ليس مجرد ارتفاع في درجات الحرارة …. صناعة إزالة الكربون من أجل مستقبل مستدام
شهدت الخمسة أعوام الماضية ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة. وبالنظر إلى الوتيرة الحالية، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة عالميا بنحو ثلاث درجات قبل نهاية هذا القرن.[1]
وبحلول ذلك الحين، سيكون الوقت قد تأخر جدا.
يرتبط مصير البيئة والاقتصاد والسكان بما نفعله نحن البشر في الوقت الحالي. فإذا تمكنا من الحد من ارتفاع درجة الحرارة وجعله في حدود 1.5 درجة مئوية، على مدار الثلاثين عامًا القادمة، قد تتجنب البشرية – وأقول “قد” – بعض أسوأ الآثار المترتبة على تغير المناخ.
وتؤكد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن العالم يجب أن يعمل على خفض انبعاثات الكربون بما يعادل 49٪ على الأقل من مستويات عام 2017، ليصبح خاليًا من الكربون بحلول عام 2050 ، وذلك لغرض تلبية الأهداف التي حددتها اتفاقية باريس والتي أشرفت عليها الأمم المتحدة.[2]
واعتبارًا من عام 2019 ، التزمت أكثر من 75 دولة بالوصول إلى انبعاثات كربون صفرية بحلول عام 2050.[3] وتأتي المملكة المتحدة وفرنسا والسويد والنرويج في مقدمة الصفوف فيما يتعلق بسن التشريعات. وتتخذ بعض الدول الأخرى خطوات ايجابية ومبشرة، فهناك – على سبيل المثال – قانون المستقبل النظيف الأمريكي الذي يحدد حلولًا خاصة بقطاعات بعينها وحلولا على مستوى الاقتصاد وتهدف جميعها إلى تحقيق اقتصاد نظيف بنسبة 100٪ بحلول عام 2050.[4]
وقد أوضح فادى جميل، نائب الرئيس و نائب رئيس مجلس الإدارة بشركة عبد اللطيف جميل في أحد مقالاته الأخيرة – الذى صدر ضمن سلسلة سبوتلايت – وتناول “الوصول إلى الصفر”، أن قطاعات الطاقة والمباني والنقل تحرز جميعها تقدمًا ملحوظا فيما يتعلق بالحد من الانبعاثات. لكن مجال الصناعة لا يزال متخلفًا عن الركب. فالصناعة تتسبب في حوالي 28٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، التي يشكل ثاني أكسيد الكربون 90% منها. وقد ارتفعت هذه الانبعاثات بنسبة 69٪ بين عامي 1990 و 2014 ، وذلك مقارنة بـ 23٪ للمباني والطاقة والنقل.[5]
ويعتبر إنتاج الأمونيا والأسمنت والإيثيلين والصلب مسئولاً عما يقرب من نصف الانبعاثات الصناعية. وتشمل القطاعات الأخرى المسئولة عن المعدلات المرتفعة من الانبعاثات قطاعات الأغذية والتبغ؛ الورق واللب والطباعة؛ والمعادن غير الحديدية. ومن المتوقع أن تصبح صناعة البناء أكبر مصدر “للانبعاثات القائمة على الاستهلاك” في أكبر مدن العالم، حيث تمثل ما يقرب من ربع كل تلك الانبعاثات من الآن وحتى عام 2050.
يجب على الصناعة العالمية أن تعمل على إزالة الكربون، وذلك عن طريق الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وخاصة ثاني أكسيد الكربون (CO2) والميثان (CH4) ، وذلك في جميع مراحل سلسلة التوريد. وتؤكد وكالة الطاقة الدولية (IEA) على أهمية اتخاذ إجراءات فورية لتجنب الانبعاثات “المحتبسة” بسبب دورات الاستثمار المطولة في القطاع.[6] ويعنى ذلك أنه يجب على قطاعات الصناعة والطاقة والحكومة التعبئة من الآن لمواءمة الابتكار والحوافز والاستثمار وذلك لغرض دعم مستقبل خالٍ من الكربون .
يقول فادي جميل: “لتحقيق ما يسمى بـ” التخلص العميق من الكربون ” بنجاح على المدى البعيد، علينا أن نكون مستعدين لاتخاذ إجراءات أساسية في الوقت الراهن، والتي من المحتمل أن تكون مؤلمة، ومكلفة، بل ومزعجة، لنماذجنا الاقتصادية والاجتماعية الحالية”.
لن يكون الأمر سهلا. ولكن يمكنننا القيام به.
استبدال الوقود الرخيص … أمر معقد وباهظ التكلفة
تعتمد الصناعات الثقيلة بشكل كبير على الوقود الأحفوري سواءً كمواد أولية أو لعمليات الاحتراق اللازمة لتوليد درجات حرارة مرتفعة للغاية – وكلاهما يسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ويعنى ذلك أن كلاً من الوقود المستخدم والعمليات نفسها يحتاج إلى تغيير. فالصناعات الثقيلة يتعين عليها تصميم أفران تعمل بدرجات حرارة تتراوح بين 700 و 1600 درجة مئوية وتعتمد على كهرباء تخلو تمامًا من الكربون. ونظرًا لتكامل العمليات الصناعية بدرجة كبيرة، فأن تغييرًا واحدًا يطرأ على النظام يؤثر بالتبعية على العمليات الأخرى، بل وعلى المنتج النهائي ايضًا.
فعلى سبيل المثال، قد يكون للفولاذ والأسمنت المنتجان عند انخفاض معدلات الكربون مواصفات مختلفة تتطلب تعديل قوانين البناء[7]. وتعتبر عمليات إعادة البناء والتعديلات التحديثية باهظة الثمن، كما أن تكاليف الإنتاج أعلى. ووفقًا لتقديرات ماكينزي، من المنتظر أن يترتب على إزالة الكربون من الأسمنت والصلب والأمونيا والخرسانة تكلفة تقدر ما بين 11 تريليون دولار أمريكي و 21 تريليون دولار أمريكي حتى عام 2050.[8] وهو أمر قد تترتب عليه بعض المشكلات متى تعلق الأمر ببيع السلع في السوق العالمية.
وفي الوقت نفسه، يتزايد الطلب على الموارد، ويأتى ذلك مدفوعاً بزيادة الطبقة المتوسطة عالميًا التي من المتوقع أن تصل إلى 5.3 مليار شخص بحلول عام 2030[9]. ويعني ذلك أن الصناعة ستضطر إلى زيادة معدلات الإنتاج بشكل كبير، بينما ستحاول في الوقت نفسه خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمعدلات ضخمة مقارنة بما يحدث الآن.
ولعل تحقيق مثل هذا التوافق على المستوى العالمي سيكون معقدًا.
فمنذ العام 2011، استهلكت الصين، والتي تعد أكبر منتج للحديد والأسمنت في العالم، كميات من الفحم تفوق ما تم استخدامه من قبل بقية بلدان العالم مجتمعة[10]. وقد تتردد الدول النامية، والتي تتأثر بشكل غير متناسب بتغير المناخ، في التخلي عن استخدام أنواع الوقود الحفري الأرخص سعراً، بينما تسعى إلى تجاوز الفجوة التي تفصلها عن الدول الأكثر ثراءً، خاصة وأن تلك الدول المتقدمة هي من تسبب في النسبة الأكبرمن ظاهرة الاحتباس الحراري.
استراتيجيات الحد من الانبعاثات الصناعية
على الرغم من كل هذه التحديات، تعتبر عملية إزالة الكربون أمرًا من الممكن تحقيقه من الناحية الفنية – وذلك دون الحاجة إلى أية طفرات أو ابتكارات تكنولوجية. ومن المنتظر أن تختلف الأقاليم والمرافق الفردية من حيث سبل إزالة الكربون. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، نذكر منها: سهولة الوصول إلى الطاقة المتجددة، والمواد الأولية، والبنية التحتية، وإمكانات تخزين الكربون، والطلب على الموارد، وتوافر الحوافز المالية والتنظيمية المناسبة.
كهربة الحرارة
يمكن للصناعات التي تعتمد على درجات حرارة منخفضة ومتوسطة، مثل صناعة البناء وصناعة الغذاء و صناعة المنسوجات والتصنيع، أن تقلل 90٪ من انبعاثاتها عن طريق الكهربة (التحول إلى الكهرباء) اعتمادًا على مصادر الطاقة النظيفة. ومن أجل تحقيق ذلك، ستحتاج تلك الصناعات إلى زيادة امدادات الكهرباء لضعف المستوى الحالى بحلول عام 2050.[11]
لكن التحول إلى الكهرباء يعتبر أصعب في العمليات التي تتطلب حرارة عالية. وترى ماكينزي أن إزالة الكربون من الأمونيا والأسمنت والإيثيلين والصلب قد تتطلب “إمدادًا موثوقًا به ومنخفض التكلفة بحوالي 25 إلى 55 إكساجول من الكهرباء الخالية من الكربون سنويًا – وهو ما يعادل حوالي أربعة إلى تسعة أضعاف الكمية التي يحتاجون إليها في حالة عدم بذل أي جهد خاص للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون “.[12]
تحتاج الصناعة إلى المزيد من الكهرباء المتجددة
يعتبر استمرار الابتكار والاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة جد ضروري لإزالة الكربون من الصناعة. وقد أطلقت شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة، وهى شركة متخصصة في مجال الطاقة المتجددة وتتبع شركة عبد اللطيف جميل للطاقة ، أطقت مؤخرًا أول مشروع للبطاريات المستخدمة على نطاق المرافق، كجزء من خطة الشركة طويلة المدى لتطوير مشروعات تخزين الطاقة على مستوى العالم. ويضم مشروع هولز باي Holes Bay في المملكة المتحدة أحد أكبر أنظمة تخزين البطاريات في جنوب إنجلترا. ومن المنتظر أن يقوم بنشر نظامًا من بطاريات ايونات الليثيوم ، بسعة مجمعة تبلغ 15 ميجاوات في الساعة، وهو ما يوفر القدرة على تخزين الطاقة فضلاً عن زيادة مرونة الشبكة.
مصادر الطاقة والمواد الأولية منخفضة الكربون
يجب أن تستبدل الصناعة الوقود الأحفوري بمصادر طاقة ومواد أولية منخفضة الكربون، وأن تتجه تحديداً إلى استخدام الكهرباء المتجددة الخالية من الكربون. كما يتعين عليها استخدام الكتلة الحيوية المنتجة بشكل مستدام والهيدروجين كمواد أولية أو كوقود.
و عندما تصبح تكلفة الكهرباء المتجددة الخالية من الكربون 50 دولارًا أمريكيًا لكل ميجاواط / ساعة كحد أقصى، بالنظر إلى أسعار السلع الحالية، فإن استخدام الكهرباء لإنتاج الحرارة أو الهيدروجين سيكون أكثر توفيرًا من حيث التكاليف مقارنة باستخلاص أو حجزالكربون وتخزينه (CCS) في الكثير من الحالات.
وقد تحقق ذلك بالفعل في بعض الأماكن ومن المحتمل أن ينتشر على نطاق واسع.[13]
ويصعب التخلص من حوالي 30٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة الناجمة عن الصناعات من خلال الكهرباء وحدها. ويرجع ذلك في الغالب إلى درجات الحرارة المرتفعة[14]. وهنا يبرز دور الهيدروجين والكتلة الحيوية. فوفقًا لتقديرات مجلس الهيدروجين، يمكن للهيدروجين أن يحل محل ما يصل إلى 18٪ من استهلاك الطاقة النهائي بحلول عام 2050. ومن المنتظر أن يلعب الهيدروجين دورًا رئيسًا كمادة أولية أو كمصدر للطاقة، لا سيما في صناعة الصلب والصناعات الكيماوية. ولعل مبادرةHybrit ، التي تدعمها كل من السويد وفنلندا، في طريقها لإنتاج فولاذ منخفض الكربون اعتمادًا على الهيدروجين بحلول عام 2035. ويفضل إنتاج الهيدروجين بكهرباء خالية من الكربون، على الرغم من أن “الهيدروجين الأزرق”، والمصنع باستخدام الغازات الطبيعية، سيكون مجديًا ايضا إذا ما كان مقترنا باحتجاز الكربون.
وتعد الكتلة الحيوية المستدامة، مثل الخشب والفحم النباتى والديزل الحيوي، ذات جدوى تقنية ومالية لا يمكن انكارها بالنسبة لمرافق الأسمنت والصلب التي تم بنائها حديثًا. كما أنه يمكن لها أن تحل محل المواد الأولية للوقود الأحفوري فيما يتعلق بإنتاج الإيثيلين والأمونيا. ففي البرازيل، على سبيل المثال، يستخدم منتجو الصلب الفحم النباتي كوقود وكمواد أولية، كما يقوم العديد من منتجي المواد الكيميائية الأوروبيين بتجربة النفتا الحيوية[15].
إزالة الكربون وتخزينه
يمكن إزالة الكربون من الغازات التي تنتج عن العمليات الصناعية وتخزينه تحت سطح الأرض(CCS) ، أو يمكن استخدامه كمادة خام/ مادة أولية من خلال عملية استخلاص/ إزالة الكربون وتطبيقاته (CCU). ويمكن استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن هذه العمليات في صناعة الأسمدة والمشروبات الغازية والأدوية، وكذا في عمليات معالجة المياه. كما يدخل غاز ثانى أكسيد الكربون في صناعات أخرى، نذكر منها توليد الطاقة. كما يمكن تحويله إلى بوليمرات أو كربونات، ويستخدم أيضًا في معالجة الخرسانة وكربنة المعادن. ويبحث العلماء أيضًا إمكانية تحويل غاز ثانى أكسيد الكربون إلى وقود لوسائل النقل والمواصلات.[16]
وحيثما يتوافر التخزين، تعتبر عملية إزالة الكربون من الغازات التي تنتج عن العمليات الصناعية وتخزينه تحت سطح الأرض (CCS) الخيار الأقل تكلفة بالنظر إلى اسعار السلع الحالية، والتكنولوجيا الوحيدة التي يمكنها القضاء نهائيًا على الانبعاثات الناتجة عن صناعة الاسمنت[17]. وعلى الرغم من ذلك، تظل هذه التقنية باهظة الثمن وتعتمد على الدعم الحكومى والتنظيمي. ومن المنتظر أن يسهم خفض سعر الكهرباء في دفع العالم نحو التحول إلى الكهرباء والاعتماد على عملية إزالة الكربون عن طريق الهيدروجين.
مواد وعمليات أكثر ذكاءً… وأكثر استدامة
يؤدي استخدام المواد والعمليات الأكثر كفاءة إلى دعم التوجه نحو إزالة الكربون، فضلاً عن توفير الوقت والمال. فيستبدل الفولاذ (أو حتى الألومنيوم) في السيارات بألياف الكربون، كما يتم استخدام المزيد من الاخشاب بدلاً من الفولاذ والخرسانة في مجال التشييد. وتحمل المواد الذكية، التي تشمل الخرسانة البديلة، والمحفزات الكيميائية الحديثة، والفولاذ منخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري[18]، بين طياتها بشارات الخير. فعلى سبيل المثال، تستخدم شركة بوسطن ميتال، التي يقع مقرها في ماساتشوستس، بالفعل عملية صناعة الصلب التي بها تنتهي الحاجة إلى استخدام الفحم كمادة أولية أو كمادة وسيطة.[19]
ويمكن الجمع بين هذه المنتجات في عمليات ابتكارية تستخدم طاقة ومواد أقل. ويؤدي ما يسمى بـ “خفة الوزن” إلى زيادة الكفاءة في كل شيء بدءًا من الطائرات ووصولا للهواتف الذكية.
ويقلل التصنيع المضاف من وقت التسليم والتكلفة والهدر. كما تعمل الميكنة (التحول إلى الآلية) والتحليلات على تحسين الإنتاجية. وحتى التحسينات البسيطة في التصاميم يمكن أن يكون لها تأثير كبير. فعلى سبيل المثال، اسهمت تقنيات الوصلات البينية في الحد من استخدام الطاقة في مصنع سجاد هولندي، وذلك عن طريق استخدام أنابيب واسعة وقصيرة ومستقيمة، لغرض تقليل الاحتكاك والسماح باستخدام المضخات والمحركات الأصغر حجمًا.[20] وتشير التقديرات إلى أن صناعة البناء يمكنها أن تخفض الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 29٪ و 44٪ من خلال استخدام سبل أكثر استدامة،[21] ويشمل ذلك الاستفادة من الصبات وأشكال البناء المنحنية من أجل تقليل كمية الخرسانة المستخدمة في المباني.
ويعتبر دمج العمليات المختلفة، وخاصة توليد واستخدام الحرارة، من السبل الفعالة للغاية لتقليل الطاقة والانبعاثات، ويمكن أن يكون لذلك مردود كبير. ويرى باحثون من معهد روكي ماونتن في الولايات المتحدة أن إعادة تصميم النظام بالكامل في مشاريع صناعية متنوعة تقدر قيمتها بحوالي 40 مليار دولار أمريكي، قد وفرت ما يصل إلى 60٪ من الطاقة المستخدمة في الاصلاحات/التعديلات، كما اسهمت في توفير حوالي 90٪ من الطاقة المستخدمة في المرافق التي تم بناؤها حديثًا.[22]
ويمكن تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري لصنع منتجات طويلة الأمد يسهل إعادة استخدامها وتجديدها وإعادة تدويرها. فعلى سبيل المثال، تتطلب إعادة استخدام الفولاذ فقط ربع الطاقة اللازمة لتصنيع فولاذ جديد، وبحلول عام 2050، سيتم استبدال ما يقرب من 60٪ من البلاستيك بمواد معاد تدويرها.[23] وتقوم شركة كاربون كيور الكندية بالفعل بخلط ثاني أكسيد الكربون المعاد تدويره مع الأسمنت من أجل الحد من انبعاثات الكربون.[24]
وأخيرًا، يمكن أن يؤدي تغيير أنماط الاستهلاك بواسطة التكنولوجيا الحديثة، إلى تقليل الطلب على المواد. فعلى سبيل المثال، يمكن لنماذج التنقل الجديدة أن تقلل الحاجة إلى الطرق، وبالتالي إلى الأسمنت. من ناحية أخرى، يمكن للزراعة الدقيقة أن تقلل من استخدام الأمونيا في صناعة الأسمدة.
مشاركة التكاليف
قد تبدو الأرقام صادمة، لكن تكلفة صناعة إزالة الكربون لا تتجاوز 0.5٪ إلى 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وذلك وفقًا لمعهد ستوكهولم للبيئة (SEI)[25]. ويكمن التحدي في كيفية توزيع المخاطر بين المستثمرين من القطاعين العام والخاص.
وتؤكد زيادة الاستثمارات في الحوكمة البيئية والمجتمعية، والتي تقوم بتقييم أثرالاستثمارات على الأداء البيئي والمجتمعي وآداء الحوكمة، بالاضافة إلي العوامل المالية، تؤكد أن الاستدامة يمكن أن تدر أرباحًا. وعلى الرغم من الاضطرابات التي ضربت الاسواق، من المتوقع أن يكون عام 2020 عامًا قياسيًا فيما يتعلق بالاستثمار في الحوكمة البيئية والمجتمعية. حيث بلغت التدفقات الداخلة في الربع الأول من عام 2020 أكثر من نصف الرقم القياسي الذي تم ضخه في الصناديق المستدامة في عام 2019 والذي بلغ 21.4 مليار دولار.[26]
ويؤكد المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (دي أي دبليو برلين DIW Berlin) أن التمويل “لا غنى عنه” حيثما ينتظر من التكنولوجيا أن تحقق القدرة التنافسية في الأسوق: “يعد التمويل الأخضر، الذي يأتي في شكل سندات أو منح أو قروض أو تمويل قائم على النتائج أو أي شكل آخر، أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لثلاث نقاط: البحث والتطوير وقابلية التوسع والقدرة على تحمل التكاليف “.[27]
ويمكن للشركات الخاصة – مثل شركة عبد اللطيف جميل – أن تلعب دورًا وتمد يد العون فيما يتعلق بتحفيز الاستثمار التجاري والحكومي على حد سواء في حلول صناعة إزالة الكربون ومواجهة تغير المناخ. حيث تساعد منظمات مثل وكالة الفرص النظيفة والمتجددة والبيئية (وكالة كريو CREO Syndicate) بالفعل في تغيير المواقف واستكشاف فرص الاستثمار الخاص عبر سوق الحوكمة البيئية والمجتمعية العالمي.
وجديرا بالذكر أن مستثمري القطاع الخاص لا يمكنهم القيام بذلك بمفردهم. فالحلول الواعدة – والتي لم يتم اثبات فعاليتها بعد – قد تنطوى على العديد من المخاطر. كما أن غياب حظر الوقود الأحفوري وارتفاع أسعار الكربون يعيق عمليات ضخ المزيد من المال. وتسهم زيادة الثقة والتوجيهات الواضحة في زيادة الاستثمارات. ويتعين على الحكومات توفير الدعم والتنظيم والتنسيق لصناعة إزالة الكربون، بالطريقة نفسها التي دعمت بها خفض تكلفة الطاقة المتجددة وتوسيع نطاقها.
ويمكن للمؤسسات الحكومية والعامة تعزيز الشراكة بين الصناعة والأعمال والمستثمرين والباحثين، وذلك من أجل دعم الابتكار وتوفيرالإعفاءات الضريبية والمنح الخاصة بالأبحاث. وسوف تحتاج هذه المؤسسات أيضًا إلى لعب دور أكبر في المراحل التالية من التطوير، مثل تمويل المشاريع التجريبية وإطلاق الحلول الخالية من الكربون، ووضع معايير الشراء للتخفيف من المخاطر التي يتعرض لها الأوائل.[28]
وفي المملكة المتحدة، يدعو معهد جرانثام لأبحاث تغير المناخ والبيئة بكلية لندن للاقتصاد (LSE) إلى إنشاء “بنك وطني للبنية التحتية، يكون الهدف منه ضمان الشفافية والمصداقية فيما يتعلق بتمويل البنية التحتية المستدامة. ويمكن لهذه المؤسسة مواءمة التوقعات بشأن مسار النمو المستقبلي وتجنب تعثر المسار، حيث تستثمر المملكة المتحدة في كل من التقنيات عالية الكربون غير الفعالة والبنية التحتية المستدامة. “[29]
ويقدم تقرير صادر عن المعهد[30] مقترحا بأنه يمكن استخدام السياسة المالية من أجل جعل الأسواق أكثر جاذبية لتوليد وتوزيع الطاقة المتجددة، وأن يسير ذلك جنبًا إلى جنب مع الحوافز المباشرة التى تهدف إلى الترويج للمنتجات منخفضة الكربون ومنشآت إزالة الكربون. من ناحية أخرى، يمكن للسياسات أيضًا أن تشجع استخدام الكتلة الحيوية المستدامة وإعادة استخدام الفولاذ وإعادة تدوير البلاستيك. ويمكن الجمع بين الحوافز ومعايير أكثر صرامة فيما يتعلق بكفاءة الطاقة والانبعاثات، وعمليات التدقيق في استهلاك الطاقة، وجمع البيانات ومتطلبات الإفصاح. وتمثل التدابير الأكثر قوة خيارا آخر. وقد تم استخدام الاغلاق الإلزامي للمنشآت ذات معدلات الانبعاثات الأعلى ، وخاصة المنشآت التي تعمل بالفحم، من الولايات المتحدة إلى الصين.
ويُعد تسعير الكربون بمثابة إحدى الأدوات المالية الرئيسة التي يتم طرحها في كثير من الأحيان. ويتمثل الهدف من ذلك في الاستفادة من القدرات الابتكارية والإمكانات الاقتصادية للشركات الصناعية في إيجاد وسيلتها الخاصة من أجل خفض الانبعاثات. كما أنه يدر دخلاً، وهو ما يؤدي إلى دعم المزيد من اجراءات إزالة الكربون أو السياسات الاجتماعية. ويكون تسعير الكربون أكثر فاعلية إذا ما اشتمل على تعديلات الحدود التى تهدف إلى خفض “التسريب” الذي يحدث عندما تختفى انبعاثات الكربون خارجيًا في سلسلة التوريد.
ولقد أظهرت ضرائب الكربون بالفعل بعض النجاح في قطاعي الطاقة والنقل. وتوجد أعلى ضريبة كربون في العالم في السويد، ويتم تطبيقها في المقام الأول علي التدفئة ووقود السيارات. وقد أثبتت هذه الضريبة إمكانية الفصل بين إزالة الكربون والناتج المحلي الإجمالي وذلك مع التوسع في استخدام أنواع الوقود الأكثر استدامة. وبعد تطبيق ضريبة الكربون، زاد معدل استخدام طاقة الكتلة الحيوية في السويد من 25٪ في عام 1990 ليصل إلى ما يقرب من 70٪ في عام 2012.[31]
لتأخذ نفسا عميقًا
من المنتظر أن تتطلب صناعة إزالة الكربون التزامًا عالميًا واستثمارات هائلة. ولا شك أن البدائل ستكون أكثر تكلفة. ويتعين على الشركات الصناعية أن تلعب دور محوريًا من خلال مراجعة منشآتها، وذلك لغرض تحديد المزيج الأمثل من التقنيات والمواد الأولية، وفقا لمدى توافر الكهرباء منخفضة التكلفة، والهيدروجين، والكتلة الحيوية، والقدرة على تخزين الكربون محليًا.
ويمكن للشركات، بما في ذلك شركات البناء والتصنيع، إعادة تصميم عملياتها بما يجعلها تستخدم مواد أقل وأكثر كفاءة مع زيادة عمليات إعادة الاستخدام وإعادة التدوير.
من ناحية أخرى، يمكن للمستثمرين – سواءً من القطاع العام أو القطاع الخاص – تطوير المزيد من الآليات لدعم المبتكرين وأوائل من يتحركون في هذا الصدد. والأهم من ذلك، يجب على الحكومات تقديم حوافز مالية لتطوير وتنفيذ تقنيات واعدة لإزالة الكربون، مع توسيع الدعم للطاقة المتجددة.
وقال فادى جميل:
” أمامنا اليوم العديد من الخيارات. ومن المنتظر أن تؤثر اختياراتنا على قدراتنا على الاقتراب من نظام طاقة خال من الانبعاثات بحلول عام 2050. قد تكون بعض خياراتنا غير قابل للتطبيق اقتصاديًا – أو سياسيًا – في الوقت الحالي، لكن الخيارات الصحيحة تساعد في نهاية المطاف في دفع عجلة الاقتصاد وحماية البيئة والمحافظة علي مجتمعاتنا في المستقبل”.
[1] https://news.un.org/en/story/2019/11/1052171
[2] https://www.nature.com/articles/d41586-018-06876-2
[3] https://www.un.org/sg/en/content/sg/statement/2019-09-23/secretary-generals-remarks-closing-of-climate-action-summit-delivered
[5] Decarbonization of industrial sectors: the next frontier, McKinsey, June 2018
[6] https://www.iea.org/reports/clean-energy-innovation
[7] http://blogs.edf.org/markets/2020/07/10/why-decarbonizing-heavy-industry-is-difficult-but-also-possible/
[8] Decarbonization of industrial sectors: the next frontier, McKinsey, June 2018
[9] https://ec.europa.eu/knowledge4policy/growing-consumerism_en
[10] https://chinapower.csis.org/energy-footprint/#:~:text=From%201990%20to%202018%2C%20China,the%20largest%20consumer%20of%20coal
[11] Reimagining industrial operations, McKinsey, May 2020
[12] How industry can move toward a low-carbon future, McKinsey, July 2018
[13] How industry can move toward a low-carbon future, McKinsey, July 2018
[14] Climate mate: What a 1.5 degree pathway would take, McKinsey, April 2020
[15] Decarbonization of industrial sectors: the next frontier, McKinsey, June 2018
[16] Five keys to unlock CCS investment, International Energy Agency, 2017
[17] How industry can move toward a low-carbon future, McKinsey, July 2018
[18] https://www.responsiblesteel.org/
[19] https://www.bostonmetal.com/
[20] https://www.greenbiz.com/article/heres-how-decarbonize-industry-and-fight-climate-change
[21] https://www.c40.org/networks/clean-construction-forum
[22] How big is the energy efficiency resource?, A.B. Lovins, Environ Res Lett, 2018
[23] https://www.mckinsey.com/business-functions/sustainability/our-insights/climate-math-what-a-1-point-5-degree-pathway-would-take
[24] https://www.carboncure.com/
[25] https://www.sei.org/perspectives/a-public-private-path-to-decarbonising-industry/
[26] https://www.cnbc.com/2020/06/07/sustainable-investing-is-set-to-surge-in-the-wake-of-the-coronavirus-pandemic.html
[27] Finance mechanisms for accelerating industry decarbonization, DIW Berlin, January 2020
[28] http://blogs.edf.org/markets/2020/07/10/why-decarbonizing-heavy-industry-is-difficult-but-also-possible/
[29] Decarbonization of the UK economy and green finance, Grantham Research Institute on Climate Change and the Environment, September 2019
[30] Decarbonization of the UK economy and green finance, Grantham Research Institute on Climate Change and the Environment, September 2019
[31] The Carbon Tax in Sweden – IER (instituteforenergyresearch.org)