درجات الحرارة القاتلة ليست كما تعتقد … معلومات مروعة عن درجات حرارة “البصيلة الرطبة”
صدق أو لا تصدق … ثمة نوع من الحرارة لا يستطيع الإنسان التعامل معها وخفضها. مليار شخص سيواجهون هذه المشكلة خلال الخمسين سنة القادمة، كلما ارتفعت درجات الحرارة العالمية بمقدار درجة مئوية (1.8 درجة فهرنهايت).
لنتخيل معًا العمل في بيئة شديدة الحرارة وعدم توافر أجهزة تكييف للهواء. الملايين من الاشخاص قد لا يحتاجون إلى ذلك، لأنهم يعملون بالفعل في ظروف مشابهة. ولحسن الحظ، يمتلك هؤلاء أنظمة متقدمة للغاية لتنظيم درجة الحرارة – ألا وهي أجسامهم. تخيل نفسك تعمل جنبًا إلى جنب مع أحد عمال المزارع تحت أشعة الشمس الحارقة في الهند – قد يجعلك ذلك تشعر بأنك قد تفقد عقلك في هذه الحالة قبل أن تفكر في كيفية التعامل مع الحرارة. لكن جسمك يعرف تماما ما ينبغى عليه القيام به: إذ ستتمدد الأوعية الدموية، مما يسمح للدم بنقل دفئه إلى المناطق المحيطة وهو ما يجعلك تتعرق.
في عام 1902، اكتشف ويليس كاريير الطريقة التي يمكن بها تبريد أجسامنا، عندما صمم أول نظام حديث لتكييف الهواء. وقد اعتمدت هذه الطريقة على استخلاص الرطوبة من الهواء.[1] بيد أنه فيما يتعلق بتكييف الهواء من أجل جسم الإنسان، تفوق التطور البشري الطبيعي على كاريير وذلك بدفع الرطوبة إلى الهواء. فعندما يتبخر العرق يقوم بسحب الحرارة معه. وطالما يشرب الإنسان الكثير من الماء، يمكنه دائمًا الاحتفاظ بجزء منه لتبريد جسمه عن طريق التعرق. إنها طريقة فعالة للغاية وساعدت أجسامنا على مواجهة الحرارة لآلاف السنين، كما سمحت للإنسان باستعمار الأماكن الأعلى حرارة على وجه الأرض. ولكن – بالطبع – لا يمكن للإنسان أن يعتمد على ذلك وحسب.
ففي بعض الأحيان لا يكون التعرق مجديًا. ففي ظل ظروف معينة، يصعب تبخر العرق وقد يكون مستحيلاً، وهو ما يعني عدم وجود سبيل لقيام أجسامنا بالتبريد الذاتي. ويتم رصد وقياس هذه الظاهرة، التي تعتبر من الحالات التي تهدد حياة الفرد، باستخدام نظام يُعرف باسم “درجة حرارة البصيلة الرطبة”. كانت تلك الظروف القاسية المتطرفة فيما مضى نادرة. أما اليوم، ومع ما نشهده من تغير المناخ، أصبحت تحدث بوتيرة منتظمة وتنذر بالخطر في بعض أنحاء العالم.
ماذا يحدث عندما لا يمكننا تبريد أجسامنا؟
يحتاج الإنسان إلى الاحتفاظ بدرجة حرارة جسمه الأساسية عند حوالي 37.5 درجة مئوية أو 99.5 درجة فهرنهايت . ومع ارتفاع درجة الحرارة، يبذل جسمك المزيد من الجهد ليحقق التبريد المطلوب. فعندما تتمدد الأوعية الدموية، ينخفض ضغط الدم، مما يجعل القلب يبذل المزيد من الجهد لضخ الدم. وإذا انخفض الضغط بشدة، لن تحصل الأعضاء على ما يكفي من الدم، ويزداد خطر الإصابة بالنوبات القلبية. في الوقت نفسه، يفقد الجسم السوائل والأملاح من خلال التعرق.
وإذا استمرت درجة حرارة الجسد في الارتفاع، يواجه الإنسان ما يعرف بأعراض الإجهاد الحراري والتي تشمل الإغماء والتشنجات والعطش الشديد. وقد يؤدي التعرض للإجهاد الحراري لفترة طويلة إلى الإصابة بحصوات الكلى ومشكلات القلب – كل ذلك إذا حالف الإنسان الحظ للنجاة. أما إذا لم تتوافر أية وسيلة للإنسان لخفض حرارة جسمه، فإنه يدخل فيما يعرف بضربة شمس والتي تشمل الارتباك ، وفقدان الوعي، وفشل الأعضاء، وتنتهى بالوفاة.
إذا لم يكن بإمكانك الابتعاد عن المكان شديد الحرارة، فإن التعرق سيكون لك بمثابة طوق النجاة.
ويوضح الفاتح الطاهر، أستاذ الهيدرولوجيا والمناخ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والخبير العالمي في ظاهرة البصيلة الرطبة[2] ، الأمر على النحو التالي:
“إن أجسمانا معدة للتعامل مع البيئات الحارة والجافة، إذا ما توافر لها ما يكفي من الماء. فبالاستمرار في ترطيب أجسامنا، نتعرق، و عندما يتبخر العرق يبرد الجسم. […] وإذا أضفنا الرطوبة إلى تلك المعادلة، رأينا أنها تتداخل بشكل أساسي مع العملية الطبيعية التي يمكن للإنسان من خلالها التعامل مع الحرارة “.
كيف تعمل حرارة البصيلة الرطبة؟
تشير درجة حرارة البصيلة الرطبة إلى مدى قدرة جسم الإنسان على تبريد نفسه عن طريق التعرق. ويتم قياسها عن طريق لف بصيلة مقياس الحرارة بقطعة من القماش المبللة والسماح للماء بالتبخر بشكل طبيعي. وتمثل أقل درجة حرارة يتم تسجيلها درجة حرارة البصيلة الرطبة.
ودائما ما تكون درجة الحرارة هذه أقل من درجة الحرارة التي تسجل بواسطة مقياس الحرارة العادي (أي جاف). ويرجع ذلك إلى أن البصيلة تفقد الحرارة من خلال الماء المتبخر: وكلما تبخر الماء بشكل أسرع؛ زاد معدل انخفاض درجة حرارة الترمومتر بالنسبة لدرجة حرارة الهواء.
يتأثر معدل التبخر بشكل مباشر بدرجة الحرارة المطلقة وما يستطيع الهواء استيعابه من رطوبة إضافية، وهو ما يعرف بالرطوبة النسبية. ويستطيع الهواء الأكثر سخونة امتصاص المزيد من بخار الماء بمعدل أسرع مقارنة بالهواء البارد. و عندما يقوم الهواء بامتصاص المزيد من بخار الماء وترتفع نسبة الرطوبة فيه، يصبح هناك مساحة أقل للمزيد من بخار الماء، وتتراجع سرعة التبخر. ويشير وصول الرطوبة النسبية إلى نسبة 0٪ أن الهواء جاف تمامًا، بينما تعنى نسبة 100% الوصول إلى الحد الأقصى من الرطوبة.
ويعنى ذلك أنه بغض النظر عن مقدار التعرق، لن تحدث عملية التبخر.
ما هي الحرارة الخطيرة؟
لسنا هنا بصدد معلومات علمية مثيرة للاهتمام وحسب. فنحن نتحدث عن أمرا يهدد حياة الإنسان. ففي خمسينيات القرن الماضي، استخدم الجيش الأمريكي درجات حرارة البصيلة الرطبة (WBT) لوضع خطوط استرشادية فيما يتعلق بالحفاظ على سلامة الجنود. فعندما تصل درجة حرارة البصيلة الرطبة إلى 29 درجة مئوية (84 درجة فهرنهايت) ، يوصى بالتوقف عن التدريبات إذ لم تكن متأقلمًا. فزيادة الحرارة عن هذا الحد تعنى الوصول إلى وضع الخطر الـ”شديد”، كما ترتفع احتمالية الإصابة بضربات الشمس.[3] وعندما ترتفع درجة حرارة البصيلة الرطبة إلى 35 درجة مئوية (95 درجة فهرنهايت) ، لا يستطيع الشخص السليم البقاء في الخارج لأكثر من ست ساعات[4].
وإذا استمرت الرطوبة في الارتفاع، ستتساوى درجة حرارة البصيلة الرطبة مع درجة الحرارة الفعلية. وهو ما يعنى أنه على الرغم من غمر البصيلة في الماء فإنها لن تبرد على الإطلاق. وعندها لن يكون هناك مفر لأحد من النهاية الحتمية.
الرطوبة تسهم في تسريع تأثير الحرارة الفتاك
عندما يصل معدل الرطوبة النسبية إلى 100٪، يستحيل على المرء تبريد جسده عن طريق التعرق. وليس من الضروري دائما أن تصل الرطوبة إلى هذا المعدل المرتفع لتمثل خطرا على حياة الإنسان. من ناحية أخرى، قد ترتفع درجة الحرارة إلى ما فوق ال 50 درجة مئوية (122 درجة فهرنهايت) – أي أنها قد تصبح أعلى بكثير من درجة الحرارة المثالية لجسم الإنسان – ولكن طالما أن الهواء جاف بدرجة كافية، فسوف يتبخر العرق كي يساعد الإنسان على تبريد نفسه. إذن فالأمر كله يعتمد على العلاقة بين درجة الحرارة ومعدل الرطوبة. فكلما ارتفع معدل الأخيرة، تراجعت درجة الحرارة الفعلية التي يمكن أن تسبب المشكلات الصحية (والعكس صحيح).
لنأخذ مثالا من سياق الشرق الأوسط. تقع مدينة الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، في وسط الصحراء، بينما تقع مدينة دبي الإماراتية على ساحل الخليج العربي. وعلى الرغم من أن درجات الحرارة في الرياض تفوق درجات الحرارة في دبي بشكل عام، فإن درجة حرارة البصيلة الرطبة في دبي تعد أعلى بكثير منها في الرياض. ويرجع ذلك إلى أن هواء صحراء الرياض أكثر جفافاً – وبالتالي أكثر قدرة على امتصاص المزيد من الرطوبة – مقارنة بمدينة دبي الساحلية التي يتشبع فيها الهواء بالرطوبة.
يمكن للمرء أن يأخذ حماما شمسيا في درجات حرارة أعلى مما قد يقتله. فعلى سبيل المثال، إذا كانت درجة الحرارة الفعلية 32 درجة مئوية (90 درجة فهرنهايت) والرطوبة النسبية 95٪ ، يعتبر ذلك كافيا للوصول بدرجة حرارة البصيلة الرطبة إلى 85 درجة فهرنهايت وهى درجة جد خطيرة. وفي حالة عدم تجاوز معدل الرطوبة ال 45٪ ، يجب أن تكون درجة الحرارة الفعلية 40 درجة مئوية (104 درجة فهرنهايت) أو أكثر لتحفيز درجة حرارة البصيلة الرطبة ذاتها.[5]
قد تبدو مصطلحات مثل “الرطوبة النسبية” و “درجة حرارة البصيلة الرطبة” جوفاء إلى حد ما. بل أن هناك من قد يقول: لقد تحملنا درجات حرارة مثيلة من قبل. فما الضرر من تكرار ذلك؟
هل يمكننا حقا التكيف كما نعتقد؟
لقد عاش العدد الأكبر من البشر في مناطق تراوحت فيها درجات الحرارة بين 6 درجات مئوية (43 درجة فهرنهايت) و 28 درجة مئوية (82 درجة فهرنهايت). هذا هو المكان المثالي لصحة الإنسان وإنتاج الغذاء. ولكن مع التغير المناخي الذي يشهده الكوكب وما يسببه من ظروف مناخية شديدة التطرف، تتقلص تلك البقعة المثالية التي تناسب الإنسان. ونحن كبشر معرضون للخطر بشكل خاص لأن درجة حرارة اليابسة ترتفع بوتيرة أسرع مقارنة بالمحيطات. كما أن معظم النمو السكاني يوجد في مناطق حارة في كل من إفريقيا وآسيا.
إن زيادة درجة الحرارة العالمية بمقدار 3 درجات مئوية تعني ارتفاع درجة الحرارة بالنسبة للإنسان العادي ب 7.5 درجة مئوية. وبحلول نهاية القرن، من المنتظر أن يعيش حوالي 30٪ منا في أجواء تتسم بارتفاع الحرارة بشكل متطرف، والذي يشار إليها بوصول متوسط درجة حرارة إلى 29 درجة مئوية (84 درجة فهرنهايت). وتعتبر درجات الحرارة هذه بحد ذاتها سببًا مهمًا للقلق. لكن درجة حرارة البصيلة الرطبة تمثل خطرًا من نوع آخر. فمع ارتفاع معدلات الرطوبة بشكل متزامن، سيشهد الإنسان المزيد والمزيد من الفترات التي تتجاوز فيها درجة حرارة البصيلة الرطبة ال 32 درجة مئوية.
من هم الأكثر عرضة للخطر؟
يمكن لأي شخص أن يتأثر بالحرارة، خاصة مع ارتفاع درجة حرارة البصيلة الرطبة. ولكن بعض الناس قد يكونون أكثر تأثرا مقارنة بغيرهم. ويقع ضمن هؤلاء:
- الأشخاص الذين لا يستطيعون الابتعاد عن مصادر الحرارة. ويشمل هؤلاء أي شخص يعمل لساعات مطولة في الأجواء الحارة دون فترات راحة، بدءاً من العمال اليدويين والمزارعين إلى الأشخاص الذين يعملون في المجال الطبي ويرتدون ملابس واقية أثناء التعامل مع فيروس كورونا المستجد. كما أن هناك من يتجنب شرب كميات كافية من السوائل لتجنب الذهاب إلى المرحاض أثناء العمل.
- كبار السن والأطفال وأصحاب الحالات الطبية المزمنة. يؤثر الإجهاد الحراري على جسد الإنسان، وهو أمر يصعب عليك التعامل معه مع التقدم في العمر. وبالمثل، فإن الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل أمراض القلب والسكري معرضون للخطر بشكل خاص. فعلى سبيل المثال، يمكن لمرض السكري، أن يجعل الناس يفقدون الماء بشكل أسرع، وكذلك فإنه يقلل من قدرتهم على التعرق. وغالبًا ما يحتاج الأطفال والأشخاص الذين يعانون من أمراض متعلقة بالصحة النفسية مثل الخرف إلى إشراف ومساعدة خاصة من أجل الاحتفاظ بأجسادهم باردة.
ويقول مارتين شيفر، أستاذ علم البيئة المائية وإدارة جودة المياه بجامعة فاخينينجن في هولندا،[7] ” إن ارتفاع متوسط درجات الحرارة إلى ما فوق ال 29 درجة مئوية، يجعل البيئة غير صالحة لعيش الإنسان. سيتوجب عليك أن تتحرك وتبحث عن طرائق للتكيف. ولكن هناك دوما حدود لهذا التكيف. فإذا ما توافر لديك ما يكفي من المال والطاقة، سيمكنك الاعتماد على مكيف الهواء والغذاء لتكون بخير. لكن هذا ليس هو الحال بالنسبة لمعظم الناس”.
إننا نعتقد دوما أننا قادرون على التكيف لأننا نستخدم الملابس و نعتمد على أنظمة التدفئة ومكيفات الهواء. ولكن، في الواقع، تعيش الغالبية العظمى من سكان العالم – أو لنقل لطالما عاشوا – في بيئات مناخية تشهد في الوقت الحالي تغيرا لم يسبق له مثيل […] وخلال الخمسين عاما القادمة، من المنتظر أن نشهد المزيد من التغير مقارنة بالـ 6,000 عام الماضية.”
ارتفاع درجات حرارة البصيلة الرطبة يهدد أداء فريضة الحج
الحج شعائر سنوية يقوم بها المسلم من خلال التوجه إلى أقدس مدينة في الإسلام، وهي مكة المكرمة، التي تقع في المملكة العربية السعودية. والحج فريضة على المسلمين، البالغ عددهم حول العالم 1.8 مليار، يقوم به المرء مرة واحدة على الأقل في حياته إذا كان يتمتع بصحة جيدة ويمكنه تحمل تكاليف الرحلة.
ويتغير موعد الحج حسب التقويم القمري، وهو ما يعني أنه يتم في وقت مختلف كل عام. ولا يعد ذلك مشكلة على الإطلاق خلال الأشهر الباردة، ولكن خلال فصل الصيف، يمكن أن تكون الحرارة خانقة. وبالمعدل الحالي للاحتباس الحراري من المنتظر أن تتفاقم ويزداد الأمر سوءاً.[6]
تستغرق المناسك حوالي خمسة أيام، يقضي المسلم خلالها قرابة ال 30 ساعة في الهواء الطلق. وكثير من الحجاج من كبار السن، وهو ما يضاعف من الخطر. وإذا استمرت الأحوال في التدهور، قد لا يتمكن ملايين المسلمين من أداء هذه الفريضة. لقد قام المسؤولون بالفعل بتوفير وسائل التبريد لبعض المشاركين في الحج. كما قاموا بتوسعة بعض المناطق للحد من الزحام. وفي السنوات المقبلة، قد يكون من الضروري وضع حد لعدد الحجيج.
شهد الحج حادثتين تدافع أودتا بحياة كثيرين: أحدهما كانت في عام 1990 ، والتى أودت بحياة 1462 شخصًا، والأخرى في عام 2015 والتي خلفت 769 قتيلًا و 934 جريحًا. وبمتابعة الحادثتين، رأينا أن الحرارة والرطوبة كانتا قد وصلتا إلى الذروة خلال الموسمين. لذا يمكن القول أن الإجهاد الحراري قد يكون سببًا في وقوع تلك الأحداث أو على الأقل قد يكون ساهم فيها.
والمرة القادمة التي سيحل فيها موسم الحج خلال أشهر الصيف الحارة ستكون من عام 2047 إلى عام 2052 ومن عام 2079 إلى عام 2086. وسوف تصل درجة الحرارة إلى المستوى غير المحتمل حتى لو تراجع معدل تغير المناخ بشكل كبير. وسيصبح الوضع أكثر خطورة.
ما هي المناطق التي ستكون أكثر عرضة للتضرر؟
بالنظر إلى بيانات المخاطر الخاصة بمن هم أكثر عرضة للتضرر من هذه الكارثة، يتضح لنا أن المعرضين للخطر الأكبر هم أولئك الذين يعيشون في البلدان ذات معدلات الحرارة الأكثر ارتفاعًا والمكتظة بالسكان. ومع تسارع وتيرة تغير المناخ، من المنتظر أن تصبح المناطق النامية أشد تأثرًا بالكارثة. والعامل الأبرز في هذا السياق هو عدد من سيكونون عرضة لارتفاع درجة حرارة البصيلة الرطبة على نحو خطير مع تراجع إمكانية ابتعادهم عن الحرارة أو إنعدامها.
من ناحية أخرى، سيتمكن الأثرياء الذين يعيشون في البلدان التي ترتفع فيها درجات الحرارة من الاحتفاظ باجسادهم باردة. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تكون منطقة الخليج العربي من المناطق التي ستشهد أعلى درجات حرارة علي وجه الأرض، وذلك وفقًا لدراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT).[8] لكن منطقة الخليج العربي من المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة، كما أن السكان تتوافر لديهم إمكانيات امتلاك أجهزة تكييف الهواء، كما تتراجع مساحات الأراض الزراعية في المنطقة بشكل ملحوظ. وعلى النقيض، نرى منطقة جنوب آسيا تكتظ بمن يعملون في ظروف خانقة في مزارع الكفاف. ومن المنتظر أن تتعرض كل من الهند وبنجلادش وجنوب باكستان – والتي يعيش بها حوالي 1.5 مليار نسمة – للارتفاع الأسوء في درجات الحرارة.[9] والذي ثبت بالفعل أنه فتاك. ففي عام 2015، توفي 3,500 شخص في باكستان والهند خلال واحدة من أكثر موجات الحر فتكًا.
ومن أجل وضع وتيرة التغيير في سياقها الصحيح، يتعرض حوالى 2٪ من الهنود في الوقت الحالي لدرجات حرارة تصل إلى 32 درجة مئوية علي مقياس درجة حرارة البصيلة الرطبة في بعض الاحيان. وبحلول عام 2100، ووفقًا لدراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فمن المنتظر أن تصل هذه النسبة إلي 70٪. من ناحية أخرى، سوف يتعرض حوالي 2٪ إلى 35 درجة مئوية على مقياس درجة حرارة البصيلة الرطبة – وهو ما يمثل الخط الفاصل للبقاء على قيد الحياة.
هل تكون الصين الأكثر تضررًا؟
ووفقًا لدراسة أخرى، فإن منطقة سهل شمال الصين (NCP) تعتبر الأكثر عرضة للخطرمقارنة بأي مكان آخر على وجه الأرض.[10] وتعد هذه المنطقة أهم المناطق الزراعية في الصين، كما أنها الأكثر ازدحامًا بالسكان. وقد شهدت المنطقة زيادة كبيرة في موجات الحر الشديد على مدار الخمسين عامًا الماضية. ففي تلك الفترة، كان ارتفاع درجة الحرارة في منطقة سهل شمال الصين أسرع مرتين تقريبًا من المعدل العالمي (0.24 درجة مئوية لكل عقد من الزمان مقابل 0.13 درجة مئوية). وفي عام 2013، استمرت موجات الحر الشديد لمدة تصل إلى 50 يومًا، وتجاوزت درجات الحرارة ال 38 درجة مئوية (104 درجة فهرنهايت) في بعض الأماكن. وفي شنجهاي لقي العشرات حتفهم، حيث شهدت أكبر مدينة في شرق الصين ارتفاع درجات الحرارة إلى أعلى مستوى لها منذ 141 عامًا. ووفقًا للمعدل الحالي للاحتباس الحراري، فإنه من المنتظر أن تشهد المنطقة المزيد من موجات الحر القاتلة بين عامي 2070 و 2100.
وتعد منطقة سهل شمال الصين جافة نسبيًا. على الرغم من ذلك، من المتوقع أن يؤدى الارتفاع الشديد في الحرارة والري واسع النطاق إلى زيادة معدلات الرطوبة النسبية و حدوث ارتفاع خطير في درجات حرارة البصيلة الرطبة. وللري تأثير خافض للحرارة على مستوى سطح الأرض، إلا أن تأثيره على الرطوبة يفوق ذلك بكثير، كما أن بخار الماء في حد ذاته يعتبر من أقوة غازات الاحتباس الحراري. وترجح الدراسة أن الري وحده يؤدي إلي زيادة درجة حرارة المنطقة بنحو نصف درجة مئوية.
كيف يمكننا المحافظة علي أجسامنا باردة؟
هناك بعض الاستراتيجيات المبرهنة التى تساعد الإنسان على تجنب الآثار الأسوء لارتفاع درجة الحرارة على المدى القصير. فعندما ترتفع درجات الحرارة، فأن النصائح الأكثر تداولاً تتضمن ما يلي:
- اشرب الكثير من السوائل قبل العمل
- تجنب مُدرّات البول مثل الشاي والقهوة
- اشرب بانتظام
- حافظ على لياقتك ؛ فهذا من شأنه أن يزيد من قدرتك على تحمل الحرارة
- احذر من علامات الإجهاد الحراري؛ وإذا بدأت في الشعور بتقلصات في المعدة أو الإغماء أو الغثيان، خذ قسطًا من الراحة.
وبينما يسهل الحديث عن تلك الإجراءات يصعب على الكثيرين تنفيذها، لا سيما المزارعين ذوي الدخل المنخفض والعمال الذين يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة طوال اليوم. لذلك اعتقد أنه ينبغى على الحكومات والمؤسسات العامة والشركات أن تعمل على توفير دعم إضافي في هذا السياق من خلال بعض الإجراءات التي تشمل:
- توفير الماء والمأوى وتكييف الهواء
- منع الناس من العمل عندما تصل درجات حرارة البصيلة الرطبة إلى مستويات خطيرة
- تطبيق ضوابط الزحام
- البناء في مواقع منخفضة الرطوبة، على سبيل المثال، بعيدًا عن الوديان المنخفضة والمحيطات الدافئة.
ويقتصر دور هذه الإجراءات على معالجة الأعراض دون الاسباب.
الحل الفعلى للمشكلة
إن الطريقة الوحيدة للحد من تكرار موجات درجات حرارة البصيلة الرطبة الخطيرة هو التصدى لظاهرة الإحتباس الحراري، وهو أمر ألتزم به بشدة. وللقيام بذلك، يتعين علينا أن نقوم بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل كبير من خلال تنسيق الجهود الدولية ،وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة؛ واعتماد الصناعات ومصادر الطاقة ووسائل النقل وطرائق الزراعة الخالية من الكربون وإنتاج المياه العذبة؛ وإعادة تصميم مدننا وبناء (أو إعادة تجهيز) مبان أكثر كفاءة من حيث استخدام الطاقة لغرض الحد من فقدان الحرارة.
لاشك أن الأمر ليس بالسهل. فعلى الرغم من توافر التكنولوجيا علي نطاق واسع، فنحن مازلنا نفتقر إلى الالتزام. وأعنى هنا الالتزام بتحقيق تغيير جذري وفوري ولا رجعة فيه في أسلوب حياتنا. لا يمكن لأية حكومة أو دولة أو منظمة غير حكومية القيام بذلك بمفردها. فالأمر يتطلب التعاون والتنسيق والشراكة على أعلى المستويات فيما يتعلق بالصناعة والتجارة والحكومة والمجتمع من أجل دفع عجلة التحول طويل الأجل.
إننا في مؤسسة عبد اللطيف جميل نكرس الجهود من أجل التغلب على التحديات المقبلة، لا سيما من خلال مشروعاتنا الرائدة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي يتم تنفيذها عبر شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة، وكذا عملنا الذي ينمو بشكل متسارع لغرض معالجة مشكلة ندرة المياه، وذلك من خلال شركة آلمار لحلول المياه. كما أننا نعمل مع شركات خاصة عالمية رائدة أخرى في وكالة الفرص النظيفة والمتجددة والبيئية للمساعدة في تحفيز كل من الاستثمار التجاري والحكومي في الحلول الخاصة بإزالة الكربون من الصناعة ومكافحة تغير المناخ.
وبينما نحن نبدأ عملية إعادة بناء اقتصاداتنا بعد الجائحة التي ضربت العالم، يتعين علينا أن ننتهز الفرصة كي نتحرك الآن… لنسلك مسارًا جديدًا نحو مستقبل أكثر استدامة … ولنحمى مجتمعنا من التعرض للارتفاع المفرط في درجات الحرارة.
[1] https://www.carrier.com/carrier/en/worldwide/about/willis-carrier/
[2] https://www.csis.org/podcasts/babel-translating-middle-east/elfatih-eltahir-rising-temperatures-middle-east
[3] https://www.bbc.co.uk/news/science-environment-53415298
[4] https://news.mit.edu/2018/china-could-face-deadly-heat-waves-due-climate-change-0731
[5][5] https://www.eurekalert.org/pub_releases/2019-08/miot-scc082119.php
[6] Such Kang, Jeremy Pal, Elfatih Eltahir, “Future Heat Stress During Muslim Pilgrimage (Hajj) Projected to Exceed ‘Extreme Danger’ Levels,” Geophysical Research Letters, June 25, 2019.
[7] https://www.theguardian.com/environment/2020/may/05/one-billion-people-will-live-in-insufferable-heat-within-50-years-study
[8] http://news.mit.edu/2015/study-persian-gulf-deadly-heat-1026
[9] Jeremy S. Pal and Elfatih Eltahir, “Future temperature in southwest Asia projected to exceed a threshold for human adaptability,” Nature Climate Change, October 26, 2015.
[10][10] https://www.nature.com/articles/s41467-018-05252-y.epdf