إن الزيادة السريعة في تعداد السكان الشباب ممن هم في سن العمل تحمل في طياتها إمكانات اقتصادية هائلة للعديد من البلدان على مدى العقود القادمة، لكن حصاد فوائد هذه القوة الشابة سيتطلب من هذه البلدان ضخ استثمارات استراتيجية على مختلف الأصعدة.

في جميع أنحاء العالم، يتزايد عدد السكان ككل مع تقدم السن، ومن المتوقع أن يبلغ متوسط العمر في العالم 36 عاماً بحلول عام 2050، مقارنة بـ 31 في عام[1]2020 وبين عامي 2020 و 2050، ستتضاعف نسبة سكان العالم البالغة أعمارهم 60 عاماً فأكثر من مليار نسمة في عام 2020 إلى 2.1 مليار نسمة بحلول عام 2050، بينما يُتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 عاماً أو أكثر ثلاث مرات خلال الفترة نفسها[2].

ويُعد ارتفاع متوسط العمر المتوقع وانخفاض معدلات المواليد من العوامل الرئيسية التي تساهم في هذا الاتجاه. ولكن تبعاً للتركيبة السكانية القائمة في البلدان المعنية، فإن آثار هذه الاتجاهات ستكون مختلفة جداً، وستتجلى على وجه الخصوص في زيادة تعداد الشباب في المجتمع.

التحول الديموغرافي

تتزايد المخاوف في العديد من البلدان الغنية بشأن التأثير الذي قد تخلفه زيادة أعداد كبار السن في المجتمع، لا سيما فيما يتعلق بتلبية حاجتهم المتنامية للرعاية الصحية المتطورة. ولكن في مناطق أخرى، سيؤدي النمو الكبير في عدد الشباب ومن هم في سن العمل، مقارنة بمن يعولونهم، إلى تحديات وفرص متباينة جداً.

وبالإمكان تفسير هذه الاختلافات من خلال النظر في المرحلة التي يمر بها بلد ما فيما يعرف باسم ‘التحول الديموغرافي’. فمن الناحية التاريخية، شهدت معظم البلدان معدلات مواليد مرتفعة ومعدلات وفيات مرتفعة. ولكن مع ازدياد ثراء المجتمعات وتحسن أنماط التغذية وأنظمة الرعاية الصحية، بدأت معدلات الوفيات تميل إلى الانخفاض، خاصة في الدول الغنية. وإذا ظل معدل المواليد مرتفعاً، فإن هذا سيؤدي في المقابل إلى زيادة سريعة في تعداد السكان، نتيجة ارتفاع عدد المواليد وانخفاض معدل الوفيات.

وفي العادة، عندما تتطور المجتمعات وتصبح أكثر ثراءً، يميل الناس إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال، وهو ما يؤدي بالتالي إلى تراجع معدلات المواليد أيضاً. وعندما ينخفض معدل المواليد بما يتماشى مع معدل الوفيات، يتوقف عدد سكان البلد عن النمو بسرعة وقد يبدأ في الانخفاض.

وهذا بالضبط ما حدث في بلدان مختلفة مثل ألمانيا وشيلي وموريشيوس والصين [3]، إذا تواجه بعض هذه البلدان بالفعل تحديات جراء انخفاض أعداد المواليد في التركيبة السكانية التي ترتفع فيها نسبة كبار السن. وتوقعت الأبحاث في عام 2020 أن تشهد 23 دولة انخفاضاً كبيراً في عدد سكانها بحلول نهاية هذا القرن إذا ما استمر تصاعد الاتجاهات الحالية. وكان من المتوقع أن ينخفض عدد سكان اليابان من أكثر من 128 مليوناً في عام 2017، إلى أقل من 53 مليوناً بحلول عام 2100، بينما كان متوقعاً أن ينخفض عدد السكان في إيطاليا خلال الفترة نفسها من 61 مليون نسمة إلى 28 مليون نسمة [4]. وتواجه هذه البلدان تحدياً يتمثل في كيفية دعم أجيالها الأكبر سناً مع نموها مقارنة بالسكان الآخرين ممن هم في سن العمل.

نسب الإعالة

وفي المقابل، فإن تلك البلدان التي تمر بمرحلة مبكرة من تحولها الديموغرافي لديها الفرصة للاستفادة من ”العائد الديموغرافي“، وهي فترة زمنية ينمو فيها عدد سكانها من الشباب ومن هم في سن العمل بما يتناسب مع عدد المعالين الأكبر سناً الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة.

وقد توقع تقرير صادر عن اليونيسف في عام 2019، أنه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، “ستنتقل نسبة كبيرة غير مسبوقة من سكان [المنطقة] إلى المرحلة الأكثر إنتاجية من أعمارهم” في العقود القادمة [5]. وسيكون الوقت الأكثر ملاءمة لذلك هو الفترة الممتدة حتى عام 2040، حيث ستكون نسبة الإعالة حوالي 50 معالاً (أي الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة وكبار السن الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فأكثر) لكل 100 بالغ في سن العمل (أي الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة).

ومن الآن وحتى عام 2050، ستكون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على موعد مع زيادات كبيرة في العدد الإجمالي للأطفال والشباب– وهي تغيرات ديموغرافية يُتوقع أن يكون لها تأثير اقتصادي كبير. وتقول اليونيسف أنه بحلول عام 2030، سيكون هناك 2.4 مليون شاب إضافي (تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً) في جميع أنحاء المنطقة، وستشهد خمس دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زيادة بنسبة 40% أو أكثر في هذه الفئة من الطيف السكاني. وفي الكويت والعراق، سيتضاعف عدد الشباب تقريباً في ذلك الوقت، إذ سيزيد عدد الشباب في الأولى بـنحو 200,000 شاب، وفي الثانية بأكثر من 3.2 مليون شاب. وسيرتفع عدد الشباب في مصر بمقدار الثلث (33%)، أو ما يُعادل 5.5 مليون. ومن المتوقع أن تشهد المنطقة أعلى زيادات سنوية ككل في عامي 2027 و 2028، وهو ما يُترجم إلى 2.4 مليون شاب كل عام. [6]

الفرص والمخاطر

ولدى هذه البلدان، وغيرها من الدول التي تشهد اتجاهات ديموغرافية مماثلة، فرصة للاستفادة من هذا ”العائد الديموغرافي“ للمساعدة في دفع عجلة النمو الاقتصادي، ذلك أن هذا العدد الكبير من السكان الشباب الذين يدخلون سوق العمل يحمل في طياته قدرة هائلة على ضخ طاقة جديدة في عروق الاقتصاد وطاقة أخرى من الابتكار والإبداع – فالعديد من مؤسسي الشركات الناشئة في أفريقيا هم دون سن 35 عاماً، على سبيل المثال [7].

ومع ذلك، فقد حذر جيرت كابيلير، المدير الإقليمي لليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من أن “العائد الديموغرافي لا ينشأ تلقائياً – بل يجب زراعته ومن ثم حصاد محصوله”. ويرى كابيلير أن “الشابات والشبان الأصحاء، الذين يتمتعون بتغذية جيدة وتعليماً جيداً، وتدعمهم سياسات شاملة في مناخ من السلام والاستقرار، يمكن أن يحققوا مستويات غير مسبوقة من النمو والتقدم الاجتماعي في المنطقة. ولكن إذا لم نستثمر ما يكفي في الأطفال والشباب، فسيتعرض الكثير منهم إلى الإقصاء والتهميش،  وسيسود الصراع وعدم الاستقرار، وستصبح التغيرات الديموغرافية في المنطقة عبئاً وليس فرصة”.

الاستثمار في الشباب

إذن، ما الذي يمكن أن تفعله البلدان التي تشهد طفرة في أعداد الشباب لضمان تحقيق أقصى استفادة من هذه الفرص؟ ربما تكون الإجابة على هذا السؤال أكثر أهمية بالنسبة لإفريقيا التي تقل فيها أعمار 70% من السكان عن 30 عاماً، وكونها مرشحة لاستقبال أكثر من 400 مليون شاب في سن العمل بحلول عام 2035. فبحسب توقعات الأمم المتحدة، سيعيش أكثر من ثلث شباب العالم في إفريقيا بحلول عام [8] 2050.

لكن السكان الشباب المتزايدين بسرعة في القارة يواجهون تحديات جسيمة في العثور على فرصة عمل. ففي حين أن ما يصل إلى مليون شخص أفريقي يدخلون سوق العمل كل شهر، إلا أن أقل من واحد من كل أربعة منهم ينجح في الحصول على وظيفة نظامية [9]. وبحسب بيانات منظمة العمل الدولية (ILO)، فإن أكثر من ربع الشباب في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا يعملون ولا يتلقون تعليماً أو تدريباً على الفرص المتوفرة في سوق العمل [10]. وتقول الشراكة العالمية لتحالف المدن أن العمالة غير الرسمية كنسبة مئوية من إجمالي العمالة في نفس المنطقة تبلغ 89% – ما يعني “أن العديد من الشباب يفتقرون إلى شبكات الأمان الاجتماعي، أو أي شكل من أشكال حقوق العمال”.

وفي قمة عُقدت في تنزانيا في عام 2023، وجمعت رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء من 43 دولة أفريقية، قال مامتا مورثي، نائب رئيس البنك الدولي للتنمية البشرية، أن الالتزام السياسي يتفوق في أهميته على الموارد في مواجهة هذا التحدي.  وأضافت: “يجب أن يكون هناك المزيد من الاستثمار في الشباب لتزويدهم بتعليم جيد، ويجب أن يكون هذا الاستثمار من النوع الذي يخلق فرص عمل حتى يتسنى لنا توظيف هؤلاء الشباب ذوي المهارات.” [11]

وأقر المشاركون في القمة بأن تطوير رأس المال البشري في إفريقيا تتطلب نوعاً من التنسيق بشأن الخطط والتمويل، بالإضافة إلى جهود حازمة لتعزيز كمية وكفاءة الاستثمارات وعوائدها على البشر. وخلص البيان الصادر عن القمة إلى عدد من الالتزامات، على رأسها الحد من فقر التعلم بمقدار الربع على الأقل بحلول عام 2030، وتحسين معدلات معرفة القراءة والكتابة لتصل إلى 75% بحلول عام 2030. وفي ملف الصحة، تعهد المشاركون بتخفيض نسبة المصابين بالهزال والتقزم ونقص الوزن، والوصول بنسبة التحصين من الأمراض المعدية إلى 90% بحلول عام [12] 2030.

كما اتفقت القمة على مجموعة من التدابير لتعزيز خلق فرص العمل والمكاسب الاقتصادية. وشملت هذه التدابير جذب الاستثمار المحلي والأجنبي، وتشجيع ريادة الأعمال، ودعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وبالإضافة إلى ذلك، ستعطي البلدان المشاركة الأولوية للقطاعات ذات الإمكانات العالية مثل الزراعة، والطاقة المتجددة، والتقنيات الرقمية، مع الالتزام بتوفير التدريب لنحو 19 مليون شخص إضافي لتمكينهم من اكتساب المهارات الرقمية اللازمة للوظائف بحلول عام 2030.

عيون على الهند

إن التحديات التي تواجه استغلال إمكانات رأس المال البشري لعدد متزايد من الشباب تبدو معقدة ومرهقة للغاية، وهذا تماماً ما وجدته الهند. ففي العام الماضي تجاوزت الهند الصين كأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان [13]، الذين تقل أعمار ثلثيهم في البلاد عن 35 عاماً، وتنمو القوى العاملة فيها بالملايين كل عام [14]. وتشهد الهند نمواً اقتصادياً سريعاً – وقد تأكد مؤخراً أنها أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم، بمعدل 8.4% [15]. ولكن على الرغم من هذه النظرة الإيجابية، لا تزال البطالة تمثل عبئاً مرهقاً للبلاد، خاصة بين الشباب. ففي العام الماضي خلص تقرير صادر عن جامعة عظيم بريمجي في بنغالور أن معدل البطالة بين الخريجين الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً بلغ 42% في يونيو [16] 2022. وقد حذر القائمون على إعداد التقرير من  أن الفجوة بين النمو في الناتج المحلي الإجمالي ونمو التوظيف كانت متسعة لفترات طويلة، مما يشير إلى أن ”السياسات المصممة لتحقيق نمو أسرع في الناتج المحلي الإجمالي لن تؤدي في الغالب إلى تسريع خلق فرص العمل على النحو المتوخى“.

كما تبرز مشكلة نقص المهارات بين الشباب ضمن الشواغل المهمة، فقد خلص استطلاع أجري العام الماضي أن ثلاثة أرباع الشركات المصنعة الهندية – في قطاعات تشمل صناعة السيارات والهندسة والإلكترونيات – تعاني من نقص في العمالة الماهرة بصورة تعيق ربحيتها. وأفاد أكثر من ثلث هؤلاء (35%) أن تأثير هذه الظاهرة قد بلغ حداً لا يستهان به [17]. ويدعم هذه النتائج تحليل أجرته “ستاندرد آند بورز جلوبال”، والذي خلصت فيه إلى أن انخفاض مستويات المهارات في قطاع التصنيع الهندي يعني أن كل موظف كان يساهم في المتوسط بقيمة 8076 دولار أمريكي فقط في عام 2021 – أي أقل بكثير من دول أخرى مثل تايلاند (18308 دولار أمريكي) وماليزيا (34402 دولار أمريكي) [18]. وتتجلى معضلة نقص المهارات أيضاً في قطاعات رئيسية أخرى من الاقتصاد الهندي. ففي عام 2023، قالت هيئة صناعية إن قطاع الاتصالات في البلاد يعاني من نقص قدره 2.41 مليون عامل ماهر – ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم بنحو أربعة أضعاف بحلول عام 2030. [19] وفي عام 2023 أيضاً، نشر رئيس مجلس إدارة مجموعة آر بي جي الهندية الكبرى مقالاً على وسائل التواصل الاجتماعي عن نقص المهارات، قال فيه [20]: “نبحث باستمرار عن عمال بناء، لكن لا يمكننا العثور على ما يكفي! ونبحث عن سائقي شاحنات، لكننا نعاني من نقص كبير! ونريد عمال مزارع، لكنهم غير متوفرين! لا أدري كيف بإمكاننا حل هذه المعضلة”.

ولمعالجة هذه المخاوف، أطلقت الحكومة الهندية مجموعة من المبادرات الرامية إلى تعزيز مهارات سكانها – لا سيما الشباب منهم.  وفي هذا الصدد، أرست سياسة التعليم الوطنية في البلاد [21]، التي جرى الإعلان عنها في عام 2020، إطاراً شاملاً لتطوير نظام التعليم، وهو يركز بالأساس على محو الأمية ومهارات الحساب الأساسية، بهدف تحقيق محو الأمية في المدارس الابتدائية بحلول عام 2025، وبين 100% من الشباب والكبار بحلول عام 2035. وتركز السياسة ضمن أهدافها أيضاً على تحسين نسبة التعليم العالي، حيث تستهدف زيادة معدل الالتحاق الإجمالي بالجامعات إلى 50% بحلول عام 2035 (ضعف مستواه تقريباً في عام 2018)، ودفع الجامعات الهندية إلى قائمة أفضل 100 جامعة على مستوى العالم [22].

وفي عام 2014، أعلنت الحكومة الهندية عن استحداث وزارة تنمية المهارات وريادة الأعمال، والتي تشرف حالياً على مجموعة من فرص التمويل والتدريب لكل من الشركات والأفراد. وقد تم إنشاء برنامجها الرئيسي، وهو برنامج برادهان مانتري كوشال فيكاس يوجانا (PMKVY)، في عام 2015 لتطوير المهارات وثيقة الصلة بالصناعة لدى الشباب في جميع أنحاء البلاد لمساعدتهم في العثور على فرصة عمل مناسبة [23]. وحتى نهاية عام 2023، قدمت الوزارة برامج تدريبية أو توجيهية لنحو 14 مليون مرشح، لكن معظمهم لم يُوفق في إيجاد فرصة عمل حتى الآن. وقد أفاد تقرير تحليلي صدر العام الماضي أن أقل من ربع المرشحين المعتمدين في إطار برامج “برادهان مانتري كوشال فيكاس يوجانا” تمكنوا من الحصول على وظيفة [24].

التفاوت بين الجنسين

تؤكد هذه الإحصائيات مجتمعة أنه لا توجد بالضرورة طرق سهلة لاغتنام فرص العائد الديموغرافي – وأن النجاح في ذلك على الأرجح يعود إلى تفاعل معقد بين العوامل المترابطة.

وفي العديد من البلدان، يعتقد خبراء الاقتصاد أن النوع الاجتماعي هو أحد الاعتبارات الحاسمة. ففي الهند والعديد من البلدان الأخرى التي تتمتع بإمكانية تحقيق عائد ديموغرافي، تبدو نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة منخفضة على نحو ملحوظ. فقد انخفض معدل توظيف النساء الهنديات في سن العمل إلى 24% العام الماضي، مقارنة بـ 29% في عام 2010. وكان هناك انخفاض أكبر في نسبة من تقل أعمارهن عن 25 عاماً: من 20% إلى 12%.

وبالتوازي مع ذلك، نرى في جميع أنحاء أفريقيا أن أكثر من ربع الشباب (72 مليون) هم من غير المتعلمين أو العاملين أو المتدربين – وثلثا هؤلاء من النساء [25]. وفي عام 2022، بلغ معدل الشابات غير الملتحقات بالتعليم أو العمل أو التدريب في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 33%. ووجدت منظمة العمل الدولية أنه في سبعة بلدان قامت بدراستها في هذه المنطقة، كانت معدلات البطالة بين النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و29 عاماً أعلى من معدلات الشباب الذين لا يتلقون تعليماً أو عملاً أو تدريباً، وكانت معدلات توظيفهن بالنتيجة أقل من الشباب.

وغالباً ما تتأثر هذه الاتجاهات بالمواقف والممارسات الاجتماعية. ففي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تضطلع الشابات عادةً بالمزيد من المهام المنزلية مثل الطهي ورعاية الأطفال، مما يجعلهن أقل تفرغاً للمشاركة في مسارات التعليم والقوى العاملة. كما يُعتقد أن الأعراف الاجتماعية تشكل عاملاً آخر في الهند، بالإضافة نقص الوظائف المتاحة للنساء، ومخاوف تتعلق بالسلامة بسبب تزايد عدد السكان في المناطق الحضرية [26]. ويرى العديد من الخبراء أن التغلب على هذه المشاكل سيكون حاسماً في نجاح البلدان في تحقيق إمكاناتها الاقتصادية. وكما قالت رادهيكا كابور، الأستاذة الزائرة في المجلس الهندي لبحوث العلاقات الاقتصادية الدولية، لصحيفة فاينانشيال تايمز: ”لا يمكنك حقاً تحقيق مكاسب من العائد الديموغرافي في بلدك إذا ما كان نصف سكانك لا يشاركون في القوى العاملة”. [27]

النجاح السعودي مثالاً

تُعد المملكة العربية السعودية، التي يبلغ متوسط العمر فيها 22 عاماً، واحدة من الدول التي شهدت تحسناً ملحوظاً في هذا المجال، مما يجعلها في وضع جيد لجني مكاسب العائد الديموغرافي في العقود القادمة [28]. وقد خلص تحليل أجرته “ستاندرد آند بورز جلوبال” العام الماضي أن مشاركة الإناث في القوى العاملة في البلاد بلغت 36% في عام 2022، أي ما يقرب من ضعف مستواها البالغ 19% في عام 2016. ويُعتقد أن هذا التغيير يرجع إلى عوامل من بينها ”تحسن فرص الحصول على التعليم، وانخفاض معدلات الخصوبة، وشمولية البيئة الثقافية“، بحسب ما جاء في صحيفة عرب نيوز [29]. وفي عام 2020، كان ما يقرب من ثلث (32%) النساء في سن 25 عاماً فأكثر في البلاد حاصلات على درجة البكالوريوس على الأقل – وهي زيادة كبيرة عن عام 2017، عندما كانت النسبة تصل إلى حوالي الربع (26%).

ومن المتوقع أن يؤدي نمو مشاركة الشباب في القوى العاملة إلى رفد الاقتصاد السعودي بنحو 39 مليار دولار أمريكي (3.5%) بحلول عام 2032، مما يؤكد أهمية المبادرات الحكومية وتأثيرها في تحقيق العائد الديموغرافي. ويأتي هذا التغيير نتيجة البرامج التي أطلقتها الحكومة ضمن رؤية المملكة 2030، والتي تركز من بين أهداف أخرى على”تمكين المرأة ومشاركة الشباب” [30]. وأشار تقرير صدر هذا العام عن البنك الدولي [31] إلى أن “إظهار الحكومة السعودية التزامها القوي بتمكين المرأة” كان عاملاً مهماً في دعم ارتفاع نسبة مشاركتها في سوق العمل.

كما سلط التقرير الضوء على أهمية “الإصلاحات التشريعية الكبرى والبرامج الجديدة لتعزيز توظيف الإناث”، إلى جانب التغيرات الاقتصادية الهيكلية وتأثير جائحة كوفيد-19.

بناء الشراكات

على الرغم من أهمية المبادرات الحكومية، إلا أن نجاح المساعي الرامية لجني مكاسب العائد الديموغرافي ستحتاج أيضاً إلى حشد قوة الاستثمار الخاص. وفي هذا الصدد، ترى اليونيسف أن خلق فرص العمل الضرورية في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يجب أن يكون “مدفوعاً بجهود القطاع الخاص” [32] للحد من الاعتماد على القطاع العام في استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.  وتدعو  اليونيسف في تقريرها عن المنطقة إلى قيام البلدان بـ ”تهيئة المشهد التنظيمي“ لدعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة والتهيؤ للاستفادة من التغيرات السريعة في التقنيات التي تشكل الثورة الصناعية الرابعة.

ويُعد التعليم أحد المجالات الرئيسية التي يجري فيها استكشاف إمكانات الشراكات بين الحكومات والشركات.

وقد ركزت الحكومة السعودية في الآونة الأخيرة على إمكانات التكنولوجيا في تطوير قطاع التعليم وتعزيزه، بحسب بيان صدر مؤخراً عن مستشار وزاري [33]. وترى الحكومة أن عدد الشباب الكبير والمتزايد في البلاد، بالإضافة إلى إعطاء الأولوية لكل من الرقمنة والتعليم، يوفر أرضاً خصبة للمستثمرين المحليين والأجانب في مجالات تشمل الفصول الدراسية الافتراضية، ومنصات التعلم عبر الإنترنت، وتطوير المحتوى التعليمي. كما تدعم الحكومة نمو قطاع التكنولوجيا التعليمية من خلال مبادرات عديدة ومتنوعة مثل الإصلاح التنظيمي، والحوافز المالية، وتعزيز التعاون مع المدارس والكليات.

ويعتقد هشام الهبطي، رئيس جامعة محمد السادس للفنون التطبيقية في المغرب، أن التحوّلات المطلوبة في نُظم التعليم العالي في إفريقيا يجب أن تشمل أيضاً القطاع الخاص [34]. ويرى الهبطي كذلك أن برامج التعليم “يجب أن تُعاد صياغتها لتعزيز روح ريادة الأعمال التي تعود بالنفع على المجتمع”، مؤكداً على الحاجة إلى “تسخير أوجه التآزر المتعددة بين الجامعات والصناعة والأعمال في أفريقيا” في أي منظومة يتم تبنيها لهذا الغرض.

تأسست جامعة محمد السادس للفنون التطبيقية في المغرب قبل عقد من الزمان، وانصب تركيزها في البداية على أولويات شريكها الصناعي – مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط – لكنها توفر حالياً دورات دراسية في مجموعة واسعة من المجالات مثل العلوم والتكنولوجيا والأعمال والإدارة والعلوم الإنسانية. ويتجلى نموذج التعاون المشجع هذا أيضاً في الهند، حيث توفر الشركات العالمية مثل مايكروسوفت (Microsoft) وآي بي إم (IBM) الدعم للمجتمعات الهندية عبر برامج لتطوير المهارات الرقمية بين الشباب في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. [35],[36]

والحقيقة أن مثل هذه الشراكات تعطينا أمثلة مثيرة للاهتمام عن كيفية عمل الحكومات والشركات معاً للمساعدة في إطلاق العنان لقدرات الشباب – وهي المهمة التي ستكون حاسمة لآفاق المستقبل في العديد من البلدان. ويصف الهبطي الشباب الأفريقي بأنه ”أثمن ما تملكه القارة الأفريقية“، ويضيف قائلاً: ”لا يمكن لأفريقيا أن تحقق إمكاناتها الحقيقية إلا من خلال احتضان هؤلاء الشباب“.

وتضطلع عائلة جميل بدور فاعل في تمكين الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأماكن أخرى من تحقيق إمكاناتهم والمساهمة بشكلٍ ملموس في نمو مجتمعاتهم. فمنذ عام 1994، على سبيل المثال، ساعدنا حوالي 200 شاب من جميع أنحاء العالم على تحقيق إمكاناتهم من خلال الدراسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال برنامج المنح الدراسية جميل-تويوتا برعاية مجتمع جميل. ويواصل العديد من خريجي هذا البرنامج مسيرتهم المهنية الناجحة في مجال الأعمال والأوساط الأكاديمية، ليتسنى لهم المساهمة في بناء مستقبل مستدام.

وبالإضافة إلى ذلك، تدير شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة (FRV)، وهي جزء من شركة عبد اللطيف جميل للطاقة، برنامجاً للمنح الدراسية تحت مسمى ”القادة الشباب الموهوبون“ بجامعة إمبريسا الإسبانية (IE)، وهي عبارة عن مبادرة لدعم الطلاب في المناطق القريبة من مشاريع شركة “فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة” للدراسة في جامعة إمبريسا الإسبانية، مع التكفل بجميع تكاليف التدريب والتعليم على مدار أربع سنوات.

في الصورة (من اليسار إلى اليمين): خوسيه توماس بورغويوس، ودانيال ساغي فيلا، الرئيس التنفيذي لشركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة (FRV)، ومارا سانشيز، وغونزالو غارلاند، نائب الرئيس التنفيذي لشركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة (FRV)، وخافيير هويرغو، رئيس قسم الاستثمار وأمين الصندوق في شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة، ودييغو هيرنانديز، وميلينا أفاغيان، في حفل توزيع منح فوتواتيو فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة للقيادات الشابة الموهوبة الحادية عشرة في جامعة إمبريسا الإسبانية في أبريل 2024.  حقوق الصورة © فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة.

كما تقود مجتمع جميل السعودية، وهي إحدى المؤسسات الخيرية العالمية لعائلة جميل، عدداً من البرامج التي تستهدف الشباب في المملكة العربية السعودية. وبالتوازي مع ذلك، تُساعد باب رزق جميل (BRJ)، الشباب والشابات في المملكة العربية السعودية في العثور على فرصة عمل، عبر التوفيق بين الباحثين عن الوظائف وأصحاب العمل والمساعدة في خلق فرص عمل كخطوة نحو الاستقلال الاقتصادي. واليوم، تقدم باب رزق جميل برامج تدريب مهني وبرامج تدريب وظيفي موجهة للشباب والشابات ورواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة.

ومن خلال شراكتها الاستراتيجية مع منتدى MIT لريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية (MITEF)، وهو جزء من شبكة عالمية من الفروع المكرسة لتعزيز ريادة الأعمال والابتكار في جميع أنحاء العالم، تسعى مجتمع جميل السعودية إلى تعزيز مهارات رواد الأعمال السعوديين وتوثيق التواصل معهم وتدريبهم وتمكينهم من تحويل أفكارهم بسرعة إلى شركات قادرة على إعادة تشكيل العالم.

تأسس المنتدى في عام 2015، بهدف تعزيز وإثراء منظومة ريادة الأعمال، والاحتفاء بجميع الشركات الناشئة ورواد الأعمال والمؤسسات الاجتماعية في المملكة العربية السعودية ودعمهم في جميع المجالات والقطاعات من خلال مسابقة الشركات الناشئة المعروفة اليوم باسم سمارت ستارت السعودية. وقد حظيت هذه المسابقة بنجاح باهر من حيث حجم المشاركات التي بلغت أكثر من 9,500 مشاركة من شركات سعودية ناشئة، والتي حصل بعضها على 1.91 مليون ريال سعودي على سبيل التمويل الاستثماري المجاني لتطوير مشاريعها. وتمخضت المسابقة أيضاً عن ولادة نحو 120 شركة ناشئة ساهمت بدورها في استحداث أكثر من 200 فرصة عمل في السوق السعودية. واستفاد من البرنامج بشكل عام حوالي 8,000 من رواد الأعمال الشباب.

وعلى المستوى الإقليمي، يهدف منتدى MIT لريادة الأعمال في العالم العربي إلى تعزيز وإثراء بيئة ريادة الأعمال في الدول العربية، ودعم الشركات الناشئة ورواد الأعمال في المنطقة من خلال مجموعة متنوعة من البرامج والمبادرات.

وفي شركة عبد اللطيف جميل، أعدنا مؤخراً إطلاق برنامج جميل للمتدربين الإداريين لمدة عامين لرعاية الجيل القادم من القادة العالميين. وتجمع هذه المبادرة بين عناصر مثل الإرشاد والتوجيه والتدريب الجماعي والمهام الفردية لدعم الشباب الواعد في مجموعة شركات عبد اللطيف جميل حول العالم لتحقيق طموحاتهم المهنية. كما يتيح لنا هذا الاستثمار أيضاً الوصول إلى مجموعة أكبر من المواهب التي تتمتع بالقدرة على التكيّف والبراعة في مجال التكنولوجيا – وهي سمات تزداد أهميتها بالنسبة لأعمالنا والاقتصاد العالمي ككل. وبحسب تصريح ماريانا ميرينو، مديرة مركز خبرات الموارد البشرية المؤسسية ومنهجية كايزن في عبد اللطيف جميل، فإن البرنامج يساعد على بناء ”موظفين متعددي المهارات يمكنهم التكيّف مع مختلف الأدوار والتحديات“.

 

كما يساهم برنامج المتدربين أيضاً في رفد جهودنا الأوسع نطاقاً لترسيخ ثقافة إيجابية متسقة في جميع أقسام الشركة، استناداً إلى قيمنا الأساسية الأربع – الاحترام، والتحسين، والريادة، والتمكين، التي نُطلق عليها «مبادئ جميل»، وهي توفر مجتمعة إطاراً واضحاً لتوجيه مسار العمل والقرارات. وقد جاء إطلاق البرنامج من منطلق إدراكنا أن النجاح لا يتطلب أشخاصاً يتمتعون بالمهارات المناسبة وحسب، بل أيضاً بالعقلية السليمة التي تكفل توظيف هذه المهارات بفعالية ومسؤولية.

Hassan Jameel
حسن جميل 
نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة
عبد اللطيف جميل

وعن ذلك، يقول حسن جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة عبد اللطيف جميل السعودية:

“يواجه الشباب في مناطق عديدة من العالم مستقبلاً من النمو والإبداع، أو الندرة والسخط.

وستكون القرارات التي يتخذها أصحاب المصلحة العالميون في السنوات القادمة حاسمة في تحديد الاتجاه الذي سيتخذه مستقبل هؤلاء الشباب، وما إذا كانت الفرص المحتملة للشباب ستحقق فوائد ملموسة للمجتمعات التي يعيشون ويعملون فيها.” 

 

[1] https://www.imf.org/en/Publications/fandd/issues/2020/03/infographic-global-population-trends-picture

[2] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/ageing-and-health

[3] https://ourworldindata.org/demographic-transition

[4] https://www.bbc.co.uk/news/health-53409521

[5] https://www.unicef.org/mena/media/4141/file

[6] https://www.unicef.org/mena/media/4141/file

[7] https://www.antler.co/blog/how-to-build-a-unicorn-in-africa

[8] https://www.nytimes.com/interactive/2023/10/28/world/africa/africa-youth-population.html

[9] https://www.nytimes.com/interactive/2023/10/28/world/africa/africa-youth-population.html

[10] https://ilostat.ilo.org/african-youth-face-pressing-challenges-in-the-transition-from-school-to-work/

[11] https://www.worldbank.org/en/news/feature/2023/08/14/realizing-a-brighter-future-for-a-young-energized-and-connected-africa

[12] https://documents1.worldbank.org/curated/en/099437408012323869/pdf/IDU00fcd4a900d09e0425a0af8c02a2df6c51237.pdf

[13] https://www.bbc.co.uk/news/world-asia-india-65322706

[14] https://www.ilo.org/newdelhi/info/WCMS_175936/lang–en/index.htm

[15] https://www.bbc.co.uk/news/business-68443347

[16] https://www.reuters.com/world/india/rising-womens-participation-indian-workforce-likely-led-by-distress-study-2023-09-20/

[17] https://economictimes.indiatimes.com/jobs/hr-policies-trends/skilled-labour-shortage-posing-challenges-for-manufacturers-survey/articleshow/105721247.cms?from=mdr

[18] https://www.spglobal.com/en/research-insights/featured/special-editorial/look-forward/india-s-demographic-dividend-the-key-to-unlocking-its-global-ambitions

[19] https://telecom.economictimes.indiatimes.com/news/industry/shortage-of-2-41-mn-skilled-workers-in-indian-telecom-sector-gap-to-grow-3-8x-by-2030/104758307

[20] https://www.livemint.com/news/india/indias-unemployment-crisis-harsh-goenka-highlights-shortage-of-skilled-workers-11692763064046.html

[21] https://www.uil.unesco.org/en/articles/india-national-education-policy

[22] https://www.ey.com/en_in/education/how-can-indian-higher-education-prepare-to-leapfrog-in-the-next-two-years

[23] https://www.pmkvyofficial.org

[24] https://www.business-standard.com/article/current-affairs/placement-rate-of-22-for-those-trained-under-pmkvy-shows-data-123031401234_1.html

[25] https://ilostat.ilo.org/african-youth-face-pressing-challenges-in-the-transition-from-school-to-work/

[26] https://www.npr.org/sections/goatsandsoda/2023/01/04/1146953384/why-women-in-india-are-dropping-out-the-workforce-even-as-the-economy-grows

[27] https://ig.ft.com/india-population/

[28] https://www.ftidelta.com/insights/perspectives/a-kingdom-in-transition-demographic-shifts-in-saudi-arabia

[29] https://www.arabnews.com/node/2377971/business-economy

[30] https://www.vision2030.gov.sa/en/progress/dynamic-society

[31] https://openknowledge.worldbank.org/entities/publication/2c0e4380-b9c4-427e-ba67-5a234ea377e3

[32] https://www.unicef.org/mena/media/4141/file

[33] https://www.arabnews.com/node/2436856

[34] https://www.weforum.org/agenda/2022/09/why-africa-youth-key-development-potential/

[35] https://news.microsoft.com/en-in/microsoft-joins-forces-with-ministry-of-skill-development-and-entrepreneurship-to-train-youth-in-digital-and-cybersecurity-skills/

[36] https://in.newsroom.ibm.com/2023-09-27-IBM-partners-with-Govt-to-scale-digital-skills-training-in-india