مر ما يقرب من ثلاث سنوات منذ حصول جانغ تشين، أستاذ هندسة الطاقة ورئيس قسم الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على تمويل من معمل عبداللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي لمشروعه “أجهزة استقبال الطاقة الشمسية العائمة المستخدمة في تحلية المياه”. وبهذه المناسبة، أجرت “فتح الآفاق” لقاءً معه في بوسطن للتعرف على التقدم المحرز في المشروع ومعرفة المزيد عن التأثير المحتمل لأبحاثه الرائدة.

س: في الفترة ما بين سبتمبر 2016 وأغسطس 2017، كنت تبحث في إمكانيات إنتاج المياه النظيفة من مياه البحر بتكلفة منخفضة. كيف تطورت تلك الأبحاث وما الذي تعمل عليه الآن؟

جانغ: نحاول ابتكار طريقة لاستخدام الطاقة الشمسية لتوليد بخار فائق التسخين، أي تسخين البخار إلى أكثر من 120 درجة مئوية ، بدلاً من درجة الغليان الطبيعية البالغة 100 درجة. عند الوصول بدرجة الحرارة إلى أكثر من 120 درجة، يمكن استخدام البخار في التعقيم. لدينا اهتمام بمجموعة واسعة من القضايا مثل تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي والعمليات الصناعية والطبخ والتعقيم. تحتاج الكثير من العمليات الصناعية والغذائية أيضًا إلى درجات حرارة أعلى، ولا تتطلب كل هذه الأشياء توليد بخار شديد السخونة، لكنها مفيدة بشكل خاص في استخدامات أخرى مثل التعقيم.

س: هل يمكنك أن تصف لنا الابتكار الذي توصلت إليه؟

جانغ: لتوليد بخار شديد السخونة من أشعة الشمس، عادة ما يفكر الناس في الحلول الضوئية، مثل العدسات أو المرايا، لتركيز ضوء الشمس؛ لكن هذه التقنيات يمكن أن تكون مكلفة ومعقدة في الوقت نفسه.

وبدلاً من ذلك، نعمل على تطوير طريقة أقل تكلفة بشكل كبير، وهي تعتمد أساسًا على “مادة امتصاص”، وهي عبارة عن قطعة من المعدن مطلية بغشاء رقيق. هذه التقنية متوفرة بالفعل تجاريًا، وغالبًا ما تستخدم في أجهزة تسخين المياه بالطاقة الشمسية.
في البداية، يتم وضع الجهاز فوق حوض من الماء وداخل حاوية مصنوعة من البوليمر، وهذا بدوره يقلل من فقدان الحرارة إلى أدنى حد.

القضية الأخرى التي تعين علينا معالجتها هي التدهور الناتج عن الملوثات الموجودة في الماء أو الترسبات الحيوية. استخدمنا في بحثنا الأصلي أجهزة تطفو على الأسطح المائية وكانت المشكلة التي واجهتنا هي الترسبات الحيوية، لكننا الآن تمكنا من تعليق الجهاز مباشرة فوق سطح الماء، وتجنب هذه المشكلة. لا يتجاوز حجم الجهاز المستخدمة حجم الكمبيوتر اللوحي ويتكون من ثلاث طبقات. تتكون الطبقة العلوية من سطح خزفي معدني يعمل على امتصاص حرارة الشمس؛ وأسفل منها توجد طبقة شبه رغوية تجذب الحرارة وتعمل على تسخين أي بخار يتم توليده قبل توجيهه بعيدًا عبر أنبوب تصريف. أما الطبقة السفلية من الجهاز فتضم العنصر الأقرب إلى الماء، وهو الجزء الذي ينفث الحرارة إلى المياه التي توجد أسفل منه من خلال طلاء أسود على السطح، ومن ثم يتولد البخار من سطح الماء ويدخل إلى المواد شبه الرغوية.

س: هل لك أن تشرح لنا بطريقة مبسطة كيف يعمل الجهاز؟

جانغ: تعمل الطبقة العلوية من الجهاز على امتصاص أشعة الشمس، وكلما أصبحت هذه الطبقة أكثر سخونة يقل معدل فقدان الحرارة من الجهاز بشكل نسبي بسبب وجود الطلاء، وقد تصل درجة الحرارة إلى أكثر من 100 درجة مئوية. ولأن هذه الطبقة العلوية تلامس الطبقة شبة الرغوية مباشرة، يصبح الهيكل الرغوي أكثر حرارة من 100 درجة مئوية.

تكون المادة الرغوية ملامسة للجانب الآخر للقناة، وهي مغلفة باللون الأسود وتشع حرارة الأشعة تحت الحمراء إلى الماء. ورغم أن الماء لا يمتص عادةً الأطوال الموجية المرئية في ضوء الشمس، إلا أنه ممتص قوي لأطوال موجات الأشعة تحت الحمراء التي يشعها هذا الكائن الساخن. نتيجة لذلك، يصبح سطح الماء ساخنًا، مما يساعده على إحداث التبخر وفي النهاية توليد البخار، الذي يرتفع إلى الجهاز.

عند هذه النقطة، تصل درجة حرارة البخار الناتج إلى حوالي 100 درجة مئوية فقط. ولكن عندما يرتفع جهاز الامتصاص الساخن نفسه، والذي تزيد درجة حراراته بالفعل عن 100 درجة، يتم تسخينه بدرجة أكبر، وبذلك يتم انتاج البخار شديد السخونة الذي نبحث عنه في الطبقة الوسطى للجهاز.

تتيح لنا القناة الموصلة بين الطبقتين العلوية والسفلية توجيه البخار الناتج عبر أنبوب إلى أي مكان نحتاج إليه. يكمن جمال هذا النظام في أنه ساكن تمامًا، بمعنى أنه وبمجرد إنشاء الجهاز، لا يتطلب مدخلات إضافية من أجل بدء ومتابعة امتصاص أشعة الشمس، وهذا يعني صيانة منخفضة وتكلفة أقل.

س: أين يمكن تطبيق هذا الحل؟ وإذا كان بإمكانك طرحه في السوق، فما هو تأثيرها المحتمل؟

جانغ: هذا سؤال جيد. عندما بدأنا هذا البحث، فكرنا في التطبيقات المحتملة في مجال تحلية المياه أو معالجة مياه الصرف الصحي أو البخار الصناعي أو التعقيم، وكلها قابلة للتنفيذ. حاليًا، نعكف على دراسة أنسب الأسواق لإدخال هذه التكنولوجيا، التي يمكن أيضًا استخدامها لتزويد الأسر بالمياه الساخنة، ولكن يجب تقييم كل من هذه التطبيقات المحتملة من حيث جدواها المالية.

س: يعادل حجم الجهاز الحالي حجم الكمبيوتر اللوحي تقريبًا، فهل هناك مجال لزيادة حجمه، أو تطوير شيء على نطاق أوسع بكثير؟

جانغ: نحن بصدد محاولة إنشاء نظام واسع النطاق. التكنولوجيا بسيطة بما يكفي كما أوضحنا، ونحن لا نرى حقًا حاجزًا لتوسيع نطاقها. مشكلتنا الأساسية هي أننا نعمل في جامعة، ولا تتوفر لنا مساحة كافية لهذا النوع من المشاريع الكبيرة الحجم. ومع ذلك نأمل، بمجرد أن نحدد نقطة انطلاقنا في سوق مجدية من الناحية المالية، فسيقودنا ذلك إما للدخول في شراكة أو إنشاء شركة مستقلة، للعمل في بيئة تجارية وتحقيق تلك العملية على نطاق أوسع.

س: كنت تعمل على توليد البخار بالطاقة الشمسية لعدة سنوات حتى الآن. كيف تصف التقدم الذي أحرزته؟

جانغ: كانت تلك المحاولات عبارة عن سلسلة من المشاريع الصغيرة، كل منها أدى إلى ما نحن عليه اليوم. أول عمل قمنا به كان من خلال مادة عائمة مسامية على سطح الماء، لأن ضوء الشمس المرئي لا يتم امتصاصه بالماء نفسه. ومن خلال تعويم هذه المادة المسامية على السطح، ثم عزل هذه المنطقة المغطاة عن الجزء الأكبر من الماء بطريقة تجعل الماء “يمتص” إلى الأسفل من خلال التوتر السطحي، وبذلك يمكننا إنشاء منطقة ساخنة في ذلك الجزء على السطح. في وقت لاحق، تمكنا من إنتاج تصميم يسهل علينا توصيل المياه إلى نقطة الغليان دون استخدام أي وسائل ضوئية على الإطلاق – فقط باستخدام ضوء الشمس العادي.

في الواقع، لعبت ابنتي، التي كانت في ذلك الوقت تبلغ من العمر 16 عامًا، دورًا في مساعدتنا على اتخاذ تلك الخطوات الأولى. وجدنا أن جهازنا يفقد الكثير من الحرارة من خلال انتقال الحرارة أو ما يعرف باسم الحمل الحراري. في ذلك الوقت، كانت ابنتي تعمل في مشروع معرض العلوم في المدرسة، حيث كان عليها أن تصنع دفيئة أو صوبة زراعية من مواد بسيطة. واحدة من هذه المواد كانت الفقاعات الهوائية، والتي تبين لنا أنها كانت فعالة جدًا (كانت قادرة على تسخينه إلى 160 درجة فهرنهايت!). قمنا بلف الفقاعات الهوائية حول جهازنا، حيث أتاحت لنا الفقاعات الشفافة وصول أشعة الشمس إلى الجهاز وحجزها، ما أسهم في إبقاء الحرارة على سطح الجهاز.

في النهاية، واجهنا بعض الصعوبات في هذه الفكرة. وفي المادة المسامية، تبين لنا أن هناك تشكل لخلايا وكائنات حيوية وتكون جسيمات أخرى. وفي تلك لمرحلة تمكنا من الحصول على تمويل معمل عبداللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي، والذيا أتاح لنا البحث في كيفية استكشاف تطبيقات تقنية لحل هذه العوائق. باختصار، هذا هو المكان الذي تطورت فيه أفكارنا الحالية.

س: هل يرتبط هذا المشروع بعمل تحلية المياه الذي قمت به سابقًا، أعني حصائر تحلية المياه العائمة؟

جانغ: نعم، يمكن استخدام هذا الحل لتحلية المياه. عندما تقوم بتسخين الماء على درجات حرارة عالية لتحويله إلى بخار، فإن الماء الذي يتكثف من ذلك البخار يكون نقيًا بشكل أساسي، بمعنى أنه لا يحتوي على الأملاح والكتلة الأحيائة التي كانت موجودة قبل تسخينه. في الواقع، فإن أداء النظام في هذا الحل الأخير، من حيث الكفاءة ، يشبه إلى حد كبير ما كان لدينا من قبل. وميزة هذا الحل الأخير هو أنه يتجنب مشاكل تكون الترسبات الحيوية التي واجهناها في الماضي.

س: هل هناك مجال لتطوير استخدام مزدوج لهذا الحل، أي استخدام البخار لتشغيل شيء ما – مثل التوربينات مثلا- وما ينتج عنها من المياه المكثفة للسكان المحليين في الأماكن محدودة الموارد؟

جانغ: نعم، هذه نقطة ممتازة. نحن نبحث في دراسة السوق لدينا لمعرفة أين يمكننا القيام بذلك وإصابة عصفورين بحجر واحد. علينا أن نفكر في الكثير من الأشياء. على سبيل المثال، يمكننا استخدامه لتوليد الكهرباء ولكننا بحاجة إلى النظر في تكلفة التوربينات. يجب أن نستغرق وقتًا كافيًا في تقييم هذه الأشياء من ناحية فرص السوق ومنظور التكلفة الاقتصادية.

س: هل يمكنك المشاركة في تحديد مواقع محطات تحلية المياه وتوظيف هذه التقنية بطريقة ما لتوليد الطاقة اللازمة لتشغيل المحطة؟

جانغ: تتطلب طريقة التناضح العكسي الكثير من الطاقة لخلق الضغط المطلوب، وأنا لا أعرف حتى الآن ما إذا كنا نستطيع تحقيق ذلك. هناك بالتأكيد إمكانية لاستخدام هذه التقنية في تحلية المياه، لكننا بحاجة إلى زيادة فهمنا للحجم والموقع المناسبين لاستخدام هذه الطريقة مع حلنا، ومن ثم مقارنة تكلفة عكس اتجاه التناضح أو التقطير الومضي متعدد المراحل، وهما التقنيتان الأساسيتان المستخدمتان في تحلية المياه اليوم.

س: ما مدى أهمية تمويل معمل عبداللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي في تمكينك من المضي قدمًا في مشروعك؟

جانغ: كان مهمًا للغاية وأشعر ببالغ الإمتنان لهذه المبادرة، فمن الصعب الحصول على تمويل حكومي حقيقي لهذا النوع من العمل، وأستطيع القول أن تمويل معمل عبداللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي، قد مكننا من الاستمرار في المشروع ومواصلة تشغيل الطلاب عليه. ولولا هذا التمويل لما كان بالإمكان أن تتحقق فكرتنا الأخيرة أبدًا. كما أن معمل عبداللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي قدم لنا دعمًا آخر لا يقل أهمية عن التمويل، وهو مساعدتنا على التفكير بشكل تجاري حول أسواقنا المحتملة. لقد كان مفيدًا جدًا جدًا  لدرجة أننا اعترفنا بمساهمة معمل عبداللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي المستمرة في أحدث ورقة بحثية، برغم أن هذا العمل قد تم بعد انتهاء تمويل معمل عبداللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي.

س: ما هي أولوياتك خلال العام المقبل؟ كيف تخطط إلى المضي قدمًا في مشروعاتك؟

جانغ: لدينا طلاب مهتمون بالتقييم الجاد لفرص السوق. تحديد أفضل سوق لهذه التقنية هو الآن أولوية رئيسية. نحن نبحث عن سوق مناسبة كي يتسنى لنا ترجمة هذه التقنية إلى حل حقيقي.
طموحنا الآخر يتجاوز الجانب الفني ويركز أكثر على الطريقة التي يمكننا من خلالها تحسين كفاءة النظام للتطبيقات المختلفة.

نتطلع أيضًا إلى إثبات فعالية التقنية بصورة أكبر لعرضها على الشركاء التجاريين والمستثمرين المحتملين.

س: هل يمكننا القول أنك قد أوشكت على نقل منتجك إلى السوق؟

جانغ: الحكم على الجداول الزمنية دائمًا صعب للغاية في البحث. الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لنا هو التأكد من أننا نستهدف السوق المناسب. خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، آمل أن نحقق بعض التقدم الجيد هناك.