معمل عبد اللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي (J-WAFS) في الميدان: إنتاج المياه من الهواء لإشباع عطش العالم
تجري الدكتورة ميرشيا دينكا، الأستاذ المشارك بقسم الكيمياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، والدكتورة إيفلين وانج، الأستاذ المساعد بمعمل جيل أ. كيندال بقسم الهندسة الميكانيكية، بحثًا لتطوير تقنية حديثة لتجميع المياه من الهواء الجوي. ويمول معمل عبد اللطيف جميل للأمن الغذائي والمائي العالمي (J-WAFS) بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) هذا المشروع الذي يمكن أن يكون له أثرًا إيجابيًا هائلًا بالمناطق التي تعاني من نقص الموارد المائية، كالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أجرت مجلة “فتح الآفاق” حوارًا مع د. دينكا ود. وانج حول المشروع وأهدافه.
ما المشكلة الأساسية التي تسعون لحلها من خلال ذلك المشروع البحثي؟
تعد مشكلة الحصول على مياه نظيفة واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها العالم في وقتنا الحالي. وبينما توجد كميات كبيرة من بخار الماء في الهواء الجوي، فإن التقنيات الموجودة حاليًا لتجميع المياه، كالتندية، أو حصاد الضباب، محدودة جدًا من حيث الفعالية ومتطلبات الطاقة.
نحن نسعى لتطوير تقنية حديثة لتجميع المياه، تناسب المناطق النائية التي تعاني من إجهاد الموارد المائية أو ندرتها كالشرق الأوسط. وسيتم ذلك من خلال تجميع المياه من الهواء المحيط باستخدام مواد خاصة تسمى الهياكل الفلزية العضوية (MOF).
بعبارات بسيطة، هل يمكنكم شرح الحل الذي تعرضونه، وكيفية عمله؟
الهياكل الفلزية العضوية عبارة عن مسحوق شديد الكثافة، يشبه السكر قليلًا، وهي تمتلك قدرة هائلة على الادمصاص. يتم إدخال الهياكل الفلزية العضوية إلى جهاز يشبه صندوق شفاف من الجوانب ويسمح بتعرضها للهواء الخارجي. لكننا لا نضع الهياكل الفلزية العضوية في الصندوق فحسب. علينا أولًا دمجها داخل قالب صلب من نوع ما، كقوالب الملح الكربوني، لأن المسحوق وحده ليس له نشاط حراري كبير.
تعمل الهياكل الفلزية العضوية، من خلال عملية الادمصاص، كإسفنجة تمتص بخار الماء من الهواء ثم نخزنه. ولجمع المياه الممتصة، يتم تسخين الجهاز بواسطة مصدر حراري بسيط، كضوء الشمس، فتتكثف المياه، وحينها يمكن تجميعها. يمكن للأفراد ببساطة فتح صنبور على جانب الجهاز لاستخلاص المياه، التي ستكون صالحة للشرب والاستخدام في الأغراض المنزلية الأخرى.
ما الذي يميز الهياكل الفلزية العضوية عن التقنيات الأخرى كالتندية وحصاد الضباب؟
لا يكون استخدام تقنيات التندية أو حصاد الضباب ملائمًا إلا في حالة ارتفاع الرطوبة النسبية بالجو. بينما في المناطق التي تكون الرطوبة النسبية بها منخفضة، مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبقية المناطق التي تعاني من ندرة المياه، تتطلب هذه التقنيات استهلاك كثيف للطاقة ولا تكون ذات جدوى تجارية. لذا فإن هناك فرصة كبيرة لأن يخلق بحثنا فارقًا كبيرًا في مناطق الجفاف التي لا يمكن استخدام تقنيات التندية وحصاد الضباب بها.
لمَ لم يتم استكشاف قدرة الهياكل الفلزية العضوية على الادمصاص بالشكل الكافي حتى وقتنا الحالي؟
الهياكل الفلزية العضوية موجودة منذ ما يقارب 40 عامًا. وكان الناس يعرفون قدرتها العالية على الادمصاص، لكنهم صبوا جل تركيزهم على الغازات. فالمياه يمكن أن تتفاعل مع الهياكل الفلزية العضوية وتتسبب في تآكلها، لذا كان صنع هياكل فلزية عضوية تكون مستقرة عند استخدامها مع المياه يعتبر واحدًا من أكبر التحديات الأخيرة.
وكان أحد أهم إنجازاتنا هو ابتكار مواد من نفس فئة هذه الهياكل الفلزية العضوية المعروفة، لكنها تختلف عنها في درجة استقرارها الكبيرة عند استخدامها مع المياه، وقدرتها الفريدة على ادمصاص المياه،
حيث يمكن للجرام الواحد من المواد التي نستخدمها ادمصاص قدر من المياه أكبر من قدرة أي مُركب آخر بنفس الفئة، أو أي مادة أخرى في الواقع.
ما أهم التحديات التي يتوجب عليكم التصدي لها في ذلك المشروع؟
نحن نبحث دائمًا عن وسائل لتحسين سعة الادمصاص وتدوير المواد. ونعني بهذا عدد المرات الممكن لإعادة استخدام المواد. وبالطبع كلما ازداد عدد الدورات التي يمكن الحصول عليها باستخدام نفس المواد، كلما كان ذلك أفضل، سواءُ أكان ألفًا أو عشرة آلاف. لم يتم اختبار هذه العملية بعد، لأنها ببساطة تستغرق وقتًا طويلًا جدًا.
كما أنه يجب علينا رفع مستوى الجهاز. يمكننا في الوقت الحالي صنع نموذج أولي على نطاق محدود، لكننا نريد أن نتمكن من صنع أجهزة أكبر يمكنها توفير قدر أكبر من المياه يكفي استخدام أسرة عادية على سبيل المثال. وذلك يعني صنع أجهزة يمكنها إنتاج 12-15 لتر/يوم من الماء.
هل ستكون تكلفة إنتاج تلك “الإسفنجات الخارقة” قليلة، بحيث تؤهلها لأن تكون حلًا رائجًا؟
أجل، لقد درسنا التكاليف على نحو موسع وأجرينا مقارنات مع المواد المماثلة. بحسب توقعاتنا، ستتراوح تكلفة الكيلوجرام الواحد بين 10-25 دولار أمريكي، وسيحتاج كل جهاز حوالي 5-10 كيلوجرام من المواد، لذا فإن تكلفة المواد ستكون مناسبة لأن يكون هذا الحل ذو جدوى تجارية.
ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للمناطق التي تعاني من نقص الموارد المائية؟ ما هو حجم التغيير الذي يمكن أن يحدثه؟
يمكن أن تحدث هذه التقنية تغييرًا كبيرًا بالمناطق التي تعاني من ندرة المياه كالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فالكثيرون يدركون التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا فيما يتعلق بالطاقة، والحاجة للتركيز على موارد الطاقة المستدامة، بينما يدرك عدد أقل من الناس التحديات المتعلقة بندرة المياه وإجهاد الموارد المائية التي تواجها مناطق كثيرة بالعالم، التي ستزداد شدتها وخطورتها في المستقبل.
ومن المتوقع أنه في غضون سنوات قليلة لن يتمكن أكثر من 30% في المائة من سكان العالم من الحصول على مصدر مستدام للمياه العذبة. لذا فإن إمكانية التصدي لهذه المشكلة يمكن أن يغير الوضع بالكامل، خاصة في المناطق النائية التي يصعب وصول وسائل إمداد المياه الأخرى إليها.
سوف يستمر تمويل معمل عبد اللطيف جميل للأمن الغذائي والمائي العالمي لكم لمدة سنتين، حتى أغسطس 2019. هل سيكون بحثكم قد اكتمل بحلول ذلك الوقت؟
أجل، نحن نتوقع اكتمال هذه المرحلة بحلول ذلك الوقت. يجب أن يكون لدينا نموذج أولي مجرب وفعال حينها. ستتضمن المرحلة التالية استمرار تطوير الجهاز، ودراسة إمكانية طرحه بالأسواق، وغالبًا سيتم ذلك بالتعاون مع شركاء صناعيين خارجيين.