الأغذية المائية: دراسة مستفيضة
يرى الكثيرون أن الأسماك – أو المأكولات البحرية بشكل عام – ما هي إلا واحدة من خيارات غذائية متعددة. ولكن هناك من يعتبرها المصدر الرئيس للبروتين، بل ومن يعتبرها المصدر الرئيس لكسب العيش – وللوجود. إذ يعتمد أكثر من 800 مليون شخص في البلدان النامية على البيئة المائية، ويرون فيها حياتهم وصحتهم ومصدر عيشهم[1].
وتجدر الإشارة أيضا إلى أنه بحلول عام 2030، سيكون هناك 8.5 مليار فاه يبحث عن طعام – بينما يعاني 600 مليون من سكان العالم الآن من سوء التغذية[2].
وتعد المحيطات موطنا لحوالي 80٪ من جميع أشكال الحياة، وهي توفر حاليًا الغذاء لثلاثة مليار إنسان[3]. وبإمكان المحيطات أن توفر الغذاء لستة أضعاف هذا العدد (وهذا لا يشمل الأنهار والبحيرات والموائل التي صنعها الإنسان[4]). ولكن ذلك لن يتأتى ما لم ندير منظومة الأغذية المائية بشكل مستدام وعادل.
فماذا عسانا أن نفعل لضمان جني الحد الأقصى من المكاسب المستدامة من الأغذية المائية؟ كيف يمكننا تحسين الإنتاج ؟ والتعامل مع الهدر؟ وكيف لنا ان نتأكد من أن منظومة الأغذية المائية توفر الأمن الغذائي والتغذية وسبل العيش لأكبر عدد ممكن من البشر؟
ما هي منظومة الأغذية المائية؟
تشمل الأغذية المائية أي غذاء نحصل عليه من الماء. ويغطي هذا التعريف كل شيء بدء من الأسماك والمحاريات وحتى الطحالب والبدائل الاصطناعية.
وتشمل منظومة الأغذية المائية كل ما يلزم لدعم هذه الأغذية المائية، وما تنطوي عليه من فوائد. ووفقا لمركز الأسماك العالمي فأن:
“منظومة الأغذية المائية ما هي إلا شبكة معقدة تشمل جميع العناصر والأنشطة التي تتعلق بالأغذية التي تخرج من الماء، وكذا أجزاء من البيئات الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية الأوسع التي تعد جزءا منها. كما تتضمن كافة الخطوات بدء من الإنتاج وحتى الاستهلاك، فضلاً عن النتائج المتعلقة بالتغذية والصحة العامة والأمن الغذائي والرخاء الاجتماعي والاقتصادي والاستدامة البيئية[5].”
أكثر من مجرد مذاق شهي
تنطوي الأغذية المائية على العديد من الفوائد التي تتجاوز الطهي ومذاقها الشهي، مما يجعلها مماثلة لزراعة الأراضي في عدة جوانب، فهي:
- وفيرة: زادت كميات خيرات البحار بمعدلات قياسية، ويمكن زيادتها بشكل أكبر من خلال الإدارة المستدامة.
- مغذية: الأغذية المائية مليئة بالبروتينات وغنية بالعناصر الغذائية الأساسية، بما في ذلك أحماض أوميجا 3 الدهنية غير المشبعة والفيتامينات والمعادن الأساسية. والأغذية المائية أفضل لك من العديد من مصادر الغذاء الأخرى[6].
- مهمة للأمن الغذائي: في عام 2019، استهلك العالم حوالي 158 مليون طن من الأغذية المائية – ويمثل ذلك أكثر من ضعف ما تم استهلاكه من لحوم الأبقار، وأعلى بكثير من استهلاك لحوم الخنازير والدواجن[7]. يحصل حوالي 3.3 مليار شخص على 20٪ أو أكثر من متوسط ما يتناولوه من البروتين من الأغذية المائية. وفي البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، غالبًا ما تكون الأغذية المائية المصدر الرئيس – أو الوحيد – للبروتين والعناصر الغذائية الأساسية[8].
- مصدر للعيش: في عالم مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، يعمل حوالي 62 مليون شخص في مجالات الإنتاج الأولي[9]. وتحتل آسيا المركز الأول من حيث العمالة، تليها أفريقيا[10]. وتنتج مصايد الأسماك الساحلية الصغيرة ذات التقنيات البسيطة حوالي 40٪ من الانتاج العالمي، ويشتغل فيها 90٪ من عمالة القطاع – مما يدعم سبل عيش ما يقرب من 500 مليون شخص في الدول النامية[11].
- تحقق مكاسب في مضماري التجارة والتنمية المستدامة: سجلت منظومة الأغذية المائية عوائد قياسية بلغت 195 مليار دولار أمريكي في عام 2022. وتتصدر القائمة الصين بصادرات بلغت قيمتها 22.4 مليار دولار أمريكي، تليها النرويج (15.5 مليار دولار أمريكي)، ثم فيتنام (11.2 مليار دولار أمريكي).[12]
- أكثر محافظة على البيئة مقارنة بالزراعة: المحيط هو أكبر مصرف للكربون في العالم، كما أن الأغذية المائية تطلق كمية أقل من الكربون مقارنة بالمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية.[13]
إنتاج الأغذية المائية يسجل مستويات قياسية
زاد الانتاج العالمي من الأغذية المائية بحوالي خمسة أضعاف مقارنة بالستة عقود الماضية. لقد ظل حجم الانتاج الذي يعتمد على تقنيات الصيد التقليدي كما هو لعقود من الزمن. ولكن منذ عام 2020 ، ازداد إنتاج مزارع الأحياء المائية بنسبة 6.6%، وبات يمثل أكثر من 57% من منتجات الأغذية المائية الموجهة للاستهلاك البشري[14].

وبينما كان البشر يستهلكون حوالي ثلثي إنتاج الأحياء المائية في الستينيات، وصلت نسبة استهلاكهم اليوم إلى 90% تقريبا. فبين عامي 1961 و2021، ارتفع الاستهلاك بنسبة 483% – أي 3% سنويًا. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النسبة تمثل ضعف متوسط معدل نمو سكان العالم تقريبا[15].
وتعزى هذه الزيادة إلى تفضيلات المستهلكين والتكنولوجيات الجديدة والازدهار المتزايد.
لم يبلغ الإنتاج ذروته بعد. ومن المتوقع أن ينتج العالم 205 ملايين طن من الأحياء المائية للاستخدام البشري بحلول عام 2032 ، 111 مليون طن منها تقريبا سيأتي من تربية الأحياء المائية و94 مليون طن من مصايد الأسماك. وستشكل المنتجات المخصصة للاستهلاك البشري 90٪ من الإنتاج، ويعكس ذلك زيادة من 20.7 كجم للفرد تم تسجيلها في عام 2022 إلى 21.3 كجم للفرد في عام 2032[16].
وتجدر الإشارة إلى أنه من خلال الإدارة السليمة والاستثمار في الابتكار، يمكن لمنظومة إنتاج الأغذية المائية أن توفر ستة أضعاف ما توفره اليوم من غذاء – ويعادل ذلك أكثر من ثلثي البروتين الحيواني الذي نحتاجه لإطعام الأجيال القادمة.
ما هي المشكلة؟
قد تعجبك هذه الأرقام وتعتبرها إنجازا – ولكن ماذا إذا علمت أن أعداد الأحياء المائية في تناقص. ففي عام 1974، كان 90٪ من الأحياء التي تخضع لمراقبة منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) تعتبر ضمن مستويات الاستدامة البيولوجية. ولكن منذ عام 2021، تراجعت هذه النسبة لتسجل 62.3٪ فقط[17]. ويعزى ذلك إلى الصيد الجائر وتغير النظم البيئية والهدر.
كم نهدر من الأغذية المائية؟
يعد الحد من هدر الأغذية المائية أمرا بالغ الأهمية إذا كنا نرنو إلى تحسين استدامة النظم الغذائية، وتحقيق الهدف رقم 12.3 من أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، والمتمثل في السعي لخفض نصيب الفرد من هدر الغذاء العالمي إلى النصف بحلول عام [18]2030.
إن تقييم الحجم الحقيقي للهدر ليس بالأمر السهل. لكن ما من شك أن حجم الهدر هائل. فوفقًا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة، بلغ إجمالي المهدر من الأغذية المائية الصالحة للأكل في عام 2021 حوالي 23.8 مليون طن، وهو ما يعادل 14.8% من إجمالي إنتاج الأغذية المائية. والجزء الأكبر من الخسائر يحدث أثناء عمليات المعالجة (39%) وإنتاج مصايد الأسماك البرية (35%)[19].
وتجدر الإشارة إلى أن كمية المهدر من الأغذية المائية تتباين من منطقة إلى أخرى. فالدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط تهدر الكثير خلال مرحلة ما بعد الصيد والتجهيز، وذلك بسبب ممارسات المناولة والبنية التحتية الفقيرة، أما الدول ذات الدخل المرتفع فيتزايد فيها الهدر بسبب ىسلوكيات المستهلكين.
تقع الخسائر ويحدث الهدر في كل مرحلة من مراحل سلسلة القيمة[20]، ويشمل ذلك:
- ما يتم القائه في البحر: يتم إلقاء الكثير من الأغذية المائية “ذات القيمة المنخفضة” في البحر فتموت أما بسبب الصدمات الجسدية أو بسبب التعرض للافتراس بعد فترة وجيزة.
- مزارع الأحياء المائية: يتأثر انتاج المزارع بتعرض الأحياء المائية للأمراض والطفيليات والتشوهات والظروف القاسية والتلوث.
- مرحلة التجهيز في البحر: ويشمل ذلك المنتجات الثانوية كرؤوس الأسماك وذيولها وأحشاءها ودمها وقشورها ومواد عضوية أخرى، والتي يتم إلقاؤها مرة أخرى في البحر.
- مصايد الأسماك الصغيرة: اشارت أحدى الدراسات التي أجريت عام 2014 إلى أن خسارة الأسماك بعد جمعها من مصايد الأسماك الصغيرة تقدر بما يتراوح بين 20 و75 في المائة – ويرجع ذلك في الغالب إلى سوء التخزين والنقل والمناولة والتدريب.
- التجهيزات بعيدا عن البحر: تميل البلدان ذات الدخل المنخفض إلى شراء الأسماك كاملة وطازجة، بينما تفضل البلدان ذات الدخل المرتفع المنتجات المقطعة والمعلبة والجاهزة للأكل، وينطوي ذلك على المزيد من النفايات والهدر.
- البيع بالتجزئة: يتم التخلص من المنتجات الملوثة أو التي تجاوزت تاريخ الصلاحية بسبب سوء إدارة المخزون والمناولة والتخزين.
- الاستهلاك المنزلي: يتخلص المستهلكون من أجزاء من المنتجات التي لا يريدونها أو لم يأكلوها أو فشلوا في تخزينها بشكل صحيح. وهذه المشكلة أقل شيوعا في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط حيث يميل المستهلكون إلى استهلاك الأسماك الطازجة كاملة.
كيف نحقق الاستدامة في منظومة الأغذية المائية؟
يؤكد مركز الأسماك العالمي أن الاستدامة في منظومة الأغذية المائية تتحقق عندما “تضمن المنظومة تحقيق الأمن الغذائي والتغذية للجميع – الآن وفي المستقبل – دون المساس بالأسس الاقتصادية والاجتماعية والبيئية أو تعريضها للخطر“.[21]
فكيف حالنا؟ وفقًا للجدول أدناه، لا يتجاوز الاستغلال المستدام للموارد السمكية نسبة ال 62٪ – ويعكس ذلك انخفاضا ملحوظا مقارنة بفترة السبعينات حيث بلغت نسبة الاستدامة 90٪ . ويعني ذلك أن 78.9٪ من انتاج اكبر المصادر تم صيده واستغلاله في العام نفسه بشكل مستدام ، وهو ما يؤكد أن الإدارة السليمة يمكن أن تحدث فارقًا[22].
وتؤكد منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، أنه ثمة تحسينات كبيرة تتم في منظومة عمليات الأغذية المائية واستخدامها، ولكن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود للحد من الهدر والتوسع في الإنتاج المستدام. ويشمل ذلك[23]:
- تعزيز التقنيات المبتكرة
- تنفيذ حلول الاقتصاد الدائري
- تسهيل وصول المنتجين، لاسيما صغار المنتجين، إلى الأسواق الإقليمية والدولية
- توفير الأغذية المائية لجميع المستهلكين
- الإدارة الفعالة
هل تربية الأحياء المائية هي الحل؟
نعني بتربية الأحياء المائية تلك العملية التي تتم فيها تربية الكائنات المائية والاعتناء بها خلال جزء من دورة حياتها أو خلال كامل دورة حياتها. وقد تختلف عمليات تربية الأحياء المائية من حيث درجة التعقيد، فتتراوح من العمليات المنزلية الصغيرة إلى الشركات المتعددة الجنسيات الكبيرة والتي تعتمد على الخزانات أو البرك أو بيئات المياه المفتوحة.
وفي عام 2022، بلغ إنتاج تربية الأحياء المائية 94.4 مليون طن، متجاوزًا مصايد الأسماك الطبيعية. وتجدر الإشارة إلى أن تربية الأحياء المائية تعد مصدرًا أساسيًا للقوت وسبل العيش بالنسبة للمجتمعات الساحلية والداخلية[24]. وهي الأيسر من حيث الإدارة مقارنة باصطياد الأغذية المائية، وهو ما يجعلها توفر كميات وفيرة من أنواع مائية مختلفة، وتفسح مجالا للحد من الخسائر من خلال التكنولوجيا والتدريب والاستثمار. على الرغم من كل هذه الايجابيات، يهيمن على هذا القطاع عدد قليل نسبيًا من البلدان، حيث تحتل الصين والهند وإندونيسيا المقدمة، بينما لم تستغل إفريقيا وآسيا، أكبر منتجي الأغذية المائية، كامل إمكاناتهما بعد.
ولذلك تركز الأبحاث والاستراتيجيات الجديدة على زيادة إنتاج تربية الأحياء المائية والحد من خسائر الأغذية المائية:
- مصادر بديلة لبروتينات الأسماك: مثلما تسهم البروتينات النباتية، والطحالب الدقيقة، ووجبة الحشرات، في الحد من الاعتماد على مخزون الأسماك؛ ثبت أن الأعلاف التي تقوم على الطحالب الدقيقة تساعد في تحفيز النمو وزيادة نشاط مضادات الأكسدة في الأسماك المستزرعة.[25]
- لتدريب والاعتماد: يسهم ذلك في الحد من إجهاد الحيوانات أثناء الحصاد وكذا تقليل الخسائر التي تنتج عن سوء المناولة[26].
- التربية الانتقائية والهندسة الوراثية: يسهم ذلك في تعزيز مقاومة الأمراض وتحفيز النمو وانتاج سلالات أكثر إنتاجية وأكثر قدرة على التكيف[27].
- المراقبة في الوقت الفعلي: يسهم استخدام أجهزة الاستشعار في الكشف المبكر عن الأمراض والتدخل في الوقت المناسب لاحتواء تفشي الأمراض وتقليل الخسائر[28].
التعامل مع الهدر وزيادة الانتاج
تلعب عمليات تربية الأحياء المائية دورًا جد مهم، ولكنها لا تكفي وحدها لحل المشكلة. فعلى القائمين على الصناعة تبني نهجًا بيئيًا كاملاً يستهدف حماية البيئات وسبل العيش دون المساس بصحة الكائنات المائية وسلامة الغذاء. ويحدد المنتدى الاقتصادي العالمي عدة تدخلات للحد من هدر الأغذية المائية عبر المنظومة:
استخدام المزيد من المنتجات الثانوية
يمكن تضمين المنتجات الثانوية في دقيق السمك وزيت السمك المستخدمين في عمليات تربية الأحياء المائية والأعلاف الزراعية والأسمدة والوقود الحيوي وأغذية الحيوانات الأليفة[29]. فعلى سبيل المثال، زاد منتجو سمك القد الأيسلندي من إنتاجهم بنسبة تصل إلى 20٪ خلال العقدين الماضيين باستخدام أجزاء مثل الرأس والعظام والجلد والأحشاء[30]. وتجدر الإشارة إلى أن المنتجات الثانوية تستخدم أيضا في المستحضرات الصيدلانية والمكملات الغذائية والطب الحيوي ومستحضرات التجميل والمواد القابلة للتحلل البيولوجي.[31]
الحفاظ على البرودة
يعد النقل بشكل صحيح، ولاسيما التحكم في درجات الحرارة، أمر بالغ الأهمية لتجنب تلف الأغذية ــ وهي مشكلة كبيرة في سلاسل التوريد الأطول والمناطق ذات الدخل المنخفض. وتوفر وحدات التجميد التي تعمل بالطاقة الشمسية وسيلة ميسورة التكلفة نسبيا للحفاظ على برودة الأسماك بدء من الصيد وحتى الوصول للأسواق. وفي البلدان ذات الدخل المرتفع، يمكن لمصايد الأسماك الكبيرة أن تزود السفن بوحدات تجميد سريعة لتجميد الأسماك بسرعة ومنع التلف بسبب نمو البكتيريا والأكسدة والتفاعلات الأنزيمية.
الاستفادة من التقنيات الحديثة
تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة والبلوك تشين والطباعة ثلاثية الأبعاد في تعزيز الشفافية وإمكانيات المراقبة، وتحسين القدرة على التنبؤ باتجاهات السوق، ومعالجة مشكلات سلاسل التوريد، وتحسين عمليات الإنتاج، وأساليب التعبئة والتغليف الآلية المخصصة.
إذ يمكن للذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة، على وجه الخصوص، الاسهام في تحسين جودة الأعلاف و التعامل مع الأمراض والحد من موت الأحياء المائية، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة الانتاج. كما يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين عمليات توزيع المنتجات من خلال تحسين لوجستيات سلاسل التوريد وتوقع الطلب، وهو ما يسهم في الحد من عمليات النقل غير الضرورية والخسائر الناجمة عن ضعف المبيعات.
تشجيع المستهلكين على تناول المزيد مما يتم صيده
يمكن أن يساعد الترويج للأجزاء غير المستخدمة على تقليل الطلب على المنتجات التي يؤدي استهلاكها إلى زيادة الهدر. في هذا السياق يسهم الاعتماد على وصفات مطابخ الثقافات المختلفة في إلهام المستهلكين. فعلى سبيل المثال، تتراجع معدلات الهدر عند تعليب الأسماك مقارنة بتقطيعها إلى شرائح. وتتصدر إسبانيا قائمة الدول الأوروبية في مضمار الأغذية المعلبة، حيث تنتج أكثر من 343000 طن بقيمة 1500 مليون يورو[32]. وفي الوقت نفسه، زادت مبيعات الأسماك المعلبة في الولايات المتحدة من 2.3 مليار دولار أمريكي في عام 2018 إلى أكثر من 2.7 مليار دولار أمريكي في عام [33]2023. وبالمثل، بدأت أطواق الأسماك (المعروفة باسم كاما في آسيا) تكتسب شهرة في الأسواق الغربية – وهي فكرة مغذية وتضمن في الوقت نفسه تناول المستهلكين للمزيد من المنتج والحد من الهدر[34].
تحسين المهارات
إن تحسين عمليات المناولة والتجهيز والتخزين والنقل من شأنه أن يساعد في ضمان وصول المزيد من الأغذية المائية عالية الجودة إلى المائدة. وقد أطلقت منظمة الأغذية والزراعة دورة تدريبية عبر الإنترنت، وكتيبات تشمل أفضل الممارسات، وطرق للتقييم للمساعدة في الحد من الهدر عبر سلاسل التوريد. وتجدر الإشارة إلى أن التدريب يعزز الاستدامة، و يشجع المزيد من الاستثمار في التكنولوجيا، وفي نهاية المطاف، يحقق هوامش أعلى. كما أن نشر الوعي بين المستهلكين حول عمليات التخزين والتخطيط للوجبات بشكل صحيح من شأنه أن يساعد أيضًا في الحد من الهدر.
التنسيق
إن تنسيق العمل والتعاون عبر القطاعات المختلفة من شأنه أن يسفر عن نتائج أكثر فعالية. وخير مثال هو تحالف تشامبيونز 12.3 ، الذي يجمع الصناعات المختلفة، ويرنو إلى تحقيق الهدف رقم 12.3 من أهداف التنمية المستدامة، والمتمثل في خفض هدر الغذاء العالمي إلى النصف، والحد بشكل كبير من خسائر الأغذية بحلول عام 2030.
وهناك أيضا شبكة أوشن كلستر، والتي ترأسها أيسلندا، وهي تعمل على الترويج لمبادرة استهلك 100% من السمكة. من ناحية أخرى، تضم مجموعة ناميبيا أوشن كلستر، وهي إضافة حديثة إلى هذه الشبكة، تضم أصحاب المصلحة في مجال الأغذية المائية في ناميبيا وتستهدف الحد من خسائر ما بعد الحصاد. كما يستخدم تجار التجزئة والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيات تقنيات الهواتف المحمولة وبيانات سلاسل التوريد الرقمية لإعادة توجيه الفائض أو الأغذية التي شارفت صلاحيتها على الانتهاء، أو التي تبدو سيئة من حيث الشكل إلى المستهلكين والجمعيات الخيرية – وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلل من الهدر.
ويدعو المنتدى الاقتصادي العالمي المزيد من أصحاب المصلحة في هذا المضمار لوضع الأهداف والمعايير وإعداد التقارير عبر سلاسل التوريد من أجل خفض تكاليف التشغيل والحد من الهدر[35]. كذلك ينبغي على مصنعي المعدات التعاون مع العاملين في مجال الصيد لإيجاد طرق جديدة للحد من اصطياد الأنواع غير المرغوب فيها و التي ينتهي الأمر بالتخلص منها.
تشديد السياسات واللوائح
تعتمد أغلب السياسات على المبادئ التوجيهية الطوعية لا اللوائح واجبة التنفيذ. وتنطوي الآليات التي تشمل مدونة الممارسات المتعلقة بالاسماك والمنتجات السمكية، والتي أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية، على توصيات قيمة، ولكنها تفتقر إلى الاعتراف الدولي، مما يجعل تأثيرها على الحد من هدر الأغذية جد محدود[36].
وتوفر خارطة طريق “التحول الأزرق” التي وضعتها منظمة الأغذية والزراعة استراتيجيات تستهدف خفض خسائر الغذاء والهدر العالمي إلى النصف بحلول عام 2030. وهي تضع رؤية لتوسعة منظومة الأغذية المائية لغرض تحسين الأغذية ذات القيمة التغذوية العالية والمتوافرة بأسعار معقولة لاسيما للفئات الأكثر ضعفا، وتعزيز النمو العادل، لاسيما للمجتمعات التي تعتمد على مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية[37]. وتروج المبادرة لما يلي:
- تكثيف وتوسعة عمليات تربية الأحياء المائية المستدامة: زيادة الإنتاج العالمي من عمليات تربية الأحياء المائية بنسبة تصل إلى 40٪ بحلول عام 2030 لتلبية احتياجات الغذاء المتزايدة وتوفير فرص العمل.
- الإدارة الفعالة لمصايد الأسماك: دعم عمليات تطوير أنظمة الإدارة التي تعيد موارد مصايد الأسماك وأنظمتها إلى حالة صحية.
- سلاسل غذائية مطورة: تنفيذ ممارسات وتقنيات مبتكرة للحد من الخسائر والهدر، وتحسين إمكانيات التتبع والمراقبة والشفافية، وتسهيل العمليات التجارية، وتيسير الوصول إلى الأسواق.
وعلى الرغم من أن مثل هذه البرامج والمعاييرغير ملزمة، إلا أنها لا تزال تؤثر على صنع السياسات. فعلى سبيل المثال، ساهمت مبادئ مدونة الممارسات المتعلقة بالاسماك والمنتجات السمكية في وضع اللائحة رقم 853/2004 للمفوضية الأوروبية، والتي تحدد معايير النظافة للأغذية المائية في الاتحاد الأوروبي. وهذا يشير إلى أنه في حين أن المبادئ التوجيهية وحدها قد تكون غير كافية لإحداث التغيير، إلا أنها يمكن أن تحفز التعديلات التشريعية عندما تكون مدعومة بالزخم المطلوب.
وتجدر الإشارة إلى أن القطاعات الزراعية تفتقر إلى مثل هذه اللوائح التي تركز على الحد من الهدر. ولذا يتعين على صناع السياسات التركيز على التعاون وجمع البيانات وتثقيف المستهلكين من أجل وضع سياسات قائمة على الأدلة تحث على الحد من الهدر دون فرض القيود الخانقة على الأعمال التجارية.
وتلعب المنظمات غير الحكومية دورًا مهما في زيادة وعي المستهلكين والتشجيع على استهلاك الأسماك كاملة، وهو ما يعكس الممارسات المستدامة في مختلف الثقافات. ويؤكد الاعتراف المتزايد بمنظومة الأغذية المائية في المنتديات الدولية، مثل قمة أنظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة ومفاوضات تغير المناخ، يؤكد على أهميتها المتزايدة.
اغتنم الفرصة
تعد الأغذية المائية الأفضل بين مصادر الطعام من حيث الوفرة والقيمة التغذوية. وهي بجانب تلبية الاحتياجات الأساسية من السعرات الحرارية والبروتين، تحسن الصحة، وتنتشل الكثيرين من براثن الفقر، وتدعم النمو المستدام. ومن خلال زيادة الوعي، وتنسيق الجهود، و دعم الابتكارات التكنولوجية، يمكننا تأمين هذا المورد الوفير والحيوي والحفاظ عليه للأجيال القادمة.
[1] https://worldfishcenter.org/research/aquatic-food-systems
[2] https://populationmatters.org/news/2024/07/the-road-to-10-billion-world-population-projections-2024/
[3] https://www.un.org/sw/node/51825
[4] https://oceanpanel.org/wp-content/uploads/2022/05/The-Future-of-Food-from-the-Sea.pdf
[5] مركز الأسماك العالمي
[6] Lund, E. K., “Health benefits of seafood; Is it just the fatty acids?”, Food Chemistry, المجلد رقم 140 ، 2013، ص. 413 – 420413-420.
[7] Investigating Global Aquatic Food Loss and Waste. المنتدي الأقتصادي العالمي، 2024
[8] Stetkiewicz, S. et al., “Seafood in Food Security: A Call for Bridging the Terrestrial-Aquatic Divide,” Frontiers in Sustainable Food Systems, المجلد رقم 5 ، 2021
[9] ‘2024: The State of World Fisheries and Agriculture. Blue Transformation in Action.’ منظمة الفاو
[10] https://www.fao.org/interactive/state-of-fisheries-aquaculture/en/
[11] https://www3.weforum.org/docs/WEF_Investigating_Global_Aquatic_Food_Loss_and_Waste_2024.pdf
[12] ‘2024: The State of World Fisheries and Agriculture. Blue Transformation in Action.’ منظمة الفاو
[13] https://worldfishcenter.org/research/aquatic-food-systems
[14] ‘2024: The State of World Fisheries and Agriculture. Blue Transformation in Action.’ منظمة الفاو
[15] https://www.fao.org/interactive/state-of-fisheries-aquaculture/en/
[16] https://www.fao.org/interactive/state-of-fisheries-aquaculture/en/
[17] https://www.fao.org/interactive/state-of-fisheries-aquaculture/en/
[18] https://sdgs.un.org/goals/goal12
[19] Investigating Global Aquatic Food Loss and Waste. المنتدى الاقتصادي العالمي،2024
[20] “FAO Terminology Portal”, منظمة الفاو
[21] مركز الاسماك العالمي
[22] https://www.fao.org/interactive/state-of-fisheries-aquaculture/en/
[23] https://openknowledge.fao.org/server/api/core/bitstreams/7493258e-e420-4840-a95d-cfec8833219d/content
[24] https://www.fao.org/interactive/state-of-fisheries-aquaculture/en/
[25]Aragão, C. t al., “Alternative Proteins for Fish Diets: Implications beyond Growth,” Animals, المجلد رقم 12، 2022
[26] “Fisheries and Aquaculture Techniques – Certificate,” كلية بيلينجهام التقنية
[27] Muir, W.M., “The threats and benefits of GM fish”, EMBO Reports, المجلد رقم 5 ، 2004 ، ص. 654-659,
[28] Bohara, K., P. Joshi, K.P. Acharya and G. Ramena, “Emerging technologies revolutionising disease diagnosis and monitoring in aquatic animal health”, Reviews in Aquaculture, 2023
[29] “Fish Waste Production in the UK – The Quantities Produced and Opportunities for Better Utilisation”, Seafish, 2000
[30] Zimet, S. “Icelanders Turn $12 Cod into $3,500 Worth of Products”, Human Progress, 2018
[31] Marti-Quijal, F. J. et al., “Fermentation in fish and by-products processing: an overview of current research and future prospects”, Current Opinion in Food Science, المجلد 31 ، 2020 ص. 9 – 16.
[32] https://www.fao.org/in-action/globefish/fishery-information/resource-detail/en/c/338172
[33] Miller, J., “Will 2024 be the year of the tinned fish? – Responsible Seafood Advocate”, Global Seafood Alliance, 2 January 2024
[34] Okamoto, K., “For the Most Succulent Fish, Cook the Collar”, Epicurious, 3 February 2021
[35] Investigating Global Aquatic Food Loss and Waste. المنتدى الاقتصادي العالمي2024
[36] https://www.who.int/publications/i/item/9789240013179
[37] https://openknowledge.fao.org/server/api/core/bitstreams/2f12c8a2-fc0a-4569-bb97-6b5dbf5b6fbe/content