عادة ما يستحوذ ثاني أكسيد الكربون على معظم الاهتمام في وسائل الإعلام عندما يتعلق الأمر بالاحتباس الحرارى العالمي. لكن الحقيقة هي أن ثاني أكسيد الكربون ليس الغاز الوحيد المسبب للاحتباس الحراري، بل ليس حتى أقوى غازات الاحتباس الحراري. كل ما في الأمر أننا، كمجتمع بشري، نطلق فعليًا بلايين الأطنان منه كل عام[1] في سياق أنشطتنا التي تنطوي على حرق المزيد والمزيد من احتياطيات الكوكب من الوقود الأحفوري التي تكونت منذ ملايين السنين.

وفي المقابل، لا نجد أي صدى قوى إزاء 570 مليون طن من الميثان المنبعث في الغلاف الجوي كل عام.[2]  وهذا بالرغم من أن الميثان أقوى بـ 86 مرة من غازات الاحتباس الحراري الأخرى، وهو بذلك يتسبب في احترار الأرض بسرعة أكبر مقارنة بثاني أكسيد الكربون لكل وحدة كتلة. وهذه الحقيقة، إلى جانب انبعاثاتنا المتزايدة بسرعة، هي التي تجعل الميثان ثاني أكبر محرك للاحترار العالمي.[3] وهو أيضا المصدر الرئيسي لتلوث الهواء بالأوزون، والذي يتسبب بدوره في وفاة ما يصل إلى مليون شخص كل عام.[4]

ويعتقد العلماء أيضًا بأن الميثان كان السبب الرئيسي في أحداث الاحترار السريع السابقة في التاريخ الجيولوجي لكوكبنا. فتحت الضغط العالي، مثل ذلك الموجود في أعماق المحيطات، يتجمد غاز الميثان على السطح ليتحول إلى مادة تشبه الطين تسمى هيدرات الميثان، وهو ما يؤدي إلى تجمد كميات هائلة من الميثان في قاع البحر. وهذه الهيدرات تظل مستقرة بشكل عام ما لم تتأثر بمدخلات الطاقة، مثل الماء الدافئ.

قبل حوالي 55 مليون سنة، تعرضت الأرض لاحتباس حراري يعتقد بعض العلماء أنه نشأ بسبب هيدرات غير مستقرة. وقد تسربت كميات كبيرة من الميثان من قاع المحيط إلى الغلاف الجوي، مما أدى إلى ارتفاع حاد وسريع في درجة الحرارة نتيجة أن الغاز احتجز الحرارة في الغلاف الجوي. ويمكنك رؤية هذا التأثير بارزًا اليوم من خلال فقاعات الميثان المتجمدة في بحيرات الغابات في أقصى الشمال.

فقاعات من غاز الميثان في جليد بحيرة متجمدة (مصدر الصورة: أليكسي زاكيروف)

وفي الآونة الأخيرة، ارتفعت تركيزات الميثان في الغلاف الجوي بشكل كبير، وبنسبة تصل إلى أكثر من 150٪ اليوم مقارنة بعام 1750. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا سيستمر، ولكن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ التابع للأمم المتحدة (IPCC) يشدد على ضرورة إبقاء انبعاثات الميثان تحت السيطرة لمنع تفاقم أزمة الاحترار العالمي.

سيكون خفض انبعاثات الميثان ضروريا لتحقيق صافي الصفر، والخبر السار في هذا الصدد هو أن خفض انبعاثات الميثان أسهل بكثير من خفض ثاني أكسيد الكربون. لكن الخبر السيء هنا هو أننا لا نتحرك بالسرعة الكافية إزاء ذلك.

فما هو الميثان ومن أين يأتي؟

الميثان هو أبسط جزيء هيدروكربوني عضوي؛ وهو غاز وفير في جميع أنحاء الكون (عند درجة حرارة الأرض وضغطها)، ويتشكل من ذرة كربون واحدة وأربع ذرات هيدروجين، يرمز له بـ (CH4).[5] 

وأكبر ثلاثة مصادر للميثان الناجم عن النشاط البشري هي[6]:

  1. الزراعة (42٪): تطلق الماشية، أو بشكل أكثر تحديدًا الميكروبات الموجودة في أحشائها، غاز الميثان كمنتج ثانوي لعملية الهضم. وكذلك البكتيريا التي تتكاثر في حقول الأرز المغمورة، فهي تنتج الكثير من الميثان. يوجد 4 مليار رأس ماشية في العالم، ويتزايد هذا العدد مع زيادة الطلب على لحوم البقر ومنتجات الألبان، جنبًا إلى جنب مع حيوانات الرعي الأخرى. تمثل انبعاثات الماشية وحدها أكثر من 32٪ من انبعاثات غاز الميثان البشرية المنشأ.[7] كما تضيف حرائق الغابات وحرق الكتلة الحيوية إلى المجموع.
  2. الوقود الأحفوري (36%): الميثان هو المكون الأساسي للغاز الطبيعي ويتسرب من مناجم الفحم وخطوط أنابيب النفط والغاز وعوادم السيارات والشاحنات والحافلات.[8] تشير الدراسات الحديثة إلى أن الآبار الموجودة في الولايات المتحدة وحدها تطلق حوالي 60٪ من الميثان، وهي نسبة تفوق ما كان مقدرًا سابقًا من قبل وكالة حماية البيئة الأمريكية.[9]
  3. النفايات البشرية (18%): توفر مكبات النفايات والمقالب المفتوحة ومياه الصرف الصحي وليمة حقيقية للميكروبات التي تطلق غاز الميثان.
يتسرب ضباب أبيض مرئي من غاز الميثان من خلال النفايات المتعفنة في مكب نفايات في بلغاريا؛ وفي الهند يتسرب الميثان غير المتحكم فيه منذ 2008.  (حقوق الصورة: جوناس جراتزر)

 

إلى أي مدى يجب أن نقلق بشأن الميثان؟

هناك نوعان من الخصائص الرئيسية التي تحدد تأثير الغازات الدفيئة المختلفة على المناخ، وهما طول الوقت الذي تبقى فيه في الغلاف الجوي، وقدرتها على امتصاص الطاقة. من المعروف أن الميثان لديه عمرًا أقصر بكثير في الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون (حوالي 12 عامًا مقارنة بقرون بالنسبة لثاني أكسيد الكربون)، ولكن قدرته العالية كعازل وعامل امتصاص للطاقة تجعله أكثر إثارة للقلق.

وفي سياق حساب تأثيره على الاحتباس الحراري، أشار الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ إلى احتمال تسبب الميثان في الاحترار العالمي بنسبة تعادل 84-87 على مدى 20 عامًا، وبين 28-36 عند النظر في تأثيره على مدى 100 عام. وهذا يعني أن طنًا واحدًا فقط من الميثان يعادل 28 إلى 36 طنًا من ثاني أكسيد الكربون إذا نظرنا إلى تأثيره على مدى 100 عام، أو 84-87 طنًا على مدار 20 عامًا. أو بعبارة أخرى، يحبس الميثان أكثر من 80 ضعف الحرارة التي تحتجزها نفس الكمية من ثاني أكسيد الكربون في العقدين الأولين من وجوده في الغلاف الجوي.

لكن المشكلة لا تكمن فقط في قوة الميثان، إذ تُظهر الدراسات العلمية أن انبعاثات الميثان آخذة في الارتفاع بأسرع معدل لها منذ بدء رصد انبعاثاته في الثمانينيات. ويحتوي الهواء حاليًا على كمية من الميثان تزيد بمقدار 2.5 مرة عما كانت عليه في عصر ما قبل الثورة الصناعية، وقد زادت هذه الكمية بشكل حاد خلال عام 2020، حتى عندما تباطأت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تأثير جائحة كوفيد-19.[10] ففي الأشهر الثمانية الأولى من “الإغلاق” من عام 2020، ارتفعت تسربات الميثان بنحو 32٪، وفقًا لشركة البيانات كاريوس، ومقرها باريس[11].

الحقيقة البسيطة هي أنه إذا استمرت انبعاثات الميثان في الارتفاع، فلن يهم مقدار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي نخفضها، وبالتالي لن نتمكن من السيطرة على الاحترار العالمي عند معدل أقل من هدف اتفاقية باريس البالغ 1.5 درجة مئوية. وعلى الرغم من قوته كأحد غازات الدفيئة، إلا أن الميثان يتحلل بسرعة كبيرة، مما يعني أن الإجراء المتخذ الآن يمكن أن يكون له تأثير تبريد شبه فوري على درجة حرارة الأرض، مما يمنحنا المزيد من الوقت الثمين لتسهيل الانتقال من الوقود الأحفوري والحفاظ على مسارنا نحو تحقيق هدف صافي الصفر.

ما الذي بوسعنا أن نقوم به إزاء انبعاثات الميثان؟

ما السبب في أن انبعاثات الميثان عالية جدا؟  ببساطة، شهيتنا المتزايدة للبروتين الحيواني هي أحد أكبر الأسباب. ومع اقتراب عدد سكان العالم من 10 مليارات – وتزايد قدرتهم أكثر من أي وقت مضى على شراء اللحوم – فمن المتوقع أن يزداد هذا الطلب بنسبة تصل إلى 70٪ بحلول عام 2050.[12]

إذن، ما الذي يمكن فعله؟  في الواقع، الكثير جدًا. وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، من الممكن تخفيض ما يقرب من نصف 380 مليون طن متري من الميثان المنطلق كل عام باستخدام الأساليب المتاحة حاليًا والتي تُعد (في الغالب) فعالة من حيث التكلفة.[13]  وسيؤدي القيام بذلك إلى تقليل درجات الحرارة العالمية بمقدار 0.18 درجة مئوية بحلول عام 2050.

إذا كان هذا المعدل لا يبدو كبيرًا، فعلى الأرجح أن سيوفر علينا ما بين 20٪ و 45٪  في مساعينا الرامية إلى إبقاء درجات الحرارة ضمن أهداف اتفاقية باريس،[14] ناهيك عن الفوائد الصحية الفورية.  ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن التخفيض اللاحق في مستوى الأوزون الأرضي من شأنه أن يجنبنا 260.000 حالة وفاة مبكرة، و 775.000 زيارة للمستشفيات مرتبطة بالربو، و 73 مليار ساعة من العمل المفقود بسبب الحرارة الشديدة، و 25 مليون طن من خسائر المحاصيل كل عام.[15]

ومن حُسن الحظ أن لدينا مجموعة من الخيارات المتاحة أمامنا، وحتمًا سنحتاج إليها. ثمة مشكلة أخرى تكمن في أن انبعاثات الميثان متفرقة ومشتتة على نطاق واسع، مما يجعل من الصعب التقاط البيانات وتنسيق العمل والتقاط كل التفاصيل. 

تمثل الزراعة تحديًا نوعيًا كونها تشمل عددًا لا يحصى من المنتجين وأصحاب الحيازات الصغيرة المنتشرة في جميع أنحاء العالم.  كما أن العديد من حلول الحد من الميثان تأتي مصحوبة أيضًا ببعض المقايضات. على سبيل المثال، عادة ما يكون اكتشاف وإصلاح التسريبات في صناعة النفط والغاز أكثر فعالية من حيث التكلفة من القيام بنفس الشيء في تعدين الفحم. وبالمثل، قد يؤدي تغيير علف الحيوانات إلى تقليل انبعاثات الميثان، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى خفض الانتاج الحيواني، وهذا بالطبع ليس جيدًا عندما يرتفع الطلب العالمي على البروتين الحيواني. باختصار، يتطلب تقليل انبعاثات الميثان حلولاً تقنية وتغيير أنماط الاستهلاك. ومع ذلك، ونظرًا لصعوبة تغيير أنماط الاستهلاك، خاصة على المستوى العالمي، فإن الآمال تنعقد أكثر على التكنولوجيا.

تقليل الاستهلاك

يقول جيمس لوماكس، مستشار الزراعة والنظم الغذائية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن العالم بحاجة إلى البدء بإعادة التفكير في مناهجنا المتعلقة بالانتاج الزراعي الحيواني“.[16]، مشيرًا إلى أن “تأثير الميثان” على المنتجات الغذائية يمكن أن يكون مدخلا لذلك. قد يكون التحول إلى النظم الغذائية الغنية بالنباتات والمصادر البديلة للبروتين أمرًا جذابًا للأشخاص المهتمين بالصحة في البلدان الغنية.  لكن ليس من الواقعي أن نتوقع من الناس في البلدان المتوسطة الدخل أن يتخلوا عن اللحوم القليلة نسبيًا التي يأكلونها الآن – لا سيما عندما تكون زيادة البروتين أمرًا أساسيًا لتحسين صحتهم.

تقليل الانتاج

بحسب تقرير صادر عن شركة ماكينزي وشركاه، يمكن أن تقلل الصناعات الزراعية، والوقود الأحفوري، وإدارة النفايات من انبعاثات الميثان السنوية العالمية بنسبة 20٪ بحلول عام 2030 و 46٪ بحلول عام 2050.[17] وإليك الطريقة:

الزراعة

يمكن تخفيض نسبة كبيرة من انبعاثات الميثان الزراعية باستخدام التقنيات الموجودة والمتاحة بسهولة. مثلا، يمكن أن يؤدي تحسين علف الماشية واستخدام المواد المضافة إلى تقليل كمية الميثان التي تنبعث منها. فمن خلال تغذية الأبقار على الأعشاب البحرية، على سبيل المثال، يمكن خفض انبعاثات الميثان بنسبة تصل إلى 80٪.[18] كما أن إدارة الأراضي قد تكون مفيدة أيضًا في هذا الصدد، فقد يساعد تجفيف حقول الأرز بشكل متقطع، بدلاً من إبقائها رطبة طوال الوقت، في خفض الانبعاثات إلى النصف، مع ما يترتب عن ذلك من وفورات في المال والمياه.[19] ومن خلال استخدام هذه الحلول وغيرها من الحلول المتاحة، يمكن للقطاع الزراعي أن يخفض انبعاثاته من الميثان بنسبة 30٪ بحلول عام 2050، وفقًا لما ذكرته شركة ماكينزي في تقريرها.[20]

تعمل الأمم المتحدة بنشاط على دعم منتجي الأغذية لمعالجة بعض هذه القضايا. ويهدف إطار عمل كورونيفيا المشترك بشأن الزراعة، على سبيل المثال، الذي أنشأته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في عام 2017، إلى مساعدة المنتجين على أن يصبحوا أكثر كفاءة في مناخ متغير. في حين دعا مؤتمر قمة النظم الغذائية الذي عقد في نيويورك في سبتمبر 2021 الدول إلى بذل المزيد من الجهد لدعم الانتقال إلى أنظمة إنتاج أغذية أكثر استدامة. كان موضوع الانبعاثات الزراعية أيضًا على جدول أعمال اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وموضوعًا رئيسيًا للمناقشة في مؤتمر الأمم المتحدة (COP 26) حول تغير المناخ، الذي عقد في المملكة المتحدة في أكتوبر ونوفمبر 2021.

الوقود الأحفوري

يمتلك قطاع النفط والغاز العديد من التقنيات التي أثبتت جدواها لمعالجة انبعاثات الميثان، بما في ذلك برامج الكشف عن التسربات وإصلاحها (LDAR)، والكهربة، وأنظمة انتاج الهواء النقي، ووحدات استرداد البخار.[21] ويمكن لهذه التقنيات مجتمعة أن تقلل الانبعاثات بنسبة 70 ٪ بحلول عام 2050.[22] 

ورغم صعوبة قياس الانبعاثات الناجمة عن تعدين الفحم والتقاطها، إلا أنه يمكن تقليلها بنسبة 13٪ بحلول عام 2050. وتمثل الصين وحدها 70٪ من انبعاثات مناجم الفحم العالمية، لذلك من المنطقي اقتصاديًا وبيئيًا بالنسبة لها أن تكون رائدة في الاستثمارات الهادفة إلى التقليل من التلوث.

إدارة النفايات

ثمة عدد قليل من الخيارات للتعامل مع انبعاثات الميثان المتأتية من النفايات البشرية، ولكن، حيثما أمكن، يمكن تدوير النفايات العضوية وتحويلها إلى سماد، ويمكن أن تتحول صناعة الأغذية إلى الهضم اللاهوائي. وبعد ذلك، يتعلق الأمر بتقليل الانبعاثات التي تتسرب من المصادر المتبقية. 

وبالنسبة للنفايات الصلبة، يتعلق الأمر بجمع غازات المكب والتقاطها واستخدامها. وبالمثل، عندما يتعلق الأمر بإدارة مياه الصرف الصحي، يمكن للبحيرات المغطاة والطحالب الدقيقة استرداد الغاز أو منع تكونه .[23] وسيتطلب العديد من هذه الخيارات تحسينات باهظة الثمن، مع فرص محدودة لتعويض التكلفة، مما قد يجعلها بعيدة عن متناول بعض البلدان. ومع ذلك، لا تزال هناك إمكانية للحد من النفايات الصلبة بنسبة 91٪ ومياه الصرف الصحي بنسبة 77٪ بحلول عام 2050.[24]

لكن، كم سيكلف كل هذا؟

قد تصل تكلفة تنفيذ تدابير الحد من غاز الميثان إلى 5.1 تريليون دولار أمريكي على مدار 30 عامًا[25]

ولحسن الحظ، يعتبر الميثان سلعة ثمينة، على عكس ثاني أكسيد الكربون، مما يجعل من السهل تعويض التكلفة المتكبدة في جهود تخفيض نسبته في الهواء. غالبًا ما يمكن تحويل الميثان الإضافي الذي يتم التقاطه إلى نقود مباشرة، وهذا عادة ما يكون أسهل في قطاعي النفط والغاز مقارنة بأي مجال آخر في قطاع الطاقة. وهذا يعني أن خفض الانبعاثات يمكن أن يؤدي إلى وفورات اقتصادية أو على الأقل يمكن تنفيذه بتكلفة منخفضة. على سبيل المثال، تقدر وكالة الطاقة الدولية (IEA) أنه يمكن التخلص من 40٪ من انبعاثات قطاعي النفط والغاز دون تكلفة صافية. صحيح أن هذه العملية ليست رخيصة، لكنها قد تعود بمردود أعلى من التكلفة بكثير.[26]

القياس والإبلاغ

كما قال ويليام طومسون، اللورد كلفن، في عام 1883 (معاد صياغته) “ما يمكن قياسه؛ يمكن إنجازه! “.  حاليًا، تعتمد الكثير من البيانات المتوفرة حول الميثان على التقديرات وأفضل التخمينات. لذا، تحتاج الحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الصناعي إلى زيادة الاستثمار والتعاون لتحسين القياس. على سبيل المثال، تعتبر شركات النفط والغاز من أنشط القطاعات في جمع البيانات، لكنها عادةً ما تحتفظ بها لنفسها، وهذا السلوك يحتاج إلى تغيير، ذلك أن الإبلاغ عن انبعاثات الميثان بشكل منفصل عن ثاني أكسيد الكربون من شأنه أن يوفر أيضًا قدرًا من الوضوح المطلوب في ظل زيادة التدقيق على أكبر مصادر الانبعاث ودعم الأسواق للمنتجات ذات الانبعاثات المنخفضة.

وتعمل شراكة النفط والغاز والميثان التابعة للأمم المتحدة (OGMP) على توحيد بيانات انبعاثات الميثان عبر أعضائها المؤلفين من 66 شركة، والتي تنتج ما مجموعه  30٪ من النفط والغاز في العالم.[27] 

وتعتزم الشركة مشاركة بياناتها قريبًا في المرصد الدولي لانبعاثات الميثان، وهي مبادرة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمفوضية الأوروبية للتعامل مع انبعاثات القطاعين الخاص والعام على حد سواء.[28]

كيف سيتم جمع كل هذه البيانات؟ هذا هو المجال الذي يمكن أن تلعب فيه التكنولوجيا دورًا حيويًا. 

في أي وقت، هناك حوالي 100 تسرب كبير للميثان وعدد لا يحصى من التسريبات الأصغر حول العالم.[29] المشكلة هي أنها متفرقة ويمكن إغفالها. والمشكلة الثانية هي أن أجهزة الاستشعار الأرضية لديها تغطية محدودة. كما أن عمليات المسح بالطائرات والطائرات بدون طيار باهظة الثمن وتستغرق وقتًا طويلاً، هذا فضلا عن حظر الطيران في بعض الأماكن. وهنا يأتي دور الأقمار الصناعية. 

شهدت السنوات الخمس الماضية العديد من عمليات الإطلاق، وهناك المزيد في الطريق. ولعل أكثر هذه المشاريع إثارة للإعجاب هو “كاربون مابر“، وهي مبادرة مشتركة تضم وكالة ناسا، ومجلس كاليفورنيا للموارد الجوية، وشركة الأقمار الصناعية “بلانيت”، وعددًا من الجامعات والمنظمات غير الربحية، وتمولها جهات مانحة خاصة مثل مؤسسة بلومبرغ الخيرية.[30] 

يستهدف المشروع إطلاق قمرين صناعيين في 2023، مع وجود خطط لإطلاق ما يصل إلى 20 قمرًا صناعيًا لتوفر مراقبة لانبعاثات غاز الميثان تغطي جميع أنحاء العالم على مدار الساعة والأسبوع. وفي الوقت نفسه، من المقرر إطلاق قمر صناعي آخر يحمل اسم ميثانسات (MethaneSAT)،  في عام 2022.[31] وسوف يدور هذا القمر الصناعي بنطاق 1 كم2، مما يساعد على تحديد المزيد من انبعاثات الميثان البسيطة، خاصة المتأتية من قطاعي النفط والغاز.

وهذه ليست سوى البداية

على الرغم من النقص الذي يعتري اللوائح والاتفاقات الدولية،[32] إلا أن هناك بعض الدلائل والمؤشرات الواعدة على أن العالم بدأ يتنبه لخطر الميثان. عمل الاتحاد الأوروبي في السابق على خفض انبعاثات عام 2030 إلى 29٪ أقل من انبعاثات عام 2005،  لكنه رفع سقف أهدافه الآن إلى 35٪ – 37٪.[33] وفي سبتمبر 2021، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن تعهد عالمي لخفض انبعاثات الميثان بنسبة 30٪ بحلول عام 2030، مما قد يحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 2 درجة مئوية بحلول عام 2050.[34]  تم إطلاق التعهد رسميًا في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP26)، وتم توقيعه بالفعل من قبل أكثر من 100 دولة، تمثل معًا أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي العالمي[35]. وفي نوفمبر 2021، نشرت الولايات المتحدة أيضا مقترحات لخطة عمل تهدف إلى الحد من انبعاثات الميثان[36] وتتضمن مجموعة من التدابير لاستهداف تسرب غاز الميثان من منصات النفط والغاز في جميع أنحاء الولايات المتحدة. 

وعلى صعيد المنظمات غير الحكومية، تعهدت 20 منظمة خيرية في سبتمبر 2021  بضخ 223 مليون دولار أمريكي لدعم تخفيضات انبعاثات الميثان، وهي أكبر مساهمة من نوعها حتى الآن.[37] 

ربما أن الميثان لا يحظى بنفس القدر الذي يناله غاز ثاني أكسيد الكربون في وسائل الإعلام منذ عقود، لكن العالم يتخذ إجراءات متزايدة للحد من الخطر المتنامي لغازات الاحتباس الحراري في كل مكان. 

ثمة الكثير الذي يتعين القيام به، ولكن خفض انبعاثات الميثان يبقى هدفًا قريب المنال من أيدينا. 

وهناك مجموعة من الخيارات المتاحة بسهولة، وتتسم في معظم الحالات، بأنها أوفر حظًا من خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون،  ولكن ليس هناك وقت نضيعه، بمعنى أن العمل يجب يبدأ الآن.

 

[1]  https://www.theworldcounts.com/challenges/climate-change/global-warming/global-co2-emissions/story

[2]  https://www.iea.org/reports/methane-tracker-2020

[3]  https://www.carbonbrief.org/scientists-concerned-by-record-high-global-methane-emissions

[4]  https://www.ccacoalition.org/en/slcps/tropospheric-ozone

[5]  https://www.epa.gov/ghgemissions/overview-greenhouse-gases#methane

[6]  https://www.ccacoalition.org/en/slcps/methane

[7]  UN Environment Programme August 20, 2021

[8]  https://www.americangeosciences.org/geoscience-currents/methane-emissions-oil-and-gas-industry

[9]  https://www.science.org/doi/10.1126/science.aar7204

[10]  https://research.noaa.gov/article/ArtMID/587/ArticleID/2742/Despite-pandemic-shutdowns-carbon-dioxide-and-methane-surged-in-2020

[11]  https://www.reuters.com/article/us-climate-change-energy-methane-idUSKBN26Z1DA

[12]  https://www.wri.org/blog/2018/12/how-sustainably-feed-10-billion-people-2050-21-charts

[13]   https://www.unep.org/news-and-stories/press-release/global-assessment-urgent-steps-must-be-taken-reduce-methane

[14]  https://www.economist.com/science-and-technology/2021/04/03/those-who-worry-about-co2-should-worry-about-methane-too

[15]  https://www.unep.org/news-and-stories/story/methane-emissions-are-driving-climate-change-heres-how-reduce-them

[16]  UN Environment Programme August 20, 2021

[17]  McKinsey September 23, 2021

[18]  https://theconversation.com/feeding-cows-a-few-ounces-of-seaweed-daily-could-sharply-reduce-their-contribution-to-climate-change-157192

[19]  https://ccacoalition.org/en/resources/rice-global-economy-strategic-research-policy-issues-and-food-security

[20]  McKinsey September 23, 2021

[21]  https://www.mckinsey.com/industries/oil-and-gas/our-insights/the-future-is-now-how-oil-and-gas-companies-can-decarbonize

[22]  McKinsey September 23, 2021

[23]  https://www.ccacoalition.org/en/slcps/methane

[24]  McKinsey September 23, 2021

[25] https://www.mckinsey.com/business-functions/sustainability/our-insights/curbing-methane-emissions-how-five-industries-can-counter-a-major-climate-threat

[26]  https://www.iea.org/reports/methane-tracker-2020

[27]  https://globalmethane.org/challenge/ogmp.html

[28]  https://fsr.eui.eu/international-methane-emissions-observatory-a-new-step-in-limiting-global-ghg-emissions /

[29]  https://www.esa.int/Applications/Observing_the_Earth/Copernicus/Sentinel-5P/Mapping_methane_emissions_on_a_global_scale

[30]  https://carbonmapper.org/

[31]  https://www.methanesat.org

[32]  https://www.iea.org/reports/driving-down-methane-leaks-from-the-oil-and-gas-industry

[33]  https://ec.europa.eu/energy/sites/ener/files/eu_methane_strategy.pdf

[34]  https://ec.europa.eu/commission/presscorner/detail/en/IP_21_4785

[35]  https://www.theguardian.com/environment/2021/nov/02/joe-biden-plan-cut-global-methane-emissions-30-percent

[36]  https://www.whitehouse.gov/wp-content/uploads/2021/11/US-Methane-Emissions-Reduction-Action-Plan-1.pdf

[37] https://www.bloomberg.org/press/leading-philanthropic-organizations-partner-and-commit-to-over-223m-to-reducing-methane-emissions/