التحول إلى الطاقة الحرارية الأرضية
يدرك الناظر من فوق حافة أية “كالديرا” – ونعني بها تلك البحيرة البركانية التي تتكون بعد البراكين – أن ثمة طاقة هائلة لاتزال كامنة هناك، لا يستطيع الإنسان – في كثير من الأحيان – أن يحصل إلا على جزء بسيط جداً منها. عندما اندلع بركان جبل تامبورا في إندونيسيا عام 1815، كان أقوى بعشر مرات تقريباً من بركان جبل كراكاتاو[1] الأكثر شهرة، والذي ثار عام 1883 مطلقاً سحابة هائلة من الكبريت غطت سماء الكوكب. وقد تمخض عن ذلك تراجع درجات الحرارة واضطراب أنماط الطقس بشكل ملحوظ . ما أدى [2]إلى التأثير سلباً على المحاصيل المختلفة وانتشار المجاعات.
ومؤخراً، عندما ثار بركان جبل سانت هيلين في الولايات المتحدة في عام 1980، أطلق حوالي 24 ميجا طن من الطاقة الحرارية، وهو ما يعادل 1600 ضعف من حجم القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما[3] في عام 1945.
وتوفر الطاقة الحرارية الأرضية، التي تستمد من الحرارة المخزنة داخل الأرض نفسها، فرصة فريدة للاستفادة من مخزون الطاقة الهائل الموجود في كوكبنا. ووفقا لتقديرات وزارة الطاقة الأميركية، تمتلك الولايات المتحدة وحدها قدراً مذهلاً من الموارد الحرارية يقدر بخمسة تيراواط ـ وهو ما يكفي لتلبية احتياجات العالم بأسره من الطاقة.[[4]
وعلى عكس مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، توفر الطاقة الحرارية الأرضية كل من الكهرباء والحرارة في آن واحد، ناهيك عن إمكانية استخراج المعادن ذات القيمة المضافة. وباعتبارها مصدر للكهرباء، تعد الطاقة الحرارية الأرضية معيناً يمكن الاعتماد عليه في توليد الكهرباء بكفاءة عالية. كما أن انبعاثات غازات الدفيئة والتأثيرات السلبية على البيئة تتراجع بشكل ملحوظ في هذا النوع من مصادر الطاقة.
وتجدر الإشارة إلى أنه عندما تتم إدارة الطاقة الحرارية الأرضية بشكل صحيح، يتوافر لدينا مصدر للطاقة طويل الأمد ومستدام وقابل للتطوير وذو تكلفة تشغيل منخفضة. كما أنه من خلال توفير الحرارة مباشرة، تزداد الكفاءة ويقل استهلاك الكهرباء لأغراض التدفئة والتبريد.
وعلى الرغم من كل هذه الايجابيات التي تنطوي عليها الطاقة الحرارية الأرضية، إلا أنها تواجه العديد من التحديات التي أعاقت إحراز تقدم في هذا المضمار- حتى في المناطق التي يسهل فيها النفاذ إلى هذا المصدر الرائع للطاقة. فغالباً ما تواجه مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية معوقات تتمثل في الجداول الزمنية المطولة فيما يتعلق بتطوير المشروعات، وهو الأمر الذي يتطلب إنفاق رأسمالي هائل. وهناك أيضا المخاطر التي تظهر في المراحل الاستكشافية الأولية[5]. وثمة عقبات أخرى ترتبط بالتمويل، والأطر السياسية والتنظيمية، والخبرات المؤسسية والفنية، والحاجة إلى إحراز التقدم التقني. وكل هذه التحديات والمعوقات تؤثر على تطبيقات توليد الكهرباء والتدفئة، مما يعيق تحقيق كامل إمكانات الطاقة الحرارية الأرضية حتى الآن.
على الرغم من كل ذلك، فإن الوضع يتغير بسرعة، ويرجع الفضل في ذلك إلى التقنيات المبتكرة وبرامج التمويل الإبداعية.
ولنأخذ اليابان مثالا[6]. فبعد الحادث النووي الذي وقع في فوكوشيما عام 2011، راحت الحكومة تعمل مرة أخرى على تشجيع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة عن طريق إطلاق برامج الدعم وتعريفات التغذية. ومن خلال تقديم أسعار تفضيلية وعقود طويلة الأجل لمطوري المشروعات، نجحت تعريفات التغذية الراجعة في تحفيز إيصال إمدادات الكهرباء المستمدة من مصادر الطاقة الحرارية الأرضية إلى الشبكة الوطنية. وقد أدى ذلك إلى إنشاء أكثر من 60 محطة للطاقة الحرارية الأرضية، كل منها تولد ما يصل إلى 2 ميجاوات من الكهرباء، وذلك عبر 45 حقلاً للطاقة الحرارية الأرضية. ولعل ما يميز هذه المحطات الكهربائية الصغيرة التي تعتمد على الطاقة الحرارية الأرضية ــ والذي قد تصبح نموذجاً للمزيد من المشروعات تقام في أماكن أخرى ــ هو تراجع معدلات المخاطر ومتطلبات الاستثمار، مع توافر إمكانية بدء التشغيل دون الحاجة إلى عمليات استكشافية واسعة النطاق.
كيف نحصل على الطاقة الحرارية الأرضية
تستغل الطاقة الحرارية الأرضية الحرارة المخزنة داخل القشرة الأرضية. ويتم الحصول عليها عن طريق الحفر في الأرض واستخراج الحرارة باستخدام السوائل، والتي يتم بعد ذلك نقلها إلى السطح. وعلى السطح، يتم استخراج الطاقة من السوائل وتحويلها إلى كهرباء أو استخدامها مباشرة كحرارة.
ويمكن العثور على الطاقة الحرارية الأرضية عند أعماق مختلفة ودرجات حرارة متفاوتة. وتعد الأنظمة الحرارية المائية الأكثر تطوراً في هذا السياق، وهي تستخدم الماء كقناة للحرارة المنتشرة في الصخور العميقة.
وتعتمد الإمكانيات والاستخدامات المختلفة للطاقة الحرارية الأرضية على درجة الحرارة، والتي تصنف إلى ثلاث فئات: حرارة مرتفعة (فوق 150 درجة مئوية)، وحرارة متوسطة (90-150 درجة مئوية)، وحرارة منخفضة (أقل من 90 درجة مئوية).
وتعد المصادر مرتفعة الحرارة المثلى لإنتاج الكهرباء، في حين تستخدم المصادر ذات درجة الحرارة المتوسطة في تدفئة الأماكن والعمليات الصناعية وتطبيقات الأغذية الزراعية. وتُستخدم المصادر منخفضة الحرارة في تدفئة المباني والأغراض الأخرى التي تحتاج إلى حرارة مثل المنتجعات الصحية وحمامات السباحة[7].
الكهرباء الحرارية الأرضية
تشمل التقنيات الأساسية المستخدمة في محطات الطاقة لغرض تحويل الطاقة الحرارية الأرضية إلى كهرباء: البخار الجاف، وبخار الوميض، والدورة الثنائية[8]. تستخرج محطات البخار الجاف البخار مباشرة من خزانات الطاقة الحرارية الأرضية،
ثم يتم توجيهه إلى توربينات بخارية مقترنة بمولد لإنتاج الكهرباء. ويتم التخلص من بخار العادم في مكثف لغرض تحسين الكفاءة. وفي الوحدات الأصغر حجماً، تطلق محطات الضغط الخلفي بخار العادم مباشرة في الغلاف الجوي، مما يوفر حلاً أبسط وأقل تكلفة.
أما تقنية بخار الوميض فتشمل استخدام سوائل الطاقة الحرارية الأرضية ثنائية الطور. وتمثل هذه التقنية الطريقة الأكثر شيوعًا في محطات الطاقة الحرارية الأرضية الموجودة في جميع أنحاء العالم. وتتضمن هذه العملية تبخير السائل الحراري الأرضي عند ضغط منخفض بواسطة الوميض، ثم فصل مكون البخار عن المكون السائل. ويتبع ذلك نشر البخار عبر توربين مقترن بمولد لإنتاج الكهرباء. وأخيراً يتم التخلص من عادم البخار في مكثف أو إطلاقه في الغلاف الجوي. ويمكن توليد كهرباء إضافية عن طريق تعرض المكون السائل الذي يتم فصله للوميض.
وبالنسبة لمحطات الدورة الثنائية، فتقوم بنقل الحرارة من السائل الحراري الأرضي إلى سائل ثانوي ذو نقطة غليان أقل، فتتولد الكهرباء من خلال نظام الحلقة المغلقة. ويمكن تشغيل المحطات الثنائية عند درجات حرارة منخفضة و هي تتمتع بميزة القدرة على توليد الكهرباء من موارد الطاقة الحرارية الأرضية عند حرارة منخفضة تتراوح بين 70 درجة -80 درجة مئوية.
توفر مولدات رأس البئر، وهي وحدات لا يتخطى انتاجها 10 ميجاوات، حلاً مثاليا لتحقيق ايرادات سريعة خلال مرحلة تطوير حقول الطاقة الحرارية الأرضية. وتستفيد هذه المولدات من الآبار القائمة بالفعل، وهو ما يقلل من الوقت اللازم لتحقيق العائد من الاستثمار. وتنطوي هذه المولدات على العديد من الميزات. فهي – على سبيل المثال – لا تحتاج لخطوط أنابيب طويلة ووقت تركبيها أقصر مقارنة بمحطات الطاقة الأكبر حجماً.
وتتغير قواعد اللعبة في الأسواق الناشئة…
أكثر من 80 دولة، بما في ذلك العديد من الأسواق الناشئة، قد أصبحت بالفعل من كبار منتجي الطاقة الحرارية الأرضية. في عام 2022، احتلت إندونيسيا المركز الثاني بين أكبر المنتجين في العالم بقدرة انتاجية وصلت لـ 2356 ميجاوات. وجاء في المركز الثالث الفلبين (1935 ميجاوات)، ثم تركيا (1682 ميجاوات)، فالمكسيك (963 ميجاوات)، وكينيا (944 ميجاوات)[9] ووفي الوقت الحالي، تعمل بعض هذه البلدان على إعادة هيكلة أطرها المالية لغرض جذب المزيد من الاستثمارات ودفع وتيرة التوسع في مجال الطاقة الحرارية الأرضية.
وتدرك هذه الاقتصادات الناشئة ما للطاقة الحرارية الأرضية من إمكانات، ولذا فهي تضع أهدافاً طموحة لزيادة حصتها في مزيج الطاقة لديها. فإندونيسيا، والتي تعتمد بشكل كبير على الفحم لتوليد الكهرباء، ترنو إلى توليد 23٪ من طاقتها من مصادر متجددة بحلول عام 2025. ولدعم هذا الهدف، خصصت الحكومة ميزانية إنفاق رأسمالية كبيرة لشركة بيرتامينا للطاقة الحرارية الأرضية والمعروف اختصاراً بـ (PGE)، والتي تقع بين مطوري الطاقة الحرارية الأرضية التابعين للدولة. فمن المقرر أن تحصل هذه الشركة على 250 مليون دولار أمريكي في عام 2023، وقد يصل حجم التمويل إلى 1.6 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027. ومن المنتظر أن تمكن مثل هذه الاستثمارات الشركة من زيادة قدرة الطاقة الحرارية الأرضية لديها من حوالي 700 ميجاوات إلى 1300 ميجاوات10].
ومن أجل جذب المزيد من الاستثمارات، تسعى إندونيسيا بدأب إلى إقامة شراكات مع شركات أجنبية. فعلى سبيل المثال، دخلت شركة ميتسوبيشي باور في شراكة مع شركة بيرتامينا للطاقة الحرارية الأرضية لغرض بناء وحدة بقدرة 55 ميجاوات في محطة لامت بالاي Lumut Balai الوحدة الثانية، بدعم من وكالة التعاون الدولي اليابانية.
كما وقعت شركة بيرتامينا للطاقة الحرارية الأرضية وشركة ايكسرجي Exergyالإيطالية مذكرة تفاهم لغرض دراسة التطوير المشترك لمجال الطاقة الحرارية الأرضية في البلاد[11]. والجدير بالذكر أن إيطاليا تعد ثامن أكبر منتج للطاقة الحرارية الأرضية في العالم.
وتعمل إندونيسيا على تعزيز الشراكات مع الشركات الإماراتية، مثل “مصدر”، والتي قامت بأول استثمار لها في مجال الطاقة الحرارية الأرضية من خلال الاستحواذ على أسهم في الطرح العام الأولي لشركة بيرتامينا للطاقة الحرارية.
وتهتم الفلبين أيضاً بالاستفادة من إمكانات الطاقة الحرارية الأرضية في إطار سعيها لتحقيق هدفها المتمثل في وصول حصة مصادر الطاقة المتجددة إلى 50٪ من مزيج الطاقة لديها بحلول عام [12]]2040. فالفلبين لديها خطط ترمي إلى زيادة قدرتها من الطاقة الحرارية الأرضية بنسبة 75% خلال هذه الفترة، ولذا فهي تقوم حالياً بوضع سياسات لدفع عجلة التنمية هذا القطاع. فعلى سبيل المثال، أعلنت الشركة الفلبينية لإنتاج الطاقة الحرارية الأرضية، والمملوكة لمجموعة إس إم للاستثمارات المحلية، أعلنت عن خطط لتطوير خمسة مشروعات جديدة للطاقة الحرارية الأرضية، مما يعني زيادة في القدرة بمعدل يتراوح بين 250 إلى 400 ميجاوات. ولغرض جذب الاستثمار الأجنبي، قامت الحكومة بإلغاء شرط الملكية المحلية، مما سمح للشركات الأجنبية بامتلاك هذه الأصول بنسبة 100%.
ومن جانبها، لم تقم كينيا ببناء أول محطة للطاقة الحرارية الأرضية في أفريقيا فحسب، بل قامت أيضاً – خلال الفترة 2020-2021 – بتوليد 48٪ من الكهرباء من مصادر الطاقة الحرارية الأرضية. وهي تعتزم المضي قدماً. فقد وضعت الدولة أهدافاً طموحة للتنمية الخضراء، كما ترنو إلى زيادة قدرتها الحالية من الطاقة الحرارية الأرضية البالغة 944 ميجاوات لتصل إلى 1600 ميجاوات بحلول عام 2030، وإلى 10000 ميجاوات من الطاقة الحرارية الأرضية بحلول عام 2037 – ويمثل ذلك 10 أضعاف قدرتها الحالية.[13]
ومثل إندونيسيا، تسعى كينيا إلى استقطاب الاستثمار الأجنبي والخبرات. ولذا فقد قامت باستضافة منتدى الأعمال والاستثمار في مجال الطاقة الحرارية الأرضية المقام برعاية إيطاليا وكينيا في مارس 2023، ووقعت اتفاقيات مع شركة الطاقة المتجددة الأسترالية فورتسكو فيوتشر ايندستريز Fortescue Future Industries ومنتج الطاقة المستقل جلوبلك Globeleq لغرض الاستثمار في الطاقة الخضراء والتصنيع. وتشمل خططها إنشاء منشأة للطاقة الخضراء والأسمدة في نيفاشا بقدرة 300 ميجاوات والتي سيتم تشغيلها بالاعتماد على مصادر الطاقة الحرارية الأرضية.[14]
مواجهة التحديات المالية
لا شك أن مثل هذه المبادرات تعد محفزة ومشجعة إلى حد بعيد. ولكن التكلفة تظل حتى الآن تمثل أحد المعوقات الرئيسة التي تحول دون ازدهار قطاع الطاقة الحرارية الأرضية. وإذا لم يكن لديك التمويل اللازم، فسوف يتعين عليك إنشاء كيانات مالية حتى تتمكن من استقطاب المستثمرين المستعدين للعمل على المدى الطويل ومنحهم الثقة. من ناحية أخرى، يجب أن تصبح مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية ضمن فئات الأصول التي يمكن أن يتم ضمها بشكل معقول لمحفظة أحد المؤسسات الاستثمارية التقليدية، مثل صندوق المعاشات التقاعدية.
لقد أدركت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة المعروفة اختصاراً ب (IRENA)، إلى جانب وكالات أخرى، ذلك، فأنشأت منصة تسمى التحالف العالمي للطاقة الحرارية الأرضية Global Geothermal Alliance يتمثل الغرض منه في تبادل المعرفة والتنسيق بين منتجي الطاقة الحرارية الأرضية في جميع أنحاء العالم.
وفي تقريرها الأخير الذي صدر تحت اسم، تقييم سوق الطاقة الحرارية الأرضية والتكنولوجيا[15]، أشارت الوكالة إلى أن مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية تحتاج إلى رأس مال ضخم يتم دفعه مقدماً، كما أنها تنطوي على العديد من
المخاطر، وهو الأمر الذي يؤدي إلى ضرورة توافر ملف استثماري مميز. ومن أجل تأمين التمويل خلال مرحلة التطوير، عادة ما يتم إبرام اتفاقيات شراء طويلة الأجل تتراوح مدتها بين 15 إلى 25 عاماً.
وتشمل التدابير، التي يمكن اتخاذها على مستوى الحكومات لغرض تحسين هذا الوضع، الإعفاءات الضريبية والإعفاءات من النفقات الرأسمالية للمعدات، و نفقات التشغيل. والهدف من ذلك جعل الطاقة الحرارية الأرضية أكثر قدرة على المنافسة مع المصادر الأخرى و آليات الدعم المباشر. وكما شاهدنا في اليابان، تقع تعريفات التغذية ضمن الطرائق الأخرى التي يمكن من خلالها سد فجوة التكلفة بين الطاقة الحرارية الأرضية ومصادر الطاقة الأخرى عن طريق تقديم أسعار تفضيلية وعقود طويلة الأجل لمطوري مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية.
وتعد إدارة المخاطر عاملاً مهما آخر، لا سيما وأن تطوير قطاع الطاقة الحرارية الأرضية قد يسفر عن زلازل – وإن كان ذلك قد حدث في حالات نادرة للغاية، نذكر منها ما حدث في عام 2017 عندما ضرب زلزال بقوة 5.5 درجة كوريا الجنوبية.[16] ولذا يمكن القول بأن هناك حاجة إلى وجود خطط للحد من المخاطر وتوفير التأمين والضمانات، وأن تستهدف هذه الخطط أوجه الضبابية وعدم التيقن وكذا المخاطر المرتبطة بمشروعات الطاقة الحرارية الأرضية، بما في ذلك المخاطر التي تقع تحت سطح الأرض أثناء عمليات الحفر والتنقيب والاستكشاف و كذا مخاطر انخفاض إنتاجية الآبار. من ناحية أخرى، قد تصبح مساهمة مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية في خفض انبعاثات الكربون مصدرًا لجني الإيرادات من خلال سوق الكربون وبيع أرصدة الكربون.
التقدم التكنولوجي
ومن العوامل التي تحول دون انتشار الطاقة الحرارية الأرضية على نطاق واسع اقتصارها على المناطق البركانية أو المناطق القريبة من الصفائح التكتونية، مثل ما يسمى بـ “حلقة النار”[17] التي تحيط بالمحيط الهادئ، وكذلك خطوط الصدع الموجودة في البحر الأبيض المتوسط وشرق أفريقيا. حيث تسمح الشقوق الموجودة في قلب الأرض بتكوين البخار بالقرب من السطح.
وقد لوحظ أن أحد أقوى مصادر الطاقة الحرارية الأرضية – ونعني النظم الحرارية الأرضية المعززة والمعروفة اختصاراً بـ EGS – لم تشهد حتى الآن سوى تطوراً محدوداً. و تستخدم النظم الحرارية الأرضية المعززة المصادر الحرارية الأرضية الموجودة في الخزانات الأعمق والتي عادة ما تكون غير ذات جدوى اقتصادية بسبب انخفاض معدل نفاذية الصخور المحيطة بها. فيتم حقن سوائل في الأرض بسرعات عالية لكسر الصخور العميقة (وهو ما يعرف باسم «التكسير»)، فينتج عن ذلك مسارات للمياه للوصول إلى الأعماق والترسبات التي يمكن الوصول إليها، وهو ما يجعلنا نتغلب على مشكلة النفاذية. ويتمثل الجانب الإيجابي هنا ايضا في أن النظم الحرارية الأرضية المعززة تسمح بتوليد الطاقة الحرارية الأرضية من أي مكان توجد فيه حرارة في الجوف. ولكن الأمر مكلف للغاية.
ولكن مع ظهور تقنية الحفر التي طورتها شركة كوايز انرجي [18] Quaise Energy، وهي شركة أمريكية ناشئة تعمل في مجال الطاقة الحرارية الأرضية، بات كل ذلك قيد التغير. فمن خلال الاستفادة من تكنولوجيا الجيروترون، والتي تستخدم عادة في أبحاث الاندماج النووي، يسمح نظام كوايز انرجي Quaise Energy بالحفر إلى أعماق تصل إلى 12 ميلاً تحت سطح الأرض، واستغلال مصادر الطاقة الحرارية الأرضية الموجودة على أعماق كبيرة وعند درجات حرارة تتجاوز 400 درجة مئوية (752 درجة فهرنهايت). ومع هذه التقنية المتقدمة، لم تعد هناك حاجة إلى التكسير الهيدروليكي، وهو ما سيجنبنا احتماليات حدوث الزلازل المرتبطة بأنظمة الطاقة الحرارية الأرضية الأخرى. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تكون تقنية الحفر الخاصة بكوايز انرجي سريعة وفعالة، وتستهدف استكمال حفر الآبار في غضون 100 يوم باستخدام الجيروترونات الموجودة بقدرة 1 ميجاوات.
والجدير بالذكر أن شركة كوايز انرجي Quaise Energy تضع أهدافاً طموحة لتطوير تقنية الحفر الخاصة بها. فهي تخطط لإثبات كفاءة التقنية ميدانياً بحلول عام 2024، وسيتبع ذلك استخراج البخار في عام 2026 وتسويقه تجارياً بحلول عام 2028. وتهدف كوايز انرجي إلى تحديد تكلفة موحدة للكهرباء تتراوح بين 20 و40 دولاراً أمريكياً لكل ميجاوات في الساعة. وهذا من شأنه أن يضع الطاقة الحرارية الأرضية في منافسة مباشرة مع أسعار طاقة الرياح والطاقة الشمسية الأكثر تنافسية، مما يجعلها خياراً مجدياً للطاقة من الناحية الاقتصادية وصديقاً للبيئة في الوقت نفسه. وتجدر الإشارة إلى أن تقنية كوايز ستجعل الطاقة الحرارية الأرضية في متناول كافة البلدان حول العالم، بغض النظر عن نشاطها التكتوني، ويعزى ذلك إلى ما تنطوي عليه من إمكانات تسمح بالحفر لبلوغ أعماق هائلة والاستفادة من مصادر الطاقة الحرارية الأرضية الموجودة عند درجات الحرارة المرتفعة.
مستقبل تكنولوجيا الوقود الأحفوري
وثمة ميزة أخرى للطاقة الحرارية الأرضية، وهي أنها من الممكن أن “تستفيد” من البنية التحتية وتجارب التنقيب الجوفية الخاصة بالوقود الأحفوري. فعلى سبيل المثال، تخطط شركة كوايز انرجي لتحويل محطات الطاقة القديمة التي تعمل بالفحم إلى مراكز للطاقة الحرارية الأرضية، لتستفيد من قدرتها واتصالها بالشبكة. وتعد إعادة استخدام حقول الهيدروكربونات القديمة سبيلا آخر لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية. فعلى سبيل المثال، وقعت شركة كيرن Cairn الهندية للنفط والغاز اتفاقاً مع شركة بيكر هيوز Baker Hughes لإنتاج الطاقة الحرارية الأرضية من حقولها في راجاستان19].
أفضل من البطاريات
تشير الأبحاث إلى أن تقنية النظم الحرارية الأرضية المعززة والمعروفة اختصارا بـ EGS لديها القدرة على تخزين فائض الطاقة المستمدة من مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل أكثر فعالية وكفاءة مقارنة ببطاريات الليثيوم أيون[20]. فعلى سبيل المثال، أظهر التعاون بين جامعة برينستون ومطور الطاقة الحرارية الأرضية فيرفو انرجي Fervo Energy، أن خزانات الطاقة الحرارية الأرضية المتقدمة يمكنها تخزين فائض الطاقة في شكل ماء ساخن أو بخار. ويمكن استخدام هذه الحرارة المخزنة لاحقاً لتوليد الكهرباء في حالة عدم توافر مصادر متجددة. وتمثل السعة أو القدرة التخزينية لخزانات الطاقة الحرارية الأرضية ميزة إضافية يمكننا الاستفادة منها دون تحمل أية تكاليف إضافية أثناء عمليات التشييد. ولعل هذه الميزات تتيح لمحطات الطاقة الحرارية الأرضية من الجيل التالي الفرصة للتخلي عن نموذج التشغيل التقليدي، وتحقيق قيمة باعتبارها مورد لطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهو ما يعزز التقنيات المتجددة الثلاث.
وبالنظر إلى التطورات التي نشهدها فيما يتعلق بالتمويل والتطور التكنولوجي، يبدو جلياً أن ثمة مستقبل قوي ينتظر الطاقة الحرارية الأرضية. وعلى الرغم من أنها تواجه نصيبها من التحديات، هناك زخماً متزايدا واستثمارات تتدفق إلى قطاع تطويرها، مما يشير إلى إحراز تقدم في هذا المضمار في الوقت الحالي.
فاعتباراً من عام 2021، وصل إجمالي الطاقة الحرارية الأرضية المولدة عالمياً إلى 16 جيجاوات. وقد يبدو هذا الرقم متواضعاً مقارنة بالقدرة الهائلة التي تتمتع بها أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في العالم، سد الممرات الثلاثة Three Gorges Dam ، والذي يمكن أن ينتج ما يصل إلى 22.5 جيجاوات. لكنني على اقتناع بأن الطاقة الحرارية الأرضية تتمتع بقدرات وإمكانات هائلة لم تستغل بعد حتى الآن.
ومع استمرار الجهود المبذولة وتدفق الاستثمارات، يصبح لدى الطاقة الحرارية الأرضية الفرصة لزيادة بصمتها وحصتها في مزيج الطاقة العالمي. وعلى الرغم من التحديات التي لا يزال علينا أن نواجهها، يعد النمو المطرد للمشروعات في جميع أنحاء العالم خير دليل على الإقرار بميزات الطاقة الحرارية الأرضية باعتبارها مصدر موثوق ومتجدد للطاقة. ومن خلال تسخير الحرارة الطبيعية للأرض، يمكن للطاقة الحرارية الأرضية أن تلعب دوراً حيوياً في تحقيق مستقبل مستدام ومنخفض الكربون لكوكبنا.
[1] The Tambora eruption although ten times more powerful than that of Krakatau, (900 miles away), is less widely known, partly because news travelled no faster than a sailing ship, limiting its notoriety. Krakatau erupted in 1883, after the invention of the telegraph, which spread the news quickly.
[2] https://experts.illinois.edu/en/publications/itamborai-ithe-eruption-that-changed-the-worldi#:~:text=When%20Indonesia’s%20Mount%20Tambora%20erupted,for%20more%20than%20three%20years
[3] https://pubs.usgs.gov/fs/2000/fs036-00/
[4] https://www.energy.gov/articles/doe-launches-new-energy-earthshot-slash-cost-geothermal-power
[5] https://www.irena.org/Publications/2023/Feb/Global-geothermal-market-and-technology-assessment
[6] https://www.irena.org/Publications/2023/Feb/Global-geothermal-market-and-technology-assessment, page 32
[7] https://www.irena.org/Publications/2023/Feb/Global-geothermal-market-and-technology-assessment, page 14
[8] https://www.irena.org/Publications/2023/Feb/Global-geothermal-market-and-technology-assessment, page 16
[9] https://oxfordbusinessgroup.com/articles-interviews/how-tech-can-unlock-geothermal-energy-in-emerging-markets/
[10] https://oxfordbusinessgroup.com/articles-interviews/how-tech-can-unlock-geothermal-energy-in-emerging-markets/
[11] https://oxfordbusinessgroup.com/articles-interviews/how-tech-can-unlock-geothermal-energy-in-emerging-markets/
[12] https://oxfordbusinessgroup.com/articles-interviews/how-tech-can-unlock-geothermal-energy-in-emerging-markets/
[13] https://oxfordbusinessgroup.com/articles-interviews/how-tech-can-unlock-geothermal-energy-in-emerging-markets/
[14] https://oxfordbusinessgroup.com/articles-interviews/how-tech-can-unlock-geothermal-energy-in-emerging-markets/
[15] https://www.irena.org/Publications/2023/Feb/Global-geothermal-market-and-technology-assessment
[16] https://www.rff.org/publications/explainers/geothermal-energy-101/
[17] https://education.nationalgeographic.org/resource/plate-tectonics-ring-fire/
[18] https://www.energymonitor.ai/tech/geothermal-can-provide-half-the-worlds-energy-quaise-energy-ceo/
[19] https://oxfordbusinessgroup.com/articles-interviews/how-tech-can-unlock-geothermal-energy-in-emerging-markets/
[20] https://www.weforum.org/agenda/2022/11/geothermal-renewable-energy-storage/