كيف حافظت عبد اللطيف جميل على رسالتها على مدى 75 عامًا
23 يناير 2020 | Source: McKinsey & Company
في مقابلة حديثة مع ماكينزي وشركاه، يستعرض كلاً من فادي محمد جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة العمليات الدولية لعبد اللطيف جميل، وحسن محمد جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة عمليات عبداللطيف جميل في المملكة العربية السعودية، تاريخ شركة عبد اللطيف جميل الممتد إلى 75 عامًا، وما تتطلع الشركة إلى تحقيقه مستقبلًا. ننقل لكم وقائع هذه المقابلة كاملة أدناه، بتصريح من ماكينزي؛ كما يمكنكم قراءتها على موقع نشرها الأصلي هنا.
ما هو الشيء المشترك بين سيارات ريفيان (Rivian) الكهربائية، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، والعمل الخيري، وجائزة نوبل؟ الجواب هو شركة سعودية تعرف باسم عبد اللطيف جميل، وحماس عائلي نحو تحقيق أهدافها ورسالتها في المجتمع كما يقول قادتها. ويقول المثل العربي الشهير “إذا هبت رياحك فاغتنمها”.
تتمثل الفكرة هذا المثل في اغتنام الفرص كلما لاحت من أي اتجاه، وتسخيرها لدفعك إلى الأمام، حتى وإن كانت الوجهة النهائية غير مؤكدة أو إذا كان المسار يتغير على طول الطريق. فقط امسك بالريح.. وانطلق إلى الأمام.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة المطلقة، فقد يكون تحقيق هذا المثل على أرض الواقع من ضروب المستحيل في ظل مشهد الاقتصاد العالمي الذي تتزايد تعقيداته وسرعته وتنوعه يومًا بعد يوم. فهل باستطاعتك أن تتنبأ مبكرًا بموعد هبوب الرياح، وما هو الاتجاه الذي تود أن تكون به عند هبوبها لتقتنصها؟ وإلى أي مدى أنت على استعداد للذهاب بمجرد أن تبدأ رحلتك؟ وربما يكون الأصعب من ذلك كله، هو كيف تقوم ببناء منظمة تعمل على نسج المخاطر وتحويلها إلى فرص تحمل بصمتها، وكيف يمكنك تحديد اتجاه يمكن أن تبقى به على المدى الطويل؟ والحقيقة هي أن الإمساك بالرياح يتعلق بالسير نحو هدف أكثر مما يتعلق بالركوب بالصدفة. والفرص عمومًا لا تُقتنص بطريق الصدفة.
تقدم عبداللطيف جميل، التي تحمل اسم مؤسسها مثالاً واقعيًا ومعبرًا لذلك. فالشركة، التي يعود منشأها إلى المملكة العربية السعودية، ظلت تقود رياح الفرص لأكثر من 75 عامًا، منذ بدايتها كمحطة وقود متواضعة. قد تبدو السنة الماضية مميزة وحافلة على كافة الأصعدة بالنسبة لشركة عبد اللطيف جميل، التي عملت سنوات وسنوات لتحرز هذه النتائج المبهرة. ففي عام 2019، أعلنت كل من فورد وأمازون أنهما كانا يستثمران مئات الملايين من الدولارات في شركة ريفيان لتصنيع السيارات الكهربائية، التي تحظى بدعم عبد اللطيف جميل، حيث تخطط أمازون لشراء عدد 100,000 سيارة مبدئيًا. وقد كانت عبد اللطيف جميل أول مستثمر رئيسي في ريفيان، قبل ثماني سنوات. وفي أكتوبر 2019، حصل اثنان من مؤسسي معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وهو مركز أبحاث تدعمه مجتمع جميل، المؤسسة الخيرية المملوكة لعائلة جميل، على جائزة نوبل لعام 2019 في الاقتصاد.
وليست هذه النجاحات والإنجازات إلا مجرد جزء من الصورة، حيث تنشط الشركة السعودية في 30 دولة عبر مجموعة من القطاعات، العديد منها ذو منظور طويل الأجل، بما في ذلك الطاقة (من خلال شركتها الأبرز فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة FRV) والنقل (فبالإضافة إلى ريفيان وتوزيع سيارات تويوتا، تمتلك الشركة موقع Motory.com وهو عبارة عن منصة كبيرة ومتنامية لبيع السيارات عبر الإنترنت في المملكة العربية السعودية) والعقارات والمنتجات الاستهلاكية والخدمات المالية.
وما زالت مجتمع جميل، المؤسسة الخيرية العالمية، تزدهر يومًا بعد يوم لتعكس بوضوح رسالة عائلة جميل وأهدافها.
يمثل الأخوين فادي وحسن جميل الجيل الثالث لقيادة عائلة جميل ويشغلان حاليًا مناصب قيادية كنائبين للرئيس ونائبين لرئيس مجلس الإدارة، وقد جلسا مؤخرًا مع أحمد يوسف من ماكينزي وديفيد شوارتز في مكتب ماكينزي في لندن لمناقشة عمليات وفلسفة الشركة وسعيها لتحقيق التأثير الإيجابي في العالم.
ذا كوارترلي: أنا على ثقة من أن الكثير من القراء قد قرأوا عن استثمار أمازون في ريفيان. وإذا كان أيًا من هؤلاء القراء ناشطًا في مجال الاستدامة، فلا بد أنه قد سمع عن شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة. ومن المحتمل أن يكون قد سمع أن أكاديمييّن بارزيّن، هما إستر دوفلو وأبهيجيت بانيرجي، ممن تربطنا بهما شراكة، قد فازا بجائزة نوبل في الاقتصاد. ومع ذلك، اختارت عبداللطيف جميل البقاء بعيدًا عن الأضواء فيما يخص هذا الحدث البارز. فهل يمكنكما إخبارنا عن قصة شركتكم؟
حسن جميل: بدأ جدي العمل بمحطة وقود واحدة في جدة في عام 1945. وفي منتصف الخمسينيات، اتصل بشركة تويوتا موتور وبدأ استيراد سيارات تويوتا إلى المملكة العربية السعودية. أصبح والدي وأعمامي منخرطين في العمل، ومع نمو شركة عبد اللطيف جميل في المملكة العربية السعودية، نمت العلاقة مع تويوتا. بدأنا في العثور على فرص التوزيع والتجزئة الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. أصبحنا من أحد أكبر موزعي تويوتا المستقلين. حتى اليوم، نحن شركاء مع تويوتا ايضا في شمال إفريقيا وتركيا والصين واليابان. في ذروتنا، قمنا ببيع ما يقرب من نصف مليون سيارة جديدة كل عام، على مستوى العالم. في الواقع، لدينا وكيل لبيع لكزس في اليابان، وكان ذلك بدعوة من تويوتا. نحن وكيل لكزس أو تويوتا الوحيد غير الياباني في اليابان، والذي نعتبره شرفًا كبيرًا.”
فادي جميل: ذهب عمي إلى اليابان في أواخر الستينيات من القرن الماضي للمشاركة في برنامج تدريبي من تويوتا، وذهب أبي إلى الجامعة هناك. بالنسبة للأشخاص من المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت، كان هذا أمرًا غير مسبوق. أخي وأنا قضينا الكثير من الوقت في اليابان. أعتقد أن تويوتا تقدر رغبتنا في تجربة أنظمة الإدارة والتدريب المختلفة؛ لقد اتخذوا قرارًا مهما بإشراكنا في الأمر.
لقد أردنا أن نكون جزءًا من عملية التحول التي يشهدها قطاع التنقل – ولذلك بحثنا عن طرق لنكون مساهمين في هذا التحول بدلاً من الوقوف موقف المتفرج.
حسن جميل
حسن جميل: كما قال فادي، لقد أمضينا وقتًا طويلاً مع شركة تويوتا لتعلم أسلوب عملها ونستوعب ثقافتها. واليوم، لا يُنظر إلى التجارة التقليدية بالضرورة على أنها شيء إيجابي، لكننا مع ذلك ندير شركات تقليدية، فنحن نعمل في مجال التوزيع والخدمات اللوجستية والعقارات والخدمات والعمليات الثقيلة (؟)، ونتبع في ذلك أسلوب تويوتا، ونتبنى نهج كايزن [التحسين المستمر] ومبدأ (جينشي جينبوتسو) الذي يعني باليابانية ” الانتقال إلى الموقع لفهم الموقف كلياً”. بمعنى إذا رأيت شيئًا ما في أحد التقارير، فيجب عليك النهوض ومعاينته على أرض الواقع. وإذا كانت هناك مشكلة في الإطارات، فعليك أن تنحني وتلمسها بيديك حتى وإن اتسخت يداك. لا يمكنك النهوض بأعباء الإدارة أو اتخاذ قرارات وأنت جالس في مكتب. وهذا يتوافق تمامًا مع نهجنا في عبداللطيف جميل، لأننا في نهاية اليوم، ننظر إلى عملنا كعمليات.
ذا كوارترلي: كيف تتخذون قراراتكم بشأن البحث عن الفرص، من حيث القطاع والموقع الجغرافي؟
حسن جميل: الفرص هائلة في أي مكان تذهب إليه. لقد اتخذنا قرارًا واعيًا قبل حوالي ثماني سنوات للنظر في صناعة السيارات. كنا أول المستثمرين الرئيسيين في شركة تصنيع السيارات الكهربائية “ريفيان” في عام 2012، والتي يقع مقرها بالقرب من ديترويت. وبما أننا نمتلك خلفية في مجال السيارات، أردنا دخول صناعة السيارات الكهربائية. أردنا أيضًا أن نقوم بدور تطويري في الولايات المتحدة، التي تعد سوقًا كبيرة للسيارات. بل كان طموحنا يفوق ذلك بكثير، فقد أردنا أن نكون جزءًا من عملية التحول التي يشهدها القطاع ولذلك بحثنا عن طرق لنكون مساهمين في هذا التحول بدلاً من الوقوف موقف المتفرج. هناك الكثير من التحولات حاليًا في قطاع التنقل مثل النقل حسب الطلب، والنقل التشاركي، والابتكارات التكنولوجية المصممة لمنتجات التأمين، والتكنولوجيا المالية. وهذا يجعل شركات مثلنا تتساءل عما يخبئه المستقبل، وبالتالي فإن الاستثمار في شركة مثل ريفيان يعطينا قراءة حول كل ما هو أحدث وأكبر في هذا القطاع.
فادي جميل: اتخذنا كذلك قرارًا واعيًا قبل سنوات بدخول قطاع الطاقة المتجددة. كان الأمر في أذهاننا منذ فترة، لذلك قررنا الاستحواذ على شركة مقرها مدريد تدعى فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة (FRV)، وكان هدفنا في ذلك الوقت أن نضخ إلى السوق 7.5 غيغاواط بحلول عام 2024 من الطاقة لتلبية السوق العالمية. الطاقة قطاع يجذبنا بشدة، ونود أن نستثمر فيه على المدى الطويل، فنحن نرى أنها ليست بالقطاع الذي تدخله وتخرج منه بسرعه، كما أنه يمنحك نطاقًا جغرافيًا كبيرًا للغاية، سواء في أمريكا اللاتينية أو أستراليا. باختصار، ننظر إلى فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة باعتبارها منصة جيدة للانطلاق منها. بشكل عام، أعتقد أنه في ظل النمو المتسارع بقوة، لا أحد يعرف إلى أين ستذهب هذه الصناعة، لكن هذا مثير بالنسبة لنا.
في عام 2016، أنشأنا شركة لتحلية المياه ومعالجتها تسمى “ألمار لحلول المياه” في مدريد، ولديها الآن مكاتب في الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا الجنوبية. نحن نبحث أيضًا في المياه الصناعية للتعدين أو غيرها من الاستخدامات في تشيلي وأماكن أخرى في أميركا اللاتينية. وهذا عمل طويل الأمد، حيث يستغرق إنشاء مصنع واحد أربع إلى خمس سنوات. كما إن هذه القطاعات مهمة بالنسبة إلينا فيما يتعلق بالأعمال المستقبلية والتنويع الجغرافي والتأثير. هناك حاجة كبيرة للطاقة والمياه النظيفة، سواء لتلبية الاحتياجات الفردية أو الصناعية. اعتدنا أن نقول إن تغير المناخ سيكون مشكلة خلال 20 عامًا، أو خلال 50 عامًا على الأكثر، لكن ما حدث هو أنه بات يمثل مشكلة الآن. وعلى أية حال، أنا سعيد لأننا نعمل في صناعات تدعم الاستدامة.
ذا كوارترلي: تتسم طبيعة أعمالكم بأنها ضخمة وكثيفة من حيث رأس المال، وتجري في مناطق لا تتمتع بحالة واضحة من الاستقرار. فكيف تقررون موعد الدخول إلى قطاع جديد، ومتى تكون المخاطرة كبيرة؟
حسن جميل: يروق لي أن أنظر إلى شركتنا على أنها شركة ناشئة رغم أن عمرها يصل إلى 75 عامًا. كان رئيسنا، والدنا، دائمًا من رواد الأعمال، وأعطانا، بصفتنا الجيل الجديد، فرصة لارتكاب الأخطاء. بالفعل، ارتكبنا أخطاء. لذلك يمكنني القول إنه من الضروري أن تستغل القيادة الفرص المتاحة.
فادي جميل: لا يمكنك القفز إلى أي سوق لا تبدو فيها الأمور واضحة. عليك أن تتخيل مستقبل تلك السوق خلال 20 عامًا، وأن تحاول قياس المخاطر المرتبطة بهذه الفرصة. الخطر كبير للغاية في الصناعات التي ليست لدينا أي معرفة أو خبرة بها، لكن السيارات هي النشاط الذي نعرفه جيدًا. أما انخراطنا في مجال الطاقة فقد جاء بوتيرة بطيئة. وبصفة عامة، نود أن ننخرط في أعمال يمكننا أن نفهمها.
حسن جميل: بالطبع، عندما استثمرنا في ريفيان، لم نمنحهم شيكًا على بياض ولم نقل لهم “اذهبوا وقوموا بتأسيس شركة سيارات وشراء مصنع”. لقد تم ذلك في صورة دفعات وعلى مراحل مع الإدارة على مدار عدة سنوات، حتى اكتسبنا ثقة بعضنا البعض.
عندما يتزايد عدد الشركات العائلية، تصبح الثقافة السائدة: “هذا ما نقوم به؛ وهذا ما يتوجب علينا القيام به؛ وهذا هو ما سندعمه. “لكن في حالتنا، طالما أنك تفعل شيئًا جيدًا وكنت متحمسًا له، فما عليك سوى مواصلة القيام به.
فادي جميل
فادي جميل: جرت الأمور مع فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة (FRV) بنفس الطريقة. في البداية لم نفهم تمامًا طبيعة النشاط التجاري لأننا لم نكن على دراية مسبقة به. ولكن بمجرد أن شعرنا بالراحة، قررنا اتخاذ خطوة إلى الأمام، ثم توسعنا إلى نطاق أوسع بكثير.
ذا كوارترلي: يبدو أن العنصر الأساسي في النهج الذي تتبعونه ليس “الاستثمار فقط” بل الشراكة. فما هي الخصائص التي تبحثون عنها في شركائكم المحتملين؟
حسن جميل: مع ريفيان، نعم، كنا مستثمرين، لكننا كنا نعمل معاً كشركاء. كنت أسافر إلى ديترويت كل شهر لأعمل عن كثب مع ر. ج. سكارينج [المؤسس والمدير التنفيذي لشركة ريفيان]. صحيح أنه ليس لدينا العديد من الشركاء، لكن علاقتنا وثيقة للغاية مع كل شركائنا. لا أذكر أننا استحوذنا في أي وقت على عمل لغرض الاستثمار العابر، وهذا يمكنا من اتخاذ قرارات لا يمكن للآخرين اتخاذها لأننا ننظر إلى المدى الطويل، ولم نكن لننجح مع فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة (FRV) أو ريفيان لو أننا كنا نفكر في استثمار لمدة عامين ثم الانسحاب.
لقد تعمدنا أن نبقي ريفيان خارج الأضواء لمدة ثماني سنوات لأننا أردنا ألا نظهرها إلى العلن إلا بعد أن نتأكد من أننا أصبحنا أقوياء بما فيه الكفاية. ولقد كنا محظوظين للغاية لانضمام شركاء مثل أمازون وفورد و كوكس أوتوموتيف إلينا، وجميعهم يمثلون شراكات استراتيجية للغاية، فلا أحد منهم يبحث عن ربح سريع.
ذا كوارترلي: يبدو أن التركيز على المدى الطويل ينطبق أيضًا على نهج العائلة تجاه العمل الخيري وعملكم مع مجتمع جميل.
حسن جميل: كان جدي رجلًا كريمًا للغاية. ربما لم يكن حاصلاً على تعليم بالمعنى التقليدي للتعليم، لكن كانت التجارة والأعمال هي مجال علمه، وأدرك قيمة رد الجميل، وقرر منذ ذلك الوقت أن يدعم المجتمعات في جميع أنحاء مدينته بصرف النظر عن المجال الذي سيوجه إليه هذا الدعم، لذا فإن المفهوم الخيري المتمثل في رد الجميل قائم منذ 75 عامًا. عندما أصبح والدي جزءًا من العمل، قاما معًا بإضفاء الطابع المؤسسي على هذا الكرم والمفهوم الخيري الذي تجسد أخيرًا في مجتمع جميل – مؤسستنا الخيرية، التي تحرص فرق عملها على التمسك بمؤشرات الأداء الرئيسية والقياسات والمعايير.
فادي جميل: كان والدي دومًا على استعداد للسماح لنا بالمشاركة ودعم ما نشعر بحماسة تجاهه. لم يحاول دفع أيًا منا في اتجاه معين، بل ترك الباب مفتوحًا أمامنا على مصراعيه. عندما يتزايد عدد الشركات العائلية، تصبح الثقافة السائدة: “هذا ما نقوم به؛ وهذا ما يتوجب علينا القيام به؛ وهذا هو ما سندعمه. “لكن في حالتنا، طالما أنك تفعل شيئًا جيدًا وكنت متحمسًا له، فما عليك سوى مواصلة القيام به. وفلسفة جهودنا الخيرية القائمة على رد الجميل للمجتمع هي الثقافة التي ترعرعنا عليها وهي أيضًا الدعائم التي تقوم عليها الشركة.
ذا كوارترلي: نطاق “المجتمع” شاسع للغاية ولا حدود له، مثل علاقتكم مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على سبيل المثال.
حسن جميل: تخرج والدي محمد عبد اللطيف جميل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ولأنني وأخي لا نمتلك مستوى ذكائه، لم نلتحق بالمعهد [ضحك]. معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مؤسسة رائعة، ولدينا أوجه تعاون كثيرة مع المعهد وهذا يشمل العديد من المعامل التي قمنا بتأسيسها هناك، والتي تضم نخبة من أفضل الباحثين في العالم لبحث القضايا الحرجة مثل مشكلة الفقر المتصاعدة ومعالجة الأزمة الملحة في قطاع المياه العذبة، وينصب تركيز جميع العاملين في تلك المعامل على بناء مستقبل أفضل للجميع.
فادي جميل: في عام 2005، قمنا بتمويل إنشاء معمل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا باسم معمل عبد اللطيف جميل العالمي لمكافحة الفقر (J-PAL)، وقد فاز مؤسسا المعمل، وهما أبيجيت بانيرجي وإستير دوفلو، بجائزة نوبل في الاقتصاد عن أعمالهما في المعمل، وإستير هي أصغر شخص وثاني امرأة تفوز بهذه الجائزة، ونحن فخورون للغاية بأن نكون جزءًا من تاريخهما المشرف.
لقد قام معمل عبد اللطيف جميل العالمي لمكافحة الفقر (J-PAL) بمجهود مذهل حقًا. على سبيل المثال، كنا نريد معالجة الملاريا في أفريقيا التي نعتبرها بقعة مهمة بالنسبة لنا، بينما أكثر من 90 في المائة من وفيات الملاريا العالمية تقع في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وما زال هناك الكثير من النقاش حول الطريقة الصحيحة لمواجهة هذا التحدي. لذلك، أنشئ معمل عبد اللطيف جميل العالمي لمكافحة الفقر (J-PAL) فريقًا هناك لإجراء اختبارات عشوائية لتحديد الطريقة الأكثر فاعلية لحل المشكلة بشكل علمي. على سبيل المثال، كانوا يقولون إن الطريقة (أ) فعالة بنسبة 50%، الطريقة (ب) فعالة بنسبة 80٪، الطريقة (ج) فعالة بنسبة 10٪. أما الحكومات والمؤسسات مثل مؤسسة نايكي (Nike) ومؤسسة بيل إند ميليندا جيتس (Bill & Melinda Gates)، فستقول “نريد حل هذه المشكلة”، وهنا سيقول لهم المعمل “حسنًا، أفضل طريقة لحلها هي الطريقة ب”.
حتى الآن، قام المعمل بتنفيذ أنشطة في 80 دولة مختلفة، وأعتقد أن عمله أثَّر إيجابًا في أكثر من 400 مليون شخص. وعلى سبيل المثال، في قضية الملاريا، ساعدت جهود المعمل في تحويل النهج نحو توفير منتجات منقذة للحياة مجانًا بعد ما نجحوا في إثبات القيمة الاقتصادية والاجتماعية لذلك النهج علميًا.
ذا كوارترلي: كل هذا يأخذنا إلى سؤال حول تقاطع الهدف مع النتيجة النهائية، وهو موضوع يدور في أذهان المديرين التنفيذيين حول العالم هذه الأيام. فما هي نظرتكما إلى الهدف من العمل؟
شركة عبد اللطيف جميل هي شركة عالمية ولكن جذورنا سعودية عميقة، وهذا يظهر في كل شيء من تاريخنا إلى القرارات التي نتخذها اليوم وإلى طموحاتنا للمستقبل.
حسن جميل
حسن جميل: أعتقد أنه ينبغي أن يكون للمؤسسة هدف، ونحن كمالكين ومدراء للمؤسسة بحاجة إلى الشعور بذلك. لكن الأهم من ذلك هو أن موظفيك بحاجة إلى أن يعرفوا ويشعروا أن الشركة لديها هدف، وأن الأمر لا يتعلق فقط بجني الأموال والأرباح. بمعنى أنه يجب أن يكون لديك معنى حقيقي وراء سبب ذهابك للعمل كل يوم.
لا شك أن الربح هو أحد المؤشرات على مدى أدائك الجيد، ولكن معالجة القضايا الأخرى في قطاعك أمر مهم للغاية. ونحن نرى جهود عائلتنا الفنية وجهودنا الخيرية لا تقل أهمية عن جهودنا الأساسية. لدينا في مجتمع جميل أيضًا وحدة فرعية غير ربحية تسمى باب رزق جميل، وقد ساعدت هذه الوحدة في توفير 900 ألف فرصة عمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ إنشائها، وتركز بشكل رئيسي على توفير فرص العمل، سواء من خلال التمويل الأصغر أو التدريب لكل من الرجال والنساء. شخصيًا، قابلت بعض رجال الأعمال والسيدات السعوديين الذين بدأوا بقرض صغير جدًا منا وأنشأوا أحجامًا مختلفة من الشركات. وأستطيع القول إن رؤية ثمار هذه الجهود يمثل دافعًا مستمرًا لنا.
ذا كوارترلي: أتصور أن رؤية هذا الأمر في المملكة العربية السعودية هو الأكثر إلهاما. كيف تعتقد أن الانطلاق من المملكة العربية السعودية قد أثر على عبد اللطيف جميل كشركة؟
حسن جميل: شركة عبد اللطيف جميل هي شركة عالمية ولكن جذورنا سعودية عميقة، وهذا يظهر في كل شيء من تاريخنا إلى القرارات التي نتخذها اليوم وإلى طموحاتنا للمستقبل. منذ ثمانية عقود، كانت السعودية مركز عملياتنا وأكبر سوق لدينا ونقطة انطلاقنا للعالم. ونحن ملتزمون بأن نكون جزءًا إيجابيًا من تاريخ المملكة العربية السعودية.
فادي جميل: السعودية أمة مزدهرة وشابة وطموحة بُنيت من أرض صحراوية قاسية وجافة، وأعتقد أن هذا يعني أن المثابرة والابتكار من أسس الحمض النووي للشعب السعودي والشركات السعودية. كما تعد المملكة مكان رائع للانطلاق منه. عندما افتتحنا فروعنا في أسواق أخرى، تمكنا من استخدام مجموعة من الموارد التي لن تكون متاحة عادةً.
ذا كوارترلي: من المثير للاهتمام أن تتحدث عن “الموارد”. لأن التصور – أو ربما يكون مفهومًا خاطئًا – من الكثيرين في الغرب هو أن تدفق التجارة هو أحد الموارد الطبيعية، خاصة البترول، من الشرق الأوسط إلى الخارج.
حسن جميل: أهم مواردنا هي الناس والأفكار. فمنذ الستينيات من القرن الماضي، تركز شركتنا على التدريب والتطوير. وفي ثمانينات القرن الماضي، قمنا ببناء منشآت تدريب كبيرة في السعودية، مع التركيز على أنشطة المبيعات وما بعد البيع. لدينا أيضًا برامج حيث نرسل الشباب السعودي وغير السعوديين إلى اليابان. تدرب فادي في أستراليا، وتدربت أنا في اليابان. ويتم إرسال الزملاء إلى هذين البلدين لمدة عام أو عامين حيث يتدربون ويعودون.
يشكل تمكين موظفينا جانبًا أساسيًا من أعمالنا. ونحن كشركة نمتلك أطرًا ومبادئ توجيهية، لكننا نترك مساحة للناس لاتخاذ القرارات واغتنام الفرص
فادي جميل
فادي جميل: من الضروري أن يكون هناك إطّلاع مهني وثقافي في سن مبكرة. الأمر لا يتعلق بالسفر إلى الخارج للدراسة في الكلية أو الدراسات العليا فحسب. عندما يقضي زملاؤنا في المجموعة عامًا أو أكثر في العمل في الخارج، فإنهم يخضعون لعملية تحول لا يمكن تصديقها. ويشكل تمكين موظفينا جانبًا أساسيًا من أعمالنا، نحن شركة نمتلك أطرًا ومبادئ توجيهية، لكننا نترك مساحة للناس لاتخاذ القرارات واغتنام الفرص.
ولهذا يواصل العديد من موظفينا القيام بأشياء رائعة، ولعل أبرز الأمثلة التي تتبادر إلى الذهن في هذا الصدد، هو قيام شابان في شركتنا بإنشاء موقع ويب يسمى Motory.com، واليوم، يعد الموقع واحدًا من أكثر مواقع السيارات استقطابًا للزوار في المملكة العربية السعودية، ونعقد حاليًا محادثات مع شركاء ونتطلع إلى توسيع هذا النشاط التجاري. ولأن الفرص تنبثق بين الحين والآخر، فإن دورنا كمدراء تنفيذيين هو التأكد من أننا نعي ما يمكن وراء هذه الفرص، وعندما نكتشف قيمتها، نستغلها، ونتركها تنمو.