عرف العالم البلاستيك لأول مرة قبل أكثر من قرن بقليل، وكان ينظر إليه منذ ذلك الحين كمادة لا مثيل لها؛ شيء من شأنه أن يحول حياتنا إلى الأفضل ويقلل من حاجتنا إلى قطع أعداد متزايدة من الأشجار.

لكن تطور مستوى الوعي والخبرة سيغيران نظرة العالم إلى البلاستيك في المستقبل؛ خاصة بعد اكتشاف تأثيره الضار بشكل كبير وطويل الأمد على كوكبنا وعلى بيئتنا الطبيعية.

ولا يمكن وصف الإحصائيات في هذا الصدد إلا أنها صادمة.

  • شهدت السنوات الـ 15 الماضية تصنيع نصف الكمية الإجمالية للمواد البلاستيكية التي تم تصنيعها منذ اكتشاف البلاستيك.
  • في عام 2019، بلغ إنتاج البلاستيك حوالي 368 مليون طن متري في جميع أنحاء العالم.[1]
  • في أسبوع واحد فقط، أنتجت الولايات المتحدة من زجاجات المياه المعبأة وحدها كمية تكفي لتطويق الكوكب خمس مرات.[2]
  • يتم شراء مليون زجاجة بلاستيكية حول العالم كل دقيقة.[3]
  • بعض أنواع البلاستيك يمكن أن تستغرق ما يصل إلى ألف سنة لتتحلل.
  • 73% من القمامة الملقاة على الشواطئ في جميع أنحاء العالم من البلاستيك. [4]
  • في أقل من 30 عامًا، يمكن أن تتجاوز كمية البلاستيك في المحيطات وزن الأسماك التي تعيش بها.[5]

قيل أن البلاستيك موجود في كل مكان، وأنه يدوم؛ لكن ذلك الوصف ينطبق أيضًا على الإبداع البشري، بل ويمكن أن يكون منقذنا. ونحن نخطو إلى عصر التقنية، متشبثين بعصر البلاستيك، فإن قدرتنا على الابتكار هي التي يمكن أن تنقذنا من هذا الطاعون الذاتي.

غالبا ما يقال لنا أن البلاستيك لا غنى عنه، وأنه يستغرق وقتًا أطول لينكسر، وأنه لا يوجد بديل له قابل للتطبيق اقتصاديًا، ولكن هل تبدو هذه المقولة التقليدية خالية من الغموض، أم أن علاقتنا المستقبلية مع البلاستيك لم يتم تحديدها بعد؟

لفهم الفرص التي تنتظرنا، يتحتم علينا أولا أن نفهم طبيعة التحدي الذي نواجهه.

الحقائق البلاستيكية كلها يسهل استيعابها

صحيح أن العديد من الصناعات الاستهلاكية قد اتخذت خطوات لمعالجة نفاياتها البلاستيكية، لكن المشكلة أكبر بكثير من أن يتم حلها بمعزل عن غيرها.

يغلف البلاستيك حياتنا اليومية، ويمتد اللوم في ذلك إلى بعض من أكبر العلامات التجارية في العالم.

وجدت دراسة أجرتها مجموعة “التحرر من البلاستيك ” أن كوكا كولا وبيبسي ونستله هي أكبر ثلاث شركات عالمية تسهم في التلوث البلاستيكي للعام الثالث على التوالي.[6]

وكشفت الإحصاءات التي أجريت في وقت سابق من هذا العام، أن هذه العلامات التجارية الثلاث، بالإضافة إلى يونيلفر، تنتج حوالي 500,000 طن من البلاستيك سنويًا في ستة بلدان نامية، وهذه الكمية تتحول بدورها إلى نفايات بلاستيكية ملوثة للبيئة.[7]

ومع ذلك، يُحسب لهذه الشركات العالمية الأربع أن جميعها تتخذ بالفعل تدابير للحد من مساهمتها في التلوث البلاستيكي. على سبيل المثال، تعهدت كوكا كولا بزيادة كمية المحتوى المعاد تدويره في الزجاجات البلاستيكية إلى 50٪ بحلول عام 2030، في حين وعدت نستله بجعل جميع عبواتها البلاستيكية قابلة لإعادة التدوير بنسبة 100٪ أو قابلة لإعادة الاستخدام بحلول عام 2025.  ولكن المشكلة ما زالت كبيرة جداً بحيث أن كبرى الشركات لا يمكنها معالجتها بمفردها.

ALJ Plastic Pollution Waste

وفقا للأمم المتحدة، يتسبب الحطام البلاستيكي في وفاة ما يقرب من مليون طائر بحري و100,000حيوان بحري سنويا.[8]

وقد أصبحنا ندرك اليوم وبشكل متزايد أنه ليس ضارًا فقط بحياة الحيوان، بل لحياة الإنسان أيضًا.

كانت اللدائن البلاستيكية الدقيقة، وهي القطع التي يقل طولها عن 5 مم، تشق طريقها لتكون جزءً من السلسلة الغذائية بسهولة مدهشة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن كل منا يستهلك ما معدله 21 جرامًا من البلاستيك شهريًا – وهو ما يكفي لملء نصف وعاء الأرز.[9]

وليس بوسع أحد أن يتظاهر بأن هذه الأخبار لا تبدو مقلقة.  إذاً، ألا ينبغي لنا أن نفعل شيئا للحد من اعتمادنا على البلاستيك؟

التفكير خارج صندوق (البلاستيك)

إذا ما دققنا النظر سنجد أن مسألة القضاء على البلاستيك من حياتنا أسهل قولًا من الفعل، فبعض البدائل المقترحة للبلاستيك حتى الآن لها عيوبها الخاصة.

ولدينا مثلًا ما يسمى بالزجاجات القابلة للتحلل الحيوي، وهي غالبًا ما يتم تصنيعها من الألياف النباتية، وتتطلب بيئة ذات مستويات عالية من الحرارة والرطوبة للسماح للميكروبات بتفكيك البوليمر. تحتوي هذه الزجاجات أيضًا في كثير من الأحيان على بطانات أو مواد كيميائية مقاومة للتحلل الطبيعي.[10]

إن محاولات حل مشكلة الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد جديرة بالثناء، خاصة مع إنتاج أكثر من تريليون كيس منها سنويًا. ظهرت الأكياس القابلة للتحلل البيولوجي لفترة وجيزة لتقديم حل، لكن التجارب أثبتت أنها كانت سابقة لأوانها. وحظيت الأكياس القابلة للتحلل بالأكسدة (أي الأكياس التي يمكن أن تتحلل بشكل طبيعي في الهواء النقي) بترحيب واسع باعتبارها طفرة ثورية، حتى أنها دفعت المملكة العربية السعودية في عام 2017 إلى حظر جميع الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد المصنوعة من مواد غير قابلة للتحلل بالأكسدة. ومع ذلك، أظهرت الأبحاث اللاحقة أنه بدلاً من “التحلل الكامل”، تحولت تلك الأكياس ببساطة إلى لدائن دقيقة مخيفة وواصلت رحلتها في النظام البيئي،[11]وغالبًا ما ينتهي بها المطاف في مدافن النفايات لتطلق الغازات الدفيئة في البيئة.[12]

تأتي الأكياس الورقية محملة بالمشاكل أيضًا، وهي حتمًا مرتبطة في نهاية المطاف، ولو بشكل غير مباشر، بإزالة الغابات.

ويبدو أن قش الخيزران هو العلاج المثالي لـ 170 مليون طن من القش البلاستيكي الذي يستخدمه الأمريكيون يوميًا، ولكن معظم الخيزران يزرع في الصين، لذلك ينطوي على بصمة كربونية كبيرة في نقله حول العالم.

وقد تبدو الملابس والأحذية المصنوعة من البلاستيك المعاد تدويره حلًا رائعًا، لكنها تعطي البلاستيك ملاذًا مؤقتًا على ظهور أو أقدام المتسوقين، قبل إعادتها في النهاية إلى النظام البيئي.

الأعشاب البحرية، التي تنمو بمعدل يصل إلى ثلاثة أمتار في اليوم، تنتج مادة قوية تسمى أجار، وهي تتحلل بيولوجيًا في مدة لا تزيد عن ستة أسابيع؛ ومع ذلك، فإن إنشاء ما يكفي من مزارع الأعشاب البحرية لمواجهة جموح العالم نحو البلاستيك من شأنه أن يغير كيميائيًا تكوين محيطات العالم، هذا فضلًا عن العواقب غير المعروفة.[13]

وهكذا يتضح أن المسألة معقدة للغاية، وقد ثبت حتى الآن أن الحل السحري لهذه المعضلة ما زال بعيد المنال. ومع ذلك، لا تزال البحوث مستمرة لإيجاد بدائل عملية للبلاستيك من شأنها أن توفر فوائد بيئية أطول أمدًا، مثل بروتين الحليب لصنع رغوة العزل والأثاث؛ وريش الدجاج لصنع البلاستيك الحراري المقاوم للماء؛ والخشب السائل المصنوع من اللجنين المستخلص من اللب لتغليف المنتجات؛ والبوليستر، وهي مركبات إما قابلة للتحلل البيولوجي أو مصنوعة من مكونات طبيعية، مثل القمح وقصب السكر

وإلى أن تؤتي هذه الأفكار ثمارها وتجد قبولًا واسعًا، تظل مجارينا المائية تتحمل العبء الأكبر من “بلاستيك الكوكب”.

أفكار بسيطة لمشكلة عميقة

Crab in plastic
سلطعون عالق في كوب بلاستيكي قبالة شواطئ الفلبين
مصدر الصورة: © Noel Guevara / Greenpeace via EPA

قد لا يتفاجأ أي شخص يعيش أو يقضي عطلة بالقرب من الساحل أن معظم فائض البلاستيك في العالم ينتهي به المطاف في محيطاتنا.

وفي الجبال الجليدية، مثلًا، لا تمثل المواد البلاستيكية المرئية على سطح المحيط سوى جزء بسيط مما هو كامن في الأعماق، ذلك أن 3٪ فقط من بلاستيك المحيطات يمكن رؤيته طافيًا على السطح.[14]  أما البقية، وفقًا لمعهد الموارد العالمية (WRI)، فإنها “تغرق في قاع المحيط، أو تظل معلقة في المياه، أو يلفظها المحيط في أماكن نائية، مما يجعل عملية التنظيف صعبة”.[15]

ولهذا يوصي معهد الموارد العالمية باتباع نهج متعدد الجوانب لإصلاح – أو على الأقل البدء في معالجة – المشكلة.

  • تحسين إدارة مياه الصرف الصحي لنصف سكان العالم الذين يفتقرون إلى المرافق الأساسية للتخلص من النفايات، وصولًا إلى تقليل عدد المواد البلاستيكية الموجودة في المياه غير المعالجة.
  • رفع كفاءة إدارة مياه الأمطار عن طريق ترشيح التصريف وجمع نفايات مصب الأنهار، لمنع كل من المواد البلاستيكية الكبيرة والصغيرة من دخول دورة المياه.
  • حظر المواد “التي يصعب إدارتها” مثل البوليسترين الموسع، الذي غالبًا ما يستخدم في التغليف، وتمويل الأبحاث في البدائل القابلة للتطبيق.
  • إدخال معايير صناعية طوعية لتقليل إنتاج اللدائن المعتمدة على الوقود الأحفوري.
  • إنشاء مرافق مياه نظيفة لجميع المجتمعات، ولا سيما الأشخاص الذين يمثلون واحدًا من كل ثلاثة أشخاص حول العالم الذين يفتقرون إلى إمدادات المياه الصالحة للشرب، وبالتالي تقليل الحاجة إلى المياه المعبأة في زجاجات على مستوى العالم.

ومن الطبيعي أن تحقق الاستراتيجيات الأكثر فعالية فوائد بيئية واقتصادية.

في جاوة الشرقية بإندونيسيا، على سبيل المثال، أدت الشراكة بين القطاعين العام والخاص في عام 2019 إلى استحداث نظام جديد لإدارة النفايات لمجتمع يضم ما يقرب من 50,000 شخص، وجمع 3,000 طن من النفايات مع توفير 80 وظيفة في الوقت نفسه.[16]

Almar glass bottle initiativeوهذا المشروع ما هو إلا بداية مشجعة للمبادرات التي يمكن أن تبدأ في إحداث تأثير حقيقي في معضلة النفايات البلاستيكية.

يمكن للجميع، من الأفراد إلى أكبر الشركات، أن يلعبوا دورهم في الحد من استهلاك البلاستيك، وهذه مسؤولية نأخذها على محمل الجد في عبد اللطيف جميل، حيث طرحت ألمار لحلول المياه، على سبيل المثال، وهي جزء من عبد اللطيف جميل للطاقة، مبادرة لتقليل استخدام الزجاجات البلاستيكية في خمس شركات من خلال استبدال الزجاجات البلاستيكية في المكاتب بأباريق مياه وزجاجات زجاجية ومعدنية قابلة لإعادة الاستخدام، وأدى ذلك إلى توفير حوالي 25,000 كجم من البلاستيك وتخفيض التكاليف بنحو 120,000 دولار أمريكي سنويًا

إطلاق ثورة ضد التلوث البلاستيكي

من الناحية السياسية، بدأت الحكومات في ممارسة الضغط على صناعة البلاستيك من خلال إدخال لوائح جديدة لتقييد دوافعها الأقل جاذبية.

على سبيل المثال، أقر الاتحاد الأوروبي قواعد جديدة صارمة بشأن المواد البلاستيكية التي تستخدم مرة واحدة في عام 2019. ومن بين التدابير الأخرى المتخذة في هذا الصدد، قام الاتحاد بحظر المنتجات التي توجد لها بدائل عملية بالفعل، مثل أعواد القطن والقش. كما فرض رسوم تنظيف على منتجي الملوثات الشائعة، مثل فلاتر السجائر ومعدات الصيد، وحدد هدفًا لجمع الزجاجات البلاستيكية بنسبة 90٪ بحلول عام 2029، وهدفًا آخر يتمثل في تدوير 30٪ على الأقل من البلاستيك في جميع الزجاجات البلاستيكية بحلول عام 2030.

وفي كينيا، واجه المصنعون والموردون منذ عام 2017 غرامات بعشرات الآلاف من الدولارات لاستخدام الأكياس البلاستيكية، مما دفع سلاسل المتاجر الكبرى إلى البدء في تقديم أكياس قماش للعملاء كبدائل.[17] 

وبالمثل، أدت القوانين التي أدخلتها المملكة المتحدة في عام 2015 والتي فرضت بموجبها رسومًا على الأكياس البلاستيكية إلى إحداث انخفاض في الطلب على الأكياس بنسبة 80٪، أي ما يعادل 9 مليارات كيس، وما زال هذا الرقم يواصل الارتفاع حتى الآن.[18]

صناعة الكيماويات، المسؤولة عن إنتاج غالبية المواد البلاستيكية في العالم، لا تقف مكتوفة الأيدي وتنتظر عملياتها حتى تنتهي من الوجود. وبدلاً من ذلك، فإنها تستحوذ على الزخم في القطاع الخاص لاكتشاف مشاريع جديدة ومربحة قائمة على إعادة التدوير – وهي صناعة يتوقع أن تجني منها أرباحًا تصل إلى 55 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030، وفقًا للتقديرات.[19]

تتم حاليًا إعادة معالجة ما يقرب من 16٪ فقط من المواد البلاستيكية في جميع أنحاء العالم. ويمكن اعتبار الباقي، الذي ينتهي به المطاف إلى مكبات النفايات أو الحرق، نفايات حقيقية لأنه لن يطلق قيمته المحتملة أبدًا.

تشمل إعادة الاستخدام ثلاث مجالات:

  • إعادة التدوير الميكانيكي، أي معالجة المواد البلاستيكية مثل البولي إيثيلين تيريفثاليت (PET) وإعادتها إلى حبيبات الراتنج دون المساس بسلسلة البوليمر
  • إعادة التدوير الكيميائي، أي تكسير اللدائن إلى مونومرات صالحة للاستخدام في صناعة البوليستر والبولي أميد
  • إعادة المعالجة لتحويل البلاستيك إلى وقود (المواد الأولية)، أي استخدام المعالجة التحفيزية أو الحرارية لتفكيك سلاسل البوليمر إلى أجزاء هيدروكربونية

وتبحث الصناعة حاليًا عن طرق لتحسين هذه العمليات.

في إعادة التدوير الميكانيكي، على سبيل المثال، يتضمن أحد التحديات الرئيسية الحفاظ على جودة الراتنج لتجنب التدهور أثناء إعادة التدوير.

وفي الوقت نفسه، يمكن للتكنولوجيات الناشئة مثل الانحلال الحراري أن تمكن من إعادة معالجة اللدائن المختلطة ذات الجودة الرديئة مثل التغليف المرن (الذي لا يمكن للآلات الحالية استيعابه).

وتتوقع شركة الاستشارات العالمية “ماكينزي” أنه بحلول عام 2030، يمكن أن تزيد كمية البلاستيك المعاد تدويره بمعدل خمسة أضعاف لتصل إلى 220 مليون طن متري سنويًا.[20] وبالنظر إلى السابقة التي وضعتها صناعات الألمنيوم والورق، حيث نجح المنتجون في جعل إعادة التدوير جزءًا أساسيًا من نموذج أعمالهم، ترى ماكينزي مجالًا واسعًا أمام صناعة الكيماويات لاستثمار منتجاتها على مدى عمرها الافتراضي (الطويل).

تعمل بعض شركات الكيماويات بالفعل على تمهيد الطريق لذلك، حيث قامت شركة بروليس (النمسا) وليونديل باسيل (هولندا)، على سبيل المثال لا الحصر، بشراء شركات إعادة تدوير البوليمرات في أوروبا. وتعمل شركة سابك (المملكة العربية السعودية) على تطوير الجيل التالي من أساليب الانحلال الحراري وإعادة التدوير الكيميائي بما يسهم في زيادة كمية النفايات البلاستيكية المعاد معالجتها.

ولهذا تتوخى شركة ماكينزي مستقبلاً باهرًا لمنشآت المعالجة “المتكاملة تمامًا” والقادرة على قبول المواد البلاستيكية المستعملة إلى جانب المواد الخام التقليدية – حيث يصبح الوقود القائم على النفايات منافسًا للوقود المستخرج من النفط بسعر 65 دولارًا أمريكيًا للبرميل.

ALJ Plastic Pollution Petrochemicals

 

من الواضح أن السوق يتغير بسرعة والتكنولوجيا تتسابق لمواكبته. وكما سنرى، يمكن أن توفر الأحداث غير المتوقعة مثل جائحة فيروس كورونا حافزًا لفرص جديدة كليًا.

التبحر في جائحة البلاستيك

Macaques with masks
Photo credit: CFP

أدت جائحة الفيروس التاجي إلى زيادة شهية العالم لمعدات الحماية الشخصية (PPE)، التي يستخدم البلاستيك في صناعة الكثير منها، وأغلبها يتم التخلص منه بعد استخدام واحد.

ففي الصين، كان يجري إنتاج حوالي 116 مليون قناع للوجه يوميًا بحلول فبراير، مقارنة بـ 20 مليون قناع قبل تفشي المرض. ومن المتوقع أن ترتفع مبيعات أقنعة الوجه على مستوى العالم إلى 116 مليار دولار أمريكي في عام 2020 مقارنة بـ 800 مليون دولار أمريكي في عام 2019.[21]  وفي تايلاند، بلغت النفايات البلاستيكية 6,300 طن يوميًا في مايو، بعد أن كانت 5,500 طن قبل الجائحة. 

وقد تصل تكاليف الطفرة البلاستيكية السريعة إلى 40 مليار دولار أمريكي في جميع الصناعات مثل السياحة وصيد الأسماك والنقل.

وقد أدى التحول العالمي إلى التسوق عبر الإنترنت خلال الجائحة إلى ارتفاع مستويات انتاج العبوات البلاستيكية. ففي سنغافورة وحدها، تشير التقديرات إلى أن الأسر أنتجت 1134 طنًا من العبوات من توصيلات الطعام خلال فترة الإغلاق الصيفي التي استمرت ثمانية أسابيع.

تنتظر المنظمات ذات التفكير المستقبلي عبر الأسواق الناشئة الانقضاض على هذه الفرص غير المتوقعة.

أصدرت مجموعة أكسفورد لتحليلات الأعمال والبحوث تقريرًا يضم البيانات التالية:

  • في غانا، وزعت السلطات أقنعة مصنوعة من زجاجات المياه المعاد تدويرها وأكياس الآيس كريم
  • في تنزانيا، حول خبراء معالجة النفايات الورقية في شركة “زيدي ريسايكلرز” تركيزهم إلى إنتاج أقنعة الوجه المصنوعة من الزجاجات البلاستيكية المستعملة
  • وفي تايلاند، استخدمت شركة التصميم “كوالي” أكثر من 1.3 طن من شباك الصيد القديمة لصنع واقيات للوجه وزجاجات مطهرة للمشترين في جميع أنحاء أوروبا وآسيا[22]

قد تبدو هذه المبادرات الناشئة وكأنها قطرات في المحيط (الملوث بشدة)، ولكنها تظهر معًا كيف يمكن أن يؤدي تصادم الابتكار مع الظروف إلى إعطاء بصيص من الأمل حتى في أكثر المعضلات تعقيدًا..

الاستثمار في مستقبل خال من البلاستيك

إذا ما تم إعطاء الأولوية للصالح العام – أي عالم تنخفض به معدلات انتاج البلاستيك والمواد الكيميائية – فلا يوجد شيء غير أخلاقي في جني الأرباح من حل مأزق البلاستيك في العالم، بل وقد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لتحويل الحركة إلى ثورة.

وقد لاحظنا كيف يمكن للتدخل الحكومي أن يحدث اختلافات ملموسة على أرض الواقع من خلال تقليل كمية البلاستيك التي نستهلكها. وقد رأينا أيضًا كيف تساعد الشركات الخاصة، سواء كانت شركات كيميائية عملاقة أو شركات ناشئة مبتكرة، في تحويل البلاستيك الموجود بالفعل إلى سلع مفيدة وبأشكال متعددة، بدلا من أن ينتهي بها المطاف إلى مجرد حطام ضار.

ولدينا هنا مثال حي لاستغلال فرص السوق، مثال يمكن أن يلهم الاستثمار الخاص من المنظمات ذات الوعي الاجتماعي مثل عبد اللطيف جميل لزيادة تعزيز محافظ الاستثمار الخضراء وتحسين البنية التحتية للحياة للجميع.

في الواقع، إن الاتجاه إلى توجيه التمويل إلى القضايا الأخلاقية آخذ في التصاعد، خاصة مع بروز مفهوم الاستثمار في الإدارة البيئية والمسئولية الاجتماعية والحوكمة (ESG)، إلى جانب الوعي العالمي المتزايد بقضايا مثل التغير المناخي. ومع تزايد تساؤل المستثمرين حول ما يمكن أن تحققه أموالهم وما يمكن أن يكسبوه، ستبرز القضايا الرئيسية مثل البلاستيك.

تميل صناديق الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة إلى النمو بمعدل ثلاثة أضعاف بحلول عام 2025، حيث ارتفعت حصتها في قطاع الصناديق الأوروبية وحده من 15٪ إلى 57٪ في ذلك الإطار الزمني. وإذا ما استمر هذا الحماس، فمن المتوقع أن تصل منتجات الاستثمار المستدام في جميع أنحاء القارة إلى 7.6 تريليون يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة.[23]

يمكن للبلاستيك أن يجد نفسه في طليعة موجة الاستثمارات الموجهة نحو البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة، خاصة إذا ما علمنا أن إحدى الدراسات أشارت إلى أن أكثر من أربعة من كل خمسة مستثمرين محتملين لديهم دوافع لضخ الأموال في المبادرات التجارية للحد من البلاستيك، حيث تشير الاستطلاعات إلى أن هؤلاء المستثمرين يسعون إلى “ضرب عصفورين بحجر واحد: ضمان عائد الاستثمار على أموالهم، مع جعل العالم مكانًا أكثر استدامة”.[24]

من خلال تمويل مبادرات الإدارة البيئية والمسئولية الاجتماعية والحوكمة، يظهر القطاع الخاص قدرته على اتباع نهج استباقي للاستثمار الأخلاقي أكثر من الحكومات. ولا شك في أن الشركات التي تحمل رؤى مستقبلية رائدة- وهناك العديد منها، مثل عبد اللطيف جميل- هي التي توجه إمكانات رأس المال الخاص نحو “القيام بالشيء الصحيح”.

بطبيعة الحال، يحتل الاستثمار الخيري مكانة حاسمة، لكن نهج الإدارة البيئية والمسئولية الاجتماعية والحوكمة يميل إلى أن يكون أكثر انتشارًا في الأبحاث الجديدة والمبتكرة – حتى وإن لم تصبح جميعها قابلة للتطبيق.

ومع ذلك، فإن قوة تدفقات رأس المال الخاص هي التي يمكن أن تدفع بالفعل السلوك التجاري اليوم لإحداث اختلافات مستدامة جوهرية وذات مغزى في الوقت الحالي.

في سياق تدابير العناية الواجبة المطبقة لدينا، نقوم بتقييم استدامة استراتيجيات الاستثمار لدينا، لا سيما في الأسواق الخاصة، ليس فقط من حيث العوامل البيئية، ولكن أيضًا من حيث ما إذا كان نموذج العمل نفسه مستدامًا. ومن المستبعد جدًا أن نستثمر في صندوق للطاقة يعتمد على الكربون، على سبيل المثال. وكأي مستثمر آخر، تتمثل مهمتنا في تحقيق عائد مالي مقبول – ونعتقد أن الاستدامة في المناخ والبيئة من العوامل الحاسمة في تحقيق ذلك، ومن هنا تأتي استثماراتنا في مجالات مثل الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وتقنيات المياه، التي تشمل تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها وكذلك في تربية الأحياء المائية.

بالطبع، قد يأتي محفز قوي آخر يقودنا إلى عالم أقل اعتمادًا على البلاستيك بوتيرة أسرع من مجرد تحول تدريجي وبرؤية عالمية شاملة.

وقد نصل في وقت أقرب بكثير مما كنا نعتقد إلى “لحظة” تاريخية عندما نتردد في شراء مشروب في زجاجة بلاستيكية أو طعام معبأ في علبة بلاستيكية، وعندما ندرك جيدًا حجم العواقب التي قد تترتب على ذلك.

ولا يمكن تحقيق حل طويل الأمد للتلوث البلاستيكي إلا من خلال تغيير أولوياتنا – المجتمعية والتجارية والشخصية بالطبع – بفتح أعيننا على التكاليف الحقيقية لهذا التلوث، وتسويق الابتكارات الجديدة تجارياً.

في عبد اللطيف جميل، آمل حقًا أن تكون هذه اللحظة في متناول أيدينا، وأن يتسنى لنا من خلال العمل معًا، بناء مستقبل مستدام خالٍ من البلاستيك لصحة مجتمعنا وكوكبنا.

 

[1] https://www.statista.com/statistics/282732/global-production-of-plastics-since-1950/

[2] https://www.waterdocs.ca/water-talk/2018/4/7/facts-about-bottled-water

[3] https://www.waterdocs.ca/water-talk/2018/4/7/facts-about-bottled-water

[4]https://www.waterdocs.ca/water-talk/2018/4/7/facts-about-bottled-water er

[5] https://www.theguardian.com/business/2016/jan/19/more-plastic-than-fish-in-the-sea-by-2050-warns-ellen-macarthur ur

[6] https://www.theguardian.com/environment/2020/dec/07/coca-cola-pepsi-and-nestle-named-top-plastic-polluters-for-third-year-in-a-row?

[7]https://www.theguardian.com/environment/2020/mar/31/report-reveals-massive-plastic-pollution-footprint-of-drinks-firms

[8]  http://www.unesco.org/new/en/natural-sciences/ioc-oceans/focus-areas/rio-20-ocean/blueprint-for-the-future-we-want/marine-pollution/facts-and-figures-on-marine-pollution/

[9] https://graphics.reuters.com/ENVIRONMENT-PLASTIC/0100B4TF2MQ/index.html

[10] https://www.globalcitizen.org/en/content/plastic-alternatives-doing-harm/

[11] https://www.ellenmacarthurfoundation.org/assets/downloads/publications/NPEC-Hybrid_English_22-11-17_Digital.pdf

[12] https://www.thequint.com/news/environment/plastic-biodegradable-environment-reuse-recycle

[13] https://www.wired.co.uk/article/plastic-alternatives

[14] https://oceanpanel.org/blue-papers/leveraging-target-strategies-to-address-plastic-pollution-in-the-context

[15] https://www.wri.org/blog/2020/05/how-to-reduce-plastic-ocean-pollution

[16] https://www.wri.org/blog/2020/05/how-to-reduce-plastic-ocean-pollution

[17] https://uk.reuters.com/article/uk-kenya-plastic/kenya-imposes-worlds-toughest-law-against-plastic-bags-idUKKCN1B80PZ

[18] https://www.wri.org/blog/2020/05/how-to-reduce-plastic-ocean-pollution

[19] https://www.mckinsey.com/industries/chemicals/our-insights/no-time-to-waste-what-plastics-recycling-could-offer

[20] https://www.mckinsey.com/industries/chemicals/our-insights/no-time-to-waste-what-plastics-recycling-could-offer

[21] https://oxfordbusinessgroup.com/news/can-covid-19-plastic-waste-problem-generate-business-opportunities?utm_source=Oxford%20Business%20Group&utm_medium=email&utm_campaign=11826503_Covid-19_Plastics_September%2016_EU&utm_content=EIA-recycling-16-Sept&dm_i=1P7V,71HDZ,S7I7K1,SENOP,1

[22] https://oxfordbusinessgroup.com/news/can-covid-19-plastic-waste-problem-generate-business-opportunities?utm_source=Oxford%20Business%20Group&utm_medium=email&utm_campaign=11826503_Covid-19_Plastics_September%2016_EU&utm_content=EIA-recycling-16-Sept&dm_i=1P7V,71HDZ,S7I7K1,SENOP,1

[23] https://www.ft.com/content/5cd6e923-81e0-4557-8cff-a02fb5e01d42

[24] https://www.visualcapitalist.com/five-drivers-behind-the-sustainable-investing-shift/