كارثيش مانثيرام، وارن ك. لويس أستاذ تطوير الأعمال في قسم الهندسة الكيميائية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، يتولى الإشراف على واحدٍ من بين سبعة مشروعات بحثية حصلت مؤخراً على منحة تمويل من معمل عبد اللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي (J-WAFS).  يهدف السيد كارثيش إلى ابتكار جهاز كهروكيميائي يعمل بالطاقة الشمسية ويمكنه تحويل نيتروجين الهواء والماء وضوء الشمس إلى أمونيا يمكن إضافتها إلى التربة لتعزيز نمو النباتات.

أجرت “فتح الآفاق” حواراً مع الأستاذ الدكتور مانثيرام حول المشروع وأهدافه.

ما عنوان مشروعك البحثي؟

“تثبيت كهروكيميائي للنيتروجين للإنتاج الموزع للأسمدة”.

ل يُمكن أن تُطلعنا سريعاً على فكرة المشروع؟

يُعد نقص المحاصيل الزراعية من العوامل الرئيسية التي تسببت في مشكلة سوء التغذية والفقر في أفريقيا، وفي الوقت نفسه، فإن معدل استخدام الأسمدة في أفريقيا أقل بكثير منه في المناطق الأخرى حول العالم؛ ما يحد من الإنتاجية الزراعية للتربة.  ويرجع ذلك في جزءٍ منه إلى افتقار أفريقيا إلى الأسواق المحلية الكبرى للأسمدة، ولا تزال الزراعة إلى حدٍ كبير من الأنشطة الصغيرة المتناثرة التي تتم على نطاقٍ ضيق، كما أن تكاليف توزيع الأسمدة باهظة للغاية نظراً لضعف البنية التحتية.  ولا يتوافق هذا الوضع مع الإنتاج المُكثف لأمونيا الأسمدة التي تُصنَّع من خلال عملية هابر-بوش.  حيث يُشترط إجراء هذه العملية على نطاقاتٍ واسعة، لما تتطلبه من درجاتٍ عالية من الحرارة والضغط، وهو ما يجعلها باهظة التكاليف في النطاقات الصغيرة.

يهدف بحثنا إلى كشف النقاب عن طريقة جديدة لإنتاج الأمونيا محلياً باستخدام المواد الخام الشائعة والمتاحة، وتجنب مشكلات التكلفة والتوزيع التي حالت دون استخدام الأسمدة في أفريقيا حتى وقتنا هذا.

نُقدّم جهازاً كهروكيميائياً يمكن تشغيله باستخدام ألواح الطاقة الشمسية لتحويل النيتروجين المُستخلص من الهواء والماء لإنتاج الأمونيا.  يُذكر أن هذا الجهاز يُمكن استخدامه في المناطق النائية، نظراً لأنه لا يتطلب سوى الهواء والماء وضوء الشمس.  وبعدئذٍ، يمكن ضخ الأمونيا الناتجة في التربة مباشرة أو إضافتها إلى ثاني أكسيد الكربون لتتفاعل معه وتنتج اليوريا الذي يمكن للمزارعين استخدامها محلياً بسهولة.

وبصفة عامة، سوف يُساعد البحث على توضيح ما إذا كان التوليد الكهروكيميائي المحلي للأسمدة قابلاً للتطبيق لتمكين مجتمعات المزارعين الصغيرة من التحكم في صحة التربة وخصوبتها.

ما السر وراء أهمية استخدام الأمونيا في إنتاج الأسمدة؟

تمثل الأمونيا مصدراً مهماً للنيتروجين الذي يُعد أحد المواد الغذائية الرئيسية التي يحتاج إليها النبات لينمو.  وعند استخدام الأسمدة، نعيد النيتروجين مرة أخرى إلى التربة بعد أن استنفدته النباتات التي سبق زراعتها في هذه التربة.  وزيادة المواد الغذائية في مكونات التربة على هذا النحو يساعد في زيادة الإنتاجية الزراعية للأرض.

ما سبب الانخفاض النسبي لمستويات استخدام الأسمدة في أفريقيا؟

السبب في ذلك يعود إلى ضعف البنية التحتية وقلة الموارد.  فهناك حاجة ماسة إلى استخدام الأسمدة في أفريقيا لتحسين صحة التربة وزيادة خصوبتها، إلا أن البنية التحتية اللازمة لاستيراد الأسمدة وتخزينها وتوزيعها في المناطق الأكثر احتياجاً لها غير مؤهلة لدعم ذلك.  كما أن هناك نقص في الموارد على المستوى الفردي.  فقد يصعب على المزارعين تحمل التكلفة الباهظة لشراء الأسمدة، على الرغم من أنها قد تزيد من إنتاجية أراضيهم، ومن ثم تنقذهم هم أنفسهم من براثن الفقر.  إذن، فقد تحول الأمر إلى ما يشبه “معضلة الدجاجة والبيضة”، فمع ضعف الطلب المحلي يزداد إعراض الحكومات والقطاع الخاص عن الاستثمار في تطوير البنية التحتية.

هل تُستخدم الأسمدة على نطاق واسع في الشرق الأوسط؟

إن استخدام الأسمدة في الشرق الأوسط أكثر شيوعاً، كما أن المنطقة غنية بالإمكانيات الطبيعية الهائلة لإنتاج الأسمدة.  حيث يتطلب إنتاج الأمونيا وجود الهيدروجين الموجود بوفرة في الغاز الطبيعي الذي يعتبر حجر الزاوية في اقتصاد الشرق الأوسط.  إلا أن إنتاج الأمونيا بهذه الطريقة سوف ينتج عنه كميات هائلة من انبعاثات الكربون.   ومن المتوقع أن تُتيح تقنيتنا للشرق الأوسط الاستفادة من سوق الأسمدة العالمي، مع الحد من انبعاثات الكربون في الوقت ذاته.

“لسنا بحاجة إلى تشييد بنية تحتية مركزية، بل من الأسهل كسر حلقة الفقر التي تحاصرنا”

هل يمكنك أن تشرح لنا بإيجاز آلية عمل الجهاز المقترح؟

ما نقترحه هو عملية جديدة لاستغلال الكهرباء النظيفة، المولدة من ألواح الطاقة الشمسية أو توربينات الرياح، على سبيل المثال، واتحادها مع النيتروجين والماء لإنتاج الأمونيا.   ويمكن إجراء هذه العملية على مستوى فردي، أو ربما على مستوى قرية أو مجتمع، ولهذا فليست هناك حاجة لبنية تحتية مركزية، ومن الأسهل كسر حلقة الفقر المفرغة التي تفرض علينا حصارها.

ما الذي ستنتجه هذه التقنية؟

يمكن لهذه التقنية إنتاج الأمونيا أو اليوريا، وكلاهما من الأسمدة الفعالة. ثمة طريقتان عمليتان للقيام بذلك.  تتمثل الطريقة الأولى في إنتاج الأمونيا، وإيجاد طريقة لحقنه مباشرةً في التربة.  وهذا ما سيركز عليه بحثنا جزئياً.  أما الطريقة الثانية، فتتمثل في إضافة الأمونيا إلى غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 لتتفاعل معه وتنتج اليوريا الذي يمكن بيعه كسماد صلب يسهل استخدامه وتوزيعه.

ونظراً لأن هذه التقنية يمكن أن تعمل بالطاقة الشمسية أو بطاقة الرياح، فإنها تبدو مناسبة بشكلٍ مثالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هل الأمر كذلك؟

أجل بكل تأكيد.  تلتزم العديد من الحكومات في المنطقة التزاماً صارماً باستغلال جميع مواردها الطبيعية المستدامة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على الوجه الأمثل، لتساعد في تحسين مجتمعاتها والارتقاء بحياة مواطنيها.

وإذا استطعنا أن نتوصل إلى عملية جديدة نستخدم فيها الطاقة النظيفة لإنتاج الأسمدة على نحوٍ أكثر استدامة، لزيادة انتشار الأسواق القائمة واستكشاف أسواق جديدة تكون الريادة فيها لنا، سوف يمثل ذلك تطوراً مذهلاً.

ماذا عن التأثير البيئي على نطاقٍ أوسع؟

تعتمد الأساليب الحالية لإنتاج الأمونيا على عمليات تم اكتشافها منذ 100 عام، وتنتج عنها كميات هائلة من انبعاثات الكربون.  ويمكن لتقنيتنا الحد من انبعاثات الكربون الناجمة عن إنتاج الأسمدة بدرجةٍ ملحوظة.  أما الفائدة البيئية الأخرى فتتعلق بتسرب الأسمدة.  من المعروف أن إضافة كميات كبيرة من السماد إلى التربة تعني فقدان كمية معينة من الأمونيا والمكونات الأخرى عند هطول الأمطار حيث تتسرب وتصرف إلى الجداول والأنهار.   ونأمل، من خلال إنتاج الأسمدة محلياً وضخها في التربة بطريقة يمكن التحكم فيها بشكلٍ أكبر، أن نخف من حدة مشكلة التسرب عن طريق إضافة الكمية التي تحتاجها المحاصيل فقط.

سوف تستمر هذه الجولة الأخيرة من تمويلات معمل عبد اللطيف جميل للأمن المائي والغذائي حتى أغسطس/آب 2019. هل تتوقع أن تنتهي من بحثك بحلول هذا الموعد؟

ما زلنا في مرحلة أولية من البحث، وعلى الرغم من ثقتنا التي لا يخالطها شك في نجاح المشروع، إلا أنه لا تزال هناك بعض الخطوات العلمية الأساسية التي ستساعدنا على الفهم أولاً قبل أن تفتح لنا أبواب الإبداع التقني على مصراعيها. وعلى الأرجح، ثمة مراحل أخرى من البحث نعمل فيها على تحسين التقنية ونبحث من خلالها عن أفضل السبل لتنفيذها حتى تحقق أقصى تأثير إيجابي ممكن على حياة الأشخاص.