لطالما مثلت الشركات العائلية حجر زاوية في الاقتصاد العالمي، ذلك أنها تمتلك، بحكم طبيعتها، نقاط قوة فريدة، تعززها المعرفة والرؤى والقيم التي تنتقل من جيل إلى جيل. لكن الحفاظ على هذه المكتسبات يتطلب من الشركات العائلية السير على نهج صحيح يضمن لها دوام النجاح.

بحسب مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG)، تمثل الشركات العائلية أكثر من 30% من الشركات الكبرى على مستوى العالم،[1]  حيث تتركز أقوى الشركات العائلية بشكل خاص في البلدان ذات الاقتصادات الصناعية الكبيرة.  وقدرت دراسة منشورة في عام 2010 أن متوسط عمر الشركات العائلية يبلغ حوالي 24 عامًا، وأن حوالي 40% من الشركات العائلية في (الولايات المتحدة) تنتقل إلى إدارة الجيل الثاني، وإلى الجيل الثالث في 13% منها، بينما بلغت نسبة الانتقال إلى الجيل الرابع أو ما بعده 3% فقط. واليوم، تشكل الشركات العائلية 35% من قائمة أكبر 500 شركة في العالم (فورتشين 500)”.[2]

في الهند، على سبيل المثال، تدر الشركات العائلية أرباحًا تصل إلى حوالي 670 مليار دولار أمريكي، ما يعادل 25 % من إجمالي الناتج المحلي. وفي ألمانيا، تحقق الشركات العائلية إيرادات ضخمة تبلغ 1.8 تريليون دولار أمريكي – حوالي 49 % من إجمالي الناتج المحلي، وتمثل ثلاثة أرباع القوى العاملة في القطاع الخاص بالشرق الأوسط.

لبنات البناء الثقافي

لطالما كانت الشركات العائلية في طليعة عالم المال والأعمال لسنوات طوال، بدءًا من روتشيلدز وروكفلرز في مجال الخدمات المصرفية إلى بنز وتويوتا وفورد في صناعة السيارات.

وما زالت عائلات مثل سوير وتاتا وكارجل وكوك ومارس أسماء مألوفة في جميع أنحاء العالم حتى يومنا هذا.

بدأت عبد اللطيف جميل كمشروع تجاري صغير في جدة، المملكة العربية السعودية. لكن التوسعات التي شهدتها على مدى 75 عامًا، جعلت منها مستثمرًا عالميًا كبيرًا، وموزعًا دوليًا، ولاعبًا بارزاً في قطاعات متعددة مثل الطاقة والمياه والعقارات والتنقل والخدمات المالية وغيرها من القطاعات الحيوية الأخرى، التي تستعين فيها بفريق عمل يضم أكثر من 15,000 موظف من أكثر من 40 جنسية يتوزعون في نحو 30 بلداً حول العالم. 

في مقال حديث له للمنتدى الاقتصادي العالمي (WEF)، يكشف حسن جميل كيف باتت الشركات العائلية تشكل عصب الحياة في الشرق الأوسط، قائلًا: “تدير العائلات في منطقتنا العربية العديد من أكبر وأهم الشركات التي نمت على مدى عدة أجيال من شركات صغيرة إلى تكتلات”. ويستطرد:” بالنسبة للحكومات في المنطقة وخارجها، تُعد الشركات العائلية ركيزة أساسية لتحقيق الأهداف الطموحة لنمو القطاع الخاص”.

ومن المرجح أن يتعاظم دور الشركات العائلية في تحقيق التنمية الاقتصادية، لا سيما مع تحول مركز الاقتصاد العالمي نحو آسيا، حيث تهيمن الشركات العائلية على المشهد الاقتصادي.[1] 

ونظرًا لثقافتها الداخلية القوية، وأسماء علاماتها التجارية الشهيرة وإرثها الطويل من النجاح، غالبًا ما يُنظر إلى الشركات العائلية على أنها أكثر تميزًا وجدارة بالثقة من الشركات العامة. ويُضاف إلى ذلك أنها تتعامل بحذر أكثر في نفقاتها.[1]

يشير تقرير صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) إلى أن دين الشركات العائلية في الأسواق المتقدمة أقل بنسبة 27% في المتوسط من الشركات الأخرى، على الرغم من أن مستويات الديون في الأسواق الناشئة بين الشركات العائلية وغير العائلية تبدو متقاربة. ويسلط التقرير الضوء أيضًا على المزايا الفريدة للشركات العائلية، والتي تشمل المصداقية والثقة، والمعرفة العميقة بالأعمال، والمرونة التي تتمتع بها في إدارة أعمالها، والمنظور طويل المدى في صنع القرار.[2] 

كما أن جوانب أخرى مثل الرؤية المشتركة والوضوح الاستراتيجي تجعل الشركات العائلية أكثر جاذبية للمستثمرين. في الهند، على سبيل المثال، تستقطب الشركات العائلية حوالي 70% من الاستثمار الخاص.[3]

الحوكمة، الحوكمة، الحوكمة

تعد الحوكمة القوية والشفافة أمرًا بالغ الأهمية للشركات العائلية. غالبًا ما تتميز الشركات العائلية في سنواتها الأولى بهيكل تشغيل فضفاض إلى حد كبير، خاصة في ظل هيمنة المؤسس وعائلاته على المشهد. لكن ضمان استمرار النمو يُحتم عليها إدخال أشخاص جدد من خارج الأسرة، وعندها تصبح إجراءات الحوكمة أكثر أهمية[4] بطريقة تضمن إحكام السيطرة من خلال هيكل أكثر تنظيمًا.

لكن الطريق لا يخلو من العثرات، فغالبًا ما تكون الشركات العائلية بحكم طبيعتها مبنية على العمل الحر، بمعنى أن أحد كبار أفراد العائلة كانت لديه رؤية تطلعيه مكنته من بناء الشركة على مدار عدد من السنوات. ولكن بالمثل، يبقى خطر عرقلة إمكانات النمو المستقبلي قائمًا إذا لم يرغب المؤسس في تخفيف سيطرته وإعطاء الأجيال القادمة المجال لتطوير آلية العمل مع تغيّر ديناميكيات السوق.[1]

من البديهي أن تتغير القواعد المطبقة عند تأسيس العمل بمرور الوقت. ويكمن جوهر المسألة هنا في صياغة هيكل سليم للحوكمة.  بيد أن الطبيعة غير الرسمية المتأصلة في الشركات العائلية، غالبًا ما تقود إلى تجاهل مسألة الحوكمة أو إغفالها.

ومع ذلك، فإن الفوائد المتأتية من أطر الحوكمة السليمة تفوق التحديات التي تكتنفها، لا سيما مع نمو الأعمال وتوظيف المزيد من الأشخاص من داخل وخارج دائرة العائلة.

وهنا تكمن أهمية التعليم لضمان أن الجميع – من المديرين إلى المساهمين ورؤساء الأقسام والموظفين – يدركون جيدًا الجوانب الأساسية للعمل مثل العمليات والإجراءات التي يجب عليهم اتباعها، وكيفية إدارة الأمور واتخاذ القرارات. 

يحتاج المؤسسون كذلك إلى إدراك أن الأجيال التالية لن تدير العمل بنفس الطريقة التي يتبعونها في الإدارة – أو بالأحرى لا يجب عليهم ذلك. فمع تغير بيئة الأعمال ونمو المؤسسة، تحتاج الشركات الناجحة إلى التكيف مع هذه المتغيرات وإلا فسيتحتم عليها مواجهة شبح الفشل، وهذا بالطبع يسري على الشركات العائلية. وهنا تبرز أهمية هياكل الحوكمة في ضمان وجود قواعد واضحة حول الطرق المختلفة التي يمكن للعائلة المشاركة في القرارات من خلالها كأعضاء في العائلة والشركة.

إحدى الاستراتيجيات الرئيسية المذكورة في تقرير عن الشركات العائلية نشرته شركة كيه بي إم جي (KPMG)، هي جلب طرف مستقل لتسيير العمل، مع وجود قواعد متفق عليها مسبقًا بشأن انضمام أفراد العائلة إلى الشركة، والخبرات المطلوبة لذلك، وآلية المشاركة في صنع القرار والتطوير والمخرجات – كما هو الحال مع أي موظف آخر.  يقول التقرير إنه ضمن هيكل الحوكمة، يجب على أفراد العائلة أن يخضعوا تمامًا لإشراف شخص من خارج الأسرة، وأن تكون هناك قواعد محددة حول المخصصات المالية للعائلة، وصنع القرار، وحدود واضحة للفصل بين السلطات.

ربما يكون التعلم من نماذج الأعمال العائلية الناجحة من الأمور الأخرى الجوهرية لنجاح الشركات العائلية. حسن جميل هو أحد الأعضاء المؤسسين لمجلس الشركات العائلية الخليجية (FBCG) (وهو نفسه عضو في الشبكة الدولية لمؤسسات الأعمال العائلية التي تأسست في عام 1989، وتضم اليوم أكثر من 16,000 عضو فردي من أكثر من 4,000 شركة عائلية في 65 دولة).  يقول حسن: “تمثل الشركات المملوكة للعائلات حوالي 90 في المائة من اقتصاد القطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا يتطلب وجود مركز عالمي للأعمال والتجارة، وإطار من الثقة والشفافية والحوكمة. في الواقع، قد تكون الحوكمة الرشيدة أكثر أهمية في حالة الشركات العائلية مما هي عليه في السياق المؤسسي المألوف، طالما كان الأمر يتعلق بنقل الأعمال من طاولة المطبخ إلى غرفة الاجتماعات.  يمكن للشركات التي مرت بهذا التحول أن تلعب دورًا قيمًا في نقل المعرفة إلى الآخرين، وهذا يتأتى من خلال منظمات مثل مجلس الشركات العائلية الخليجية، الذي أطلق مبادئ توجيهية للحوكمة في العام 2016.

لعائلة مقابل حوكمة الأعمال

تزداد أهمية الحوكمة عند النظر في القضايا التي تواجهها الشركات العائلية بشكل فريد. هنا تبرز أسئلة: هل توجد إجراءات محددة لحل الخلافات العائلية؟  هل هناك خطوات محددة لتوظيف أفراد العائلة وتقييم أدائهم وصرف أجورهم؟  هل هناك إجراءات للفصل بين الأمور العائلية وجوانب العمل؟  هل هناك مدونة سلوك للعائلة؟  هل تعكس أهداف العمل القيم العائلية؟

يمكن أن يكون حل الخلافات العائلية غير ممكن تمامًا في أجواء تتسم بالخصوصية، كما أن محاولة القيام بذلك على مرأى ومسمع من الموظفين قد يأخذ هذه الخلافات إلى مستوى آخر من الحساسية. وبالتالي، فإن صياغة هياكل الحوكمة العائلية جنبًا إلى جنب مع تلك التي تنظم الأعمال لهو أمر بالغ الأهمية من أجل تحديد الجوانب المحتملة للاتفاق والتنافر. وقد تختلف درجة الشكليات اعتمادًا على طبيعة العلاقات داخل العائلة.  يوضح الشكل أدناه الخطوط الفاصلة والنتائج بين العائلة والأعمال والملكية:[1]

إن نمو الأعمال التجارية سيتطلب حتمًا جلب المسؤولين التنفيذيين من خارج العائلة. وفي هذا الصدد، يقول تقرير مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) صراحة: “حتى أكثر القادة الموهوبين للشركات العائلية يجدون في نهاية المطاف صعوبة في إدارة شركة سريعة النمو بالاعتماد فقط على قوة الإرادة والجاذبية الشخصية والعمل الدؤوب.”[1] 

في إحدى نشراته الصادرة بعنوان “فهم الأعمال العائلية: دليل عملي للجيل التالي”، يقول معهد الشركات العائلية (IFB)، وهو أكبر منظمة أعمال عائلية في المملكة المتحدة، “أن متطلبات الحوكمة لشركة عائلية من الجيل الأول أو الثاني قد تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك التي تحتاجها شركة عائلية أكثر نضجًا وتعددًا في الأجيال.” ويمضي إلى القول “أن المديرين غير التنفيذيين يمكن أن يكونوا أداة مهمة للغاية في تجنب بعض نقاط الضعف المتأصلة في الشركات العائلية، خاصة عندما يكون المدير غير التنفيذي مستقلًا وغير منتمي للعائلة.”

ومن أهم المزايا التي يمكن للمديرين غير التنفيذيين من خارج العائلة طرحها على الطاولة هي إبداء وجهة نظر معتبرة ونزيهة إزاء أسلوب إدارة أفراد العائلة ومدى ملاءمة انتقال الملكية. ويمكن لهؤلاء المديرين أيضًا المساعدة في ضمان عدم محاباة موظفي أفراد العائلة بشكل غير عادل، وتقديم خبرات ومواهب خارجية لتولي مناصب المديرين ورؤساء الأقسام والمستشارين المهنيين.[2] 

بتعبير بسيط، الحوكمة الفعالة تعني تنفيذ عملية فصل واضحة بين حوكمة العائلة والحوكمة المؤسسية، كما هو موضح في الشكل أدناه. تتألف العائلة من جميع أفرادها، ويمثلهم مجلس العائلة الذي يتخذ قرارات بشأن التعاقب الوظيفي، وأهداف العمل طويلة المدى، ويحدد قيم العائلية ويحل الصراعات الداخلية بين أعضائها. وفي المقابل، يضم مجلس الإدارة أعضاءً من خارج العائلة، وتتمثل مهمته في وضع الاستراتيجية وتعيين طاقم الإدارة. وهناك أيضًا مجلس المساهمين الذي يحمي مصالح كل من المساهمين من العائلة وغير العائلة.

تكمن أهمية جلب أفراد من غير العائلة للانضمام إلى مجلس الإدارة، في تمكين الشركات العائلية الوصول إلى المديرين التنفيذيين والمتخصصين من ذوي الخبرة العالية الذين يمكنهم تقديم رؤى قيمة تسهل وتدعم عملية صنع القرار.

وفقًا لدراسة استقصائية أجرتها مجموعة ديلويت (Deloitte) عن الشركات العائلية لعام 2019، والتي شملت 791 مسؤولًا تنفيذيًا من الشركات المملوكة للعائلات في 58 دولة، فإن حوالي ثلث أعضاء مجلس إدارة الشركات العائلية جاؤوا من خارج العائلة.[1]

تخطيط التعاقب الوظيفي

 يمكن وصف تخطيط التعاقب الوظيفي بأنه حقل ألغام في أي شركة، ولكن احتمالية حدوث ذلك تتزايد في الشركات العائلية، التي قد تجد نفسها مضطرة إلى التعامل مع تحديات عائلية ومؤسسية على حد سواء. 

أشارت شركة برايس ووترهاوس كوبرز في استطلاع لها عن الشركات العائلية في عام 2019، إلى أن “التعامل الأفضل مع مسألة تعاقب القيادة يأتي من خلال استراتيجية طويلة الأجل، وليس في الوقت الذي تنشأ فيه الحاجة إلى وجود خلف لتولي زمام الأمور في الشركة. ومن خلال خطة مصممة على مدى خمس إلى 15 عامًا، يمكن للعائلة استقطاب مجموعة متنوعة من المرشحين – من داخل العائلة وخارجها – ومنحهم فرص التدريب والنمو. “[2]

تشير الأبحاث إلى أهمية وحساسية التعاقب الوظيفي بالنسبة للعديد من الشركات العائلية، ومع ذلك فقد يتغافل كثير منها عن هذا النظر في وقت مبكر بدرجة كافية. على سبيل المثال، كشف تقرير مجموعة بوسطن الاستشارية أن قادة الشركات العائلية يعتبرون مسألة تحقيق التوافق بين أفراد العائلة همهم الأول، فيما يأتي تخطيط التعاقب في المرتبة الثانية بالنسبة لهم.[3] 

وكشفت الدراسة، التي تناولت 200 حالة تعاقب وظيفي في الشركات العائلية على مدى تسع سنوات، عن وجود فرق في الإيرادات بنسبة 14 نقطة مئوية على مدى عامين لصالح الشركات التي خططت لتحولات التعاقب الوظيفي، وفرقًا بنسبة 28 نقطة مئوية في نمو القيمة السوقية، و فرقًا في هامش الأرباح قبل خصم الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين بنسبة 4.4 نقطة مئوية[4]

تقدم مجموعة بوسطن الاستشارية فيما يلي بعض المقترحات إزاء تخطيط التعاقب الوظيفي:

  • قرر ما إذا كنت ستختار الخلفاء من داخل العائلة أو خارجها – ضمن أدوار ونقاط قوة محددة.
  • ضع خطة لكيفية تجهيز الخلفاء للدور ثم احصل على القبول.
  • ابدأ مبكرًا في تدوير عجلة نقل السيطرة للأجيال القادمة.
  • ضع التوقعات ولكن افهم التطلعات أيضًا.
  • كن واضحًا بشأن أولويات العمل طيلة الوقت. على سبيل المثال، ما إذا كانت الشركة ترغب في الاحتفاظ بالملكية والإدارة، أو التخلي عن أي من هذين الجانبين أو كليهما للمضي قدمًا.[1]

يمكن أن يكون التخطيط للتعاقب الوظيفي داخل العائلة أيضًا وسيلة لتعزيز القيادة النسائية، لا سيما في الحالات التي تتولى فيها المرأة زمام الأمور بعد وفاة الزوج أو الأب.

الرقمنة والابتكارات الثورية

يمثل جذب المواهب المناسبة في عصر الرقمنة تحديًا كبيرًا للشركات العائلية وغير العائلية على حد سواء، ذلك أن أجندة الرقمنة لا تتطلب درجة عالية من المهارات المتخصصة  فحسب، بل تتطلب أيضًا التعلم والتطوير المستمر لمواكبة التقدم السريع. وتمضي مجموعة بوسطن الاستشارية في تقريرها عن الشركات العائلية [2] قائلةً: “أصبح التعاون مع المؤسسات الأكاديمية لتعزيز مهارات مجموعة المواهب الحالية أولوية بالنسبة للشركات العائلية”

ويشير تقرير شركة برايس ووترهاوس كوبرز إلى أنه في خضم الثورة الرقمية التي يعيشها العالم، يجب أن يكون أفراد العائلة من جيل الشباب مستعدين لتقديم “التوجيه العكسي” لأفراد العائلة والموظفين الأكبر سنًا.  وفي الوقت نفسه، يضيف التقرير: “لا تفترض أنه من خلال اعتماد استراتيجيات رقمية، فإنك تحتاج بطريقة أو بأخرى إلى تغيير قيم عائلتك أو شركتك”. 

وثمة بعض المزايا الفريدة التي يمكن للشركات العائلية الحصول عليها من الابتكارات الثورية. فبحسب الدراسة الاستقصائية التي أجرتها ديلويت عن الشركات العائلية في 2019، تبين أن الشركات العائلية لديها قدرة عالية على التكيف في مناخ الأعمال المتنامي في ظروف السوق غير المستقرة، ومع سلوكيات المستهلكين المتغيرة وهياكل الأعمال المتطورة. وعندما سُئلت عينة الاستطلاع عن الخصائص الرئيسية التي يمكن أن تقود استدامة الشركة على مدى السنوات العشرين المقبلة، أشار 61% منهم إلى أن سرعة التكيف مع البيئات المتغيرة تمثل أولوية قصوى لديهم، فيما جاءت القدرة على الابتكار في المركز الثاني بنسبة 39%[3]

 وفي مؤشر آخر لاستدامة الأعمال في دراسة ديلويت الاستقصائية، أشار 65% منهم إلى أن القيمة طويلة المدى تشكل أهمية أكبر لديهم من النتائج قصيرة المدى. وعلى الرغم من أن 27% أشاروا إلى إنهم يحتاجون في بعض الأحيان إلى إعطاء الأولوية للقيمة قصيرة المدى على الأهداف طويلة المدى، إلا أن 8% فقط تعرضوا للضغوط بسبب العوائد المالية قصيرة الأجل، مما يعكس التصور القائل بأن الشركات العائلية بطبيعتها أكثر قدرة على تحمل رؤية طويلة الأجل.

مستقبل مستدام

تأسست جميع الشركات العائلية لغرض محدد. على سبيل المثال، أسس جون كادبوري نشاطه في مجال الشوكولاتة في عام 1824، بهدف صرف انتباه الناس عن الكحول[1]، وعندما طرح هنري فورد أول سيارة من موديل «تي» (T) في عام 1908، بات حلمه في إنتاج سيارة جديرة بالثقة وعلى درجة من الكفاءة بأسعار معقولة واقعًا ملموسًا.[2]  وافتتح سام والتون “متجره الشامل” الأول في عام 1950 بهدف الحصول على قيمة كبيرة وخدمة عملاء مميزة.  وفي عام 1962، افتتح والتون أول متجر له في سلسلة متاجر وول مارت للتجزئة.[3]

لكن الأغراض والأهداف تتغير بمرور الوقت، فالعديد من الشركات العائلية لديها الآن أهداف خيرية أو بيئية أوسع.  قام محمد جميل، على سبيل المثال، بإضفاء الطابع الرسمي على الأعمال الخيرية المتنوعة والمتسعة للعائلة – والتي بدأت في الأربعينيات على يد مؤسسها الراحل – بتأسيس مجتمع جميل في عام 2003، والتي تدعم اليوم مجموعة واسعة من المبادرات التي تعزز التغيير المجتمعي الإيجابي والاستدامة الاقتصادية، من خلال مساعدة المجتمعات على تطوير نفسها عن طريق تقديم حلول مستدامة على مستوى فرص العمل، والابتكار، والإبداع، وريادة الأعمال، والشباب.

في بعض الشركات العائلية، تبقى الأهداف قائمةً على مدى تعاقب الأجيال، كما هو الحال في شركة فورد التي ما زالت تتمسك برسالتها وأهدافها الأولى المتمثلة في إنتاج سيارات عالية الجودة وبأسعار معقولة. ولا تزال وول مارت تسعى إلى تقديم قيمة كبيرة وخدمة متميزة. ولكن بالنسبة لشركات أخرى، قد تتبدل الأهداف بمرور الوقت. بدأ عبد اللطيف جميل نشاطه التجاري في عام 1945، وسرعان ما أصبح موزع سيارات محلي لتويوتا في عام 1955، وما زال هذا النشاط يمثل جزءًا أساسيًا من أعمال الشركة حتى اليوم، لكنها توسعت في مناطق جغرافية وصناعات متعددة، تشمل الطاقة المتجددة والحلول البيئية والخدمات المالية وحلول التنقل والعقارات.  وفي خضم هذا التغيير، تبقى حقيقة بسيطة مفادها أن هناك هدفًا محدداً ومعلنًا عنه بوضوح من خلال رؤية متماسكة لتوجيه الشركة وقيادتها على مدى رحلة نموها المستمر.

Fady Jameel

يقول فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة شركة عبد اللطيف جميل: ” قلة من الناس كان بوسعهم أن يتصوروا كيف ستنمو شركة عبد اللطيف جميل العائلية من محطة وقود واحدة إلى مستثمر عالمي في البنى التحتية الحياتية.

صحيح أن أهدافنا نمت وتطورت، لكننا ما زلنا نسترشد بنفس القيم والرؤى، التي نسعى إلى تمريرها إلى عائلتنا وموظفينا اليوم “

في دراستها الاستقصائية عن الشركات العائلية العالمية لعام 2019[1]، حددت شركة برايس ووترهاوس كوبرز أربع محاور أساسية لنمو الشركات العائلية.

  • المحور الأول هو “التركيز على الشأن الداخلي” – صياغة حوكمة مؤسسية جيدة، واجتذاب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، وتمكين كل من الإدارة وقادة الجيل القادم.
  • المحور الثاني هو “وضع رؤية طويلة الأجل” – تحديد استراتيجية طويلة الأجل، وتحسين محفظة الأعمال، وزيادة الإيرادات والربحية النهائية.
  • ثالثًا، “التطلع إلى المستقبل” من خلال اعتماد الرقمنة وطرق التفكير ونماذج الأعمال الجديدة.
  • المحور الرابع والأخير هو “الانفتاح على الخارج” – كونه يمثل جزءًا من التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص والتحلي بالمسؤولية لتحقيق صالح الجميع.

وبالتركيز على هذه المحاور الأربعة وجعلها في صميم أعمالها وسياساتها، يمكن للشركات العائلية مثل عبد اللطيف جميل أن تظل قوة دافعة داخل الاقتصاد العالمي لأجيال قادمة.

[1] https://www.bcg.com/capabilities/strategy/family-business.aspx

[2] familybusinesscenter.com, 2010

[3] https://www.bcg.com/publications/2020/great-family-businesses-need-good-governance.aspx

[4] https://www.pwc.com/m1/en/publications/documents/family-business-survey-2019.pdf

[5] https://www.cnbc.com/video/2017/05/22/ford-family-owns-less-than-2-of-shares-but-40-voting-power.html

[6] https://www.economist.com/special-report/2015/04/16/to-have-and-to-hold

[7] https://www.economist.com/special-report/2015/04/16/old-fashioned-virtues

[8] https://www.bcg.com/publications/2016/what-makes-family-businesses-in-emerging-markets-so-different.aspx

[9] mckinsey.com/~/media/McKinsey/Industries/Financial%20Services/Our%20Insights/Joining%20the%20family%20business%20An%20emerging%20opportunity%20for%20investors/Joining_the_family_business_MoVest.ashx

[10] mckinsey.com/~/media/McKinsey/Industries/Financial%20Services/Our%20Insights/Joining%20the%20family%20business%20An%20emerging%20opportunity%20for%20investors/Joining_the_family_business_MoVest.ashx

[11] bcg.com/publications/2017/family-business-people-organization-founders-guide-professionalizing-family-business.aspx

[12] weforum.org/agenda/2019/08/family-businesses-lifeblood-of-the-middle-east/

[13] home.kpmg/xx/en/home/insights/2017/01/power-of-governance-in-family-business.html

[14] https://assets.kpmg/content/dam/kpmg/cn/pdf/en/2015/06/Family-Business-Advisory-From-concept-to-road-map-201506.pdf

[15] https://www.bcg.com/publications/2016/what-makes-family-businesses-in-emerging-markets-so-different.aspx

[16] https://www.ifb.org.uk/media/1351/nxg_ufb_final.pdf

[17] deloitte.com/hr/en/pages/press/articles/global-family-business-survey-2019.html

[18] pwc.com/m1/en/publications/documents/family-business-survey-2019.pdf

[19] bcg.com/publications/2015/leadership_talent_growth_succeeding_with_succession_planning_family_businesses.aspx

[20] bcg.com/publications/2015/leadership_talent_growth_succeeding_with_succession_planning_family_businesses.aspx

[21] bcg.com/publications/2015/leadership_talent_growth_succeeding_with_succession_planning_family_businesses.aspx

[22] economist.com/special-report/2015/04/16/old-fashioned-virtues

[23] pwc.com/m1/en/publications/documents/family-business-survey-2019.pdf

[24] pwc.com/gx/en/family-business-services/assets/pwc-global-family-business-survey-2018.pdf

[25] deloitte.com/hr/en/pages/press/articles/global-family-business-survey-2019.html

[26] cadbury.co.uk/our-story?timeline=1824

[27] ford.co.uk/experience-ford/history-and-heritage

[28] corporate.walmart.com/our-story/our-history

[29] https://www.pwc.com/m1/en/publications/documents/family-business-survey-2019.pdf