في أول يوم من العام الجديد، يحتشد الآلاف من اليائسين على الشاطئ… لا يجول بخاطرهم سوى فكرتان: القفز في القوارب وخوض التجربة، أو السير فقط في البحر للتأمل والأمل … يأتي ذلك بينما تستعر حرائق الغابات التي لم نشهد لها مثيل من قبل في موسمها لعام 22-23 بنيو ساوث ويلز، أستراليا.

كان هذا اليوم ذروة أسابيع من الدخان والنار، تجاوزت فيها درجات الحرارة الـ 40 درجة مئوية، ومع الرياح العاتية، راحت النيران تضطرم بلا هوادة. توقفت الأجهزة الإلكترونية عن العمل بسبب الحرارة الشديدة. ولجأ السكان إلى أقنعة الغاز، يرتدونها حتى عند النوم، وهم غير متأكدين ما إذا كانوا سيستيقظون ام لا. و بشكل مأساوي، لقي كثيرون حتفهم[1].

أتذكر أنني قرأت روايات مباشرة في الأخبار التلفزيونية عن تلك العواصف النارية التي اجتاحت نيو ساوث ويلز وفيكتوريا بأستراليا في عام 2020. كان الأمر مفزعاً يصعب على العقل تخيله. لاحظت مشاهد تذكرنا بالأفلام المروعة… وكنت وقتها أردد بداخلي: لا يمكن أن يكون مستقبلنا هكذا.

لكن المفزع حقاً أن هذه المأساة، التي مر عليها الآن حوالي ثلاث سنوات تقريباً، لم تعد الوحيدة. ففي عام 2021، ابتلعت حرائق الغابات مساحات شاسعة من تركيا واليونان. واضطر السكان المحليون والسياح إلى الفرار من جزيرة إيفيا اليونانية، التي تقع شمال شرق أثينا، عندما أدى حريق هائل إلى استعار النيران في عشرات الآلاف من الهكتارات من الأشجار، وتدمير مئات المنازل.

ويشهد هذا العام ارتفاعاً مرعباً في الأرقام والإحصاءات، إذ اجتاحت الحرائق المستعرة قارات العالم. ففي أوروبا، أتت الحرائق في جنوب غرب فرنسا وشبه الجزيرة الأيبيرية على أكثر من 750.000 مليون هكتار من الأراضي، وهو ما يمثل ضعف  إجمالي ما تم تسجيله على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية مجتمعة[2]. وفي أمريكا الجنوبية، تم تسجيل أكثر من 30 ألف حريق غابات في منطقة الأمازون في شهر أغسطس وحده، وهو ما يمثل المستوى الأعلى على الإطلاق خلال 10 سنوات. كما انتشرت حرائق الغابات في الولايات المتحدة من تكساس الواقعة في الجنوب وحتى واشنطن الواقعة في الشمال وولاية كاليفورنيا في الغرب. وفي قارة آسيا، نزل غضب الظروف الحارة والجافة بكل من كازاخستان ومنغوليا وسيبيريا. كما أبلغت منغوليا عن ارتفاع بلغت نسبته 73٪ في عدد حرائق الغابات مقارنة بالعام السابق مسجلة أكثر من مليون هكتار من الأراضي اجتاحتها الحرائق[3]. وفي أستراليا، امتدت هذه الأحداث المتكررة إلى الغرب، لتضرب الأراضي المحيطة بألباني، وإيجل باي، ودنسبورو، وبريدجتاون. وقد نجت ولايتا نيو ساوث ويلز وفيكتوريا من السيناريو الأسوأ لأن الكثير من النباتات القابلة للاشتعال كانت بالفعل متفحمة جراء المواسم السابقة.

ويحترق عالمنا من حولنا، ونحن نشاهده برعب وذهول. وليس ثمة ما يجعلنا نقف مكتوفي الأيدي في انتظار مستقبل بائس.

درجات حرارة الهواء السطحي عبر نصف الكرة الشرقي في 13 يوليو 2022. حقوق الصورة: مرصد الأرض التابع لناسا.

لقد بات جلياً أن الإنسان يعتبر العنصر الفاعل الرئيس في سيناريو اندلاع حرائق الغابات حول العالم. فإذا كانت تلك الحرائق تعكس جريمة بكل المقاييس، فأدلة الإدانة إنما تشير إلينا نحن البشر.  

فوفقا لتقديرات نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي (EFFIS) ، يعزى ما يصل إلى 95٪ من حرائق الغابات في أوروبا هذا العام إلى بعض جوانب الأنشطة البشرية[4]. ويصف عالم المناخ الإنجليزي، الدكتور ماثيو جونز،  موجات الحر والجفاف بأنها “العوامل التي تم رصدها” في السنوات التي شهدت حرائق الغابات الهائلة – والتي تنطوي على مجموعة من الظروف تفاقمت بسبب تغير المناخ الذي هو من فعل الإنسان. [5]

نعم … إن تغير المناخ الذي سببه الإنسان وحرائق الغابات ما هما إلا وجهان لعملة واحدة. وهما معا يعكسان جهلنا البيئي الذي دام لعقود، وما تبع ذلك من سوء إدارة للكارثة.

العبث بنظام الحرائق الطبيعية يحدث فوضى عارمة حول العالم

وفي تقرير آفاق 2022، وتحت عنوان “الضوضاء والحرائق وأوجه التباين: القضايا الناشئة ذات الاهتمام البيئي”[6]، يسلط برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) الضوء على المخاطر التي نواجهها – ومسؤوليتنا الجماعية تجاهها.

يصف التقرير مستقبلاً مرعباً وملعوناً محاطاً بالنيران: عالم تتواتر فيه كوارث الحرائق أكثر من أي وقت مضى، ويعزى ذلك إلى تصاعد غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض على نحو متزايد، والسلوك المجتمعي المشوب بالمخاطر.

فمن المنتظر أن يؤدي الاحترار العالمي (والذي قد يعكس زيادة في درجات الحرارة تصل إلى 2.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن بناءً على التعهدات البيئية الحالية[7]) إلى تمديد مواسم الحرائق وإطلاق المزيد منها. من ناحية أخرى، سيسهم التوسع الحضري في جعل المزيد من المجتمعات تعيش على أعتاب النظم البيئية المعرضة لتلك الحرائق، وستؤدي الاستخدامات المستحدثة وغير المسئولة للأراضي إلى الإخلال بالتوازن بين النار والغطاء النباتي.

إن هذه الظروف مجتمعة قد تمثل وصفة دقيقة لإطلاق كارثة … والأمر يستلزم النهوض واتخاذ إجراءات عاجلة.

ما خلصنا إليه قد يبدو للوهلة الأولى مفتقراً إلى المنطق: فكل حرائق الغابات ليست “سيئة”. فحرائق الغابات المتوازنة، والتي تحدث بشكل طبيعي، تعد في الواقع أحد الضوابط الضرورية للحفاظ على علاقة متوازنة بين المناخ والغطاء النباتي داخل نظام بيئي معين. وإلا فكيف يمكن التخلص من الغطاء النباتي المسن لإفساح المجال لغطاء جديد  معاف؟ وكيف يمكن للنباتات التي تعتمد على النار في الإزهار ونثر البذور والإنبات – مثل بساتين الفاكهة والزنابق والأعشاب والشجيرات – أن تنطلق إلى المرحلة التالية من دورات حياتها دون هذا التدخل العنيف من الطبيعة؟ إن هذه الأنماط الطبيعية من الحرق والتعافي تعرف باسم “نظام الحرائق الطبيعية” في البيئة.

حتى الآن … لا مشكلة.

لقد ظهرت المشكلات في عصرنا الحديث، داخل المحيط الحيوي لعصر ما بعد الصناعة، حيث تحولت هذه الأنظمة الدقيقة التي تعود إلى آلاف السنين إلى أمور فوضوية تماماً.

فاليوم، تشتعل حرائق الغابات بشكل متكرر وبقوة أكبر. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، التهمت حرائق الغابات منذ عام 2002 أكثر من 1.7 مليون فدان من الأراضي، مقارنة بما يزيد قليلاً عن 0.8 مليون فدان في العقود الماضية[8].

وتتجاوز حرائق الألفية الثالثة القيود والضوابط التقليدية للطبيعة، مما يخل بتوازن النظام البيئي. وكما رأينا، تتحدى تلك الحرائق قدرة الإنسان على قمع غضبها في السيناريوهات الأسوء.

فما هي تلك الاضطرابات التي حلت بنظام الحرائق الطبيعية وكيف حدثت؟ تعتمد الإجابة على موقعك في هذا العالم:

  • صحاري منتصف خط العرض: يؤدي نمو الأعشاب الدخيلة القابلة للاحتراق إلى زيادة فرص حدوث الحرائق ومنع تجدد الدورة الحياتية للنباتات بشكل طبيعي.
  • الغابات الموسمية الجافة: الإفراط في محاولات منع الحرائق يؤدي إلى حدوث “حرائق تاجية” أقل تواتراً وأكثر استعاراً، ويجعلها تنتشر بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
  • الغابات الشمالية: الحرائق التي تجتاح الغابات بقوة غير مسبوقة تطلق الكربون المخزن منذ فترة طويلة من التربة إلى الغلاف الجوي. كما أنها تمنع زراعة الأشجار البديلة، ويترتب على ذلك عواقب مناخية ضارة.
  • السافانا الاستوائية: يقلل الرعي المتواصل الذي يرتبط بالتقنيات الزراعية أو الصناعية المكثفة من فرص حدوث حرائق الأدغال، وهو ما يؤثر بالسلب على التنوع الحيوي ويؤدي إلى زيادة الغطاء النباتي بشكل مفرط.
  • الغابات المطيرة: يؤدي مثلث الشر المتمثل في إزالة الغابات، وارتفاع درجات الحرارة، والرعي الجائر إلى حدوث التغييرات الأكثر وضوحاً في العالم. فيتم الإبلاغ الآن عن حرائق سطحية متكررة وقوية في الغابات المطيرة التي كانت رطوبتها العالية تحصنها ضد عنف الطبيعية.

وفي النظم البيئية حول العالم، تتكرر المشاهد المفزعة نفسها: فأنظمة الحرائق غير الطبيعية تجور على علاقات المصالح المتبادلة الطبيعية،  وتطلق الكربون في الهواء، وتهدد المجتمعات القريبة منها والنائية.

ولعل تأثير ذلك على البيئة وعلى صحة الإنسان بات جلياً للجميع.

تقدم خريطة الحرائق التي تعتمد على بيانات الأرض الخاصة بوكالة ناسا مواقع الحرائق المكتشفة بواسطة مقياس الطيف التصويري ذي الدقة المعتدلة (MODIS) على متن أقمار تيرا وأكوا Terra & Aqua خلال فترة 10 أيام. وتشير كل نقطة إلى موقع اكتشف فيه حريقاً واحداً على الأقل. حقوق الصورة: ناسا https://worldview.earthdata.nasa.gov/

حرائق الغابات عرض لمرض كوكبنا

يؤكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة على أننا نواجه الآن دائرة مفرغة قد تكون الأسوء على الإطلاق: ” فبينما يؤثر تغير المناخ على حرائق الغابات، تؤثر الحرائق بدورها على تغير المناخ”.[9]

فغابات الأمازون المطيرة، التي كانت من قبل تمنع تصاعد الكربون، باتت تمثل مصدراً لانبعاثات الكربون. كما أن الحرائق تسهم في الذوبان السريع للتربة الصقيعية القطبية الشمالية عبر سيبيريا، وهو ما يؤدي إلى إطلاق غاز الميثان وارتفاع مستويات سطح البحر. ومع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة تقلبات الطقس، اصبحت الأحداث الطبيعية المرتبطة بالحرائق مثل موجات الحر والصواعق أكثر تواتراً.

إن الآثار التي يخلفها كل ذلك على الحياة جد مفزعة. فحرائق الغابات تطلق ملوثات خطيرة تشمل جزيئات الكربون الأسود، وتنشرها في الرئتين، حتى وإن كنت تبعد آلاف الأميال عن مصدرها.

كما يعمل السخام الجوي على الحد من قدرة الكوكب على عكس ضوء الشمس، وهو ما يسبب ارتفاع درجة الحرارة. وتزداد مستويات الرواسب في الأنهار، مما قد يؤدي إلى تسمم مصادر المياه واستنزاف مخزون الأسماك الغني بالبروتين. ومع  تجريف الغطاء النباتي الذي يجعل الأرض متماسكة تحت أقدامنا، تسهم حرائق الغابات في تآكل التربة، وقد تصبح من العوامل المسببة لبعض الكوارث مثل الانهيارات الأرضية.

وحتمياً، تعد الفئات الأكثر ضعفاً بين الشباب وكبار السن والفقراء أكثر من يعاني من اجتياح حرائق الغابات.[10]

وتقضي حرائق الغابات أيضاً على التنوع الحيوي. إذ تظهر الأبحاث أن آلاف الأنواع مهددة بشكل مباشر بسبب آثار الحرائق التي تنتشر على نطاق واسع، بما في ذلك 28٪ من جميع الأنواع في مناطق السافانا و26.3٪ من الأنواع في مناطق الأراضي العشبية.[11]

لقد بات جلياً أنه ليس من الممكن أن نمضي في طريقنا الحالي. فحتى في دول الاقتصادات المتقدمة، والتي غالباً ما تكون محمية من أسوأ صور التدهور البيئي، لم يعد من الممكن التغاضي عن الخطر المتزايد الذي تشكله حرائق الغابات في عالمنا الذي يزداد احتراراً كل يوم. فقد أعلنت  المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) أن درجات الحرارة في أوروبا على مدى العقود الثلاثة الماضية زادت بأكثر من ضعف المتوسط العالمي – وكانت حرائق الغابات من بين النتائج الحتمية لذلك[12]. وفقا لتوقعات المنظمة، قد تستمر هذه الارتفاعات غير المتكافئة في درجات الحرارة في أوروبا، ويرجع ذلك إلى حد ما إلى أن النسبة الكبيرة من الكتلة الأرضية الموجودة في أوروبا ترتفع بها درجة الحرارة بشكل أسرع مقارنة بالبحر.

ولكن لحسن الحظ، ثمة بعض التدابير التي يمكن الأخذ بها من أجل الحد من تواتر حرائق الغابات العالمية وتأثيراتها. ولعل تبني نهج منسق طويل الأجل هو العلاج الأمثل.

خفض درجات الحرارة

تمثل حرائق الغابات واحدة من قوى الطبيعة التي لا يمكن السيطرة عليها بشكل كلي. لكن ذلك لا يعني أننا غير قادرين على تغيير المسار. فالتدابير التي سنتخذها اليوم قد تحدد توقيتات تلك الحرائق، وأماكنها وكذا حجم ما ستخلفه من دمار وخسائر.

أولا … الإنذار المبكر طوق للنجاة.

إن التطورات الأخيرة التي شهدها مجال الأرصاد الجوية، الذي يمضي مدفوعا بالتقنيات الحديثة، والذي من المتوقع أن يشهد المزيد من التطور مع  تقدم مجال الذكاء الاصطناعي (AI) ، من المنتظر أن تتيح للعلماء التنبؤ بما يطلق عليه “طقس الحرائق” ( ونعني هنا الظروف شديدة الحرارة والجفاف والتي تنذر بالخطر) بدقة تفوق أي وقت مضى.  فالنمذجة وجمع البيانات الأكثر ذكاءً اعتماداً على الرادارات الأرضية وكاشفات الصواعق والأقمار الصناعية قد تسهم في صقل أنظمة التنبؤ بحرائق الغابات.

 فإذا نظرنا إلى برنامج المراقبة كوبرنيكوس Copernicus الخاص بالاتحاد الأوروبي؛ أو شبكة أمريكا اللاتينية الإقليمية للاستشعار عن بعد وحرائق الغابات؛ أو برنامج Queimadas الذي أطلقه المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء (NISR) ، نرى أن كلها مبادرات تقوم بتمويل بحوث حديثة تركز على مراقبة الحرارة وتدرس طرائق تحديد حرائق الغابات والتنبؤ بها.

فإذا ما توافرت للمجتمعات المنكوبة تحذيرات  مسبقة كافية من حرائق وشيكة، فإن ذلك سيمكنها من اتخاذ التدابير اللازمة للحد من انتشار الحرائق، وإنقاذ المنازل، والحفاظ على الأرواح. وستتمكن هذه المجتمعات من الحد من اندلاع الحرائق في الغابات، و كذا البدء في تخزين موارد مياه كافية لمكافحة الحرائق، وفي أسوأ السيناريوهات، إطلاق عمليات الإخلاء إلى أماكن أكثر أماناً.[13]

دائما ما يقولون أن الوقاية خير من العلاج … وينطبق ذلك على المناطق التي تتعرض لحرائق الغابات لا سيما تلك القريبة من المراكز السكانية. فنحن نرى في الوقت الحالي حرائق تندلع بسبب آلات زراعية معيبة، أو حرق مخلفات الأخشاب، أو حدوث عطل في أحد خطوط الكهرباء. ولذا تعد صيانة المعدات والتعامل بصورة أكثر حذراً مع المواد القابلة للاشتعال ذات أهمية قصوى فيما يتعلق بالحد من الحرائق التي تستعر عن غير عمد.

من ناحية اخرى، قد يسهم الحرق التكتيكي للنباتات القديمة والقابلة للاشتعال خلال المواسم التي يتراجع فيها خطر إندلاع الحرائق في التخلص من الوقود الحيوي الذي يجعل حرائق الغابات تستعر بشكل هائل حال اندلاعها.

وفي البرازيل ، يتم تشجيع المجتمعات الريفية والأصلية على نشر تقنيات إدارة الحرائق التقليدية لغرض منع اندلاع حرائق الغابات. ومن خلال السيطرة على مخزون الغطاء النباتي القابل للاشتعال والحد منه والرقابة، تراجعت مساحات الأراضي التي أتت عليها النيران بنسبة 57% خلال موسم الجفاف بسبب هذه التدابير[14].  

وقد استلهمت اللجنة الملكية المكلفة بالتحقيق في حرائق الغابات التي اندلعت في أستراليا 2019-2020 الأفكار من قصص النجاح هذه، وقدمت توصيات مماثلة بناءً على ممارسات السكان الأصليين لإدارة الأزمة.

ومن المنتظر أن يتطلب الحد من آثار حرائق الغابات العالمية تخطيطاً طويل الاجل – ونعني هنا هذا النوع من التخطيط الذي لا يقتصر على البلدان وحسب بل يمتد إلى القارات أيضاً. وسيتطلب الأمر مشاركة الموارد الخاصة بمكافحة الحرائق بين نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي، ويشمل ذلك الأفراد المدربين والطائرات المجهزة بشكل خاص. وسيعني كل ذلك التركيز على الفوائد التي ستعود على العالم باسره لا الفوائد المحلية، لا سيما مع بدء مواسم الحرائق في التداخل بين المناطق المختلفة.

 

فلننهض ونتحرك فالوقت كالسيف. وكما هو الحال مع أي قضية متعلقة بالمناخ تقريباً، تشير الدلائل إلى تدهور الظروف قبل أن تتاح الفرص لتدارك الأمر. ففترة مواسم الحرائق قد ازدادت بحوالي 27٪ على مستوى العالم منذ الثمانينيات، وتتركز هذه النسبة – بشكل غير متناسب – في اتجاه البحر الأبيض المتوسط وأراضي الغابات في أمريكا الشمالية والأمازون.

و بنظرة مستقبلية، يوضح أحد البحوث الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) أن كل درجة تضاف إلى ظاهرة الاحتباس الحراري ستؤدي إلى تمديد ظروف “طقس الحرائق” في معظم المناطق حول الكوكب. ويحذر المنتدى الاقتصادي العالمي من أن أي زيادة تتخطى الدرجتين المئويتين سيكون من شأنها تحفيز اندلاع حرائق “لا يمكن التنبؤ بقوتها” الآن.

لذلك فإننا نسعى للبحث عن سبل لمعالجة هذه المشكلة مهما كلفنا الأمر وسيكون ذلك من خلال استراتيجية واحدة تكون الأسرع والأقوى تأثيراً فيما يتعلق بالحد من حرائق الغابات.

لا شك ان خفض غازات الدفيئة في الغلاف الجوي سيكون مؤثراً جداً في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وكذا في تحجيم مواسم الحرائق، وبالتالي الحد من انتشار حرائق الغابات على مستوى العالم. فهل ما زال لدينا الوقت لمواجهة وتحييد أسوأ آثار تغير المناخ؟

والآن … أي مستقبل سنختار؟

لقد تسبب البشر في رفع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بحوالي 50٪ مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية. ونتيجة لذلك، ارتفعت درجة حرارة العالم بالفعل بمقدار 1.1 درجة مئوية خلال القرن الماضي[15]. ولا يمثل ذلك مجرد تخمينات أو توقعات، بل يعكس أضراراً حدثت بالفعل، وتنذر بوجود اخطار أكبر قاب قوسين أو أدنى ما لم نعمل على تغيير موقفنا الجماعي بصفتنا أوصياء وأمناء على هذا الكوكب.

وفي نوفمبر 2022، توجهت أنظار العالم نحو مصر التي استضافت على أراضيها مؤتمر الأمم المتحدة الأخير للتغير المناخي (COP27)، حيث اجتمع قادة العالم من أجل تقديم خطط عمل وطنية تهدف إلى مواجهة الاحتباس الحراري. وقبل الاجتماع، تم التأكيد على الأطراف المشاركة بأن الالتزامات التي تم التعهد بها في مؤتمر قمة المناخ COP26 العام الماضي لم تكن كافية كي لا يتخطى معدل ارتفاع درجات الحرارة العالمية الـ 1.5 درجة مئوية.

حقوق الصورة: برنامج الأمم المتحدة للبيئة

على الرغم من ذلك، جاء انعقاد المؤتمر على خلفية الصراع في أوكرانيا والضغط على إمدادات الطاقة في جميع أنحاء العالم، ولذا جاءت نتائج المؤتمر غير واضحة المعالم، وشعر العديد من المراقبين أن المؤتمر لم يحرز تقدماً كافياً بشأن التعهدات التي صدرت عن سابقه. [16][17]

وخلال المؤتمر، تم إنشاء صندوق مشترك للـ “الخسائر والأضرار”، يتمثل الغرض منه في تقديم المساعدات من أجل مساندة الدول النامية في مواجهة شبح الكارثة المناخية التي تلوح في الأفق. لكن ذلك بدا لبعض المدافعين عن البيئة خطيراً، إذ رأوا فيه اعترافاً بالتخلي عن هدف الـ 1.5 درجة مئوية، وهو ما أثار الاتهامات بأن صانعي السياسات لا يزالون يفضلون الطرق قصيرة الأجل في معالجة مشكلة الطاقة بدلا من اعتماد استثمارات الطاقة الخضراء طويلة الأجل[18].

وتتجه الأنظار الآن صوب مؤتمر قمة المناخ COP28 والمقرر انعقاده في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة من نوفمبر إلى ديسمبر 2023.  وينظر المراقبون إلى هذا المؤتمر باعتباره فرصة أخيرة للحفاظ على ما تبقى من حلم الـ 1.5 درجة مئوية. ولعل حرائق الغابات تعد أحد أبرز الأدلة لما سيحدث حال فشلنا في تحقيق ذلك.

ما من أحد يمكنه أن يحلم بأن تلقي موجات الحر الشديد علينا بظلال الرحمة … وما من أحد يمكنه أن يتوقع أن تُحل المشكلات البيئية من تلقاء نفسها.

 

[1] https://whowhatwhy.org/science/environment/we-sleep-in-our-gas-masks-eyewitness-to-australias-firestorm/

[2] https://www.euronews.com/green/2022/10/24/climate-now-debate-2022-how-do-we-beat-wildfires

[3] https://news.mn/en/797800/

[4] https://ec.europa.eu/environment/forests/pdf/InTech.pdf

[5] https://www.bbc.co.uk/news/58159451

[6] https://wedocs.unep.org/bitstream/handle/20.500.11822/38061/Frontiers_2022CH2.pdf

[7] https://www.theguardian.com/environment/2022/oct/27/world-close-to-irreversible-climate-breakdown-warn-major-studies

[8] https://www.epa.gov/climate-indicators/climate-change-indicators-wildfires

[9] https://wedocs.unep.org/bitstream/handle/20.500.11822/38061/Frontiers_2022CH2.pdf

[10] https://reliefweb.int/report/world/wildfires-under-climate-change-burning-issue

[11] https://wedocs.unep.org/bitstream/handle/20.500.11822/38061/Frontiers_2022CH2.pdf

[12] https://www.theguardian.com/environment/2022/nov/02/europes-climate-warming-at-twice-rate-of-global-average-says-report

[13] https://www.weforum.org/agenda/2022/07/climate-change-wildfire-risk-has-grown-nearly-everywhere-but-we-can-still-influence-where-and-how-fires-strike/

[14] https://wedocs.unep.org/bitstream/handle/20.500.11822/38061/Frontiers_2022CH2.pdf

[15] https://www.weforum.org/agenda/2022/07/climate-change-wildfire-risk-has-grown-nearly-everywhere-but-we-can-still-influence-where-and-how-fires-strike/

[16] https://www.bbc.co.uk/news/science-environment-63693738

[17] https://www.theguardian.com/environment/2022/nov/17/draft-cop27-agreement-fails-to-call-for-phase-down-of-all-fossil-fuels

[18] https://www.theguardian.com/environment/2022/nov/20/deal-on-loss-and-damage-fund-at-cop27-marks-climbdown-by-rich-countries