خلال العام الماضي، أنقلب عالم الأعمال رأساً على عقب على نحو ما كان لأحد أن يتخيله من قبل. إلا أنه بعد مرور 12 شهرًا على الإعلان الرسمي عن الجائحة، ثمة إيجابيات يمكن استخلاصها من محاولات المؤسسات والشركات وموظفيها للتكيف والابتكار من أجل المضي قدمًا.

COVID-19 virusقصة أشبه بالخيال … في 31 ديسمبر 2019، أصدرت لجنة الصحة ببلدية ووهان في الصين بيانًا إعلاميًا من موقعها على شبكة الإنترنت حول حالات لـ “التهاب رئوي فيروسي”[1].  وفي 9 يناير 2020، تم التأكيد أن الفيروس المسبب لذلك هو نوع جديد من فيروسات كورونا – Coronaviridae  وهي عائلة من الفيروسات التي تسبب أمراض في الجهاز التنفسي والهضمي، وتشمل فيروس السارس SARS وفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية  MERS. وقد أطلق على الفيروس الجديد اسم SARS-CoV-2  (فيروس كورونا التنفسي الحاد 2)، والذي أدى إلى  ظهور المرض الذي صار معروفا للجميع الآن بفيروس كورونا المستجد أو كوفيد [2]19.

وفي 11 يناير 2020، أبلغت الصين عن أول حالة وفاة بسبب المرض. ولم يمر سوى بضعة أيام حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية (WHO) في 30 يناير حالة طوارئ دولية للصحة العامة مع انتشار الفيروس بين دول العالم. وفي 11 مارس، تم تصنيف المرض رسميًا على أنه جائحة عالمية، لينقلب عالمنا رأسا على عقب على نحو غير متوقع في غضون شهرين.

وشاع استخدام مفردات وعبارات لم نعتادها من قبل مثل: “التباعد الاجتماعي” و”إجازة الاستخدام الطارئ”. وتلقت الصناعات التي تعتمد على التواصل الشخصي مثل السياحة والضيافة والسفر والترفيه ضربة مميتة حتى في أفضل مواسمها. كما تأثرت تجارة التجزئة سلبًا. وأقيمت الفعاليات الرياضية – في حالة إقامتها من الأساس – على ملاعب بلا جمهور.

مأساة إنسانية يصعب فهمها سببها فيروس كورونا المستجد. ففي الولايات المتحدة وحدها، أودى الفيروس بحياة عشرات الآلاف، وهي حصيلة تفوق عدد من قتلوا في الخدمة العسكرية في البلاد أثناء الحرب العالمية الثانية[3]. وعلى الصعيد العالمي، تتغير الأرقام يوميًا – ولكنها جد صادمة.  فبنهاية فبراير 2021 تم تسجيل حوالي 2.5 مليون حالة وفاة. كما شهدت مستويات البطالة في بعض الدول صاحبة كبرى اقتصادات العالم ارتفاعًا لم يسبق له مثيل خلال الفترة من 2019 إلى 2020 – لا سيما في الولايات المتحدة التي شهدت انكماشًا اقتصاديًا بلغت نسبته 3.5٪ في عام 2020 – وهو الأسوأ على الإطلاق منذ عام 1946[4]. وقد أعلنت منظمة العمل الدولية (ILO) عن تراجع ساعات العمل في الربع الأخير من عام 2020 بنسبة 4.6٪ مقارنة بما قبل الأزمة. ويعادل ذلك قرابة الـ 130 مليون وظيفة بدوام كامل. ونظرا لأن الموظفون الذين يعملون حاليًا ضمن أنظمة الإجازة في جميع أنحاء العالم لا يصنفون على أنهم عاطلون عن العمل. فإنه من المنتظر أن ترتفع هذه الأرقام بمجرد انتهاء العمل بتلك الأنظمة.

World economies

وبين عشية وضحاها، تدهور الحال في بعض الصناعات، ويشمل ذلك بالطبع قطاع السياحة والسفر والضيافة. ففي المراحل المبكرة من الجائحة، تراجع معدل السفر الجوي بنسبة 96٪[5]. ووفقًا لمقياس السياحة العالمية، الذي يصدر عن منظمة السياحة العالمية، انخفض عدد السائحين الوافدين على مستوى العالم بنسبة 74٪ في عام 2020 مقارنة بالعام السابق. ويعزى ذلك إلى صعوبة احتواء للفيروس سريعًا، وتراجع ثقة المسافرين، والقيود التي فرضت على السفر، والتي لا تزال سارية حتى وقتنا هذا[6]. وقد تسبب هذا الانهيار الذي شهده عالم السياحة والسفر الدولي في خسائر تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار من عائدات التصدير – وهو ما يفوق بإحدى عشر ضعفًا  الخسائر التي تم تسجيلها خلال الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2009.

Travel restrictions

وينطوي فيروس كورونا المستجد على آثار عدة بالنسبة لقطاع الأعمال التجارية أيضًا. فالعمل عن بُعد (والذي سنتناوله لاحقًا بمزيد من التفصيل) يمكنه تغيير الأسلوب الذي تعمل به المؤسسات بشكل جذري. كما أنه يؤدي إلى تراجع الحاجة إلى المساحات المادية الفعلية. في الولايات المتحدة الأمريكية، من المتوقع أن ترتفع معدلات الوظائف الشاغرة في المكاتب إلى 20.2٪ بحلول نهاية عام 2022 وذلك مقارنة بـنسبة 16.8٪ في نهاية عام [7]2019.

ويصعب تقييم مدى التضرر بشكل كامل في قطاع العقارات بسبب الضبابية التي طالما اتسم بها هذا القطاع. على الرغم من ذلك، توفر صناديق الاستثمار العقاري دليلاً قد يكون مفيدًا. ووفقا لبنك التسويات الدولية، تمكنت الجائحة من القضاء على مكاسب التقييم التراكمي لصناديق الاستثمار العقارية خلال السنوات الخمس الماضية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا واليابان. كما خسرت مؤشرات سوق الأسهم في أوائل مارس فقط المكاسب التي كانت قد تحققت في عام 2019. وتخلفت صناديق الاستثمار العقاري عما كانت سوق الاسهم لتشهده من انتعاش لاحق[8].

الرقمنة أو الإفلاس؟

مع بدء العالم في وضع خطة التعافي الاقتصادي، أصبح جليًا أنه بدلاً من إطلاق مجموعة من التغييرات الجديدة التي يتعين على أصحاب الأعمال التعامل معها، ساهمت الجائحة بطرق عدة في دفع عجلة الاتجاهات القائمة، والتي كانت بالفعل تغير طبيعة الأعمال. ونعنى هنا تلك الاتجاهات التي لم تكن مجرد استراتيجيات أساسية للاستمرار على مدار الاثنا عشر شهرًا الماضية وحسب، بل كانت قادرة أيضًا على تحقيق أداء طويل الأمد للأعمال.

ويعد اتجاه الرقمنة الأبرز بين تلك الاتجاهات باعتباره من أهم العوامل فيما يتعلق بالجدوى الاستراتيجية. ونظرا لظروف الحجر وبقاء الناس في منازلهم، أصبحت الشوارع التجارية مهجورة، وأُغلقت أماكن الترفيه والضيافة، وتحولنا بجوانب كثيرة من حياتنا إلى الساحات الرقمية. ولنأخذ صناعة الترفيه مثالا – فقد أغلقت المتاحف والمسارح ودور السينما أبوابها أمام الجمهور لمدة عام تقريبًا، وهو ما أدى إلى فقدان سبل العيش بالنسبة لجميع القائمين على تلك الصناعة من مؤدين ومبدعين وفنيين ومروجين للأعمال ومديرين[9]. في الوقت نفسه، ازدهرت المنصات الرقمية أو منصات البث الإلكتروني، بينما كان الجميع قيد الحجر المنزلي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الجائحة. فعلى سبيل المثال، حظيت نتفلكس ب ١٦ مليون اشتراك جديد[10].

ووفقاً لاستطلاع الرأي العالمي الذي اجرته شركة ماكنزي مع بعض التنفيذيين[11], قامت الشركات بتسريع رقمنة تعاملات العملاء وسلاسل التوريد والعمليات الداخلية الخاصة بها بمعدل كان ليتحقق خلال ثلاث أو أربع سنوات. وعن حصة المنتجات الرقمية أو المستفيدة من الرقمنة في محافظهم، فقد زادت بالمعدل الذي كانت ستشهده بعد سبع سنوات. وقد أكد معظم المشاركين في الاستطلاع ً تقريبًا على أن شركاتهم اعتمدت تقنيات رقمية لغرض تلبية العديد من الطلبات الجديدة وبسرعة تفوق توقعاتهم قبل الأزمة.

وعلاوة على ذلك، فمن المتوقع أن تكون معظم هذه التغييرات طويلة الأمد. وبالفعل تركز المؤسسات على أنماط الاستثمار التي تضمن لها الاستمرار.

وقد أبرزت نتائج الاستطلاع أنه بالسؤال عن تأثير الأزمة على مجموعة من التدابير، احتلت زيادة تمويل المبادرات الرقمية الصدارة مقارنة بالزيادة في التكاليف، وعدد العاملين في مجال التكنولوجيا وعدد العملاء.

تجارة التجزئة … تفاصيل وتدابير

Retailوتبدو آثار الرقمنة أكثر إيلامًا في الشوارع التجارية. فالمتاجر التي لا تملك منصة مبيعات الكترونية قوية تدعم وجودها المادي ظلت تعاني ضغوطًا متزايد لمدة عقد أو أكثر. وبالنسبة لبعضها، كانت جائحة فيروس كورونا المستجد – والتي برزت معها عبارة “مبيعات تجزئة غير ضرورية” – هي القشة التي قصمت ظهر البعير. وخير مثال على ذلك سلسلة متاجر الأزياء الرائدة في المملكة المتحدة “أركاديا”، والتي كانت تتبع إلى حد كبير النموذج التقليدي، وهو ما جعل الإغلاق يدفع بها إلى حافة الترنح. وفي عام 2021 وضعت المجموعة تحت الحراسة الإدارية. في الوقت نفسه، أُغلق متجر دبنهامز الذائع الصيت في المملكة المتحدة. وهو متجر رائج وعملاق ومتعدد الأقسام يعمل في المملكة منذ عام 1778 وبه أكثر من 12,000 موظف[12] . وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تعرض أصحاب المتاجر الكبرى مثل بروكس برزرز و نيمان ماركس للإفلاس.

وعلى النقيض، شهدت الجائحة طفرة في مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية التي نمت بنسبة 27.6٪ خلال عام 2020، وبلغت قيمتها 4.28 تريليون دولار أمريكي[13]. كان هذا الاتجاه قد بدأ يشهد تطورًا، لكنه لم يحظ بكل هذا الانتعاش إلا بعد الجائحة والإغلاق. وقد قامت شركة بوهوو، وهي شركة لبيع الأزياء بالتجزئة عبر الإنترنت، بشراء دبنهامز وبعض العلامات التجارية المتميزة لأركاديا[14]. لكن صفقات التعاون اقتصرت على ما يمكن تسويقه عبر الإنترنت فقط.  وتم استبعاد شبكة المتاجر المادية الضخمة من الصفقة، وهو ما يمثل مسمارًا آخر في نعش الشارع التجاري التقليدي.

التكنولوجيا على مسار الصحة

كان قطاع الرعاية الصحية على أعتاب ثورة تكنولوجية خاصة قبل الجائحة. وقد حظيت تلك الثورة بدفعة هائلة مع تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي جعل الأنظمة الصحية تواجه ضغوطًا غير مسبوقة، خاصة وأن الجائحة وعمليات الإغلاق التي أعقبتها دفعت بالعديد إلى إيلاء اهتمام أكبر بصحتهم الجسدية والنفسية.

وكما أوضح أحد مقالات وجهات نظر الصادرة عن مؤسسة عبد اللطيف جميل، والذي تناول “تكنولوجيا الرعاية الصحية”، يمكن لجهود الابتكار في مجال الرعاية الصحية التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحويل الكم الهائل المتاح من بيانات المرضى إلى أفكار ورؤى تصلح لعلاج الأمراض والوقاية منها بل التنبؤ بها. وكل ذلك يمكن ان يتحقق بسرعة كانت مستحيلة فيما سبق. فالنتائج ستسهم بلا شك في مساعدة الأطباء على فهم الأنماط المتكررة وتطوير نماذج علاجية تعتمد على معطيات محددة ترتبط بالمريض.

وتعتبر المواعيد الطبية الافتراضية للأمراض والعلل البسيطة – أو ما يعرف ب “التطبيب عن بعد” – أحد المستجدات التي بدأت منذ 12 شهرًا، لتصبح اليوم الخيار الأول للكثيرين للحصول على استشارة طبية متخصصة. ففي الولايات المتحدة، يستخدم ما يقرب من نصف المرضى الآن “التطبيب عن بعد” بشكل ما، وذلك مقابل 10٪ فقط قبل انتشار الوباء. علاوة على ذلك، أكد حوالي 83٪ من المرضى إنهم يتوقعون الاستمرار في استخدام خدمة ” التطبيب عن بعد” حتى بعد الجائحة. وهو ما يعنى احتمال توجيه 250 مليار دولار أمريكي من إنفاق الرعاية الصحية في الولايات المتحدة إلى مجال الرعاية الافتراضية[15]. من ناحية أخرى، يعتبر التشخيص الذاتي من المجالات الأخرى التي يتوقع لها النمو والازدهار. فقد أصبح استخدام الأجهزة القابلة للارتداء لقياس درجة الحرارة وضغط الدم ونبضات القلب ومعدل التنفس، وإرسال البيانات إلى الطبيب قبل الاستشارة الافتراضية أمرًا شائعًا.

وقد امتدت تكنولوجيا الرعاية الصحية إلى مجال التجارب السريرية. فلم يعد المشاركون مضطرين لمغادرة منازلهم. وخير مثال على ذلك الدراسة التي أجرتها أبل هارت بالتعاون مع جامعة ستانفورد على 400,000 شخص حول استخدام الأجهزة القابلة للارتداء للكشف عن الرجفان الأذيني[16]. وهناك دراسة أخرى قامت بها أبل بالشراكة مع جونسون آند جونسون عن الوقاية من السكتة الدماغية والتي شملت 150,000 مشارك[17]. ويؤكد العلماء أن فيروس كورونا المستجد لن يختفي في المستقبل القريب بل سيستمر معنا ويتعين علينا أن نتعايش معه – وهو في ذلك يشبه الإنفلونزا إلى حد كبير. ويعنى ذلك أنه من المنتظر أن يشهد مجال الرعاية الصحية عن بعد المزيد من النمو والازدهار.

وتفخر مؤسسة عبد اللطيف جميل بتقديم مساهمتها الخاصة لتحسين الحصول على الرعاية الصحية طوال الخمسة وعشرين عامًا الماضية.

ففي العام 1995، أنشأت مستشفى عبد اللطيف جميل، لتصبح أول مستشفى إعادة تأهيل غير هادفة للربح في المملكة العربية السعودية. وفي الآونة الأخيرة، أقامت شراكات مع مبتكري الأجهزة الطبية وميسري الابتكار مثل سيبرداين Cyberdyne وسيلسبكت C

وفي عام 2020، أنشأت المؤسسة شركة عبد اللطيف جميل للرعاية الصحية لتصبح أحدث اصداراتها في نطاق تشجيع ودعم الابتكار في مجال الرعاية الصحية. وتهدف شركة عبد اللطيف جميل للرعاية الصحية إلى إتاحة ثمار ما يتم إحرازه من تقدم في مجال الرعاية الصحية لكافة المجتمعات في جميع أنحاء الدول الناشئة في العالم النامي. وتعمل مؤسسة عبد اللطيف جميل للصحة مع ذراع الاستثمار العالمي لعائلة جميل – شركة عبد اللطيف جميل لإدارة الاستثمار وصندوق الشركة المخصص لعلوم الحياة لغرض تحفيز الحصول على خدمات الرعاية الطبية الحديثة من خلال سلسلة من الاستثمارات المستهدفة والتي تشمل شركات كبرى مثل أفيلو بايوساينسز Evelo Biosciences وسلاريتي Cellarity وغيرها.

رؤى جديدة حول الطاقة

سلطت جائحة فيروس كورونا المستجد المزيد من الضوء على البيئة وكيفية استهلاكنا للطاقة. فعندما دخل العالم في حالة الإغلاق في أوائل عام 2020، توقفت السيارات والطائرات، وهو ما أدى إلى انخفاض انبعاثات الكربون عالميًا. وقد تناول فادى جميل هذا الموضوع بمزيد من التفاصيل في إحدى مقالات سلسلة “أضواء كاشفة” التي تحدثت عن العلاقة بين الجائحة والبيئة.

ففي الصين، انخفضت الانبعاثات بنسبة 25٪ وتراجع معدل استخدام الفحم بنسبة 40٪.  كما انخفضت مستويات التلوث في نيويورك إلى النصف[18]. وشهدت صناعة النفط والغاز، وهي صناعة معروفة بعدم استقرارها، انخفاض أسعار النفط إلى 20 دولارًا أمريكيًا للبرميل في المراحل الأولى من الجائحة بسبب الإغلاق وتراجع الطلب على الوقود[19].

وقد أعطى ذلك لقطاع الطاقة دفعة جديدة لتكثيف الاستثمارات والابتكارات في مجال التقنيات المتجددة. وعلى الصعيد العالمي- وكما أوضح مقال فادي جميل عن الحاجة إلى “التعافي الأخضر” – تبدى الحكومات اهتمامًا متزايدًا بالبيئة واستعدادًا للتعافي الأخضر الذي يهدف إلى الحفاظ عليها.

ومن جانبها، تعمل عبد اللطيف جميل على زيادة استثماراتها الخاصة في هذا المجال، لا سيما في قطاعات الطاقة المتجددة وتطوير المياه. وتواصل شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة ، التابعة لشركة عبد اللطيف جميل للطاقة والخدمات البيئية، جهود تطوير مشروعات الطاقة الشمسية الكهروضوئية وحلول طاقة الرياح في جميع أنحاء العالم. وبالشراكة مع شركة هارمونى انرجى المتخصصة في الطاقة المستدامة في المملكة المتحدة، كما تقود مؤسسة عبد اللطيف جميل أيضًا تطوير تقنية بطاريات تخزين الطاقة على نطاق المرافق من أجل توفير الطاقة المتجددة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وهي في ذلك تؤسس على ما تم إنجازه في أول مصنع لها في هولز باي دورست، ومشروعها الثاني الذي يعتبر في الوقت الحالي قيد التنفيذ في كونتيجو – ويست سوسيكس، في المملكة المتحدة.

في الوقت نفسه، تواصل شركة ألمار لحلول المياه، والتابعة أيضًا لشركة عبد اللطيف جميل للطاقة، مواجهة تحديات إدارة المياه والبيئة في أكثر المناطق التي تعاني ندرة المياه في العالم، ويشمل ذلك محطة الشقيق 3، والتي تعد ثاني أكبر محطة لتحلية المياه في المملكة العربية السعودية.

ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى توجيه 30٪ من خطة مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، والتي تبلغ قيمتها 880 مليار دولار أمريكي، نحو تغير المناخ. وقد تعهدت الصين بخفض انبعاثات الكربون لتصل إلى الصفر بحلول عام 2026، كما تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن باستثمار 2 تريليون دولار أمريكي في التقنيات النظيفة. من ناحية أخرى، وضعت بعض البلدان، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وكندا ونيجيريا وكولومبيا، بعض الأهداف الطموحة في السياق نفسه[20].

وعلاوة على ذلك، هناك تحركات عالمية تهدف إلى ضمان عدم تخلف البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط عن ركب التعافي من آثار الجائحة، ويشمل ذلك دعم وضع وتطوير السياسات، وبناء القدرات المحلية، وتعزيز الابتكار.

ويقع ضمن تلك البرامج مبادرة استجابة المساعدة الفنية لمواجهة الجائحة من أجل التعافي الأخضر والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، والتي تم إطلاقها في ديسمبر 2020 من قبل صناديق الاستثمار في الأنشطة المناخية (CIF) التي تبلغ قيمتها 8.3 مليار دولار أمريكي.

Mafalda Duarte
مافالدا دوارتي، رئيسة صناديق الاستثمار في الأنشطة المناخية

ومن المنتظر أن يتم تمويل المبادرات بأكثر من 25 مليون دولار أمريكي من حكومات المملكة المتحدة وهولندا وسويسرا. ويتمثل الهدف من ذلك في تقديم المساعدة الفنية وبناء القدرات لغرض دعم البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل كي تدمج السياسات والاستثمارات الخضراء منخفضة الكربون والقادرة على التكيف مع تغير المناخ ضمن خطط التعافي الخاصة بها.

وتقول مافالدا دوارتي، رئيسة صناديق الاستثمار في الأنشطة المناخية: “بعد الانهيار المالي الذي شهده العالم في عام 2008، تسببت العديد من البلدان في تفاقم أزمة المناخ من خلال زيادة استثماراتها في قطاع الوقود الأحفوري. ويهدف برنامجنا الجديد إلى ضمان توجيه حزم التحفيز الكبرى المتفق عليها فيما يتعلق بالتعافي من الجائحة نحو التعافي الأخضر الذي يأخذ بعين الاعتبار ما نشهده من تغيرات مناخية. يجب على العالم أن يقتنص هذه الفرصة التي لن تتكرر لتحقيق تعافي نظيف أخضر يراعى البيئة ويحافظ عليها”.

التكيف والازدهار خلال الأزمة

 ووسط ما نعيشه من أجواء ضبابية، برزت قدرة الشركات الفردية على الابتكار والتكيف كواحدة من أبرز الإيجابيات التي ارتبطت بالجائحة – أو لتقل الدروس التي بها سنتمكن من المضي قدمًا.

لنأخذ العمل عن بعد مثالاً. كان العمل عن بعد خيارًا توجب على المؤسسات الأخذ به بين عشية وضحاها. وحقيقة الأمر أن الفكرة كانت قد تولدت قبل الجائحة ولكن تنفيذها كان بطيئا للغاية. وفجأة، تحطمت كافة الحواجز الثقافية والتقنية التي كانت قد أعاقت العمل عن بُعد فيما مضى، وهو ما أدى إلى تحفيز التحولات الهيكلية في مكان وزمان العمل.

ووفقا لتقديرات المؤسسة الأوروبية لتحسين ظروف المعيشة والعمل (Eurofound) [21]، بدأ حوالي 40٪ من العاملين حاليًا في الاتحاد الأوروبي العمل عن بُعد بدوام كامل جراء الجائحة. وبمقارنة ذلك بنسبة من كانوا يعملون عن بعد في الاتحاد الأوروبي قبل الجائحة، والتي تقدر بـ 15%، نرى أن أعدادًا كبيرة من العمال وأصحاب العمل يواجهون تغيرات مفاجئة في نماذج العمل الخاصة بهم. وقد أظهر أحد استطلاعات الرأي التي قام بها المنتدى الاقتصادي العالمي في 15 دولة أوروبية أن 76٪ لديهم حاليًا سياسات عمل مرنة، مقارنة بـ 15٪ فقط قبل الأزمة[22].

وحسب احصائيات شركة ماكينزي، يمكن لأكثر من 20٪ من القوى العاملة العمل عن بُعد لمدة ثلاثة او خمسة أيام في الأسبوع بالكفاءة ذاتها التي يعملون بها في المكاتب[23]. وإذا استمر العمل يتقدم بهذه الوتيرة، سيعني ذلك أن عدد الأشخاص الذين يعملون من المنزل سيزيد بمقدار ثلاثة إلى أربعة أضعاف عما كان عليه قبل الجائحة، وهو ما سيكون له تأثير عميق على الاقتصادات الحضرية، والنقل، وإنفاق المستهلكين…. الخ.

لكن العمل عن بعد لا يتناسب بالطبع مع كافة القطاعات. وبينما قد يبدع البعض ويحرزون تقدمًا في إطار العمل عن بعد، قد لا يتكيف آخرون مع الحياة أمام الشاشة كبديل للتفاعل الشخصي الاجتماعي في بيئة المكتب. كما أن العديد من الوظائف تتطلب التواصل وجهاً لوجه أو آليات متخصصة. وهناك الأعمال التي لا يمكن إنجازها إلا داخل موقع العمل. ويشمل ذلك أعمال البناء وخدمات الرعاية الطبية. كما أن أعمالاً مثل توصيل الطلبات والبستنة تتم بالطبع في الهواء الطلق.

وحتى بالنسبة لتلك الأدوار التي يمكن أن تتحول إلى نموذج العمل عن بُعد، فمن المنتظر أن يحتاج الموظفون الحاليون المعتادون على بيئة العمل التقليدية إلى الدعم والتوجيه حول كيفية العمل بكفاءة من الناحيتين الوظيفية والعقلية في إطار منظومة العمل الجديدة. وبالنسبة للموظفين الجدد، ستحتاج الشركات إلى إدراج العمل عن بعد ضمن ما يتلقونه من توجيهات في مرحلة الإعداد. وبالنظر إلى تلك المعطيات، يتوقع خبراء الصناعة أن يتمثل سيناريو أنماط العمل المستقبلية في نموذج هجين يجمع بين العمل عن بعد والعمل لوقت محدود في المكتب[24]. قد يبدو ذلك تطورًا ايجابيًا، إذ أنه سيؤدى بلا شك إلى الحد من الازدحام والتلوث، وسيمنح الموظفين فرصة لتحقيق توازن أفضل بين حياتهم العملية والشخصية.  ولكن من المنتظر أن يفرض هذا النموذج الهجين بعض التحديات الهائلة على مراكز المدن التي تقوم على تلبية الاحتياجات اليومية لمئات الآلاف ممن يذهبون للعمل كل يوم.

التعلم الإيجابي

 لقد أظهرت جائحة فيروس كورونا المستجد للمؤسسات أن قدراتها على التكيف والابتكار والعمل بمرونة تفوق ما كانت تظنه فيما مضى. لا شك أن الجائحة جاءت بمجموعة من أكبر التحديات التي واجهت البشرية. ولكن ثمة الكثير من المؤشرات التي تؤكد أنه بإمكان المؤسسات أن تكتسب المزيد من القوة بينما هي تستعد للأحداث غير المتوقعة وتتخذ تدابير تتسم بالمرونة.

لقد أصبحت المؤسسات الآن تعي السرعة التي يمكن من خلالها تحقيق التكيف والابتكار. ولا شك أن ذلك سيكون دافعا للثقة. وقد أكدت إحدى الدراسات أن المؤسسات قد تحولت إلى العمل عن بُعد بمعدل 40 مرة أسرع مما كانت تتوقعه قبل انتشار الوباء. ولم يحتاج تنفيذ الحلول العملية سوى 11 يوم في المتوسط لا عام أو أكثر كما كانت تلك المؤسسات تظن فيما مضى[25]. ويروى كريج رولي، وهو شريك رئيسي في شركة الاستشارات كورن فيري، قصة عميل واحد كان قد خطط لتنفيذ برنامج بيك آب على مدار 18 شهرًا. إلا أنه بعد تفشي الفيروس، قاموا بتسريع هذا الإطار الزمني لتنفيذه خلال 18 يومًا فقط.

Business forecast

وقد تمكنت قطاعات مثل الخدمات المهنية والمالية والرعاية الصحية والمستحضرات الصيدلانية من تسريع رقمنة العمليات الداخلية الخاصة بها مثل الإنتاج والبحث والتطوير وعمليات المكتب الخلفي بمعدل 20 إلى 25 ضعفًا عما كانوا يتوقعونه قبل الأزمة[26]. ولم يقتصر الأمر على تحقيق الحد الأقصى من إنتاجية وظائف المكاتب الخلفية الرئيسية مثل: الموارد البشرية أو الإدارة أو الشؤون المالية، ولكنه امتد ليشمل الحوكمة وكيفية تواصل أعضاء مجلس الإدارة افتراضيًا، سواء داخليًا أو مع أصحاب المصلحة الرئيسيين خلال الاجتماعات العامة السنوية، وتنفيذ التدابير المناسبة لضمان سلامة البيانات وأمنها.

ولقد دفعت الجائحة أيضاً الشركات إلى دراسة الطريقة التي تقوم من خلالها بإدارة سلاسل التوريد الخاصة بها. وفي الأيام الأولى من الأزمة، أظهرت سلاسل التوريد واحدة من أولى العلامات التي تدل على مدى هشاشة قطاع الأعمال في ظل ضغوط طلبات التجارة الإلكترونية التي تنامت وازدهرت، وكذلك مع توقف حركة الأفراد والسلع عبر الحدود.

وقد بدأت المؤسسات، على المدى القصير على الأقل، في دراسة سياساتها المتعلقة بالمصادر، وإيجاد طرائق تسمح بتبسيط سلاسل التوريد الخاصة بها، وتحصينها ضد الاضطرابات المحتملة والابتعاد عن الاعتماد على مصدر واحد[27]. ومن أمثلة ذلك صناعة الأدوية الأوروبية، والتي تستورد ما يقدر بنحو 80٪ من مكوناتها الدوائية[28]. وفي دراسة أجراها معهد آي بي إم IBM لقيمة الأعمال، سلط 40٪ من المديرين التنفيذيين الضوء على الحاجة إلى المزيد من القدرة الاحتياطية داخل سلاسل التوريد الخاصة بهم[29].

نحو مستقبل أكثر مرونة

خلال الأسابيع القليلة الماضية، بدأت المؤسسات والمجتمعات ترى النور في نهاية هذا النفق المظلم مع طرح اللقاحات الباعثة على الأمل. على الرغم من ذلك، تظل المدة التي نحتاجها كي نعود إلى حياتنا اليومية العادية غير معلومة.

وفي أعقاب جائحة فيروس كورونا المستجد، لا تستهدف المؤسسات الأكثر تطلعاً إلى المستقبل العودة إلى العمل وحسب، بل أصبحت تتطلع إلى مزاولة “أعمال مختلفة وأفضل”. لقد خلقت الأزمة فرصة نادرة لرسم ملامح جديدة للمستقبل بدلاً من التركيز فقط على التعامل مع الحاضر، ولضمان السلامة للجميع، ولتعزيز مرونة الأعمال والمجتمعات في مواجهة أشد المحن. وعلى المستوى العالمي، من المنتظر أن يتم تشجيع المؤسسات على تكوين أفضل الرؤى المستقبلية والتوقعات للتعافي في 2021 – والتحدي الحقيقي سيتمثل في تحويل تلك الرؤى إلى واقع ملموس.

 

[1]  https://www.who.int/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/interactive-timeline#!

[2]  https://coronavirusexplained.ukri.org/en/article/cad0003/

[3]  https://www.mckinsey.com/industries/public-and-social-sector/our-insights/america-2021-rebuilding-lives-and-livelihoods-after-covid-19?cid=other-eml-alt-mip-mck&hdpid=1490c636-7d83-4dee-a154-cb3eafa05961&hctky=11595533&hlkid=60be643b18ed49678ace0eb50546b7d3

[4]  https://www.theguardian.com/business/2021/jan/28/us-economy-shrank-2020-worst-year-since-second-world-war

[5]  https://www.insider.com/new-rules-changes-flying-coronavirus-air-travel-2020-12

[6]  UNWTO World Tourism Barometer | Global Tourism Statistics

[7]  https://www.mckinsey.com/~/media/McKinsey/Featured%20Insights/Leadership/The%20next%20normal%20arrives%20Trends%20that%20will%20define%202021%20and%20beyond/The-next-normal-arrives-Trends-that-will-define-2021-and-beyond-Final.pdf?shouldIndex=false

[8]  https://www.ft.com/content/aaf192ac-dc94-4509-8f24-5831a32e7aa2

[9]  https://www.europeanbusinessreview.com/how-covid-19-has-affected-business/

[10]  https://www.europeanbusinessreview.com/how-covid-19-has-affected-business/

[11]  COVID-19 digital transformation & technology | McKinsey

[12]  https://www.bbc.co.uk/news/business-55793411

[13]  https://www.emarketer.com/content/global-ecommerce-update-2021

[14]  https://www.businessoffashion.com/news/retail/boohoo-buys-remaining-apparel-brands-from-failed-arcadia-group

[15]  One Year Later: The Harsh Business Lessons (kornferry.com)

[16] Apple Heart Study | Stanford Medicine

[17]  Introducing the Heartline Study by Johnson & Johnson and Apple

[18]  https://www.bbc.com/future/article/20200326-covid-19-the-impact-of-coronavirus-on-the-environment

[19]  https://www.europeanbusinessreview.com/how-covid-19-has-affected-business/

[20]  https://www.mckinsey.com/~/media/McKinsey/Featured%20Insights/Leadership/The%20next%20normal%20arrives%20Trends%20that%20will%20define%202021%20and%20beyond/The-next-normal-arrives-Trends-that-will-define-2021-and-beyond-Final.pdf?shouldIndex=false

[21]  Living, working and COVID-19 | Eurofound (europa.eu)

[22]  https://www.weforum.org/agenda/2020/11/pandemic-productivity-innovation-remote-working/

[23]  Whats_next_for_remote_work_F.pdf (mckinsey.com)

[24]  https://www.mckinsey.com/~/media/McKinsey/Industries/Public%20and%20Social%20Sector/Our%20Insights/Future%20of%20Organizations/Whats%20next%20for%20remote%20work%20An%20analysis%20of%202000%20tasks%20800%20jobs%20and%20nine%20countries/Whats_next_for_remote_work_F.pdf?shouldIndex=false

[25]  https://www.mckinsey.com/business-functions/strategy-and-corporate-finance/our-insights/how-covid-19-has-pushed-companies-over-the-technology-tipping-point-and-transformed-business-forever

[26]  https://www.mckinsey.com/business-functions/strategy-and-corporate-finance/our-insights/how-covid-19-has-pushed-companies-over-the-technology-tipping-point-and-transformed-business-forever

[27]  https://www.imd.org/research-knowledge/articles/A-post-COVID-19-outlook-The-future-of-the-supply-chain/

[28]  https://www.imd.org/research-knowledge/articles/A-post-COVID-19-outlook-The-future-of-the-supply-chain/

[29]  https://www.bloomberg.com/news/articles/2020-09-30/most-executives-think-covid-19-changed-their-companies-forever