عصر الطاقة الشمسية: رؤية متجددة لمستقبل الطاقة
كان عام 2023 بمثابة شمس ساطعة في سماء الطاقة المتجددة، أضاءت آفاق المستقبل لكل من يعمل في هذا القطاع – من حماة البيئة إلى المستثمرين والتقنيين، مبرزة بذلك حجم الإمكانات الهائلة لهذه الصناعة الواعدة. فقد شهد العالم قفزة هائلة في سعة الطاقة الشمسية بمقدار 74%، دفعتها إلى ذروة غير مسبوقة قدرها 346 جيجاواط من الإضافات الجديدة، ليصل إجمالي القدرة المركبة حول العالم إلى 1,419 جيجاواط[1]. ولم يقتصر هذا النمو على بقعة واحدة، بل امتد ليشمل 28 دولة، أضافت كلا منها جيجاواط واحداً على الأقل من القدرة الشمسية الجديدة خلال عام 2023، مما يدحض الفكرة السائدة حول احتكار الصين لنمو الطاقة الشمسية.
ومع استحواذ تقنية الخلايا الشمسية على ما يقارب ثلاثة أرباع جميع القدرات الجديدة للطاقة المتجددة في عام 2023، متجاوزة بفارق كبير نمو أسواق طاقة الرياح والمياه، فقد بات واضحاً أن العالم قد اختار المضي بخطى ثابتة على مسار الطاقة الشمسية. ومن اللافت أن هذا الإقبال المتسارع على الطاقة الشمسية خلال العام الماضي يأتي متسقاً مع هدف مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين الطموح المتمثل في مضاعفة حصة الطاقة المتجددة بمقدار ثلاث مرات بحلول نهاية العقد الحالي[2]. والواقع أنه في ظل الانطلاقة الصاروخية للطاقة الشمسية في عام 2023، فقد يتحول هذا الهدف الطموح من حلم بعيد المنال إلى حقيقة تتجسد أمام أعيننا، لو تمكنت الطاقات المتجددة من الحفاظ على وتيرة توسعها المذهلة – تلك التي حققتها بين عامي 2002 و2023 بمعدل نمو سنوي يبلغ 16%.
ومما لا شك فيه أن هذا النمو المتسارع للطاقة الشمسية لن يعود بفوائد بيئية هائلة فحسب، بل سيوفر أيضاً فرصاً للنمو الاقتصادي ولتعزيز أمن الطاقة على مستوى العالم.
ورغم تسارع وتيرة الاستثمارات العالمية في الطاقة الشمسية، إلا أن الصين، وكما كان متوقعاً، لا تزال تتربع على القمة بلا منافس أو منازع، خاصة بعدما قفزت قدراتها التوليدية بمعدل هائل بلغ 55% مقارنة بالعام السابق، متجاوزة بفارق شاسع المتوسط العالمي البالغ 5.9%[3]. فعلى الصعيد العالمي، استحوذت الصين على نحو 63% من إجمالي القدرات الشمسية الجديدة في عام 2023. وخلال الربع الأول فقط من عام 2024، تضاعفت السعة الشمسية الجديدة أربع مرات مقارنة بالرقم القياسي الذي سجلته في عام 2023. وهذه الإضافة البالغة 45.74 جيجاواط بين يناير ومارس لا تعني سوى أن الصين ستواصل رفع سقف طموحاتها في مجال الطاقة الشمسية خلال عام 2024.
ومن البديهي أن يصاحب الانخفاض المستمر في تكلفة الخلايا الشمسية، اهتماماً متزايداً بهذه الصناعة من جانب معظم دول العالم – دون أن يقتصر هذا الحماس على الأسواق المتقدمة في الغرب.
وبطبيعة الحال، استحوذت الدول الأكثر ثراءً وتقدماً من الناحية التكنولوجية على النصيب الأكبر من التقدم المحرز في مجال الطاقة الشمسية، فقد نجحت ألمانيا في إضافة 15 جيجاواط في عام 2023، وإيطاليا (10 جيجاواط)، وهولندا (5 جيجاواط)، وإسبانيا (10 جيجاواط)، والولايات المتحدة الأمريكية (25 جيجاواط)، والمملكة المتحدة (4 جيجاواط). لكن المشهد لم يعد حكراً على هؤلاء العمالقة وحدهم، لا سيما بعد انضمام الأسواق الناشئة إلى هذا السباق بحماس وطموح، وخاصة في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.
على سبيل المثال، شهد قطاع الطاقة الشمسية توسعات سريعة في عام 2023 في دول مثل الهند (أكثر من 10 جيجاواط)، والبرازيل (12 جيجاواط)، وتشيلي (2 جيجاواط)، والمكسيك (2 جيجاواط)، والمملكة العربية السعودية (2 جيجاواط)، والإمارات العربية المتحدة (2 جيجاواط)[4].
والخلاصة أن الطاقة الشمسية بصدد مستقبل مشرق في كل ركن من أركان المعمورة.
الصين تكتب فصلاً جديداً في تاريخ الطاقة الشمسية
وصفت الوكالة الدولية للطاقة (IEA) توسع الطاقة الشمسية في الصين خلال عام 2023 بأنه “استثنائي”[5]. ومن اللافت للنظر أن الصين وحدها وافقت على إنشاء محطات جديدة للطاقة الشمسية خلال عام 2023 بقدر ما تمكن العالم بأسره من إنشائه في العام السابق – وهو ما يمثل نقطة تحول حقيقية في مسار تطور الطاقة الخضراء.
ولكن ما الذي جعل العام الماضي استثنائياً إلى هذا الحد في الصين؟ تعزو الوكالة الدولية للطاقة هذا النجاح في المقام الأول إلى بيئة السياسات الداعمة في البلاد، والتي توفر عقوداً طويلة الأجل لمشاريع الطاقة – وهو تماماً نوع الأمان الذي يحتاجه المستثمرون ليتمكنوا من اتخاذ قراراتهم الاستثمارية بثقة.
ولا يزال حماس الصين للطاقة الشمسية في ذروته، فمن المتوقع أن تُصادق الحكومة على إنشاء مرافق تسهم في توليد أكثر من نصف سعة الطاقة المتجددة الجديدة في العالم بين الآن وعام 2030. ولا شك أن التأثير سيكون هائلاً. حالياً، تعتمد الصين على الوقود الأحفوري لتوليد حوالي 70% من كهربائها، ولكن بحلول نهاية العقد، ستُنتج البلاد تقريباً نصف احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة[6].[7]
تفتخر الصين اليوم بامتلاكها ثلث أكبر 15 مزرعة للطاقة الشمسية في العالم[8]. وتشمل هذه المنشآت العملاقة محطة شينجيانغ في شمال غرب البلاد، التي افتتحت في يونيو 2024، والتي تُعتبر أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم بقدرة 5 جيجاواط. كما تحتضن الصين ستة من أكبر سبعة شركات تصنيع الألواح الشمسية في العالم، تتصدرها شركة تونغوي للطاقة الشمسية في مقاطعة سيتشوان، والتي حققت في عام 2022 قدرة توليدية قدرها 28.1 جيجاواط[9].
وعلى الرغم من أن السياسات المؤيدة للطاقة الشمسية تكتسب زخماً في أسواق منافسة مثل الولايات المتحدة والهند، إلا أن التوقعات تشير إلى أن الصين ستحتفظ غالباً بهيمنتها على سلسلة توريد الطاقة الشمسية في المستقبل المنظور. وإذا ما ثبتت صحة التوقعات الحالية، فسوف تسيطر الصين بنهاية العام على ما يتراوح بين 80% إلى 95% من حجم صناعة الطاقة الشمسية على مستوى العالم، وذلك بفضل العمالة الرخيصة ووفرة المواد الخام. وهكذا، ستظل معظم الدول ترى أن استيراد الألواح الشمسية الصينية أرخص بكثير من تصنيعها محلياً.
وكما أبانت التجربة الصينية، فإن السعر يلعب دوراً حاسماً. ولم يسبق أن مثلت الطاقة الشمسية قيمة أفضل مقابل المال مثلما هو الحال اليوم.
أسعار الطاقة الشمسية تُظهر جاذبيتها
في ظل الانكماش الاقتصادي وأزمة غلاء المعيشة، التي تتكشف حالياً في معظم أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، تبرز أهمية المال بشكل كبير. ومن المثير للاهتمام أن أسعار الألواح الشمسية قد انخفضت في عام 2023 بنحو النصف تقريباً[10]. فما سبب هذا الانخفاض الحاد في التكاليف؟
يُعزى ذلك جزئياً إلى تسارع وتيرة التصنيع، والتي تؤدي بدورها إلى وفورات في الحجم. ولكنه يرجع أيضاً إلى السياسات الداعمة التي يتم تبنيها في أنحاء متفرقة من العالم. ومن الممكن أن تسهم هذه التشريعات المواتية في تبسيط إجراءات التخطيط لمزارع الطاقة الشمسية الجديدة أو تقديم حوافز ضريبية للاستثمار في الطاقة المتجددة.
وقد أقرت حوالي 130 دولة حتى الآن سياسات داعمة للطاقة المتجددة استجابةً لزيادة الطلب العام على أشكال الطاقة الأكثر مراعاة للبيئة[11]. ففي المملكة المتحدة، على وجه الخصوص، تم انتخاب حكومة جديدة من أعضاء حزب العمال في المملكة المتحدة تحمل في جعبتها حزمة سياسات تعد بجعل بريطانيا قوة عظمى للطاقة النظيفة، تماشياً مع ما يعرف باسم “الصفقة الخضراء الجديدة”. ولم تتوانى الحكومة الجديدة في منح الموافقة على إنشاء ثلاث محطات شمسية جديدة ضخمة في شرق إنجلترا، إلى جانب المصادقة على تفعيل مبادرة ”ثورة الأسطح“ التي تُبسّط إجراءات تركيب الألواح الشمسية على المباني السكنية.
كما يبذل الاتحاد الأوروبي جهوداً حثيثة لدعم الطاقة الشمسية. ففي مارس 2024، أقرّ البرلمان الأوروبي تشريعاً يلزم الدول الأعضاء بتركيب ألواح الخلايا الشمسية على سائر الأبنية الجديدة، والعمل على إضافتها إلى المنشآت القائمة حيثما كان ذلك ممكناً. وسيراقب المشرعون في كل مكان هذه المبادرة عن كثب؛ وإذا نجحت، فقد تصبح نموذجاً لمشاريع مماثلة في بلدان أخرى.
ومن منظور المصنعين ومزودي الطاقة، فقد جاء عام 2023 بأخبار مثيرة حول قيمة تكنولوجيا الطاقة الشمسية، لا سيما وأن البيانات تُظهر أن حوالي 96% من مرافق الطاقة المتجددة المثبتة حديثاً – بما فيها الطاقة الشمسية– نجحت فعلياً في توليد الطاقة بتكلفة أقل مقارنة بمحطات توليد الطاقة الجديدة المماثلة العاملة بالفحم والغاز الطبيعي[12].
وتراجعت تكاليف توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية إلى حوالي 60 دولار أمريكي في عام 2023، وهو معدل أقل من تكلفة توليد الطاقة من الغاز (70 دولار أمريكي)، والفحم (117 دولار أمريكي) والطاقة النووية (180 دولار أمريكي[13]). وحتى مع احتساب التكاليف الإضافية المرتبطة بإدماج المصادر المتجددة المتغيرة في شبكة الطاقة، فمن المتوقع أن يصبح توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية أقل تكلفة في السنوات القادمة.
وبينما تتراجع تكاليف الطاقة المتجددة، تتصاعد تكلفة الوقود الأحفوري بزيادة ملحوظة. فقد ارتفعت أسعار النفط والغاز والفحم بشكل حاد منذ عام 2000، خاصة بعد ما أثبتت التطورات الأخيرة في المشهد السياسي مدى تأثر أسعار النفط والغاز بالأحداث العالمية، حيث قفزت الأسعار فجأة بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ثم تراجعت مرة أخرى مع الإفراج عن المخزونات العالمية لتلبية الطلب المتزايد[14].
ورغم أن الساسة قد لا يفكرون إلا في الدورة الانتخابية الحالية – وكثيراً ما يكافح الرؤساء التنفيذيون للشركات لرؤية ما هو أبعد من التقرير السنوي التالي – إلا أن جدوى الاستثمار في الطاقة الشمسية تظل قوية بلا شك في الأمد البعيد. إذ تشير الدراسات إلى أن الإقبال المتزايد والمتسارع على مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية، كبديل للوقود الأحفوري، من شأنه أن يوفر للعالم ما يصل إلى 12 تريليون دولار بحلول منتصف القرن.
ويبدو أن الاستثمار في الطاقة الشمسية يأتي في الوقت المناسب والمنطقي، خاصةً في ظل التقدم التكنولوجي الذي تحقق في العام الماضي، والذي يعد بنقل هذه الصناعة إلى مرحلة جديدة ومثيرة.
التكنولوجيا تفتح آفاقاً جديدة في عالم الطاقة الشمسية
يعيش قطاع الطاقة الشمسية أجواءً من الابتكار والتفاؤل، فقد شهد العام الماضي وحده تطورات متلاحقة في مجال التكنولوجيا الكهروضوئية، خاصة مع ظهور أساليب جديدة لتحسين الأداء واستخراج قيمة تجارية أكبر.
وتتجه خلايا الطاقة الشمسية المزدوجة المصنوعة من البيروفسكايت لتكون التكنولوجيا القادمة الأبرز في عالم الطاقة الشمسية. فهذه الخلايا – التي حطمت في التجارب المتتالية على مدى الأشهر الـ 12 الماضية الأرقام القياسية في كفاءة الطاقة الشمسية – تجمع بين قاعدة خلايا السيليكون التقليدية والبيروفسكايت. فالبنية البلورية الفريدة للبيروفسكايت تمتص أطوال موجية مختلفة من الضوء مقارنة بالسيليكون، مما يتيح لهما معاً الاستفادة من طيف الشمس بأقصى قدر ممكن، وهذا يعني المزيد من الكهرباء لكل لوح وبالتالي عائد أكبر على الاستثمار، مما يضمن إمدادات غير منقطعة من الكهرباء للمنازل والشركات التي تعتمد على الطاقة المتجددة.
تتجاوز كفاءة خلايا البيروفسكايت المزدوجة بالفعل نسبة 33% في التجارب؛ بينما نادراً ما تصل كفاءة خلايا السيليكون التقليدية إلى 30%[15]. ومن المتوقع أن تصبح خلايا البيروفسكايت المزدوجة متاحة على نطاق تجاري هذا العام.
كما أننا نشهد أيضاً بزوغ عصر الألواح الشمسية ‘ثنائية الوجه’ – وهي ألواح ذات وجهين يمكن تركيبها كسياج مثلاً، وتستطيع التقاط الضوء من الجهتين في أوقات مختلفة من اليوم. وتستبدل هذه الألواح الغطاء الخلفي المعتم إما بالزجاج أو بالبلاستيك الشفاف، مما يسمح لأشعة الشمس بالنفاذ من أي من الجهتين، وبالتالي شحن الخلية. وقد أظهرت التجارب أن الألواح ثنائية الوجه تنتج طاقة تزيد بنسبة 10%-20% عن الخلايا ذات الوجه الواحد[16]. ورُغم أن الألواح ثنائية الوجه تمثل أقل من نصف الألواح الحالية، إلا أن هذا الوضع على وشك التغيير تماماً، إذ يُتوقع أن تستحوذ الألواح ثنائية الوجه على 70% من السوق العالمية بحلول عام 2030.
وبينما يركّز مخططو المدن والمهندسون المعماريون على استغلال إمكانات الألواح الشمسية المدمجة في المباني (BIPV)، نرى جيلاً جديداً من الألواح الشمسية الشفافة يحل محل النوافذ التقليدية تدريجياً. تُصنع هذه الألواح إما عن طريق تغطية الزجاج بطبقة خاصة من خلايا الطاقة الشمسية، أو عن طريق تركيب ماصات الضوء شبه الشفافة بين لوحين من الزجاج. ورُغم أن الألواح الشفافة أقل كفاءة من الألواح المثبتة على الأسطح وتكلف حالياً ما بين 30% إلى 40% أكثر من الزجاج العادي، إلا أنها مصممة لتدوم حتى 50 عاماً، مما سيؤدي إلى تحقيق وفورات تدريجية في فواتير الطاقة[17].
كما أن التطورات المستمرة في مجال الذكاء الاصطناعي تتجلى بآثارها الإيجابية المهمة على صناعة الطاقة الشمسية، إذ يجري استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد لتحقيق توازن بين إنتاج الطاقة واستهلاكها، مما يعني تكاملاً أكثر سلاسة مع الشبكة الكهربائية، وإمدادات طاقة متجددة أكثر موثوقية، وفواتير أقل للجميع.
لكننا، وفي ظل وتيرة التقدم التكنولوجي الحالي، نحتاج إلى طرق لتخزين ضوء الشمس الذي يتساقط بلا حدود من سمائنا. وهنا يبرز دور الموجة الجديدة من أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات (BESS)، القادرة على حماية إمدادات الطاقة المتجددة حتى عندما تحجب الغيوم الشمس أو يغيب ضوءها عن ألواحنا الشمسية.
التخزين هو مفتاح نجاح الطاقة الشمسية
في قلب ثورة الطاقة المتجددة، تكمن تقنية سحرية تعمل على تحويل الضوء إلى ثروة من الطاقة – إنها تكنولوجيا تخزين الطاقة بالبطاريات (BESS)، المصممة لتخزين الكهرباء المتولدة من المصادر المتجددة في أوقات فائض الطاقة ومن ثم إعادة ضخها في الشبكة عند الحاجة خلال فترات العجز. وفي طليعة هذه الثورة، تبرز شركة جميل للطاقة، بذراعها الرائد فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة (FRV)، كلاعب رئيسي في هذا المشهد المتطوّر باستمرار.
تتربع بطاريات الليثيوم أيون على عرش الصناعة حالياً، بعد ما نجحت في إزاحة بطاريات النيكل والمنغنيز والكوبالت، باعتبارها وسيلة التخزين الأكثر كفاءة والأقل تكلفة. ولكن، يبدو أن عصر الليثيوم يوشك على الانتهاء، فهو معدن نادر، ومكلف، مضر بالبيئة. ومن هنا، تبرز تقنيات البطاريات المنافسة مثل الصوديوم أيون والصوديوم كبريت كبدائل أكثر فعالية.
ربما تكون كثافة الطاقة في بطاريات أيونات الصوديوم أقل منها في بطاريات الليثيوم أيون (120-160 واط ساعة/كغ مقارنة بـ 170-190 واط ساعة/كغ)، إلا أن انخفاض تكاليف الإنتاج بنسبة 20% والأثر البيئي الأقل، قد دفع بالعديد من الشركات المصنعة إلى البدء في إنتاج بطاريات أيونات الصوديوم لتخزين الطاقة خلال العام الماضي[18].
وقد تضاعف حجم سوق بطاريات تخزين الطاقة (BESS) عالمياً بنحو ثلاث مرات تقريباً في عام 2023 بفضل المنشآت الجديدة التي أضافت 45 جيجاواط. ومن المتوقع أن يشهد العام المقبل نمواً مضاعفاً بأكثر من 100 جيجاواط ساعة، بقيادة الصين، مدفوعاً بانخفاض تكاليف بطاريات التخزين بنسبة 43% في غضون عام واحد[19]. وتشير التوقعات إلى معدل نمو سنوي قدره 21% في سعة أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات من الآن وحتى نهاية العقد، مما سيؤدي إلى سوق عالمية تبلغ 442 جيجاواط ساعة بحلول عام 2030.
وقد أظهر قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية (IRA) لعام 2022 أهمية الدعم التشريعي لإطلاق أنظمة بطاريات تخزين الطاقة، فقد أقرّ هذا القانون حوافز ضريبية للمستثمرين والمصنعين في مجال الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى إنشاء صندوق لخفض انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي بقيمة مليارات الدولارات[20].
ومن المشجع أن نرى سياسات مماثلة تشق طريقها حالياً في برلمانات اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وفي سائر أنحاء أوروبا (من خلال خطة إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري (REPowerEU) الخاصة بالاتحاد الأوروبي)، وأمريكا اللاتينية. وكلها تحمل وعداً بمزيد من الحماية للمستثمرين الطموحين في أنظمة بطاريات تخزين الطاقة (BESS) حول العالم.
تدير شركة فوتوواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة، النشطة في خمس قارات، محفظة من مشروعات بطاريات تخزين الطاقة، بما فيها محطة كونتيغو في ويست ساسكس، ومحطة كلاي تاي في إسيكس، بالمملكة المتحدة. وقد أصبح مشروع كلاي تاي، الذي بدأ تشغيله في مارس 2024 بقدرة إنتاجية تبلغ 99 ميجاواط وسعة 198 ميجاواط ساعة، أكبر منشأة لبطاريات تخزين الطاقة في أوروبا عند تدشينه.
وتُسهم محطة كونتيغو (Contego) وحدها في توليد 34 ميجاواط بسعة 68 ميجاواط ساعة. كما تدير شركة فوتوواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة محطتيّن أخرييّن لبطاريات تخزين الطاقة في المملكة المتحدة، وكلاهما في منطقة ميدلاندز، ويولدان معاً حوالي100 ميجاواط من الكهرباء. وتعمل المحطتان، اللتان تعتمدان على بطاريات الليثيوم أيون، على تخزين الطاقة وتصديرها إلى شبكة التوزيع عند الحاجة.
وتأتي هذه المشروعات في أعقاب نجاح فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة في تنفيذ مشروع بطاريات تخزين الطاقة في خليج هولز (Holes Bay) في دورست بالمملكة المتحدة، والذي يعمل منذ عام 2020 بسعة 15 ميجاواط ساعة. وتقود فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة مشاريع مماثلة في أستراليا، أبرزها محطة بطاريات تخزين الطاقة الجديدة في غناروار (Gnarwarre) بولاية فيكتوريا، ومحطة هجينة للطاقة الشمسية وبطاريات تخزين الطاقة في دالبي (Dalby) بولاية كوينزلاند. كما تستحوذ فوتواتيو أيضاً على حصة الأغلبية في مشروع لبطاريات تخزين الطاقة في اليونان. وفي فبراير 2024، أبرمت فوتواتيو شراكة مع شركة “ايه ام بي تانك فنلندا المحدودة” (AMP Tank Finland Oy) في مشروع ضخم لتخزين الطاقة بالبطاريات في فنلندا.
وبالنظر إلى هذه التطورات الهائلة في مجال حصاد الطاقة وتخزينها من ضوء الشمس، قد يتساءل البعض عن سبب كوننا لم نصل بعد إلى عالم يعتمد بالكامل على الطاقة الشمسية؟ وما هي الخطوات التي يمكن للصناعة أن تتخذها لتسريع رحلتنا نحو مستقبل أنظف للطاقة؟
هل ستخبو جاذبية الطاقة الشمسية في مواجهة التحديات؟
على الرغم من التقدم الهائل الذي أُحرزته الصناعة خلال العام الماضي، إلا أن الطاقة الشمسية لم تحقق بعد الضربة القاضية في معركتها ضد التغير المناخي.
قد يندهش كثير منّا لمعرفة أنه في غضون 90 دقيقة فقط، تتلقى الأرض من أشعة الشمس ما يكفي لتلبية احتياجات كوكبنا من الطاقة لعام كامل! ورغم غزارة الطاقة الشمسية، إلا أنها لا تمثل سوى نسبة بسيطة من مزيج الطاقة العالمي الحالي، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة. وهذا يعني أنه في مقابل ذلك الجزء الضئيل جداً الذي نلتقطه من أشعة الشمس، يضيع قدر هائل من الطاقة الشمسية المحتملة في كل دقيقة من كل يوم.
ومن المفارقات المحزنة أن البلدان الأكثر تعرضاً لأشعة الشمس غالباً ما تعاني من نقص في إمكانات استغلال للطاقة الشمسية. فالأسواق التي تتمتع بكميات أعلى من المتوسط من أشعة الشمس لا تمثل سوى 14% (204 جيجاواط) من الطاقة الشمسية المركبة حديثاً في عام 2023[21]. على سبيل المثال، تشكل المنشآت الجديدة في أفريقيا الحارة والجافة نحو 0.2% فقط من السعة الانتاجية العالمية للطاقة الشمسية في عام 2023، أي أقل من 1 جيجاواط من الطاقة. في حين أن الطاقة الشمسية، إذا ما أُحسن استغلالها، يمكن أن تُحدث تحولاً في تحسين مستويات المعيشة منطقة يقطنها خمس سكان العالم. لكن المشكلات المتجذرة في أفريقيا، مثل انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، والصراعات بين الدول، وعدم اتساق التشريعات، ونقص التمويل، ما زالت – وبكل أسف – تعيق انتشار الطاقة الشمسية على نطاق أوسع.
وثمة عقبات مماثلة تعوق تقدم الطاقة الشمسية في شبه القارة الهندية، حيث يؤدي نقص مرافق البحث والتطوير الحديثة، إلى جانب فترات الاسترداد الطويلة للاستثمار، إلى تباطؤ العديد من المشاريع، بل وتعثرها في بعض الأحيان.
والواقع أن المشكلة عالمية بكل المقاييس. فقد حذرت كادري سيمسون، مفوضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، من أن عدد مشاريع الطاقة الشمسية العالقة في مسارات الإجراءات التنظيمية يفوق عدد المشاريع التي كانت قيد الإنشاء فعلياً في عام 2023[22]. وشددت سيمسون كذلك إلى الحاجة الملحة لإدخال إصلاحات عاجلة وسريعة على إجراءات إصدار التصاريح، إضافة إلى وضع قوانين جديدة تنظم استغلال الأراضي، وزيادة التركيز على تعزيز تقبل المجتمع لمشاريع الطاقة الشمسية.
وسيكون من المهم أيضاً مراقبة البيئة الاقتصادية الكلية عن كثب. فقد أشارت الوكالة الدولية للطاقة إلى أنه منذ عام 2022، قفزت أسعار الفائدة في البنوك المركزية من أقل من 1% إلى متوسط 5%، مما تسبب في تباطؤ غير مبرر لاقتصاد الطاقة الشمسية في الأسواق الناشئة[23]. وستكون الأداءات الاقتصادية للولايات المتحدة محط اهتمام خاص العام المقبل، خاصة مع قدوم رئيس جديد للبلاد.
بالطبع، لا يوجد من ينكر أن التغييرات الجذرية التي تدفع “ثورة الطاقة الشمسية” تأتي بتكاليف ضخمة. فقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة أن الاستثمار في الطاقة النظيفة سيحتاج إلى ضخ استثمارات جديدة بقيمة 4.5 تريليون دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2030 لإبقاء ارتفاع درجات الحرارة العالمية ضمن حدود 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية[24].
وتبدي الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) مخاوف مماثلة أيضاً، إذ تشير إلى أن التقدم المحرز في مجال الطاقة المتجددة لا يزال أقل من المستهدف، والذي يتمثل في إضافة 7.2 تيراواط من الطاقة المتجددة خلال السنوات السبع المقبلة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس.[25]
وفي هذا السياق، يقول فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة عبداللطيف جميل الدولية: “ما زلنا في السنوات الأولى من عصر الطاقة الشمسية”. ويضيف: لقد أثبت التقدم المحرز في عام 2023 أن المستقبل سيكون بلا شك أكثر إشراقاً بفضل هذا المصدر النظيف والمتجدد للطاقة. وإذا استمرت التوقعات الحالية على حالها، فسيتمكن مجتمعنا العالمي من ضخ المزيد من الطاقة المتجددة إلى الشبكات الكهربائية خلال السنوات الخمس المقبلة مقارنة بما تمت إضافته في المائة عام الماضية – وهو إنجاز هائل وشهادة قوية على تأثير التعاون الدولي.”
“صحيح أن التحديات لا تزال قائمة، لكن الصعود اللافت والمبهر للطاقة الشمسية على مدار العام الماضي كان دليلاً ساطعاً على قوة رأس المال الخاص في بناء مستقبل أكثر أماناً للمجتمعات في شتى أنحاء العالم. والواقع أن كل مشروع جديد للطاقة الشمسية هو خطوة مهمة تستحق أن نحتفي بها في مسيرتنا نحو الحياد الكربوني.”
[1] https://ember-climate.org/insights/in-brief/2023s-record-solar-surge-explained-in-six-charts/
[2] https://www.irena.org/News/pressreleases/2024/Jul/Tripling-Renewables-by-2030-Requires-a-Minimum-of-16-point-4-pc-Annual-Growth-Rate
[3] https://ember-climate.org/insights/in-brief/2023s-record-solar-surge-explained-in-six-charts/
[4] https://ember-climate.org/insights/in-brief/2023s-record-solar-surge-explained-in-six-charts/
[5] https://www.iea.org/reports/renewables-2023/executive-summary
[6] https://www.iea.org/reports/renewables-2023/executive-summary
[7] https://e360.yale.edu/features/china-renewable-energy
[8] https://www.theecoexperts.co.uk/solar-panels/biggest-solar-farms
[9] https://www.theecoexperts.co.uk/solar-panels/largest-solar-panel-manufacturers
[10] https://www.iea.org/reports/renewables-2023/executive-summary
[11] https://www.theecoexperts.co.uk/solar-panels/solar-drives-record-renewables-growth
[12] https://www.iea.org/reports/renewables-2023/executive-summary
[13] https://api.solarpowereurope.org/uploads/Global_Market_Outlook_2023_2027_report_18b86a4568.pdf
[14] https://ourworldindata.org/grapher/fossil-fuel-price-index
[15] https://www.technologyreview.com/2024/01/08/1085124/super-efficient-solar-cells-breakthrough-technologies/
[16] https://www.alternergy.co.uk/blog/post/bifacial-solar-panels-what-are-they
[17] https://www.cnet.com/home/energy-and-utilities/new-solar-technology-could-make-your-windows-way-more-functional/
[18] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/enabling-renewable-energy-with-battery-energy-storage-systems
[19] https://about.bnef.com/blog/global-energy-storage-market-records-biggest-jump-yet/
[20] https://www.seia.org/sites/default/files/Inflation%20Reduction%20Act%20Summary%20PDF.pdf
[21] https://ember-climate.org/insights/in-brief/2023s-record-solar-surge-explained-in-six-charts/
[22] https://www.weforum.org/agenda/2024/02/renewables-energy-capacity-demand-growth/
[23] https://www.iea.org/reports/renewables-2023/executive-summary
[24] https://www.weforum.org/agenda/2023/09/iea-clean-energy-investment-global-warming/
[25] https://www.irena.org/News/pressreleases/2024/Mar/Record-Growth-in-Renewables-but-Progress-Needs-to-be-Equitable