التناغم مع انغام الطبيعة
دفعتني العديد من رحلات العمل التي قمت بها هذا العام إلى التفكير في أنماط الطبيعة دائمة التغير، ومدى تفاعلنا مع ما يصلنا منها من رسائل. فمع مرور الوقت، لم يعد الإنسان بحاجة إلى الاطلاع على بيانات علمية كي يفسر دلائلاً تراها أعيننا، وتستشعر بها أبداننا. فقد أصبحت درجات الحرارة المتزايدة والفصول غير المتوقعة أمورا واضحة حتى لغير المتخصص.
ولأننا نحن البشر نؤمن بأننا أسياد هذا الكوكب والمستفيد الأكبر من خيراته، فإننا نعتقد، في بعض الأحيان، أننا في منأى عما يعاني منه النظام البيئي الذي نحيا فيه. هل الجو حار؟ لا مشكلة … لنشغل مكيف الهواء؛ هل خزانة المطبخ خالية؟ لا مشكلة … اذهب إلى المتجر وتبضع؛ هل انقطعت المياه في البيت؟ لا مشكلة … لنشتري قوارير مياه بلاستيكية كبيرة.
وهنا نطرح سؤالاً … هل تستطيع حكمتنا البشرية وما نملك من قوة تكنولوجية هائلة أن تحمينا كي لا نقع تحت رحمة أي ضغوطات خارجية ونبقى متحكمين كلياً في مصائرنا؟
تبقى الحقيقة بسيطة ومقلقة في الوقت ذاته. فقد يكون مجتمعنا على درجة كبيرة من التعقيد والتطور، يمضي مدعوماً بتقنيات لم يحلم بها أسلافنا قط. لكن الإنسان يظل مكوناً واحداً هشاً في نظام بيئي معقد ومترابط، ويظل يخضع لتأثيرات قوى الطبيعة الساحقة مثله كمثل أكثر الحشرات ضعفاً أو أصغر النباتات أو الكائنات وحيدة الخلية والتي تقع عند قاعدة سلسلة الغذاء العالمية – وتظل متشبثة بها.
إننا إذا تسببنا من خلال أفعالنا – أو تخاذلنا – في ضعف خيط واحد من شبكة الطبيعة الواهنة أو تدميره، فإننا نخاطر بإطلاق سلسلة لا يمكن السيطرة عليها من التغيرات التي يمكن أن تبتلعنا حرفياً وتدمر أسلوب حياتنا وتقضي على الحضارة الراقية التي طورناها على مدار آلاف السنين.
ويطلق على الفكرة التي تقول بأن أي تغيير بسيط في جزء واحد من أي نظام مترابط قد يؤدي إلى تغيرات أكبر في مكان آخر داخل النظام نفسه “تأثير الفراشة” (ويعتبر ذلك الآن جزءاً من المجال الرياضي لـ “نظرية الفوضى”). وتقوم الفكرة بشكل أساسي على عمل عالم الرياضيات والأرصاد الجوية إدوارد نورتون لورينز.
أعطى لورينز مثالاً مجازياً عن تأثر حجم إعصار ومدته ومساره بتغيير طفيف مثل خفقان بعيد لأجنحة فراشة قبل عدة أسابيع.
ولا يتطلب الأمر عالم رياضيات أو عالم أرصاد جوية كي نرى التغييرات الصغيرة التي تحدث في كل مكان حولنا نتيجة لتغير المناخ الذي تسبب فيه الإنسان… تلك التغييرات الصغيرة التي تتداخل مع أنماط دورة حياة الأنواع النباتية والحيوانية وتعطلها؛ وتعد نذيرا لتغيرات أكبر بكثير قادمة إذا لم نتخذ إجراءات إيجابية.
لكننا لم نخسر المعركة بعد. فبإقررنا بتأثير ثقافتنا الصناعية/ الاستهلاكية الشرهة، فإننا نقبل تحمل المسؤولية وندعو أنفسنا إلى البدء في مواجهة عملية تخريب الكوكب الذي يمثل دليلا صارخا على إيذاء الفرد لنفسه.
علم الفينولوجيا يفضح العبث البشري
التغير المناخي… مصطلح فقد قوته وتأثيره مع كثرة التداول. ولكن ماذا يعني تغير المناح بالنسبة لحياتنا اليومية؟
يعني ذلك أن درجة حرارة سطح الأرض قد أرتفعت في عام 2021 عن متوسط درجة حرارة القرن العشرين بحوالي 0.84 درجة مئوية، كما ارتفعت بحوالي 1.04 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية. وتحتل السنوات التسع الواقعة بين 2013 و2021 مراكزاً بين السنوات العشر التي سجلت درجات الحرارة الأعلى على الإطلاق[1]. و بدون إتخاذ التدابير اللازمة من المنتظر أن تصبح الصورة أكثر قتامة. فالنشاط البشري يطلق حالياً حوالي 11 مليار طن متري من الكربون في الغلاف الجوي سنوياً. وحتى إذا حدث انخفاض سريع بحلول العام 2050، فهذا لن يمنع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 2.4 درجة أو أكثر خلال هذا القرن.
درجة حرارة سطح الأرض السنوية مقارنة بمتوسط القرن العشرين 1880-2021. تشير الأعمدة الزرقاء إلى السنوات الأكثر برودة مقارنة بالمتوسط؛ بينما تشير الأعمدة الحمراء إلى السنوات الأكثر دفئاً مقارنة بالمتوسط. حقوق الصورة: © NOAA Climate.gov graph ، استناداً إلى بيانات من المراكز الوطنية للمعلومات البيئية.
أعد صياغة هذا الشكل هذا الرسم البياني بأسلوب عبد اللطيف جميل، مع وضع الشرح أسفله.
قد لا تبدو هذه الأرقام هائلة أو ذات دلالة في ظاهرها، لكن الأرض قد انتبهت، وراحت نباتاتها وحيواناتها تتخذ ردود فعل ملحوظة. وتعد الفينولوجيا – أو دراسة الأحداث البيولوجية – العلم الذي يعني بذلك، فهي تعكف على دراسة الحياة النباتية والحيوانية في سياقات الظواهر الطبيعية الدورية.
وقد أظهرت إحدى الدراسات الحديثة أن ثلاثة أرباع أنواع النحل الطنان في أمريكا الشمالية أصبح يستيقظ من سباته الشتويّ قبل موعده بحوالي 35 يوماً مقارنة بالسنوات الماضية – أي قبل أن تتفتح الزهور التي يعتمد عليها في غذائه.[2]
وبشكل عام، أكدت الدراسات أن الحشرات، والتي تمثل أساس السلسلة الغذائية، تعد الأكثر عرضة للتأثر بالتغيرات المناخية مقارنة بالكائنات الأخرى. فالمناخ يمثل كل شيء في عالم الحشرات الصغير والمجهول. وتؤكد إحدى الدراسات أنه بحلول عام 2100، سنفقد حوالي ثلثي موائل الحشرات إذا ارتفعت درجات الحرارة بمقداردرجتين مئويتين، بدلاً من 1.5 درجة – وهو ما يوضح أن الحشرات تعد أكثر عرضة للتأثر بتغيرات المناخ مقارنة بالنباتات والفقاريات.[3]
و لا تقتصر المعاناة على الحشرات وحسب. ففي 9 أغسطس 2022، وصلت درجة حرارة سطح البحر عند ميناء فالنسيا إلى 29.72 درجة – وهو ما يعني أن درجة الحرارة قد أرتفعت بأكثر من درجة مقارنة بما تم تسجيله في عام 2015. وقد نتج عن ذلك إنخفاض قاعدية مياه البحر وزيادة الحموضة وهو ما أعاق تكوين الهياكل العظمية والأصداف المكونة من الكالسيوم، والتي تعد جزءاً لا غنى عنه من الحياة البحرية.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن مثل هذا الحديث عن التغيرات التي طرأت على إيقاع الطبيعة قد يبدو غير ذو أهمية. أليس كذلك؟ فالنحل والأسماك. . . ليست بشر، أليس كذلك؟ كلام لا يعتريه شك … باستثناء أننا نعتمد على النحل لتلقيح محاصيلنا الزراعية. وقد أشارت الدراسات إلى احتمالية تراجع حجم المحاصيل بنسبة 8٪ في البلدان ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط إذا ما اختفت الحشرات التي تعتمد عليها عملية االتلقيح.[4]
وبالإضافة إلى مشكلة الأسماك والقشريات التي أصبحت غير قادرة على النمو أو التكاثر بالشكل الطبيعي – بل وأصبحت أكثرعرضة لأن تقضي عليها الأنواع الشرسة – يعتمد مليارات الأشخاص حول العالم على الأسماك كمصدر أساسي للبروتين. على الرغم من ذلك، تضاعفت معدلات الصيد الجائر ثلاث مرات على مدار الخمسين عاماً الماضية، وهو ما جعل ثلث مصايد الأسماك “تخرج عن حدودها البيولوجية”.[5]
قم بإزالة أحد دعائم النظام البيئي وستراه يتأرجح أمام عينيك. بهذه الحقيقة اكتسب علم الفينولوجيا أهميته في المجتمعات العلمية والبيئية على حد سواء.
الأدلة تمتد عبر القارات و تظهر في كائنات مختلفة
عادة ما تعتمد النباتات والحيوانات، التي تحيا على اليابسة، على طول فترة النهار (فترة الضوء) ودرجة الحرارة كي تدخل إلى المرحلة التالية من دورة حياتها، بينما تقوم الأسماك برصد وقت هطول الأمطار الموسمية في الأنهار، وتعتمد على ذلك في تحديد موعد هجراتها. وقد تحتاج الأنواع الأخرى – مثل الصنوبر- إلى النيران من أجل تحفيز إطلاق البذور والإنبات.
ولكن العلاقات قد تكون أكثر تعقيداً مما تبدو: فالأنواع التي تعتمد على بعضها البعض قد تتعرض لعوامل غير طبيعية تمنعها من الانتقال إلى المرحلة التالية من دورتها الحياتية الطبيعية.
ويؤكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) في تقرير الحدود لعام 2022: الضوضاء وحرائق الغابات وأوجه التباين إلى أنه “في سلاسل الغذاء، قد تغير النباتات من نمط نموها وتطورها بسرعة أكبر مقارنة بالحيوانات التي تتغذى عليها، مما يؤدي إلى تباين أو خلل فينولوجي“. ويتمخض عن ذلك اختلال التوازن بين المفترس والفريسة، ناهيك عن العواقب الحتمية فيما يتعلق بالتكاثر والنمو والبقاء[6].
إننا أوصياء على هذا الكوكب، وإذا تعارضت أفعالنا كبشر مع الأطر والمحفزات الموجودة فيه منذ بدء الخليقة، فإن ذلك سيؤدي بلا شك إلى خلل في توازن الطبيعة: فنرى مواسم التكاثر تبدأ قبل أوانها، وتتراجع المحاصيل، وتتزايد أعداد الأنواع التي تتجه نحو الانقراض. وفي عالم يتزايد فيه عدد السكان باستمرار (والذي قد يصل إلى 9.7 مليار في عام 2050 و11.2 مليار بحلول عام 2100)[7]، ترتفع معدلات الجوع.
ويشير تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى العديد من الأدلة التي تعكس التباين الفينولوجي الذي نراه في جميع أنحاء العالم، بدء من المملكة المتحدة وحتى جبال الألب الأوروبية ونصف الكرة الجنوبي. وتتضح هذه الأدلة جلية في البيئات البرية والبحرية على حد سواء. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك:
- فبعد ارتفاع درجات حرارة البحر بمعدل درجتين مئويتين، بدأت الحيتان الزرقاء في شمال شرق المحيط الهادئ تتجمع في المناطق التي تجد فيها غذائها قبل موعدها بـ 42 يوماً مقارنة بالعقد الماضي.
- وفي القطب الشمالي، تراجع عدد مواليد حيوان الرنة بمعدل 75٪، ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى ذوبان الجليد الذي يؤدي إلى تراجع نمو النباتات قبل موسم الولادة.
- وفي أمريكا الشمالية، أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت على الفراشة الملكية (فراشة مونارش( على مدار ثلاثة عقود أن موعد الهجرة الشتوية للفراشة من كندا إلى المكسيك قد تأجل ستة أيام بسبب تراجع درجات الحرارة.
- وفي شمال سيبيريا، تقلص حجم طيور العقدة الحمراء الساحلية جيلاً بعد جيل، ويرجع ذلك إلى الذوبان المبكر للثلوج (والذي يحدث في كل عام قبل موعده بنصف يوم مقارنة بالعام الذي يسبقه)، وهو ما يعني أن صغار تلك الطيور لن تتمكن من اللحاق بذروة موسم الحشرات.
- كما وجد بعض الباحثين الذين عكفوا على دراسة سجلات النباتات أن وقت إزهار النباتات ظل يحدث قبل موعده بأربعة إلى خمسة أيام في أمريكا الشمالية على مدار الـ 120 عاماً الماضية – وقد يصل الأمر إلى 15 يوماً على الهضاب الأقل ارتفاعاً.
وقد أظهرت دراسة واحدة أن أكثر من 200 نوع من الكائنات شهدت حدوث “مراحل حياتها” قبل موعدها بمعدل 2.8 يوم على الأقل في العقد الواحد.[8]
وبشكل عام، من المنتظر أن يسهم الاحتباس الحراري في تعميق الهوة الفينولوجية التي تقع بين النظم البيئية. فالأنواع التي تعتمد على أكثر من نظام بيئي في دورة حياتها ستتأثر على الفور. فإذا نظرنا إلى الطيور التي تعتمد على البيئة المائية و البيئة البرية معا أو الأسماك التي تهاجر بين المياه العذبة والنظم الإيكولوجية البحرية – نرى على الفور هذا النوع من التباين الذي حذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة منه والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى “خلل واسع النطاق في شبكة الغذاء “.
ويبدو أن الحياة النباتية تتأثر بشدة هي الأخرى بالعوامل المناخية، وهو ما يجعلنا نقلق بشأن جودة المحاصيل والغلات. وبالفعل تم رصد تغيرات فينولوجية فيما يتعلق بالحبوب والقمح وكذا أشجار الفاكهة مثل الكمثرى والتفاح.
من ناحية أخرى، لا يمكننا أن نعتمد على التطور الطبيعي لغرض مواكبة ما يحدث لأن خيار الطبيعة دائماً ما يستغرق وقتاً طويلاً. وحتى حالات “التطور الدقيقة” التي نراها في بعض الطيور والحشرات، والتي تعد سريعة نسبياً، من المنتظرأن تقف عاجزة امام الاحترار العالمي الذي قد يحدث بوتيرة تفوق ما كان عليه في الفترات السابقة بـ 100 مرة.
لعل هذه هي الحقائق التي ستدفعنا نحن البشر إلى التوقف والانتباه إلى ما يحدث حولنا. فنحن لا نعيش في منأى عن المحيط الحيوي – بل إننا جزء منه – ونعتمد عليه من أجل البقاء.
فإذا ماتت الحيوانات جوعاً، وتأثرت الحياة البحرية، وقلت المحاصيل، فإننا في النهاية سنتضور جوعاً، ونتأثر، ونفشل. لذلك، بات لزاماً علينا أن ننتبه إلى جرس الإنذار المبكر الذي أطلقته الطبيعة.
الطبيعة تئن وعلينا أن نتحرك
ليس من الممكن أن نرى النباتات والحيوانات من حولنا تخسر معركتها من أجل البقاء دون أن نحرك ساكناً. فما يحدث يعني أننا حتماً سنفقد مستوى معيشتنا. ولكن هناك أشياء يمكننا القيام بها لمواجهة التحديات التي ترتبط بتغير ايقاع الطبيعة بسرعة. لننظر إليها باعتبارها الأساسيات الخمس لعلم الفينولوجيا:
- يجب أن نساعد المزارعين، لا سيما في الدول النامية، كي يبادروا إلى تبني تقنيات أكثر استدامة، ويشمل ذلك استخدام الأسمدة العضوية وتطبيق أساليب أفضل لتربية الماشية.
- لابد من تبنى فكرة تقنيات البذور الجديدة والأصناف المقاومة للمناخ، مع توفير خدمات دعم أقوى لتلك الصناعة التي تتمثل مهمتها في إطعام العالم.
- يجب أن نتأكد من تحديث السجلات الخاصة بأنماط الهجرة ودورات الحصاد، حتى يتسنى للصناعات التي تقوم على الزراعة وصيد الاسماك تكييف استراتيجياتها الموسمية.
- يجب علينا إعادة تأهيل الموائل وحماية ممرات الحياة البرية لغرض تعزيز التنوع الجيني وتعزيز قدرة النظام الإيكولوجي على الصمود.
- قبل كل شيء، يجب أن نعالج وبقوة السبب الكامن وراء التحولات والتغيرات الفينولوجية – ونعني هنا تغير المناخ وما يترتب عليه من ارتفاع درجة حرارة الأرض.
لقد أصبح علم الفينولوجيا الآن مؤشراً رئيسياً لتغير المناخ[9].
وأصبح لزاماً على القطاعين العام والخاص حشد الجهود من أجل مواجهة هذا التحدي غير المسبوق: وبينما يسعى القطاع العام إلى تحقيق ذلك من خلال تخطيط البنية التحتية للطاقة والأطر التشريعية؛ يتحرك القطاع الخاص من خلال موارده المالية الهائلة والاستثمارات التكنولوجية المستهدفة.
وبالتعاون نحرز التقدم …
لا شك أن الاحتباس الحراري، والذي تمثل التغيرات الفينولوجية أحد مظاهره، يعد كارثة حقيقية تستلزم تحرك جميع قطاعات المجتمع – بدءاً من الهيئات الحكومية العليا والشركات الكبرى وحتى المشروعات المجتمعية العامة.
وقد بدأنا بالفعل نرى اتحادات للرؤى والتوجهات. فأهمية مراقبة إيقاعات الطبيعة المتقلبة تتضح جلية عندما ننظر إلى مجموعات علم الفينولوجيا العالمية والإقليمية والوطنية[10].
ويراقب برنامج الرصد الفينولوجي العالمي النشاط الفينولوجي من الدائرة القطبية الشمالية وحتى المناطق الاستوائية الجنوبية. وبالمثل، تشرك شبكة الفينولوجيا الأفريقية علماء البيئة وعلماء الأرصاد الجوية في دراسة الدورات البيولوجية مثل ظهور الفاكهة والإزهار. وهناك أيضا شبكة التغيير البيئي في المملكة المتحدة، والشبكة الوطنية للفينولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، اللتان لا تهتمان بجودة الهواء والتربة والماء وحسب، ولكن أيضاً بالنشاط النباتي والحيواني في العديد ممن المواقع.
ومع تزايد الأدلة الفينولوجية الواضحة، يتعين علينا أن نتحد ونشرع في مواجهة القضايا الوجودية التي يطرحها تغير المناخ.
أعد صياغة هذا الشكل من الصفحة رقم 6 من هذا التقرير . المصدر: برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) تقرير الحدود لعام 2022
ونحن هنا في عبد اللطيف جميل نقوم بدورنا في هذه المهمة الفريدة. حيث تقوم شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة (FRV)، ذراع الطاقة المستدامة الرائد التابع لعبد اللطيف جميل، الآن بتشغيل أكثر من خمسين محطة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح تنتشر عبر خمس قارات، ومن المتوقع أن تصل قدرة المحطات إلى 4 جيجاوات بحلول عام 2024[11]. كما أننا مهتمون أيضا بالتحول إلى استخدام الطاقة النظيفة في مجال صناعة النقل، ويتضح ذلك من خلال الاستثمارات التي تقوم بها شركة جميل لإدارة الاستثمار (JIMCO) في الشركات الرائدة في مجال النقل الكهربائي مثل شركة جريفز للنقل الكهربائي، وجوبي آفييشن وريفيان.
كما أن الأنشطة الخيرية العالمية لعائلة جميل، والتي تشمل مجتمع جميل، تدعم المبادرات التي انطلقت حول العالم من أجل المساعدة في رصد آثار تغير المناخ في المجتمعات الأكثر عرضة للخطر، وذلك بالإضافة إلى المشاركة في الأبحاث المتقدمة التي يمكن أن تساعد في مواجهة هذه الآثار.
ويشمل ذلك الأبحاث التي تنطلق من معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء(J-WAFS) بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، (والذي تم تأسيسه في عام 2014 من قبل مجتمع جميل ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا). ويدعم المعمل الأبحاث والابتكارات والتعاون بين التخصصات المختلفة التي تنصب حول أنظمة المياه والغذاء. كما يجمع مرصد جميل للعمل المبكر للأمن الغذائي بين المعرفة المحلية وعلوم البيانات والعمل الإنساني الضروري من أجل تحسين الأمن الغذائي والتغذية المرتبطين بالمناخ في شرق إفريقيا.
من ناحية أخرى، يعد مؤشر جميل لتجارة الأغذية ومخاطر الأمن الغذائي، والذي تم إطلاقه مؤخراً، مؤشراً شاملاً يعمل على تقييم مخاطر الأمن الغذائي في البلدان المختلفة. ويتمثل الهدف منه في تطوير نموذج يمكن من خلاله توقع حجم الطلب والامدادات والتجارة الثنائية فيما يتعلق بالغذاء حول العالم في ظل سيناريوهات مختلفة للتغيرات المناخية. ويضم مشروع المناخ الخليجي وقابلية العيش، والذي انطلق تحت إدارة مجتمع جميل ومجموعة أيون، باحثين عالميين بغرض الكشف عن أدلة حول تأثير تغير المناخ على الصحة في منطقة مجلس التعاون الخليجي وتقييمها.
من الخطأ ألا ننتبه إلي صرخات الطبيعة
ما من أحد يمكنه أن يدعي أننا نحيا في عالم جامد لا يتغير. فمنذ بدء الخليقة منذ حوالي 3-4 مليارات سنة، ومناخ الكوكب في حالة تغير مستمر. وحتى الآن، وعلى الرغم من ذلك، فإن التغييرات التدريجية التي تحدث في أنظمة الطقس وتكوين الغلاف الجوي قد سمحت لعملية تطور الكائنات بالتكيف ومواكبة التغير.
ولكن ذلك لم يعد يحدث الآن. فتغير المناخ الذي تسبب فيه الإنسان يتطور بمعدلات غير مسبوقة، وهو الأمر الذي يجعل العديد من الأنواع النباتية والحيوانية تعاني من أجل التكاثر أو الحصول على الغذاء. وقد يخرج الكثير منها من حلبة السباق تماماً – وهي معضلة ليس فقط بالنسبة لهذه الأنواع، بل وبالنسبة للحيوانات التي تتغذى عليها، ولكامل سلسلة الغذاء التي تعلوها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن خطأ الإنسان الأعظم يكمن في اعتقاده أنه ” منفصل” عن النظام البيئي، أو أن بمقدوره التعامل مع التقلبات المناخية بما يتناسب مع احتياجاته. وواقع الأمر أن الإنسان يعبث بآليات العالم الطبيعي معرضاً نفسه لمخاطر جمة، وأنه سيصبح من ضحايا النظام البيئي المنهار مثله كمثل أي مخلوق آخر يحيا على هذا الكوكب، كبيراً كان أم صغيراً. وسنقف جميعا عاجزين وكأننا حطام خلفه إعصار مدمر.
يجب أن يعي الجميع أننا لا نمثل سوى جزءاً صغيراً من هذا النظام البيئي … هذا النظام الذي نحتاج إليه أكثر مما يحتاج هو إلينا. وها هي الطبيعة تئن محذرة البشرية من الخطر. وتتمثل أوضح تلك التحذيرات في التغيرات الفينولوجية التي تحدث حولنا.
وبعد أن لاحظنا هذه التحذيرات … علينا أن نتحرك. وهنا لابد أن نحتضن العلم كي نتحرك بطريقة مستنيرة وننسق الجهود ونعزف معا سيمفونية خلاصنا…
[1] https://www.climate.gov/news-features/understanding-climate/climate-change-global-temperature
[2] https://www.natureworldnews.com/articles/52854/20220831/dying-bumblebees-increase-early-spring-forces-shortened-hibernation-35-days.htm
[3] https://www.unep.org/news-and-stories/story/climate-change-hits-natures-delicate-interdependencies
[4] https://ourworldindata.org/pollinator-dependence
[5] https://www.worldwildlife.org/threats/overfishing
[6] https://wedocs.unep.org/bitstream/handle/20.500.11822/38062/Frontiers_2022CH3.pdf
[7] https://www.un.org/en/global-issues/population#:~:text=The%20world%20population%20is%20projected,surrounding%20these%20latest%20population%20projections.
[8] https://wedocs.unep.org/bitstream/handle/20.500.11822/38062/Frontiers_2022CH3.pdf
[9] https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1111/ele.12135
[10] https://wedocs.unep.org/bitstream/handle/20.500.11822/38062/Frontiers_2022CH3.pdf