التنقل … هل من حلول؟
مرحلة جديدة في عمر الوباء تدخل إليها البشرية بجرأة تجعلنا نتوقع الخلاص من هذا النفق المظلم، على الرغم من العناء والانهزام الذي مازلنا نعيشه من جراء أزمة الأشهر الماضية. في هذه المرحلة، يجب أن نتوقف للحظة كي نتأمل فيما بعد هذه الأزمة وندقق النظر في المشهد الأرحب الذي يلوح في الأفق.
وإذا كان التوقيت والإطار العام يمنعنا من الحديث عن “يسر بعد عسر”، فربما يمكننا على الأقل أن نبرز أسباب البحث المبكر عن الفرص أو السبل التي قد تقودنا إلى مستقبل أفضل.
وتبرز هنا واحدة … فمن الملاحظ أن لهذه الجائحة آثارًا إيجابية لم نشهد لها مثيلا على البيئة.
فخلال هذه الفترة، ومع توقف عجلة الصناعة حول العالم وبقاء الناس في منازلهم، شهد الطلب على الطاقة تراجعًا ملحوظًا بلغت نسبته 6٪ على أساس سنوي[1]. ومن المتوقع أن يُترجم هذا التراجع إلى انخفاض في مستويات ثاني أكسيد الكربون بمعدلات تتراوح بين 4٪ – 8٪ خلال هذا العام، وهو ما يعادل 2-3 مليار طن من انبعاثات الغازات الدفيئة[2].
عادة ما تعتبر وسائل النقل المسؤول الرئيس عن ربع الانبعاثات العالمية تقريبًا. (ونظرًا لأن دول العالم تعيش حاليًا درجات متفاوتة من الإغلاق)، فإن تقييد التنقل والحركة يمثل بطبيعة الحال السبب الأساسي لتراجع معدلات التلوث.
ووفقا للبيانات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية (IEA) ، قد يعزى الفضل الأكبر في ذلك إلى تراجع رحلات النقل البري على مستوى العالم بمقدار النصف تقريبًا خلال شهر مارس[3]. فقد سجل باحثون من جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة خلال هذه الفترة انخفاضًا في معدلات ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون قُدّر بـ 10 % و 50% على التوالي، وذلك في نيويورك فقط[4]. وفي الشهر نفسه، تراجع عدد الأميال التي قُطعت على طرق المملكة المتحدة إلى مستويات لم نشهدها منذ منتصف الخمسينيات[5]. من ناحية أخرى، ساهمت القيود المفروضة من قبل الحكومات إضافة إلى خوف وتوجس الأفراد حول العالم في تراجع معدل التنقل بشكل قياسي عن المعدلات المعتادة.
وبالمثل، سجلت الرحلات الجوية تراجعًا ملحوظًا. فوفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، تراجعت أعداد الركاب بنسبة الثلثين خلال الربع الثاني من عام 2020، وبنسبة 40٪ في الربع الثالث و 10٪ في الربع الأخير، ويُقترن ذلك بتراجع الطلب على وقود الطائرات والكيروسين بنسبة 26٪ تقريبًا على مدار العام كله.[6]
قد تبدو تلك النسب والأرقام صادمة لمن يعملون في صناعات النقل والوقود الحفري، لكنها تحمل في طياتها العديد من الايجابيات للعالم بأسره. فالطرق البرية خلت بشكل ملحوظ من السيارات والسماء من الطائرات، واقتصرت رحلات السكك الحديدية على الخدمات الأساسية. في الوقت نفسه، تضاعفت مبيعات الدراجات في الولايات المتحدة في شهر مارس مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي[7]. وفي أماكن أخرى، بدت المجاري المائية أكثر نقاءً، وعادت الحياة البرية إلى بقاع سيطر عليها البشر بطبيعة الحال. بل أن هذه التأثيرات الايجابية امتدت إلى الفضاء حيث سجلت الأقمار الصناعية تبدد الغيوم السامة التي كانت تمتد عبر قارات مختلفة بدءا من الولايات المتحدة وأوروبا ووصولا إلى الصين[8].
إذا أردت أن تستشعر الفرق، فكل ما عليك فعله هو أن تأخذ نفسًا عميقًا – فقد أكد نحو ثلثي المشاركين في استطلاع YouGov الذي قامت به صحيفة الجارديان أن الهواء قد أصبح أكثر نقاءً خلال فترة الإغلاق[9].
إذن … فهل الوقت قد حان للاحتفال؟ لقد أصبح واضحًا أن اتجاهات التلوث يمكن تغييرها في غضون أشهر قليلة إذا ما توافرت الإرادة السياسية والشعبية الكافية. فكل ما علينا فعله هو الحد من التنقل والعودة إلى نمط الحياة البسيط بعد مراجعة ما مضى.
الحذر ثم الحذر من الركون إلى الحلول السحرية
ولعدة أسباب، قد يكون من الحماقة أن تتخلى البشرية عن الحذر وتنزلق نحو الاستكانة والرضا. فقد شهد العالم أزمة مماثلة (على الرغم من اختلاف المسبب) في الماضي القريب نسبيًا. إذ تسببت الأزمة الاقتصادية التي شاهدناها في عام 2008 والتي نجمت عن انفجار فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة وأزمة الرهن العقاري التي تلتها في خسائر تكبدتها الاقتصادات العالمية قُدرت بتريليونات الدولارات. وأثناء تلك الأزمة، وكما هو الحال الآن، أغلقت الشركات وأنخفض إنفاق المستهلكين وتراجعت مبيعات المركبات وتقلص معدل السفر الجوي عبر المحيط الأطلسي بنسبة 15٪.[10]
على الرغم من ذلك، قابل تراجع انبعاثات الكربون بنسبة 1.4٪ في عام 2009 ارتفاع قدرت نسبته ب 6٪ تقريبًا في العام التالي بعد أن تبدد الركود. ووفقًا لمشروع الكربون العالمي، كانت الآثار البيئية الإيجابية قصيرة الأجل، ويُعزى ذلك إلى الزيادات الكبيرة في معدلات الانبعاثات الناتجة عن الاقتصادات الناشئة، وعودة الانبعاثات الضخمة التي تطلقها الاقتصادات المتقدمة، فضلا عن إقبال الاقتصاد العالمي على استخدام الوقود الإحفوري بكثافة أكبر “.[11]
لقد حدث ذلك من قبل … وقد يتكرر السيناريو نفسه ثانية.
هناك المزيد من الأدلة على أن الحد من معدلات التلوث الناجمة عن التنقل لا يمكن اعتباره أمرًا مسلمًا به.
فمع تخفيف الإغلاق العالمي تدريجيًا، ثمة أدلة على عودة حركة المرور على الطرق – بل وزيادتها.
وبينما يتجنب الكثيرون الأماكن التي ترتفع فيها احتمالية انتقال العدوى مثل الحافلات والقطارات (وفي ظل تطبيق بعض التدابير مثل: ضرورة الالتزام بارتداء أقنعة الوجه وخضوع الركاب لفحوصات صحية إجبارية)، شهدت الصين زيادة في استخدام المركبات أثناء الجائحة.
فقد تضاعف معدل رحلات السيارات الخاصة تقريبًا ليرتفع من 34٪ قبل الإغلاق إلى 66٪ بعده[12] ، بينما تراجع اقبال العامة على استخدام الحافلات/المترو من 56٪ ليصل إلى 24٪. وقد أكد نحو ثلاثة أرباع المشاركين الصينيين في استطلاع للرأي أجرته Ipsos العملاقة لأبحاث السوق أنه في أعقاب تفشي الفيروس كان هناك احتمال كبير لشرائهم سيارات جديدة.
ويتكرر السيناريو نفسه في ستوكهولم والسويد. وفي لندن، ارتفع معدل استخدام السيارات الخاصة ليصل إلى 78٪ من المستويات المعتادة في شهر يونيو بعد أن كان قد تراجع بنسبة 50٪ في شهر مارس[13].
وثمة مشكلات أخرى تتعلق بالبنية التحتية – والولايات المتحدة خير مثال على ذلك. إذ توضح البيانات التي تزودنا بها الخرائط أن تصميم العديد من المجتمعات الأمريكية لم يضع المشي في الحسبان، إذ تختفي الأرصفة تمامًا في هذه المجتمعات، على الرغم من وجود أدلة على أن المشي وانخفاض معدلات تلوث الهواء يلعبان دورا في حماية الإنسان من الأمراض المزمنة. [14]حتى في المملكة المتحدة، لا يزيد عرض أكثر من ثلثي (حوالي 70٪) الأرصفة عن ثلاثة أمتار، مما يجعل الحفاظ على المسافة الآمنة أمرًا صعب التحقيق إذا ما أراد أحد المشاة اجتياز آخر.[15]
إذن … إذا كانت رؤية تحقيق اليوتوبيا حيث الهواء النقي والحياة بلا سيارات لا تزال افتراضية إلى حد كبير في الوقت الحاضر، فكيف سيكون شكل مستقبل التنقل والحركة المحتمل بعد الجائحة؟ وما الذي يمكننا القيام به لضمان تحقيق الاستفادة لأكبر عدد ممكن من البشر؟
اغتنام الفرصة لتحقيق المكاسب البيئية
من المنتظر أن تخفف بعض البلدان القيود التنظيمية المتعلقة بتصنيع السيارات لغرض دعم صناعة السيارات المتعثرة. في الوقت نفسه، ستغتنم بلدان أخرى الفرصة للاستثمار في البدائل الصديقة للبيئة.
قامت بعض المدن مثل بوجوتا وكولومبيا – بل ونيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية- بإغلاق عشرات الكيلومترات من الطرق أمام حركة المرور أثناء الأزمة[16].
وفي ميلانو، وتحديدًا في اقليم لومباردي الذي يعتبر أول مركز لتفشي الوباء في أوروبا، من المنتظر أن يتم تحويل 35 كيلومترًا من الشوارع خلال فصل الصيف إلى طرق جديدة تخصص لركوب الدراجات والمشي[17].
في المملكة المتحدة، أعلن الوزراء عن صندوق بقيمة 2.5 مليار دولار أمريكي للتشجيع على المشي وركوب الدراجات، في حين يعتقد 93٪ من أعضاء لجنة المواطنة في جمعية المناخ أنه يتعين على القطاعين العام والخاص أن يعملوا على مواءمة الاستراتيجيات بغية تحقيق هدف الوصول إلى المستوى صفر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بعد الإغلاق[18].
وفي فرنسا، تخصص باريس 650 كيلومترًا لما يسمى بممرات الدراجات “المنبثقة عن الطريق/الجانبية”، بينما تحدثت العمدة آن هيدالجو عن إنشاء “مدينة الـ 15 دقيقة”، وفيها تقع جميع المرافق التي يحتاجها المرء داخل دائرة تقع حول محيط منزله، فتنتفي الحاجة للانتقال كثيرًا من مكان لآخر[19].[20]
وعلى الصعيد العالمي، إذا كان تأثير الجائحة فيما يتعلق بمشكلة التلوث ومعدلات الحوادث إيجابيًا كما يتوقع الكثيرون، فإن العديد من تلك التعديلات الخاصة بالتنقل والتي تطبق في المناطق الحضرية الآن يمكن – أو ربما ينبغي – أن تستمر حتى بعد انحسار الوباء. بل أنها قد تصبح تدريجيًا مصدرًا للالهام وتوجيه الفكر عند إعادة ترسيم وتصميم مشهد النقل والتنقل الحضري برمته.
ففي أوروبا، على سبيل المثال، حث بعض مسؤولي المدن في أربع دول مختلفة (بون في ألمانيا، وبروكسل في بلجيكا، ودبلن في إيرلندا، وميلانو في إيطاليا) المفوضية الأوروبية على وضع خطة منح للحافلات عديمة الانبعاثات كجزء من استراتيجية الاتحاد الأوروبي للتعافي.
ومن المنتظر أن يكون صندوق الـ 3.5 مليار يورو المقترح محفزًا لتحديث وتطويروسائل النقل العام التي تربط بين سكان المدن البالغ عددهم 7.5 مليون نسمة، وهو ما يضمن بدوره أن ينعم الجميع بهواء نظيف.[21]
في هذا الصدد، يمكن الاستفادة من تجربة جوتنبرج . حيث تقع ثاني أكبر مدينة في السويد في طليعة موجة وسائل النقل الصديقة للبيئة، وهي تفخر بالفعل بمطارها الدولي الذي حصل على شهادة مواجهة تغير المناخ، فضلا عن شبكة الترام عديمة الانبعاثات، وتوفير أكثر من 1000 دراجة للتأجير للعامة[22]. وفي وقت لاحق من عام 2020، ستنطلق 157 حافلة كهربائية جديدة في شوارع المدينة، ليصل إجمالي الأسطول إلى 220 حافلة تدعمها شبكة من 19 محطة للشحن[23]. ولعل تحول هذه المدينة وتتويجها من قبل المفوضية الأوروبية كعاصمة أوروبية للسياحة الذكية 2020 يعد أمرًا مثيرا للإعجاب إذا ما أخذنا في الاعتبار أنه في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وصفت مدينة الميناء الصناعي السابقة من قبل وزير البيئة السويدي بأنها “ممر يأخذك إلى الجحيم”، وهو ما أفضى في نهاية المطاف إلى احياء المدينة بيئيا. واليوم، تعمل 65٪ من وسائل النقل العام في جوتنبرج بالطاقة المتجددة، وثمة خطة لتحويلها للعمل بالطاقة الكهربائية بالكامل بحلول عام 2030.[24]
وإذا أرادت المزيد من المدن استخدام وسائل النقل العام، فسيتعين على القائمين على التشغيل التفكير في كيفية جذب الركاب والتعامل مع مخاوفهم. فعلى الأقل، ستحتاج وسائل النقل العام إلى إعادة ترتيب المقاعد ووضع حد لعدد الركاب. بل أن تيسير تدفق الركاب قد يتطلب بناء محطات جديدة للقطارات والحافلات.
وهذا ليس كل شيء. فسوف نحتاج أيضًا إلى التكنولوجيا والابتكار…. والأهم من ذلك الرؤية.
نحو مستقبل ذكي
من أجل تنقل أكثر أمانًا واستدامة، يجب أن نبتكر نظام أكثر ذكاءً للنقل الجماعي.
ويعكف القائمون على التشغيل في جميع أنحاء العالم في الوقت الحالي على دراسة عدد من التكتيكات تبدء من طرق الدفع عن بعد إلى الحجز المسبق عبر شبكة الإنترنت. وحتى بعد انحسار الفيروس التاجي فمن المرجح أن تظل هذه التعديلات جزءًا من النظام العام المعمول به.
وثمة عدد من التطبيقات قيد الإعداد في الوقت الحالي، وهي مصممة لغرض الحد من الاحتكاك والتكدس في وسائل النقل العام، وتحديداً عن طريق تحويل الركاب المحتملين إلى أرصفة وحافلات أقل ازدحامًا[25].
ومن منظور مقدم خدمة النقل، يمكن استخدام الشاشات التي ترصد تدفق الركاب لإعادة توجيه الحافلات وتغيير مسارها استجابة للطلب المتغير.
وتلك التكنولوجيا موجودة بالفعل على أرض الواقع، وتستخدمها الصين من قبل الجائحة لغرض تنظيم حركة المرور على الطرق.
لا شك أننا مازلنا في حاجة إلى المزيد من الحلول غير التقليدية. في هذا الإطار، من المنتظر أن تراقب العديد من الحكومات عن كثب نموذج هلسنكي، فنلندا، والتي كانت حتى قبل وقوع الأزمة تطرح مشروعًا لجعل امتلاك السيارات شيئا من الماضي وتوقف المواطنين عن القيادة بحلول عام 2025.
وتعتمد مبادرة هلسنكى المبتكرة “التنقل كخدمة (MaaS) ” على استخدام تطبيق يحمل اسم Whim يضع خيارات النقل المختلفة في المدينة من عبارات وحافلات وقطارات وسيارات ودراجات وسيارات الأجرة تشاركية في جدول واحد مبسط ونظام دفع واحد[26]. وبينما يفصل هلسنكي الآن عن الموعد النهائي الذي فرضته على نفسها خمس سنوات، تفيد التقارير أن السيارات لم تعد رمزًا للتفاخر بين الشباب في المدن كما كانت في الماضي[27].
إن هذه الأفكار والتوجهات “الذكية” تعني أن الرقمنة والاتصال سيكونان أساسيين في التنقل مستقبلاً. وهذه ليست سوى البداية.
نموذج للتنقل بالوسائل الصغيرة
تذكر هذا المصطلح”Micromobility” – – أو التنقل بالوسائل الصغيرة – فهو مصطلح ستسمعه يتردد كثيرًا في المستقبل. وهو يطلق على استخدام وسائل التنقل الصغيرة التي تشمل السكوتر الكهربائي والدراجات الإلكترونية، وكلاهما يلقى اقبالاً كبيرًا في الوقت الحالي، فتلك الوسائل تسمح بالتنقل من نقطة إلى أخرى مع المحافظة على مسافة التباعد الاجتماعي اللازمة.
وقد أدى نظام الدراجات التشاركية “موبيك” الذي انطلق في الصين إلى مضاعفة فرص الحصول على الوظائف والتعليم والرعاية الصحية في المجتمعات التي حرمت منها في الماضي[28]. وفي الوقت نفسه، حققت شركة Bird الأمريكية للسكوتر التشاركي 10 مليون رحلة في عامها الأول (2017-2018) في جنوب كاليفورنيا. وخلال إطار زمني مشابه، حققت الشركة المنافسة “Lime” 34 مليون رحلة من خلال أسطولها من السكوتر والدراجات الكهربائية والسيارات التشاركية .
وعلى الصعيد العالمي، بدأت الأذهان تدرك ميزات وفوائد السكوتر الكهربائي. وعلى الرغم من عدم مشروعية استخدامه حتى الآن في شوارع المملكة المتحدة، تم منح السلطات المحلية التصريح لبدء تجربة تأجير السكوتر الذي يعمل بالبطارية اعتبارًا من 4 يوليو من هذا العام. وفي البداية، اقتصر السماح بتأجيره على من يحملون رخص القيادة وتزيد أعمارهم عن 16 عاماً. ولكن إذا أثبتت التجربة التي تستمر لمدة عام نجاحًا، فسنرى المزيد من السكوترات المؤجرة في الأماكن العامة قريبًا، وسيتنافس القائمون على التشغيل مثل Lime و Bird و Voi و Wind وTier و Circ و Dott على توفيرها.[29]
إن نصف سكان العالم يعيشون حاليًا في المناطق الحضرية، ومن المنتظر أن يمثل سكان الحضر ثلثي سكان العالم بحلول عام 2050. ولذا فان التحول إلى استخدام وسائل التنقل الصغيرة يجب أن يكون بلا رجعة.
على الرغم من ذلك ينبغي ألا نتوقع أن تمضي تلك الثورة بسلاسة ويسر. فقد عانت العديد من الشركات الناشئة التي رفعت راية ثورة التنقل بالوسائل الصغيرة بنسب متفاوتة أثناء الإغلاق الذي فرض على العالم. إذ فقد المئات من موظفي شركةBird – نحو ثلث قوتها العاملة تقريبًا- وظائفهم في أبريل من هذا العام. كما قامت كل من Lime وشركة السكوتر السويدية Voi بتسريح الموظفين بسبب اضطرار العملاء المحتملين للبقاء في منازلهم.[30]
لكن توفير قنوات تمويلية جديدة في عالم ما بعد الجائحة قد يمد يد العون لهذه الصناعة الناشئة ويساعدها على الازدهار، خاصة مع اعطاء الأولوية للتنقل (اقرأ: تنقل بلا الجراثيم) الفردي.
وبينما يؤكد العلماء حقيقة أن تلوث الهواء يجعل الوباء أكثر فتكًا بالبشر[31]، يجب أن نتوقع استمرار صعود نجم المركبات الكهربائية، على الرغم من تفاوت معدلات القبول بالفكرة حول العالم.
وفي فرنسا والمملكة المتحدة، من المنتظر أن تحظر السلطات تسيير سيارات جديدة تعمل بالبنزين والديزل اعتبارًا من عام 2040[32]. أما الدانمارك، فتستهدف عام 2030 ، بينما يسعى عمداء باريس ومدريد وأثينا إلى منع سيارات الديزل في تاريخ يسبق ذلك – بحلول عام 2025.
ولذلك قد تثبت صحة توقعات شركة ماكينزي للاستشارات الإدارية القائلة بأن أوروبا والصين (مع وجود الاستثمارات والدعم التنظيمي) قد تكونان في مقدمة مستخدمي المركبات الكهربائية، بينما قد تتخلف الولايات المتحدة (مع انخفاض أسعار النفط وتراخى قوانين الانبعاثات) عن الركب[33]. ولاشك أن ذلك سيكون بمثابة أمرًا مخزيًا، لأن مجال المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة يعد ايجابيًا ومشجعًا حتى الآن، حيث ارتفعت مبيعات عام 2018 بنسبة 81٪ مقارنة بعام 2017، وهو ما يمثل وجود أكثر من 1,180,000 مركبة كهربائية تسير على الطريق في مارس 2019.[34]
وعالميا، تجاوز عدد المركبات الكهربائية الـ 7.5 مليون مركبة بحلول نهاية عام 2019، ويشمل ذلك المركبات التجارية الخفيفة. وتضيف المركبات التجارية المتوسطة والثقيلة 700,000وحدة أخرى إلى العدد الإجمالي[35]. في هذا الصدد، احتلت أوروبا المراكز الأولى بعد تحقيق نمو بلغت نسبته 44٪ مقارنة بعام 2018. وفي الوقت نفسه، عكس تباطؤ مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة والصين تراجع النمو العالمي ليسجل نسبة 9٪ على أساس سنوي. على الرغم من ذلك، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تمثل المركبات الكهربائية 15٪ من الأسطول العالمي[36] بحلول عام 2030.
وتم احراز تقدم ملحوظ في مواجهة واحدة من أبرز العوائق التي ظلت تواجه امتلاك المركبات الكهربائية – والتي تمثلت في سعة تخزين البطارية. فقد ظل القائمون على صناعة المركبات الكهربائية يعملون بدأب للتغلب على مشكلتي محدودية المسافات التي يمكن أن تقطعها المركبة والوقت المطول اللازم لإعادة الشحن. وكما جاء في مقالة سابقة من “مقالات وجهات النظر” لشركة عبد اللطيف جميل، يمكن أن تساعد تقنية البطاريات الناشئة في التصدي لهذه المشكلات وجعلها أمرًا من الماضي، وهذا لحسن الحظ.
وتوفر بطاريات الليثيوم المتطورة حلا غير مسبوق للمشكلة، إذ تتميز بالطاقة العالية وانخفاض التكلفة والعمر الطويل. أما من ناحية السعر، فمن المتوقع أن تنخفض تكلفة البطارية مع ارتفاع الطلب، حيث ستنخفض من 176 دولار أمريكي / كيلووات ساعة في عام 2019 لتصل إلى 62 دولار أمريكي / كيلووات ساعة بحلول عام 2030[37].
أما بالنسبة لمدة الشحن، يعمل الباحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا في الوقت الحالي على تطوير تقنية يمكن أن تسمح بشحن يستمر حتي 200 ميل في غضون عشر دقائق فقط – وذلك مقارنة بثمان ساعات كاملة كان يستغرقها الشحن عادة[38].
إذن … يبدو أن مستقبل التنقل سيعتمد على الكهرباء بشكل كبير. ولكن كيف نريد أن يكون تنقلنا؟
تراجع حركة السفر لأغراض العمل والسياحة
في عالم اليوم، تمثل الصفقات التجارية السبب الرئيس للعديد من الرحلات التي نقوم بها، وينتقل الملايين من وإلى مكاتبهم وأعمالهم يوميًا. كما اننا نسافر ونتنقل حول العالم كى نعقد اجتماعات العمل ونشتري ونبيع ونتفاوض بأنفسنا.
أو على الأقل لنقل: أننا كنا نفعل ذلك.
ولكن فجأة تغير كل ذلك، وأصبح العمل عن بعد يمثل التوجه السائد في العالم. ففى الصين، زاول عشرات الملايين أعمالهم من المنزل خلال الأزمة[39]. كما أعلن مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) في المملكة المتحدة أنه خلال شهر أبريل، كان نصف الموظفين في المملكة المتحدة تقريبًا يعملون بشكل جزئي من منازلهم[40]. وتتشابه الارقام في الولايات المتحدة، حيث أظهر أحد الاستطلاعات أن 20٪ من رؤساء الشركات يتوقعون أن يصبح العمل عن بعد مستدام بالنسبة لخمس القوى العاملة على الأقل[41].
وعلى الصعيد العالمي، تشهد سرعات الاتصال عبر الانترنت تحسنًا ملحوظًا، كما يتم تطبيق تقنية 5G على نطاق واسع. وقد كان لتطبيقات عقد المؤتمرات الرقمية عن بعد مثل Zoom و MS Teams و WeChat Work و DingTalk الفضل في القضاء على فكرة ضرورة عقد لقاءات العمل وجه لوجه.
ويبقى أن نمعن النظر في أعداد الشركات التي تنجذب نحو فكرة استمرار العمل عن بعد حتى بعد انحسار الجائحة. فميزات توفير تكلفة المساحات المكتبية والغرف الفندقية ستنعكس أيضًا على تراجع الأميال التي كان الركاب سيقطعونها (برًا وجوًا) خلال السنوات القادمة.
وعلى المدى القصير، من المنتظر أن تتقلص رحلات الطيران حيث تتراجع حركة السياحة بسبب قيود السفر، ويتردد منظمو برامج الرحلات في إعداد وحجز الرحلات الخارجية في ظل وجود الحجر الصحي واحتمال تفشي “موجة ثانية” من الوباء. وفي السياق نفسه، أعلنت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في تقريرها الأخير أن 75٪ من الوجهات قد أغلقت أمام السياحة الدولية[42]. ومن المتوقع أن يتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تزيد عن تريليون دولار أمريكي جراء هذا التوقف المفاجئ للسياحة.
وفي الصين، والتي تعد المركز الأصلي لتفشي الوباء، توقفت 70٪ من الرحلات الجوية أثناء فترة الذروة، وحتى الآن فإن إقلاع الطائرات انخفض بنسبة 43٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وعلى الصعيد العالمي، لن تنجو جميع شركات الطيران من الأزمة – ولكن لا تتوقع أن تبقى السماء بلا طائرات إلى الأبد. فكما ذكرت مجلة ذي إيكونوميست The Economist، ستنعم شركات النقل الجوي ذات الميزانيات الكبيرة بمسارات جوية أقل ازدحامًا فضلاً عن زيادة الأسعار[43]. وبالنسبة للعديد من القائمين على التشغيل، قد يبدو الوضع صعبًا – ولكنه ليس بالكارثي.
هل يمكن لتلك الأنماط السلوكية أن تزيح الستار عما قد يحدث قريبا؟
نحو مستقبل أفضل للتنقل
وإذا كان من الصعب تغيير مستقبل التنقل، فبإمكاننا على الأقل التأكيد على بعض التوجهات. فقد انتبه العالم الآن لحقيقة علمية مؤكدة، وهي أن ثمة صلة وثيقة بين البيئة والصحة العامة:
- تراجع معدل سفر الأفراد بعد تقليص رحلات العمل والترفيه غير الضرورية.
- الرجوع مؤقتًا إلى ملاذ السيارات الخاصة الخالية من الفيروسات
- الاتجاه نحو خيارات تنقل أكثر استدامة مثل الحافلات والقطارات (التي تدعمها التكنولوجيا الذكية بالطبع) بعد الجائحة.
- الإحلال المستمر للمركبات الكهربائية محل مركبات البنزين والديزل، لا سيما مع انخفاض أسعار المركبات الكهربائية وتطور تكنولوجيا البطاريات.
- زيادة بدائل وسائل التنقل الصغيرة المناسبة، بمجرد التغلب على عوائق التدفق النقدي.
وقد يظل المشهد ضبابيًا، لأن الفيروس الذي سبب الجائحة يبدو كحدث “مباشر” يتطور بتداعياته أمام أعيننا.
ونحن، من خلال مؤسسة عبد اللطيف جميل، صاحبة الاستثمارات الضخمة في مجالات البنية التحتية الحياتية بما في ذلك حلول التنقل المستدامة، نثق بأننا نقوم بدورنا لمد يد المساعدة.
إننا نفخر بما نتمتع به من سمعة كمؤسسة رائدة في مجال الاستثمار في صناعة المركبات الصديقة للبيئة. فالتخطيط لحركة الأفراد وتنقلهم يعد أمرًا بالغ الأهمية مثله كمثل التخطيط للإسكان والتعليم والصحة. ونحن موزعون لشركة تويوتا في المملكة العربية السعودية منذ عام 1955، ونقوم بالترويج لطراز السيارة الكهربائية بريوس Prius والسيارة ميراي Mirai التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين المتطورة، وغيرهما الكثير.
كما إننا من أوائل المستثمرين الرئيسيين في ريفيان، وهي شركة رائدة في مجال السيارات الكهربائية يقع مقرها في الولايات المتحدة. ومن المنتظر أن تطلق ريفيان RIVIAN سيارتها البيك آب النصف نقل الكهربائية الصغيرة في أوائل عام 2021. وتتميز السيارة البيك آب آر1 تي R1T بثلاثة خيارات لحجم البطارية، أكبرها بسعة 180 كيلووات/ساعة وهي قادرة على تسيير المركبة لأكثر من 400 ميل لكل شحنة – ويعد ذلك تطورًا لم يسبق له مثيل.
من ناحية أخرى، يمثل التاكسي الكهربائي الطائر التابع لشركة جوبي للطيران جوبي للطيران استثمارًا آخر بإمكانيات مثيرة في مجال التنقل. والشركة تعمل على تطوير مركبة موجهة بخمسة مقاعد يمكنها الطيران بسرعة 320 كيلومترًا في الساعة وقطع مسافة 240 كيلومترًا اعتمادا على شحنة واحدة. وقد أكملت الشركة جولة تمويل من السلسلة ج في يناير 2020، ويشمل ذلك استثمارات من شركة تويوتا موتور كوربوريشن والذراع الاستثماري لشركة عبد اللطيف جميل لتصبح، في هذا الوقت، أكبر شركة تاكسي طائر ناشئة ممولة في العالم.
وعلى الصعيد الأرحب، ومن منظور يشمل بلدان مختلفة، من المنتظر أن يكون إنشاء شبكة تنقل ملائمة للمستقبل وصديقة للبيئة مثارًا للجدل بين الجميع من ناخبين وواضعي سياسات ومستهلكين، بل وبين أطفالنا باعتبارهم شباب الغد.
إننا نحتاج أن نجد طريقة لتغليب الأولويات طويلة الأجل على المتطلبات الوقتية التقليدية التي تقيد مصالحنا: العوائد الفصلية، أو الأرباح السنوية، أو الشروط الانتخابية، أو حتى عمر الأفراد.
إنه تحدٍ كبير ينطوي على ضرورة التغلب على إرثنا البدائي الذي يجعلنا نقصر تركيزنا على “الوجبة التالية”. فنحن إذا أردنا أن نغير عالمنا، فعلينا أولا أن نغير أنفسنا.
إنها رحلة تأخذنا إلى مستقبل أكثر استدامة وأكثر رفاهية للجميع.
[1] https://www.iea.org/reports/global-energy-review-2020
[2] https://www.carbonbrief.org/analysis-coronavirus-set-to-cause-largest-ever-annual-fall-in-co2-emissions
[3] https://www.iea.org/topics/transport
[4] https://blogs.ei.columbia.edu/2020/03/25/shutdown-clearing-new-yorks-air-dont-cheer-hard/
[5] https://www.theguardian.com/uk-news/2020/apr/03/uk-road-travel-falls-to-1955-levels-as-covid-19-lockdown-takes-hold-coronavirus-traffic
[6] https://www.iea.org/reports/global-energy-review-2020/oil
[7] https://www.nytimes.com/2020/05/18/nyregion/bike-shortage-coronavirus.html
[8] https://blogs.ei.columbia.edu/2020/03/25/shutdown-clearing-new-yorks-air-dont-cheer-hard/
[9] https://www.theguardian.com/politics/2020/jun/20/britain-beyond-lockdown-could-the-country-be-healthier
[10] https://www.theguardian.com/business/2009/jun/16/uk-air-passenger-numbers-decrease-recession
[11] https://www.globalcarbonproject.org/global/pdf/pep/Peters_2011_Budget2010.pdf
[12] https://www.ipsos.com/sites/default/files/ct/news/documents/2020-03/impact-of-coronavirus-to-new-car-purchase-in-china-ipsos.pdf
[13] https://www.theguardian.com/environment/2020/jun/14/congestion-set-to-exceed-pre-lockdown-levels-as-cars-crowd-back-on-to-uk-roads
[14] http://www.metrovancouver.org/services/regional-planning/PlanningPublications/WhereMatter-POLICYBRIEF.pdf
[15] https://www.smartcitiesworld.net/smart-cities-news/analysis-reveals-majority-of-uk-pavements-are-too-narrow-for-social-distancing-5339
[16] https://mck.co/3dcc2jQ
[17] https://www.theguardian.com/world/2020/apr/21/milan-seeks-to-prevent-post-crisis-return-of-traffic-pollution
[18] https://www.climateassembly.uk/news/interim-briefing-post-lockdown-steps-aid-economic-recovery-should-drive-progress-net-zero-target/
[19] https://www.independent.co.uk/voices/coronavirus-uk-cycling-new-york-wuhan-pollution-driving-a9484976.html
[20] https://www.bloomberg.com/news/articles/2020-02-18/paris-mayor-pledges-a-greener-15-minute-city
[21] https://www.polisnetwork.eu/article/euractiv-four-cities-call-for-multi-billion-euro-clean-bus-fund/?id=122824
[22] https://www.goteborg.com/en/convention-bureau/sustainability/sustainable-transport/
[23] https://new.abb.com/news/detail/55577/abb-and-volvo-to-electrify-gothenburgs-city-streets
[24] http://www.bbc.com/travel/story/20200223-is-gothenburg-europes-greenest-city
[25] https://www.nationalgeographic.com/science/2020/05/coronavirus-your-daily-commute-will-never-be-the-same-cvd/?hlkid=420cd52137bf49ccbf3683842d2c13b0&hctky=11595533&hdpid=cd7debef-6f65-4485-ac80-dfe8bf5a907a
[27] https://time.com/2974984/finland-helsinki-private-car-obsolete-environment-climate-change-transportation/
[28] https://www2.deloitte.com/us/en/insights/focus/future-of-mobility/micro-mobility-is-the-future-of-urban-transportation.html
[29] https://www.gov.uk/government/news/rental-e-scooter-trials-to-be-allowed-from-this-weekend
[30] https://www.bbc.co.uk/news/technology-52091615
[31] https://www.theguardian.com/world/2020/may/04/is-air-pollution-making-the-coronavirus-pandemic-even-more-deadly
[32] https://www.unenvironment.org/news-and-stories/story/gearing-change-transport-sector-feels-heat-over-emissions
[33] https://mck.co/3dcc2jQ
[34] https://www.eei.org/issuesandpolicy/electrictransportation/Documents/FINAL_EV_Sales_Update_April2019.pdf
[35] https://www.ev-volumes.com/#:~:text=At%20the%20end%20of%202019,and%20mostly%20as%20large%20buses
[36] https://www.iea.org/data-and-statistics/charts/electric-car-market-share-in-the-sustainable-development-scenario-2000-2030
[37] https://about.bnef.com/electric-vehicle-outlook/
[38] https://pod-point.com/guides/driver/how-long-to-charge-an-electric-car
[39] https://www.bbc.com/worklife/article/20200309-coronavirus-covid-19-advice-chinas-work-at-home-experiment
[40] https://www.ons.gov.uk/employmentandlabourmarket/peopleinwork/employmentandemployeetypes/articles/technologyintensityandhomeworkingintheuk/2020-05-01
[41] https://www.nationalgeographic.com/science/2020/05/coronavirus-your-daily-commute-will-never-be-the-same-cvd/
[42] https://www.unwto.org/news/covid-19-restrictions-on-tourism-travel
[43] https://www.economist.com/business/2020/03/15/coronavirus-is-grounding-the-worlds-airlines