعليم الشخصي نموذجاً سائداً.

على سبيل المثال، توفر شركة «نودل فاكتوري» (Noodle Factory)، ومقرها سنغافورة، منصة داعمة لأنشطة التدريس تعتمد على الذكاء الاصطناعي تسمى ”والتر“، ويمكنها تصميم تجارب تعليمية متوافقة مع احتياجات الطلاب مع تخفيف العبء الإداري عن المعلمين. وبإمكان المنصة أيضاً تقديم ملاحظات فورية للطلاب حول التمارين المكتملة، وتمكينهم من إبداء أسئلة مفتوحة، بينما يمكن لوظيفة الأسئلة والأجوبة الإجابة عن استفسارات الطلبة حول المقرر الدراسي.  .

ولكن يبقى أن هذا التوجه إنما يعطي الأولوية للمحتوى المؤسسي، وهو محدود بطبيعته لاقتصاره على المحاضرات والشرائح. لذا، من الأفضل أن يسمح المعلمين باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي ذات النماذج اللغوية الكبيرة مثل «شات جي بي تي» للمساعدة في تطوير معارف الطلاب. وبإمكان المعلمين الاطلاع على التحليلات لفهم كيفية تفاعل الطلاب مع روبوت الدردشة وتحديد المجالات التي قد تحتاج إلى دعم أو تدخل إضافي.

وثمة العديد من المؤسسات التي تستخدم منصة «نودل فاكتوري» كمدخل تعليمي، وأبرزها كُلّية نجي آن بوليتكنيك للعلوم الصحية في سنغافورة، حيث يستخدمها أكثر من 1000 طالب. ووفقاً للمنصة، فقد قيّم الطلاب تجربة التدريس بـ 4.26 درجة من أصل 5 درجات، في حين ساعدت أداة التقييم الآلي على توفير 100 ساعة سنوياً لكل محاضر [11]. كما يجري استخدام المنصة في معهد التعليم الفني (ITE) في البلاد. وفي دراسة استغرقت تسعة أشهر وشارك فيها طلاب ومحاضرين من معهد التعليم الفني، أفاد أكثر من 80% منهم بأن المنصة فعّالة وأنهم يرغبون في مواصلة استخدامها. وقال حوالي 84% من الطلاب إن معلم الذكاء الاصطناعي يتميز بسهولة الاستخدام والتصفح، بينما قال حوالي ثلثي المحاضرين (64%) إنهم وفروا ما بين 50% و75% من الوقت أثناء عملية التصحيح. [12]

ويتزايد الإقبال على استخدام منصة «والتر» أيضاً في الولايات المتحدة والمكسيك والبرتغال والمملكة المتحدة، حيث تقوم جامعة لندن حالياً بتجربة استخدام روبوت الدردشة في مقرراتها القانونية المتوفرة عبر الإنترنت[13]. ويقول جوناثان توماس، المدير المساعد لتصميم وإنتاج برامج التعليم في الجامعة، إنه معجب بقدرة المنصة على تقديم ملاحظات دقيقة ومفيدة بشكل لحظي. ويعلق توماس قائلاً: “نحن لا نتصور أن يحل الذكاء الاصطناعي محل المعلم، لكني أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في سد هذه الفجوة من خلال الإجابة على الأسئلة الأكاديمية الشائعة، وإزالة العوائق التي يواجهها الطلاب، وتوفير الوقت على المعلمين للتركيز على القضايا الأكثر أهمية”.

وبفضل ميزات الأمان التي تعمل على تحسين أمن البيانات وتساعد على منع الطلاب من الوصول إلى محتوى غير لائق، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المصممة حسب الطلب أن تقدم ميزات تتخطى الخيارات المتاحة للجمهور في تطبيقات أخرى مثل «شات جي بي تي». وعلى رأس هذه الأدوات تأتي منصة «كانميغو» (Khanmigo)، وهي عبارة عن ”مدرس شخصي ومساعد تعليمي“ مدعوم بالذكاء الاصطناعي التوليدي، تم تطويره العام الماضي من قبل أكاديمية خان، وهي منظمة تعليمية غير ربحية في الولايات المتحدة.

تعتمد منصة «كانميغو» على تقنية «شات جي بي تي» نفسها – ولكن بدلاً من مجرد تقديم الإجابات، فهي مصممة لتوجيه المتعلمين نحو حل المشكلات بأنفسهم. وقد تم تدريب المنصة أيضاً على محتوى مكتبة أكاديمية خان، والتي تتضمن مساقات دراسية في مواد تشمل الرياضيات والعلوم والاقتصاد والتاريخ.

ويتيح الدعم التحادثي الذي تقدمه منصة «كانميغو» للمتعلمين طرح الأسئلة الصعبة مع تحفيزهم على التفكير النقدي – بل ويمكنها أيضاً أن تقوم بدور الشخصيات التاريخية. وبالنسبة للمعلمين، تقدم المنصة الدعم للمعلمين في أنشطة عديدة مثل تخطيط الدروس، وإنشاء نماذج التقييم، وتقديم الملاحظات [14].

وقد قوبل روبوت الدردشة الآلي «كانميغو» بردود فعل إيجابية، حيث وصفه صحفي في صحيفة واشنطن بوست مؤخراً بأنه ”أفضل نموذج لدينا لكيفية تطور الذكاء الاصطناعي وتطبيقه من أجل الصالح العام“ و”أول برنامج ذكاء اصطناعي أتحمس لاستخدامه من قبل أطفالي“[15]. ويجري حالياً تجربة منصة «كانميغو» على نحو 20,000 طالب كجزء من برنامج بتكلفة مليوني دولار أمريكي في ولاية إنديانا الأمريكية. وبإمكان المنصة أن تُساعد الطلاب على الدردشة مع الشخصيات الأدبية، وصياغة القصص، واستيفاء إجراءات القبول في الجامعات، وتلقي التدريب لتحقيق أهدافهم الأكاديمية والمهنية، حتى أن أحد الطلاب وصف التطبيق بأنه ”أكثر متعة من «تيكتوك» (TikTok)“ [16].

توسيع نطاق الاستخدام

صحيح أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم لا يزال في مراحله الأولى، لكننا نشهد بالفعل بعض التطبيقات المثيرة في هذا المجال. ومن الواضح أننا بصدد إمكانات كبيرة لدعم مسارات تعليمية أكثر تركيزاً عبر هذه التكنولوجيا، سواء من خلال التفاعلات المباشرة مع المتعلمين، أو الإمكانات الجديدة التي توفرها للمعلمين. وبالفعل، يعتقد مؤسس أكاديمية خان، سال خان، أننا ”على أعتاب استخدام الذكاء الاصطناعي في أكبر تحوّل إيجابي ربما شهده التعليم على الإطلاق“[17].

وبالإضافة إلى تعزيز أساليب التعليم السائدة، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يسهل على الطلاب والمعلمين تكييف المحتوى أو إنشاؤه بطرق مختلفة لتناسب مختلف احتياجات التعلم. فعلى سبيل المثال، قال باحثون يعانون من حالات مرضية نادرة مثل إصابات الدماغ وعسر القراءة والأفانتازيا (عدم القدرة على التصور)، لمجلة «نيتشر» مؤخراً أن الذكاء الاصطناعي التوليدي كان داعماً لهم في تحويل المحتوى الأكاديمي إلى أشكال مختلفة – مثل تدوين المحاضرات وتلخيصها أو توليد الصور من الأوصاف [18].

وتشير منظمة «جيسك» (Jisc) التعليمية غير الربحية في المملكة المتحدة إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يكون فعالاً بشكل خاص في إعادة صياغة النصوص، وهو ما يمكن أن يفيد الطلاب ممن يعانون من التنوع العصبي. ويمكن أن يشمل ذلك ترجمة المواد وتبسيطها وإعادة صياغتها، أو تقديم أمثلة توضيحية للمحتوى المعقد [19]. ومن أبرز الموارد الشائعة في هذا المجال هو منصة «جوبلن.تولز» (goblin.tools)، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لتقديم مجموعة من الأدوات المصممة لدعم المتعلمين ذوي التنوع العصبي في مهام مختلفة. وتشمل هذه الأدوات وظيفة تغيير أسلوب الكتابة وتقدير المدة التي قد تستغرقها المهمة حتى إكمالها. ومؤخراً، أشادت إحدى الطالبات المصابات باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD) في جامعة سيدني للتكنولوجيا بمزايا «جوبلن.تولز» التي ساعدتها في الحفاظ على التركيز وإدارة وقتها بفعالية، إلى جانب تطبيق تحويل النص إلى كلام Speechify وبرنامج Yoodli، وهو برنامج للتدريب على النطق والكلام [20].

Researchers are investigating further possibilities for using advanced AI technology to support students with special educational needs.  Amid a shortfall of speech and language pathologists in the US, one project led by the University at Buffalo aims to develop AI-based tools to screen children for speech and language challenges and then work with teachers to provide individualized interventions[21].  And the University of Maine is leading a project investigating innovative practices in using AI in education, funded by the Council for Exceptional Children.[22]

الإمكانات المستقبلية

وليست الأمثلة السابقة سوى لمحة بسيطة عن الإمكانات المستقبلية الهائلة والمحتملة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم.  على سبيل المثال، ألقى البروفيسور مايك شاربلز الأستاذ بالجامعة المفتوحة خطاباً العام الماضي في كلية لندن الجامعية، سلط فيه الضوء على إمكانية استخدام ذكاء اصطناعي “كدليل إرشادي للتعلم والحياة“، موضحاً أنه عندما يصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي أكثر تطوراً، سنتمكن من استخدام أدوات روبوتات الدردشة ليس فقط للمساعدة في مهام معينة ولكن كـ”مرشدين مدى الحياة“ يتمتعون بذاكرة راسخة [23].

وعلى رأس قائمة أبرز التطورات الأخرى يأتي تطبيق جوجل التجريبي «نوتبوك إل ام» (NotebookLM)، المعروف سابقاً باسم «بروجيكت تيلويند» (Project Tailwind)، وهو مصمم لاستخلاص المعلومات المتوفرة بالمستندات التي يتم تغذيته بها.  ولأن الأداة تستند إلى مصادر محددة، تقول جوجل إنها ”تنشئ ذكاءً اصطناعياً مخصصاً على دراية بالمعلومات التي تختارها بنفسك“، وتصفه الشركة بأنه ”مساعد بحث افتراضي يمكنه تلخيص المعلومات، وشرح الأفكار المعقدة، وطرح أفكار ومقترحات جديدة“. وتعطي جوجل مثالاً على ذلك طالباً بكلية الطب يقوم بتحميل مقال علمي عن علم الأعصاب ويطلب من التطبيق إنشاء مسرد بالمصطلحات الرئيسية المتعلقة بالدوبامين [24].

ويعطينا برنامج المنح الأولية لجامعة ستانفورد الذي يدعم المشاريع البحثيّة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال التعليم [25] لمحة أقرب عن مدى اتساع نطاق الاستخدامات المحتملة لهذه التكنولوجيا. وتشمل المبادرات التي تدعمها الجامعة مشروعاً يبحث في إنشاء مساعدين تعليميين افتراضيين يمكنهم محاكاة التدريب الطبي في العالم الواقعي، وتوليد أوصاف عالية الجودة استناداً إلى البيانات، لتحسين إمكانية الوصول للمتعلمين المكفوفين وضعاف البصر. وثمة مشاريع أخرى تمولها الجامعة وتستهدف إنشاء أدوات قادرة على اكتشاف النصوص التي يولدها الذكاء الاصطناعي، ومساعدة المعلمين على كتابة ملاحظات فعّالة للطلاب.

أطر عمل للمستقبل

تتوقع مؤسسة مورجان ستانلي أن قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على زيادة كفاءة التعليم وتحسين جودته، يمكن أن تدر نحو 200 مليار دولار أمريكي لقطاع التعليم العالمي بحلول عام [26] 2025. ورُغم أن الحكومات والمؤسسات التعليمية باتت أكثر اهتماما بهذه الفرص، إلا أنها لا تزال متوجسة من المخاطر المحتملة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وقد حذرت أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو، من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي ”لا يمكن دمجه في التعليم بغير مشاركة من الجمهور، ودون توفير الضمانات واللوائح اللازمة من جانب الحكومات”[27].

وما ترمي إليه مديرة اليونسكو هنا هو أننا نحتاج إلى سياسات فعّالة لجني أفضل النتائج من الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال التعليم. فعلى سبيل المثال، تقترح ”التوجيهات العالمية لليونسكو بشأن الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال التعليم والبحوث [28] “ حظر استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية لمن هم دون سن الثالثة عشر، وتدعو إلى تدريب المعلمين على استخدام هذه التكنولوجيا. ورُغم أن عدداً قليلاً فقط من البلدان قد تبنى بالفعل سياسات أو خططاً محددة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، إلا أن اليونسكو توصي في تقريرها بثمانية تدابير رئيسية يمكن للحكومات اتخاذها لوضع سياسات ناجعة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم. وتشمل هذه التدابير تعزيز الشمول والمساواة والتنوع، والحفاظ على التفاعل البشري، وتعزيز أنظمة المراقبة والتحقق من صحتها.

صحيح أن قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي تبشر بفرص هائلة لتطوير التعليم، لكن الاستفادة الكاملة من هذه الإمكانات بطريقة تحقق فوائد ملموسة لكل من المعلمين والطلاب ليست بالمهمة اليسيرة. ومما يبعث على التفاؤل أننا نرى الآن العديد من المؤسسات التعليمية تطبق مناهج أكثر توازناً يضع في حسبانه تلك الشكوك المبكرة التي عطلت تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي في منظمة التعليم. فجامعة كورنيل، على سبيل المثال، تقترح على المعلمين اتباع نهج مرن يتراوح ما بين حظر استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي أو السماح به مع ذكر المصدر، أو تشجيع استخدامه بين الطلاب [29]. وستكون مثل هذه المقاربات – الإقرار بفوائد الذكاء الاصطناعي التوليدي مع وضع أُطر معقولة لإدارة مخاطره – ضرورية خلال السنوات القادمة، التي ستشهد دوراً كبيراً ومتزايداً لهذه التكنولوجيا في التعليم والتعلم.

وأياً ما كانت تصوراتنا، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي قادم وبقوة ليُحدث ثورة في الفصول الدراسية وقاعات المحاضرات، شئنا ذلك أم أبينا. لكن التحدي الذي نواجهه الآن يكمن في كيفية تسخير قوته على أفضل وجه كأداة إيجابية لتعزيز التعليم، دون أن نتخذ من مخاطره ذريعة لتقويضه.

 

[1] https://www.theverge.com/2023/11/6/23948386/chatgpt-active-user-count-openai-developer-conference

[2] https://www.bloomberg.com/professional/insights/data/generative-ai-races-toward-1-3-trillion-in-revenue-by-2032/

[3] https://www.mckinsey.com/capabilities/quantumblack/our-insights/the-state-of-ai-in-2023-generative-ais-breakout-year

[4] https://www.theguardian.com/us-news/2023/jan/06/new-york-city-schools-ban-ai-chatbot-chatgpt

[5] https://www.theguardian.com/technology/2023/mar/19/ai-makes-plagiarism-harder-to-detect-argue-academics-in-paper-written-by-chatbot

[6] https://www.nytimes.com/2023/08/24/business/schools-chatgpt-chatbot-bans.html

[7] https://teaching.cornell.edu/generative-artificial-intelligence

[8] https://www2.ed.gov/documents/ai-report/ai-report.pdf

[9] https://www.internetmatters.org/hub/research/generative-ai-in-education-report/#full-report

[10] https://assets.publishing.service.gov.uk/media/65b8cd41b5cb6e000d8bb74e/DfE_GenAI_in_education_-_Educator_and_expert_views_report.pdf

[11] https://www.noodlefactory.ai/using-ai-to-improve-student-engagement-and-educator-productivity-ngee-ann-poly

[12] https://articles.noodlefactory.ai/ai-education-tackling-two-sigma-problem-walter

[13] https://onlinelearning.london.ac.uk/2023/03/29/ai-teaching-assistant-pilot/

[14] https://guides.libraries.uc.edu/ai-education/kh

[15] https://www.washingtonpost.com/opinions/2024/02/22/artificial-intelligence-sal-khan/

[16] https://content.govdelivery.com/accounts/INDOE/bulletins/372fd58

[17] https://blog.khanacademy.org/sal-khans-2023-ted-talk-ai-in-the-classroom-can-transform-education/

[18] https://www.nature.com/articles/d41586-024-01003-w

[19] https://nationalcentreforai.jiscinvolve.org/wp/2023/10/25/generative-ai-and-accessibility-in-education/

[20] https://lx.uts.edu.au/blog/2023/10/23/genai-student-perspectives-accessibility/

[21] https://www.buffalo.edu/ai4exceptionaled.html#title_301642566_copy

[22] https://umaine.edu/news/blog/2024/01/11/umaine-faculty-investigating-best-uses-for-ai-in-special-education/

[23] https://www.ucl.ac.uk/teaching-learning/case-studies/2023/aug/generative-ai-and-education-futures

[24] https://blog.google/technology/ai/notebooklm-google-ai/

[25] https://acceleratelearning.stanford.edu/funding/generative-ai/

[26] https://www.morganstanley.com/ideas/generative-ai-education-outlook

[27] https://www.unesco.org/en/articles/unesco-governments-must-quickly-regulate-generative-ai-schools

[28] https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000386693

[29] https://teaching.cornell.edu/generative-artificial-intelligence/cu-committee-report-generative-artificial-intelligence-education