الاستثمار في الطبيعة
تقدما مذهلا شهدته الأعوام المائة الماضية في مجالي الثراء والصحة. لم يقتصر هذا التقدم على الدول المتقدمة أو الاقتصادات الناشئة، بل طال الجميع لينتشل كل يوم الآلاف من هوة الفقر. وعلى الرغم من أنه لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه، يعد أداؤنا الأفضل مقارنة بأي وقت مضى كما تؤكد العديد من المعايير الموضوعية للرخاء.
ولكن ثمة مشكلة. فبعيداً عن عالم السياسات والصراعات والأوبئة، يواجه العالم أو الكوكب الذي نحيا فيه العديد من المشكلات. ففي خضم سعينا غير المسبوق لجمع الثروات تسببنا – ولازلنا نتسبب – في استنزاف الموارد بشكل كارثي. فالاستهلاك غير المستدام للموارد الطبيعية يؤدي حتما إلى القضاء على النباتات والحيوانات والموائل التي تدعم جميع أشكال الحياة على كوكب الأرض.
ولذا يجب أن يمثل دوماً الحد من انبعاثات الكربون العالمية – بغية تجنب أسوأ آثار تغير المناخ على كوكبنا – محور تركيزنا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن القيمة التي ينطوي عليها تحقيق هذا الطموح قد تتضاءل عندما يحين التوقيت الذي نبلغ فيه صافي الانبعاثات الصفرية، إذا كانت البيئة الطبيعية التي تدعم مجتمعنا قد تضررت تماماً ولم يعد إنقاذها ممكناً.
موارد العالم تنفد – وكذلك صبره
ومن منظور القيمة النقدية، تعد ثرواتنا الجماعية مذهلة. ولكن برؤية أوسع، نحن نواجه ديوناً ضخمة ومستمرة ومتزايدة. فالواقع أن الطبيعة لا تتواجد إلى جوار أنظمتنا المالية فحسب – بل تدعمها. إذ يعتمد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي في العالم على الطبيعة سواء بشكل جزئي أو كلي[1] . وبطبيعة الحال، لن يبقى شيئاً إن لم نجد أي شيء لنأكله.
وبينما يتعين علينا أن نضع هدف بلوغ صافي الانبعاثات الصفرية دوماً نصب أعيننا كي نحافظ على سبل عيشنا وحياتنا، يجب علينا أيضاً الاستثمار في حلول طويلة الأجل تأخذ بعين الاعتبار التأثير على الطبيعة لا الثروة المالية أو الايجابيات الاقتصادية المباشرة وحسب.
وكما ذكرت المفوضية الأوروبية في تقريرها لعام 2023 (نقلاً عن الأمم المتحدة نفسها):
” تعد الحلول القائمة على الطبيعة من الأدوات المهمة المتاحة لصناع القرار، وقد تساعدهم في معالجة العديد من المشكلات. فالحلول القائمة على الطبيعة هي “مجموعة إجراءات تهدف إلى حماية النظم الإيكولوجية الأرضية أو المعدلة للمياه العذبة والساحلية والبحرية، وهي تعالج التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية بشكل فعال ومرن، وتحقق في الوقت نفسه للإنسان الرفاهية، وتوفر خدمات النظام البيئي وفوائد المرونة والتنوع البيولوجي“[2].
ألم يحن الوقت لتغيير رؤيتنا عن معايير قياس الثروة؟
قبل أن نتحدث عن الحلول العملية، دعونا نعود خطوة إلى الوراء. فكما هو الحال مع العديد من المشكلات، يأتي تغيير الرؤى والمفاهيم على قمة الأولويات. ويبدأ ذلك بتغيير كيفية توصيفنا للمشكلات وقياسنا لحجمها.
يعد الناتج المحلي الإجمالي مؤشراً مفيداً عندما نتطرق للأداء الاقتصادي على المدى القصير. لكن الناتج المحلي الإجمالي لا يأخذ في الحسبان استنزاف الأصول الطبيعية المملوكة من قبل أية دولة ـ أو بالأحرى من قبل كوكب الأرض – وهذا من شأنه أن يجعل الناتج المحلي الإجمالي – بوصفه مقياساً شاملاً للتقدم أو التأثير – منقوصاً في أحسن الأحوال، بل وضاراً في أسوأ الأحوال. ولذا فان العديد من البلدان التي يبدو أنها تنمو في أوقات الرخاء الاقتصادي والثروات قد تحاول في الواقع إخفاء الأضرار الجسيمة التي لحقت بأنظمتها البيئية وعرضت نجاحها الاقتصادي المستقبلي للخطر لأجيال قادمة.
وتعتبر التجارة في الموارد الطبيعية، والتي تتجه غالباً من الاقتصادات الناشئة إلى العالم المتقدم، قضية جد ملحة. فهذه الدول –وإن كانت تحصل على أموال حالياً – قد تفوق فيها التكاليف النهائية المزايا إذا لم يتم استعادة مواردها وبيئتها الطبيعية ــ أو كان من غير الممكن القيام بذلك.
وبالنظر إلى هذا المعيار، فإن نمو التجارة الدولية وما يترتب على ذلك من توسع وانتعاش في عالم الاقتصادات الناشئة ليس كما يبدو لنا. فالعديد من الدول تشعر أن لها الحق في استغلال مواردها الطبيعية، كما رأينا مع عدد لا يحصى من البلدان الأخرى على مر العصور. ولكن لتحقيق المستوى نفسه من الرخاء ــ أو حتى لتجاوزه ــ فإنهم لا يملكون رفاهية أم يحذوا حذو تلك البلدان ــ ويغمضون أعينهم عن العواقب الوخيمة الأوسع نطاقاً. فقد يحقق هذا التوجه ثروات على المدى القصير، ولكن من المؤكد أنه سيكون مصحوباً بمشكلات أكبر على المدى الطويل.
يجب علينا أن نتعلم من دروس الماضي.
فالتنمية والنمو المستدامين لن يتأتيان دون أن تصبح الطبيعة جزءاً من المعادلة الاقتصادية، إن لم يكن في قلبها، (وأن يشمل ذلك دورة الكربون على كوكب الأرض).
في هذا الصدد، يوصي البروفيسور بارثا داسجوبتا، أستاذ فرانك رامزي الفخري للاقتصاد في جامعة كامبريدج، والذي عمل على رأس فريق التقرير المستقل الذي صدر عن
حكومة المملكة المتحدة بشأن اقتصاديات التنوع البيولوجي[3]، يوصي بصياغة معيار جديد للرخاء يأخذ في الاعتبار قيمة الطبيعة، أو ما أطلق عليه “رأس المال الطبيعي”.
” علينا أن نستعين بمعيار يأخذ في الاعتبار قيمة كل حصص رأس المال ــ وأعني هنا رأس المال المنتج (كالطرق والمباني والموانئ والآلات)، ورأس المال البشري (كالمهارات والمعرفة)، ورأس المال الطبيعي. ويمكننا أن نطلق على هذا المعيار معيار “الثروة الشاملة””.
وحيث إن “الثروة الشاملة” تتضمن ثلاثة أنواع من رأس المال، فإن ذلك يجعل من السهل تحديد نطاقات الإبدال والتغيير في جميع الأنشطة الاقتصادية. وعند أخذ جميع العوامل في الاعتبار، يمكننا تقييم الرخاء الحقيقي لأي دولة بصورة أفضل. لقد شهدنا بعض التحركات الواعدة في هذا الاتجاه. وكان من ضمن هذه التحركات الناتج الإجمالي للنظام البيئي في الصين، وميزانية الرفاهية في نيوزيلندا، فكلاهما جعل الطبيعة جزءاً أصيلاً من المعادلة للخروج بصيغة أكثر شمولية لرخاء الإنسان.
تلتزم ميزانية الرفاهية النيوزيلندية بوضع رفاهية الإنسان والبيئة في الصميم من سياساتها. فقد رمى واضعو الميزانية إلى جعلها تستخدم المؤشرات الاجتماعية والبيئية، وكذا المؤشرات الاقتصادية والمالية، في توجيه قرارات الحكومة المتعلقة بالاستثمار والتمويل.
ومع إطلاق المبادرة، تقول رئيسة الوزراء السابقة جاسيندا أرديرن: ” إن الغرض من الإنفاق الحكومي يتمثل في ضمان رضاء المواطنين عن صحتهم وحياتهم بشكل عام . ويعني ذلك أن الثروة و النمو الاقتصادي لا يمثلا المعيار الذي ينبغي أن يقاس به تقدم أي بلد. فالناتج المحلي الإجمالي وحده لا يضمن تحسين مستويات معيشتنا ولا يأخذ في الاعتبار المستفيدين والمستبعدين من المشهد“.
وفي نهاية المطاف، نحن لا نريد أن نصبح أكثر ثراءً على الورق بينما تختفي النباتات والحيوانات من حولنا. فلا يمكن أن نكتفي بمتابعة الموارد ونسعى لتحقيق أهدافنا المتعلقة بالانبعاثات الكربونية ولا نفكر في بقية الأمور. يتعين علينا أن نعمل على إعادة توجيه ثرواتنا نحو الحفاظ على العالم الطبيعي وحمايته، وأن نغير في الوقت نفسه الطريقة التي نقيس بها مواردنا الطبيعية الثمينة ونديرها – وقبل كل شيء – الطريقة التي نستخدمها بها.
ما هي الحلول “القائمة على الطبيعة”؟
يعرف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة الحلول القائمة على الطبيعة بأنها:
“ مجموعة من الإجراءات تهدف إلى حماية النظم الإيكولوجية الطبيعية أو المعدلة وإدارتها واستعادتها على نحو مستدام ، ومواجهة التحديات المجتمعية بفاعلية ومرونة، وهي تحقق في الوقت نفسه رفاهية الإنسان وفوائد التنوع البيولوجي“.[4]
ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، تتدرج هذه التحديات المجتمعية من الحد من مخاطر الكوارث، وتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، لتصل إلى الأمن الغذائي والمائي، بل وصحة الإنسان.
وتنطوي الحلول القائمة على الطبيعة على قيمة اقتصادية وبيئية في الوقت نفسه، لأنها غالباً ما تكون أقل كلفة مقارنة بالحلول القياسية (غير الطبيعية) على المدى الطويل، ويعزى ذلك في الأساس إلى إمكانية التعامل مع الأضرار وما يترتب على ذلك من تكاليف[5].
والكارثة البيئية جد مكلفة في جميع الأحوال.
وتعد زراعة الأشجار أحد أمثلة الحلول القائمة على الطبيعة المعروفة على نطاق واسع منذ القدم. تسهم زراعة الأشجار في تنقية الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون، وتساعد في تحقيق هدف بلوغ صافي الانبعاثات الصفرية. وثمة أمثلة أخرى مدرجة في الجدول أدناه. وهي تشمل حماية الغابات القديمة لغرض الحد من الفيضانات والانهيارات الأرضية، واستعادة النظم البيئية الساحلية باعتبارها وسيلة للدفاع ضد العواصف وارتفاع مستوى سطح البحر[6].
أمثلة على الحلول القائمة على الطبيعة
تصنيف المناحي القائمة على الطبيعة | أمثلة |
مناحي استعادة النظم البيئية |
|
المناحي المتعلقة بالنظام البيئي والخاصة بقضايا محددة |
|
المناحي المتعلقة بالبنية التحتية |
|
مناحي الإدارة القائمة على النظام البيئي |
|
مناحي الحماية القائمة على النظام البيئي |
|
المصدر: الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة
المبادىء الثمانية للحلول القائمة على الطبيعة
هل يعد الاهتمام بالطبيعة المتطلب الوحيد لتحقيق الحلول القائمة على الطبيعة؟ ليس صحيحاً. فقد حدد الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة المبادىء والأسس الثمانية التالية لضمان أن تأتي هذه الحلول بالثمار المرجوة:[7]
الحلول القائمة على الطبيعة:
- يجب أن تتبنى معايير (ومبادئ) الحفاظ على الطبيعة
- يمكن تنفيذها وحدها أو بطريقة تتكامل فيها مع حلول أخرى تتعلق بالتحديات المجتمعية (مثل الحلول التكنولوجية والهندسية)
- تتحدد حسب السياقات الطبيعية والثقافية الخاصة بالمكان والتي تشمل المعرفة التقليدية والمحلية والعلمية
- تحقق المنافع المجتمعية بشكل عادل ومنصف، وبما يعزز الشفافية والمشاركة واسعة النطاق
- تحافظ على التنوع الحيوي والثقافي وقدرة النظم البيئية على التطور مع مرور الوقت
- يتم تطبيقها على نطاق المناظر الطبيعية
- تقر بالمفاضلات بين تحقيق كم محدود من المكاسب الاقتصادية المباشرة، والخيارات المستقبلية لإنتاج مجموعة كاملة من خدمات النظم البيئية وتعالجها
- تشكل جزءاً لا يتجزأ من الإطار العام للسياسات والتدابير أو الإجراءات التي تتخذ من أجل مواجهة تحدي محدد.
ما هي الأولويات؟
يؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه بحلول عام 2030، سنحتاج إلى زيادة حجم الاستثمارات في الحلول القائمة على الطبيعة ثلاثة أضعاف على الأقل إذا كنا نريد تحقيق مجموعة الأهداف المتعلقة بتغير المناخ والتنوع الحيوي وتدهور الأراضي. [8]
ويعد وضع ميزانية الموارد الطبيعية وموازنتها مع الحد من آثار تغير المناخ من المشكلات المعقدة ذات الحلول المعقدة. على الرغم من ذلك، ومن خلال التحليلات، تبدو الحلول واضحة جلية. ونذكر هنا أربعة فقط منها:
- إنفاق المزيد من المال. وفقاً لتقرير حالة التمويل من أجل الطبيعة الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة[9]، يتدفق 133 مليار دولار أمريكي حالياً نحو الحلول القائمة على الطبيعة سنوياً، وبينما تمثل الأموال العامة 86% منها، لا تتجاوز نسبة التمويل الخاص الـ 14%. ولا يمثل ذلك سوى ثلث ما نحتاج إلى إنفاقه إذا كنا نريد تحقيق أهدافنا المتعلقة بالمناخ والتنوع الحيوي والأرض.
- زراعة المزيد من الأشجار. هناك العديد من الحلول القائمة على الطبيعة، ولكن زراعة المزيد من الغابات تمثل الحل الأكثر جدوى على الإطلاق. ويؤكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنه بحلول عام 2050 ، ستحتاج الحلول القائمة على الغابات وحدها حوالي 203 مليار دولار أمريكي من إجمالي الإنفاق السنوي على مستوى العالم. وفي حين يعد الحفاظ على الغابات الحالية أمر بالغ الأهمية، ينبغي توجيه حوالي 80٪ من هذه الاستثمارات إلى زراعة غابات جديدة.[10]
- الحصول على المزيد من البيانات. نحن بحاجة إلى أن نفهم بعمق تأثيرنا على الطبيعة والأطر اللازمة لمتابعة الإنفاق وتقييم فعاليته. ويمكن للمؤسسات مثل البنوك المركزية وصندوق النقد الدولي (IMF) أن تلعب دوراً في هذا الصدد، من خلال توفير الخبرات المالية والفنية لتقييم المخاطر ومراقبة الاستثمارات.
- توفير الحوافز المناسبة: يمكن للحكومات والهيئات الدولية أن تضع القواعد الكفيلة بجعل الاستثمارات القائمة على الطبيعة أكثر جاذبية وأقل خطورة ــ أو ببساطة إلزامية ــ بينما تستهدف سلاسل التوريد التي تضر بالبيئة. فعلى سبيل المثال، تسعى مفوضية الاتحاد الأوروبي بشكل دؤوب إلى إجراء حوارات سياسية وإطلاق مبادرات التواصل على مستوى الاتحاد الأوروبي والمستوى العالمي لغرض تعزيز المشاركة وتطوير قاعدة معرفية واسعة وتحفيز عمليات العرض والطلب في الأسواق“.[11]
هناك العديد من الأمثلة التي تدلل على ما يمكن تحقيقه إذا ما توافر الاقتناع والالتزام والاستثمار معا بشكل صحيح. ففي عام 2021 أعلنت الحكومة الإسكتلندية عن حزمة استثمارات بلغت قيمتها 1.8 مليار جنيه إسترليني توجه للبنية التحتية منخفضة الكربون. ويشمل ذلك 20 مليون جنيه إسترليني لاستعادة الأراضي الخثية والالتزام باستثمار 250 مليون جنيه إسترليني على مدار السنوات العشر المقبلة. وبالنظر إلى أن ما يصل إلى 25% من الغطاء الأرضي في اسكتلندا عبارة عن أراضي الخث، فمن المرجح أن يضع هذا الإعلان وكذا الإجراءات المتخذة في هذا الصدد اسكتلندا في وضع “بطل استعادة أراضي الخث”.
وبالمثل، يهدف مشروع مقهى سيلفا نورتي في بيرو، والممول من قبل صندوق تحييد تدهور الأراضي، إلى مواجهة تدهور الأراضي من خلال تنفيذ مبادرة زراعات البن المستدامة في المناطق المتدهورة.
وتهدف هذه المبادرة – والتي تبلغ قيمتها 12 مليون دولار أمريكي – إلى تحويل 9000 هكتار من الأراضي المتدهورة إلى مناطق زراعية منتجة، وتجنب 1.3 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وتحسين سبل عيش 2400 منتج.
وتقدم المبادرة نموذجاً قابلاً للتطوير للحراجة الزراعية المستدامة التي يمكن تطبيقها على مستوى المناظر الطبيعية في مناطق أخرى من بيرو وأمريكا الجنوبية.
مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) يرسم الطريق
خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، (COP28) الذي انطلق في دبي عام 2023، والذي شرفت بحضوره، كانت الحاجة إلى النظر في الحلول القائمة على الطبيعة تقع ضمن أبرز القضايا الملحة الجديرة بالمناقشة، وخلال المناقشات شهدت بالفعل بعض التقدم الإيجابي. والجدير بالذكر أنه تم التأكيد على إنشاء صندوق للخسائر والأضرار[12] بقيمة تزيد عن 700 مليون دولار أمريكي، ويتمثل هدفه في تعويض الأكثر ضعفاً ومساعدتها في مواجهة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ. كان الصندوق قد تم الإعلان عنه لأول مرة خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP27)، وكان هذا الصندوق مطلباً للدول النامية التي تقع على الخطوط الأمامية لتغير المناخ وتواجه الدمار الناجم عن الظواهر الجوية المتطرفة والتي تتزايد باستمرار، مثل الجفاف، والفيضانات، وارتفاع منسوب مياه البحار. ويشمل نطاق الصندوق التركيز بشكل خاص على الشعوب الأصلية والمجتمعات الضعيفة.
وقد تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي استضافت مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28)، بتقديم 30 مليار دولار أمريكي لصندوق جديد يسمى “ألتيرا” يتمثل هدفه في الاستثمار في المشروعات الصديقة للمناخ في جميع أنحاء العالم، مع تخصيص 5 مليارات دولار أمريكي لجنوب العالم[13]. من ناحية أخرى، تعهدت العديد من بنوك التنمية الكبرى بتقديم أكثر من 31.6 مليار دولار أمريكي لمشروعات المناخ، وتعهد عدد من الحكومات بتوجيه مبالغ أصغر لصناديق تشمل صندوق المناخ الأخضر (3.5 مليار دولار أمريكي)، وصندوق التكيف (134 مليون دولار أمريكي)، وصندوق أقل البلدان نمواً (129.3 مليون دولار أمريكي). [14]
دور التمويل الخاص
رُغم أن حجم التحدي يتطلب استثمارات حكومية، إلا أن الأمر لا ينبغي أن يترك للحكومات وحدها. فالتمويل الخاص يمثل حالياً 14% فقط من إجمالي حجم الاستثمارات في الحلول القائمة على الطبيعة. ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، لا مناص من زيادة هذه النسبة من خلال مجموعة من الإجراءات كالتمويل المختلط، وتغيير السياسات المالية والتجارية، فضلاً عن محفزات أخرى.[15]
إنني أؤمن أن المستثمرين من القطاع الخاص يحملون على عاتقهم مسؤولية توظيف رأس المال الخاص في إحداث التغييرات الإيجابية ومواجهة تغير المناخ، و استعادة الموارد الطبيعية واستخدامها بشكل أكثر كفاءة في الوقت نفسه. ويوجه ذلك إما لدعم وتمويل الأساليب المستدامة لإنتاج الغذاء والماء، أو الأمن واستخدام الأراضي، أو المساعدة في تحويل صناعة الطاقة العالمية نحو مصادر طاقة متجددة ومستدامة ونظيفة.
وخلال حضوري مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28)، شاركت في عدد من الجلسات التي جمعت بين أبرز العناصر المؤثرة من القطاعين الخاص والعام والقطاع الثالث، وحاولنا خلال هذه الجلسات دراسة كيفية تعزيز التعاون بشأن هذه القضايا المهمة.
وقد تضمنت هذه الفعاليات اجتماع طاولة مستديرة عقد في مركز جميل للفنون استضافتها وزارة الخارجية، ومكتب الكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة، وتحالف أبحاث التكيف، وكان الهدف من ذلك تناول توجهات التكيف مع تغير المناخ القائمة على الأدلة؛ والمشاركة مع بيل جيتس في استضافة مناقشة إفطار تفاعلية تناولت التكيف الزراعي والقدرة على التكيف مع تغير المناخ.
وتجدر الإشارة إلى أن عائلة جميل نفسها ملتزمة بتمويل الحلول القائمة على الطبيعة من خلال شركة جميل لإدارة اإستثمار (JIMCO). وتشمل أمثلة تطبيق هذه الاستراتيجية: الاستثمارات في الصناديق التي تنشأ محافظ مستدامة تتعلق بكفاءة استخدام الموارد، وإزالة الكربون، والبنية التحتية للمياه والزراعة المتجددة.
وبعض المستثمرين، لاسيما أصحاب رأس المال الخاص، يسعدهم الأخذ بزمام المبادرة في هذا الصدد. وهذه إحدى المزايا التي يتمتع بها مستثمرو القطاع الخاص مقارنة بالشركات العامة ومدينة لندن أو وول ستريت. فرأس المال خاص، لا سيما العائلي، دائماً ما يتسم بالصبر. فأنت عندما تستثمر أموالك الخاصة، يكون بإمكانك تحديد أهدافك الخاصة – وقد ينطوي ذلك على رؤى بعيدة المدى فيما يتعلق بالحلول القائمة على الطبيعة (أو غيرها من حلول التكنولوجيا الخضراء الجديدة)، وأنت هنا تكون على يقين بأن العوائد النهائية ستبرر الصبر والانتظار.
وبعض المستثمرين، لاسيما أصحاب رأس المال الخاص، يسعدهم الأخذ بزمام المبادرة في هذا الصدد. وهذه إحدى المزايا التي يتمتع بها مستثمرو القطاع الخاص مقارنة بالشركات العامة ومدينة لندن أو وول ستريت. فرأس المال خاص، لا سيما العائلي، دائماً ما يتسم بالصبر. فأنت عندما تستثمر أموالك الخاصة، يكون بإمكانك تحديد أهدافك الخاصة – وقد ينطوي ذلك على رؤى بعيدة المدى فيما يتعلق بالحلول القائمة على الطبيعة (أو غيرها من حلول التكنولوجيا الخضراء الجديدة)، وأنت هنا تكون على يقين بأن العوائد النهائية ستبرر الصبر والانتظار.
فعلى سبيل المثال، أعلن مؤسس أمازون جيف بيزوس أنه سينفق ملياري دولار أمريكي (1.5 مليار جنيه إسترليني) لاستعادة المناظر الطبيعية وتغيير النظم الغذائية من خلال صندوق بيزوس للأرض. وقد تعهد الصندوق بتوجيه مبلغ مليار دولار أمريكي نحو الحفاظ على الطبيعة والشعوب والثقافات الأصلية. وتشكل هذه التعهدات مجتمعة جزءاً من التزام أوسع نطاقاً تبلغ قيمته 10 مليارات دولار أمريكي خصصت لمواجهة تغير المناخ.
ويقول بيزوس إن ثلثي الأراضي المنتجة في أفريقيا قد تدهورت، ولكن يمكن مواجهة ذلك من خلال الحلول القائمة على الطبيعة: “فبإمكان جهود استعادة الأراضي أن تسهم في تحسين خصوبة التربة، وزيادة الغلة، وتحسين الأمن الغذائي، وجعل المياه صالحة للاستخدام، وخلق فرص عمل، وتعزيز النمو الاقتصادي – وعزل الكربون في الوقت نفسه“.[16]
ألم يحن الوقت لتنويع محفظتنا الطبيعية؟
ينطوي الاستثمار في الطبيعة على قيمة تجارية مهمة، وقد تناولت ذلك بإسهاب في أحد مقالاتي السابقة من سلسلة سبوت لايت. والطبيعة ترتبط بعالم المال أيضاً. ومن المعتاد أن تشتمل محفظة الاستثمارات المالية على مجموعة متنوعة من الأصول تهدف إلى الحد من المخاطر ومواجهة الضبابية وعدم التيقن. وعلى هذا الغرار، نحن نحتاج إلى ضمان أقصى قدر ممكن من التنوع في محفظة الأصول الطبيعية على كوكب الأرض، لنعزز قدرة الطبيعة على الصمود في وجه الكوارث والحد من المخاطر التي تهدد أسلوب حياتنا.
إن تنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة يعني حماية – بل وتعزيز – الأصول الحيوية خلال رحلتنا نحو بلوغ مستقبل أكثر استدامة. استثمار مهم بلا شك… وعائده هو بقاؤنا وبقاء عالمنا.
[1] https://wedocs.unep.org/xmlui/bitstream/handle/20.500.11822/36148/SFN_ESEN.pdf
[2] https://research-and-innovation.ec.europa.eu/knowledge-publications-tools-and-data/publications/all-publications/harnessing-power-collaboration-nature-based-solutions_en
[3] https://www.gov.uk/government/publications/final-report-the-economics-of-biodiversity-the-dasgupta-review
[4] https://www.iucn.org/commissions/commission-ecosystem-management/our-work/nature-based-solutions
[5] https://wedocs.unep.org/xmlui/bitstream/handle/20.500.11822/36145/SFN.pdf
[6] https://www.naturebasedsolutionsinitiative.org/news/new-nbsi-publication-mapping-the-evidence-of-nature-based-solutions-for-climate-change-adaptation/
[7] https://www.iucn.org/commissions/commission-ecosystem-management/our-work/nature-based-solutions
[8] https://wedocs.unep.org/xmlui/bitstream/handle/20.500.11822/36146/SFN_KF.pdf
[9] https://www.unep.org/resources/state-finance-nature
[10] https://wedocs.unep.org/xmlui/bitstream/handle/20.500.11822/36146/SFN_KF.pdf
[11] https://ec.europa.eu/info/research-and-innovation/research-area/environment/nature-based-solutions/research-policy_en
[12] https://www.theguardian.com/environment/2023/dec/06/700m-pledged-to-loss-and-damage-fund-cop28-covers-less-than-02-percent-needed
[13] https://www.climatechangenews.com/2023/12/10/what-is-alterra-the-uaes-30-billion-green-investment-fund/
[14] https://www.climatechangenews.com/2023/12/10/what-is-alterra-the-uaes-30-billion-green-investment-fund/
[15] https://wedocs.unep.org/xmlui/bitstream/handle/20.500.11822/36146/SFN_KF.pdf