الهيدروجين: المحرك الرئيسي لنقل خال من الانبعاثات الكربونية الضارة؟
هل يمكن أن يُحدث الهيدروجين طفرة كمصدر لوقود مستدام للمركبات في المستقبل؟
لطالما انعقدت الآمال والطموحات على الهيدروجين كمصدر مطلق للطاقة النظيفة، لكن أيًا منها لم يتحقق على أرض الواقع. بيد أن الخبراء في إحدى المؤسسات العالمية الرائدة في مجال الطاقة يؤكدون أن الأمور على وشك أن تتغير تمامًا.
وفي هذا الصدد، صرح فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية (IEA) [1]، التي أطلقت تقريرها “مستقبل الهيدروجين” في مجموعة العشرين في كارويزاوا بمحافظة ناغانو في اليابان، قائلًا: “إن التحديات الهائلة المتمثلة في تغير المناخ، وكذلك صعود طاقة الرياح والطاقة الشمسية، تمنحنا قوة دفع جديدة وتجتذب اهتمامًا جديدًا من الحكومات والشركات لتحقيق ما هو أبعد من صناعة السيارات”.
ويرى بيرول، الذي يرأس أيضًا الفريق الاستشاري للطاقة التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، أن تطوير تقنيات وعمليات جديدة يعني أن الهيدروجين بات قادراً الآن على إحداث ثورة في قطاع النقل في العقود المقبلة.
ويؤكد بيرول كذلك على الدور الحيوي الذي يجب أن تلعبه المركبات النظيفة في تقليص حجم الانبعاثات اليوم للوصول إلى مستقبل خال تمامًا من الانبعاثات، مشيرًا إلى أن تقنيات تخزين الهيدروجين – “مثل اللتي تضمها منشأة تخزين هيدروجين ضخمة في تكساس … وتفوق قدرة المحطات الكهربائية بحوالي 1000 ضعف باعتبارها أكبر مجمع لبطاريات الليثيوم أيون في العالم” – يعني أن الهيدروجين يمكن أن يكون عنصرًا رئيسيًا في فتح الأفاق لتقدم كبير.
وفي ظل التوقعات التي تشير إلى أن الكهرباء ستشكل جزءًا كبيرًا من مستقبل وسائل النقل الشخصي، يعتقد بيرول أن الطاقة المحتمل توليدها من الهيدروجين، بالإضافة إلى توجهات القطاعات الصناعية الرئيسية، توفر فرصة لتطوير طرق جديدة للاعتماد على الكهرباء كمصدر للطاقة لكل شيء بدءًا من الشاحنات والسفن ومرورًا بمصافي التكرير والمصانع الكيماوية وحتى مصانع الصلب.
فإذا قدر لرؤية بيرول أن تتحقق على أرض الواقع، فإن صناعات اليوم الثقيلة والملوثة للبيئة سينتهي بها الأمر إلى لا شيء، وستختفي معها الغازات الدفيئة والانبعاثات الضارة، ليحل محلها مصادر أخرى للطاقة تنتج المياه فقط – والتي يمكن أن تستخدم هي نفسها لإنتاج المزيد من الطاقة.
وكل هذا يمكن أن يتحقق بفعل ” العنصر الأكثر وفرة في الكون “. وعلى حد تعبير بيرول: “ما الذي قد يحول دون استفادتنا منه؟”
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تتطلب مواجهتها والتغلب عليها، أبرزها التكلفة المادية. يقول بيرول: “ستحتاج الحكومات إلى تحديد ما إذا كان الهيدروجين سينجح أم لا. فوفقًا لتحليل الوكالة الدولية للطاقة، ما زالت معظم المشروعات الجارية، والتي يزيد عددها على 200 مشروع، تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التمويل الحكومي المباشر، وهذا يستلزم وضع سياسات ذكية تشجع القطاع الخاص على تأمين إمدادات طويلة الأجل من الهيدروجين النظيف، ومنح المستثمرين حوافز إضافية لدعم الشركات بأفضل صورة ممكنة”.
وتابع بيرول قائلًا أن الشيء الأكثر أهمية هو أن ” العالم يجب ألا يفوت هذه الفرصة غير المسبوقة لجعل الهيدروجين جزءًا مهمًا من مستقبل الطاقة المستدامة “. ويأمل بيرول أن تتحقق أمنياته في ظل تزايد عدد الدول التي تنتهج سياسات تهدف إلى دعم وتشجيع الاستثمار في تقنيات الهيدروجين بشكل مباشر [2] .
وثمة العديد من الأسباب المقنعة التي تجعل المركبات العاملة بخلايا وقود الهيدروجين قادرة على توفير بديل جذاب للمركبات الكهربائية الآخذة في الانتشار حاليًا على نطاق واسع. أول هذه الأسباب هو أن مدى المسافة التي يمكن أن تقطعها سيارة الهيدروجين في المرة الواحدة يتراوح ما بين 700 و 800 كم، مقارنة بـ 300 كم إلى 400 كم فقط في أفضل السيارات الكهربائية أداءً [3]. ويمكن أن يتم إعادة تزويد المركبات العاملة بخلايا وقود الهيدروجين بالوقود بنفس السرعة التي تحتاجها المركبات العاملة بالبنزين، وهذا أسرع بكثير من عملية شحن السيارات الكهربائية. هذا إلى جانب أن الهيدروجين سيكون مصدرًا نظيفًا تمامًا للطاقة، حيث يتم تكوينه عن طريق استغلال الكهرباء الزائدة الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة لتكسير جزيئات المياه وإنتاج الهيدروجين اللازم لسير المركبات التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين [4].
وسيُسهم إنتاج الهيدروجين النظيف كذلك في التغلب على بعض التحديات التي ما زالت تعيق إحراز تقدم في هذه الصناعة. فعلى سبيل المثال، يشكل الغاز الطبيعي المصدر الرئيسي حاليًا لإنتاج الهيدروجين، حيث تمثل تكلفة الوقود 45٪ إلى 75٪ من إجمالي تكاليف إنتاج الهيدروجين [5]. وهذا يعني أن إنتاج الهيدروجين لا يتم عبر عملية خالية تمامًا من التلوث. كما أن إنتاج الهيدروجين من الوقود الأحفوري يعني أيضًا أن ارتفاع الطلب على الهيدروجين – والذي تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1975 – سيصاحبه كذلك زيادة الانبعاثات الناتجة عن إنتاج الهيدروجين بالطرق التقليدية، والتي تصل حاليًا إلى 830 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهي كمية تعادل تقريبًا كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في كل من المملكة المتحدة وإندونيسيا مجتمعتيّن [6].
ولكن يبدو أن أخبارًا سارة تلوح بالأفق مع انخفاض تكلفة الطاقة المتجددة، وهو الأمر الذي يجعل من إنتاج الهيدروجين عبر المصادر المتجددة أكثر جدوى، فضلًا عن أنه يقلل من الانبعاثات إلى أدنى مستوى ممكن. وفي تقريرها الأخير الذي حمل عنوان “مستقبل الهيدروجين”، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تنخفض تكلفة إنتاج الهيدروجين من الطاقة المتجددة بنسبة 30٪ بحلول عام 2030 نتيجة لانخفاض تكاليف إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة وزيادة إنتاج الهيدروجين:
“يتزايد الاهتمام بإنتاج الكهرباء من الهيدروجين في ظل انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة، خاصةً من الطاقة الشمسية الكهروضوئية والرياح، وهناك العديد من المشاريع التجريبية في السنوات الأخيرة … ومع انخفاض تكاليف الطاقة الشمسية الكهروضوئية وتوليد الرياح، فقد يصبح بناء المحولات الكهربائية في مواقع ذات ظروف مواتية لإنتاج الطاقة المتجددة، خيارًا أقل تكلفة لإنتاج الهيدروجين. [7] “
هل حان وقت لإنتاج الوقود الهيدروجيني؟
على الرغم من الإشادة التي حظي بها الهيدروجين في العقود الماضية بوصفه “طاقة المستقبل”، إلا أن بيرول يرى مع غيره من الخبراء أن الأمور قد تكون مختلفة في عالم اليوم.
يقول تقرير وكالة الطاقة الدولية: ” هناك طريق جديد وموثوق به لإنتاج وقود هيدروجيني نظيف واستخدامه على نطاق واسع وبتكلفة معقولة في أنظمة الطاقة العالمية، شريطة أن تبادر الحكومات والشركات والجهات الفاعلة الأخرى إلى استغلال هذه الفرص على المدى القريب” [8].
ففي الصين مثلا، يعود الفضل إلى وان جانج، المدير التنفيذي السابق لشركة أودي – الذي شغل أيضًا منصب وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني – في أن مبيعات السيارات الكهربائية في البلاد تمثل الآن واحدة من كل اثنتين من المركبات الكهربائية المباعة على مستوى العالم [9]. يرى جانج أن العالم على أعتاب ثورة جديدة في السيارات المعتمدة على خلايا الوقود، وأن استراتيجية الإعانات الوطنية، كت