هل تتصدر المركبات الكهربائية سباق التحوّل في الشرق الأوسط؟
تمت إعادة إصدار مقالة “وجهات نظر” هذه من مقالة “رؤى” جميل للسيارات، والتي يمكن الاطلاع عليها في موقعها الأصلي هنا.
مع تسارع الجهود العالمية للتحوّل إلى الطاقة الخضراء ومواجهة أزمة المناخ الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، تشهد مبيعات السيارات الكهربائية (EVs) طفرة هائلة وازدهاراً غير مسبوق. فعلى الصعيد العالمي، شكلت السيارات التي تعمل بالبطاريات حوالي 20% من مبيعات المركبات الجديدة في عام 2023، وهي زيادة مذهلة بمعدل عشرة أضعاف مقارنة بحصتها السوقية قبل خمس سنوات مضت [1]. والأمر الأكثر إثارة هو أن التحوّل نحو المركبات الكهربائية يزداد تسارعاً. ففي عام 2023، سجلت المركبات الكهربائية زيادة سنوية بنسبة 35% مقارنة بعام 2022، بل وتم تسجيل عدد من المركبات الكهربائية الجديدة في أسبوع واحد من عام 2023 يفوق ما تم تسجيله خلال عام كامل قبل عشر سنوات. فأينما اتجهت أنظارك، ستجد الأصدقاء والجيران يشترون مركبات صديقة للبيئة بوتيرة متسارعة.
لكن هناك تحفظاً واحداً يجب أخذه بعين الاعتبار، وهو أن هذه الصورة تعتمد بشكل كبير على المكان الذي يقطن فيه الفرد. فعلى الرغم من تسجيل 14 مليون مركبة كهربائية جديدة في عام 2023، مما رفع عدد المركبات الكهربائية على مستوى العالم إلى أكثر من 40 مليون مركبة، إلا أن أكثر من 90% من هذه المبيعات كانت في كبرى أسواق التنقل مثل أوروبا، الصين، والولايات المتحدة.
أما في الأسواق الناشئة مثل الشرق الأوسط وأوراسيا وأفريقيا، فلا يزال معدل تبني المركبات الكهربائية يسير بوتيرة بطيئة نسبياً، إذ لا تتجاوز المركبات الكهربائية في الشرق الأوسط ككل نسبة 1% من المبيعات الإجمالية، مما يجعلها ظاهرة شاذة إحصائياً في ظل التوجه العالمي المتزايد نحو وسائل النقل الصديقة للبيئة [2].
ترتبط معظم الأسباب الشائعة لبطء انتشار المركبات الكهربائية في الشرق الأوسط بعلاقة المنطقة الطويلة والتاريخية مع النفط – المورد الطبيعي الذي جعل العديد من دول المنطقة غنية بفضل اعتماد العالم على الوقود الأحفوري؛ إذا يولد النفط أكثر من تريليون دولار من الإيرادات سنوياً في المنطقة ومن المتوقع أن يستمر في النمو بمعدل يقارب 4% سنوياً حتى نهاية العقد [3].
غير أن هناك بوادر إيجابية تشير إلى أن العزوف عن اقتناء المركبات الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط بدأ في التحوّل، مدفوعاً في الغالب بقصة النجاح الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة. ففي عام 2023، سجلت الإمارات حوالي 35,000 مركبة كهربائية جديدة [4]، مما رفع نسبة مبيعات المركبات الكهربائية في الدولة إلى 3% – وهو معدل لا يزال أقل بكثير من المتوسط العالمي، لكنه يفوق بشكل كبير أرقام الدول الخليجية الأخرى مثل قطر (0.6%) والمملكة العربية السعودية (0.1%) [5.
مدفوعة بهذا النجاح، تأمل الإمارات أن يكون نصف السيارات على طرقاتهاكهربائية بحلول منتصف القرن. ويبدو أن هذا الحماس قد يتحول إلى عدوى إيجابية تنتقل بسرعة إلى باقي أسواق الشرق الأوسط، إذ يتوقع خبراء الصناعة أن يشهد السوق طفرة كبيرة، حيث تتوقع شركة الاستشارات العالمية «ديلويت» (Deloitte) أن ينمو سوق المركبات الكهربائية في المنطقة ليصل إلى 7.65 مليار دولار بحلول عام 2028، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف قيمته في 2023 التي بلغت 2.7 مليار دولار [6].
إذاً، ما هي الأسباب التي تقف وراء هذا التحوّل الذي طال انتظاره والمبشر لسوق المركبات الكهربائية في الشرق الأوسط؟ وما هي العقبات التي لا تزال تقف في طريق الانتقال إلى المستقبل الأخضر؟
التشريعات تحفز التعاون بين القطاعين العام والخاص لدفع عجلة المركبات الكهربائية
يمكن إرجاع الطفرة المتوقعة في مبيعات المركبات الكهربائية في أسواق الشرق الأوسط إلى عدة عوامل، نذكر منها إدخال تشريعات داعمة للمركبات الكهربائية من قبل الحكومات؛ والمنافسة بين الشركات المصنعة الكبرى التي تسعى إلى تعزيز حضورها في المنطقة؛ وتوقيع شراكات مشتركة لتقاسم المخاطر وتعظيم الفوائد؛ والاستثمارات الطموحة لتمويل توسيع حلول تخزين الكهرباء في البطاريات.
في الواقع، قلة من الصناعات تستطيع تحقيق التطلعات الكبرى المنتظرة للمركبات الكهربائية دون دعم حكومي. وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط، نشهد مبادرات تهدف إلى تسريع إدخال هذه المركبات إلى مسار الاتجاهات السائد.
فعلى سبيل المثال، تعمل الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة (SASO) حالياً على وضع لوائح تنظيمية لاستخدام المركبات الكهربائية على الطرق العامة، ما يمهد الطريق لاعتمادها على نطاق أوسع. وفي الوقت ذاته، يدرك صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) أن المستقبل يكمن في المركبات الكهربائية، ويتجلى ذلك في دعمه لشركات مثل العملاق الياباني “هيونداي” ورائدة التنقل المستدام “لوسيد موتورز” الأمريكية، بمليارات الدولارات لبدء تصنيع المركبات الكهربائية في المملكة. وقد افتتحت لوسيد أول مصنع لها بمدينة جدة في سبتمبر 2023، وحصلت على تعهد من جانب الحكومة السعودية بشراء ما يصل إلى 100,000 مركبة كهربائية من لوسيد خلال العقد القادم.
كما تتخذ السعودية خطوات إضافية من خلال تمويل سيارتها الكهربائية المدعومة من الدولة، حيث تأمل شركة “سير” التابعة لفوكسكون (مجموعة هون هاي للتكنولوجيا)، والمتمركزة في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية على ساحل البحر الأحمر، في إنتاج أول أسطول من مصنعها لسيارات السيدان الرياضية متعددة الاستخدامات الكهربائية بحلول عام 2025. وتعتمد هذه الخطة الجريئة على صندوق الثروة السعودي السيادي لتمويل منشأة بقيمة 9 مليارات دولار أمريكي لتصنيع الرقائق الدقيقة ومكونات المركبات الكهربائية والإلكترونيات ذات الصلة. ومن المتوقع أن تسفر هذه الاستراتيجية الجريئة عن نتائج إيجابية، حيث من المتوقع أن تجتذب “سير” استثمارات أجنبية بقيمة 150 مليون دولار أمريكي، وتوفر حوالي 30,000 وظيفة، وتسهم بنحو 8 مليارات دولار أمريكي في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بحلول عام 2034 [7].
وفي الإمارات، تعمل هيئة الطرق والمواصلات (RTA) على وضع الأسس التشريعية لإنشاء شبكة متكاملة من محطات الشحن الكهربائي في جميع أنحاء البلاد. وتشمل اللوائح الجديدة في أبوظبي لأول مرة قواعد تتعلق بملكية معدات شحن المركبات الكهربائية وإدارتها.
وبفضل هذه التشريعات الجديدة وآليات التسعير الصديقة للمركبات الكهربائية، باتت أجواء الصناعة أكثر وضوحاً، مما يجعل الاستثمار الخاص خياراً أكثر جاذبية.
أما دبي، فهي تقود الجهود عبر استراتيجيتها للتنقل الأخضر لعام 2030، والتي تستهدف إضافة أكثر من 40,000 مركبة كهربائية على الطرقات بحلول نهاية العقد. وكجزء من خططها لتحقيق هذا الهدف، تستهدف الحكومة أن يكون 30% من أسطول سياراتها كهربائياً أو هجيناً بحلول عام 2030. وكجزء من استراتيجيتها لتسهيل امتلاك المركبات الكهربائية، أعلنت الحكومة أن 5% من جميع أماكن وقوف السيارات ستخصص من الآن فصاعداً وبصفة حصرية للمركبات منخفضة الانبعاثات.
والواقع أن الجهود الإماراتية في الترويج النشط للتنقل الأخضر كانت محورية في خلق بيئة خصبة للسيارات الكهربائية، حيث احتلت الإمارات المركز السابع في مؤشر الجاهزية العالمية للتنقل الكهربائي لعام 2023 [8].
وتقدم الأردن مثالاً ساطعاً على قوة التشريعات ودورها في إحداث تحوّل جذري في هذا القطاع الحيوي. ففي عام 2020، خفضت الأردن رسوم استيراد المركبات الكهربائية من 25% إلى 10%، وهو ما يقل كثيراً عن الضرائب المفروضة على السيارات الهجينة (55%) والسيارات التي تعمل بالبنزين (86%). وكانت النتيجة نمو مبيعات المركبات الكهربائية بنسبة تقارب 46% في عام 2023، لتصل إلى 23,400 وحدة [9]. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه الإيجابي مع احتمالية وصول مبيعات المركبات الكهربائية إلى أكثر من 40,000 وحدة سنوياً بحلول عام 2032. [10]
وتثبت الاستثمارات المشتركة أيضاً أنها طريقة ذكية لتقاسم المخاطر وتحقيق وفورات الحجم، خاصة بالنسبة للمستثمرين الجدد في السوق. فعلى سبيل المثال، استثمرت شركة «سيفن» (CYVN Holdings) الاستثمارية القابضة التابعة لحكومة أبوظبي مبلغ 1.1 مليار دولار أمريكي في شركة السيارات الكهربائية الصينية “نيو” (NIO) لدعم نمو أعمالها. وعلى الصعيد الوطني، دخلت وزارة الطاقة والبنية التحتية الإماراتية في شراكة مع شركة “إينرايد” السويدية للشاحنات الكهربائية لتعزيز النقل المستدام في جميع أنحاء المنطقة، عبر صفقة لتوريد 2,000 شاحنة كهربائية و200 شاحنة ذاتية القيادة.
وفي المملكة العربية السعودية، وقعت وزارة الاستثمار صفقة بقيمة 5.6 مليار دولار مع شركة “هيومان هورايزونز” الصينية الناشئة لتصنيع وبيع السيارات الكهربائية داخل المملكة.
وفي مثال آخر على تبادل المواهب ورؤوس الأموال بين الدول، انضمت شركة “غاوس أوتو” الأمريكية العام الماضي إلى مجموعة “مارسون” البحرينية لافتتاح أول مصنع للمركبات الكهربائية في البحرين. يقع المصنع في مدينة سلمان الصناعية ضمن منطقة التجارة الأمريكية، وسينتج مجموعة من المركبات تشمل الدراجات ثنائية وثلاثية العجلات وسيارات الركاب.
وفي ظل هذا الزخم المتزايد، ليس من المستغرب أن تبدأ الشركات العالمية الكبرى المصنعة للسيارات الكهربائية في استكشاف سوق السيارات في الشرق الأوسط.
الصين تتصدر السباق في أسواق السيارات الكهربائية بالشرق الأوسط
تخطط شركة “فورد” الأمريكية العملاقة لإطلاق مجموعتها الخاصة من السيارات الكهربائية في جميع أنحاء منطقة الخليج بحلول عام 2025 على أبعد تقدير. وبهذه الخطوة، تتبع فورد خطى نظيرتها الأمريكية “جنرال موتورز” الأمريكية، التي قدمت طرازات كاديلاك ليريك، و”جي إم سي هامر”، و”شيفروليه بولت” الكهربائية إلى الشرق الأوسط في عام 2023. لكن الولايات المتحدة ليست وحدها التي ترى إمكانات النمو في السيارات الكهربائية في الشرق الأوسط، إذ تتصدر الصين – القوة المهيمنة عالمياً في مجال السيارات الكهربائية بحصة سوقية تبلغ 60% – هذا السباق في الأسواق الشرق أوسطية.
وأظهرت الإمارات تقبلاً كبيراً للمركبات الكهربائية القادمة من الصين، وهو تعاون بلا شك يعززه انضمام الإمارات مؤخراً إلى منظمة “بريكس” السياسية والتجارية، التي كانت الصين من أعضائها المؤسسين. وقد بلغ عدد الشركات الصينية التي أطلقت سيارات كهربائية في الإمارات أكثر من عشر شركات في عام 2023، لتحتل الإمارات بذلك المرتبة التاسعة بين أكبر 10 أسواق مستوردة للسيارات الصينية، بحجم شحنات وصل إلى حوالي 159,000 مركبة. [11]
وفي عام 2024، أبرمت شركة “فينوسيا“، التابعة لمجموعة “دونغ فنغ موتورز“، سلسلة من الاتفاقيات الاستراتيجية مع مجموعة من الشركاء الإقليميين، في حين أبرمت شركتا “أركفوكس” و”سكايورث أوتو” أيضاً صفقات لاستيراد السيارات بقيمة مليارات الدولارات.
كما تشهد شركة “بي واي دي أوتو” الصينية، التي تتخذ من شينزين مقراً لها، حضوراً متنامياً في أسواق الشرق الأوسط، لا سيما بعد أن لاحظت الشركة طلباً متزايداً على سياراتها في الأردن، حيث تزايدت شهية السوق للسيارات الكهربائية مع دخول شركات مثل “تسلا” و”فولكس فاجن ID.4″. وفي مصر، تتنافس سيارات “بي واي دي” الهجينة والكهربائية بقوة مع العلامات التجارية الأكثر رسوخاً، وبتركيز خاص على سوق سيارات الأجرة.
ومع استمرار هذا الزخم الإيجابي نحو التحوّل إلى المركبات الكهربائية في الشرق الأوسط، تتجه الأنظار نحو المستقبل. فما هي العقبات التي لا تزال تعترض طريق مصنعي المركبات الصديقة للبيئة؟ وما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لتعزيز هذا المسار الواعد في السنوات المقبلة؟
الابتكار يثبت أن العقبات أمام المركبات الكهربائية ليست مستعصية
لا شك في أن هذه الأخبار الإيجابية والمبيعات المتزايدة تمثل خطوات في الاتجاه الصحيح، ولكن من دون بنية تحتية قوية، قد تتعثر ثورة المركبات الكهربائية في الشرق الأوسط في تحقيق تطلعاتها المبكرة.
فإذا لم يتمكن المصنعون المحليون من تأمين البطاريات اللازمة لتشغيل سياراتهم، أو إذا واجه المشترون نقصاً في خيارات الشحن، فلا شك أنهم سيتجهون مجدداً إلى السيارات المسيّرة بالوقود الأحفوري.
ولحسن الحظ، تتحرك عدة دول بسرعة لتمهيد الطريق أمام نموذج التنقل المستدام.
كشفت الإمارات هذا العام عن خطط لبناء مصنع ضخم لإنتاج خلايا البطاريات في منطقة رأس الخيمة الاقتصادية بسعة 40 جيجاوات في الساعة [12]. وسيتم تمويل المصنع جزئياً باستثمار قدره 3.2 مليار دولار من شركة «ستيتيفولت» (Statevolt) الأمريكية لصناعة البطاريات. ويأتي هذا المشروع بعد الإعلان عن أول منشأة لإعادة تدوير البطاريات في المنطقة. وستعالج المنشأة، التي تُعد شراكة بين وزارة الطاقة والبنية التحتية الإماراتية وشركتي «لوهوم» (Lohum) ومجموعة “بيئة” (BEEAH)، ما يصل إلى 3,000 طن من بطاريات الليثيوم أيون سنوياً، بالإضافة إلى إعادة تأهيل بطاريات بطاقة 15 ميغاواط ساعة لاستخدامها في أنظمة تخزين الطاقة[13].
أما المملكة العربية السعودية، فقد ضخت مليارات الدولارات من وزارة الصناعة والثروة المعدنية من أجل إنشاء مصنع جديد لإنتاج معادن بطاريات السيارات الكهربائية ومنشأة لإنتاج الفولاذ. ويعتبر هذا المشروع، الذي يُعد جزءاً من خطة أوسع لجذب استثمارات بقيمة 32 مليار دولار في قطاع المعادن، مكوناً أساسياً في رؤية السعودية لأن تصبح مركزاً للتعدين والخدمات اللوجستية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.[14] وفي أعقاب هذا الاستثمار، تلقت الوزارة أكثر من مئة طلب للحصول على رخص للاستكشاف والتنقيب عن المعادن من شركات أجنبية.
كما تخبرنا البيانات أن محطات الشحن آخذة في الانتشار بوتيرة متسارعة في المنطقة. فعلى الرغم من العدد المنخفض نسبياً للمركبات الكهربائية في المنطقة عموماً، إلا أن الشرق الأوسط يتمتع بنسبة ممتازة من محطات الشحن، بمعدل 6.5 سيارة لكل نقطة شحن، وهو أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 15.9. ولكن داخل هذا الرقم تكمن فروقات كبيرة بين الدول، حيث تبلغ النسبة 1.8 في قطر، و7.1 في الإمارات، و10.4 في السعودية. وبالنظر إلى المساحات الشاسعة لهذه الدول، تصبح الحاجة إلى توفير محطات شحن كافية ضرورة حتمية وليست مجرد رفاهية.
وفي المحصلة، تبدو الجهود الرامية إلى بناء شبكة شحن شاملة متواصلة وحثيثة. ففي الإمارات، على سبيل المثال، زاد عدد محطات الشحن إلى 350 محطة، وتخطط هيئة كهرباء ومياه دبي (DEWA) لتركيب أكثر من 1,000 محطة شحن إضافية بحلول نهاية عام 2025. كما بدأت شركة “الاتحاد للماء والكهرباء” في تنفيذ خطة لتزويد شمال البلاد بشواحن كهربائية متعددة من نوعي التيار المباشر والمتردد. وتثبت الشراكات قوتها أيضاً، حيث تتعاون شركتا “طاقة” و”أدنوك للتوزيع” لبناء وتشغيل سلسلة من محطات شحن السيارات الكهربائية.
وفي السعودية، يدرك المشرعون أن معظم المركبات الكهربائية يتم شحنها ليلاً في المنازل. ولذلك، تستهدف “مبادرة تطوير البنية التحتية لشحن المركبات الكهربائية” إنشاء أكثر من 50,000 محطة شحن منزلية بحلول نهاية عام 2025. [15] كما أبرمت الشركة السعودية للكهرباء اتفاقاً مع شركة “نيسان موتورز” و”تاكاوكا طوكيو” وشركة “طوكيو للطاقة الكهربائية” لتطوير شبكة من محطات الشحن السريع للمركبات الكهربائية في جميع أنحاء البلاد، [16]وهي خطوة حيوية لزيادة إقبال الجمهور على المركبات الكهربائية .
وتسعى السعودية جاهدة لإثبات أن التكنولوجيا يمكنها إحداث تحوّل جذري في مجال شحن المركبات الكهربائية. ولهذه الغاية، قامت شركة «بترومين» بتأسيس شركة فرعية تحمل اسم “إلكترو مين”، وتم تكليفها بإطلاق 100 محطة شحن للمركبات الكهربائية في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب تطبيق ذكي يساعد المستخدمين في تنظيم جداول شحن سياراتهم.
أما الحكومة الأردنية، الحريصة على إظهار كفاءة المركبات الكهربائية وموثوقيتها، فقد استثمرت في بناء أكثر من 10,000 محطة شحن عامة، واشترت مئات من سيارات “تسلا” لاستخدامها كسيارات حكومية.
المخاوف المناخية
ورغم هذا التقدم الملحوظ، ما زال هناك الكثير من العمل اللازم لتهدئة مخاوف الجمهور حول ملاءمة المركبات الكهربائية للبيئة القاسية في الشرق الأوسط.
من المعلوم أن المركبات الكهربائية تم تصميمها ابتداءً للعمل في مناخات أكثر برودة ورطوبة مقارنة بمناخ الشرق الأوسط، الذي تهيمن عليه الأيام الحارة والجافة معظم أيام السنة. وقد أظهرت بعض الدراسات أن درجات الحرارة التي تتجاوز 35 درجة مئوية قد تؤدي إلى تقليص مسافات القيادة المحتملة بنسبة تصل إلى 17%. [17]
لكن الشركات المصنعة تدرك هذا التحدي، وتعمل بجد لتطوير حلول مبتكرة. ويجري الآن تصميم مكونات تعزز قدرة المركبات الكهربائية على تحمل درجات الحرارة الشديدة، كما يجري تحسين أنظمة التبريد بشكل متسارع للحفاظ على عمر البطارية وتعزيز أداء المركبة.
ولا تزال الشكوك قائمة حول ما يُسمى بـ”قلق المدى” – ذلك القلق الذي يساور البعض حول قدرة المركبات الكهربائية على السفر لمسافات محدودة بشحنة واحدة. والواقع أن هذه الصورة النمطية تمثل مشكلة خاصة في الشرق الأوسط، نظراً للمساحات الصحراوية الشاسعة والتضاريس القاسية التي تجعل من هذا القلق أكثر حدة. لكن الجيل الجديد من المركبات الكهربائية بدأ في تغيير هذه التصورات. ففي الاختبارات العملية، أظهرت العديد من السيارات الكهربائية قدرة على قطع مسافات تتجاوز 500 أو حتى 600 ميل بشحنة واحدة، بما في ذلك طرازات من تسلا، ونيو، ولوسيد، وجميعها تحظى بحضور قوي في الشرق الأوسط. [18] وقد اجتازت العديد من السيارات الكهربائية الأخرى عتبة 400 ميل، مما يُظهر أن هذه الإنجازات المبهرة أصبحت القاعدة وليس الاستثناء.
ومن بين هذه السيارات، يبرز طراز R1T الذي تصنعه شركة ريفيان (Rivian) الناشئة، ومقرها كاليفورنيا، والتي كانت عبد اللطيف جميل من أوائل المستثمرين فيها. والواقع أن هذا الدعم الطموح الذي تقدمه عائلة جميل لريفيان ليس سوى مجرد مثال على كيفية مساهمة عبد اللطيف جميل في تعزيز حلول التنقل المستدام في الأسواق العالمية.
قيادة الشرق الأوسط نحو مستقبل المركبات الكهربائية
إننا نؤمن بحق أن مجتمعاتنا تستحق مستقبلاً في التنقل يكون أنظف، وأسرع، وأكثر ذكاءً – مستقبل تصبح فيه الاستدامة خياراً حقيقياً وواقعياً للجميع. ففي بداية عام 2023، عززت جميل للسيارات من مساعيها لتحويل قطاع التنقل إلى النموذج الكهربائي، بأن أصبحت الموزع الوطني الرسمي لمركبات «أم جي» (MG) في المغرب، و«جي ايه سي» (GAC) في مصر، و«بي واي دي» (BYD) في تركيا. .
ومؤخراً، أعلنت جميل للسيارات (الدولية) عن شراكة تاريخية مع عملاق السيارات الصيني مجموعة تشجيانغ جيلي القابضة (Zhejiang Geely Holding Group) لتوزيع مركبات فارزون أوتو الكهربائية على مستوى العالم في 11 دولة، يبلغ عدد سكانها مجتمعة أكثر من 450 مليون نسمة، إلى جانب خطط لإدخال علامة “فارزون” للمركبات التجارية إلى العديد من الأسواق الجديدة.
تستند هذه التحالفات إلى مسيرة جميّل للسيارات الحافلة في توفير المركبات الهجينة والكهربائية في معظم أنحاء الشرق الأوسط والصين وشمال إفريقيا، وخاصة شراكتها الطويلة مع تويوتا، التي تعتبر رائدة في قطاع مركبات الطاقة الجديدة.
وتشمل الشراكات البارزة أيضاً العلاقة الطويلة والمستمرة لتوزيع سيارات لكزس الهجينة في السعودية والمغرب وتركيا والصين، إذ تُعتبر المركبات الهجينة ضرورية كمرحلة انتقالية بين المركبات المسيّرة بالوقود الأحفوري والمركبات المسيّرة تماماً بالبطاريات.كما تستثمر عبد اللطيف جميل أيضاً في شركة «غريفز للتنقل الكهربائي» (Greaves Electric Mobility) في الهند، مما ساعد في تفوق مبيعات الدراجات الكهربائية ثنائية وثلاثية العجلات على مثيلاتها التي تعمل بمحركات الاحتراق لأول مرة. وسيساعد هذا التعاون الواعد في تقليل التلوث في المدن الهندية وجعل وسائل التنقل الكهربائية في متناول المزيد من العائلات.
وعلى صعيد آخر، تُركز جميل للتمويل على معالجة قضايا القدرة على تحمل التكاليف، حيث أطلقت في يونيو من هذا العام برنامجاً تمويلياً جديداً يهدف إلى تعزيز انتشار المركبات الكهربائية في مصر، عبر مساعدة المشترين المحتملين في امتلاك سيارة كهربائية تصل قيمتها إلى 3 ملايين جنيه مصري (حوالي 63,000 دولار أمريكي) من خلال مجموعة من خيارات التمويل، تشمل خطط سداد مرنة تصل إلى خمس سنوات، بالإضافة إلى عروض مشابهة للتأمين والصيانة.
وفي ظل تباين أنظمة التمويل في الشرق الأوسط، تُعد مثل هذه المبادرات التمويلية المتكاملة ضرورة ملحة، خاصةً في المجتمعات التي تفتقر إلى سهولة الوصول إلى التسهيلات الائتمانية.
ويبدو أن الشرق الأوسط بات مهيئاً تماماً، نفسياً على الأقل، لاحتضان فوائد المركبات الكهربائية. فقد حددت الإمارات وسلطنة عُمان مواعيد نهائية للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، في حين يسعى جيرانهما في السعودية إلى تحقيق الهدف ذاته بحلول عام 2060. وبالمثل، تخطط قطر ومصر لتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة في القطاعات المنتجة للتلوث بشكل كبير، بما في ذلك قطاع النقل، بحلول عام 2030. ومع ذلك، ورغم أن الاستثمارات الضخمة التي تدفقت على تطوير البنية التحتية وتعزيز استخدام المركبات الكهربائية بدأت تؤتي ثمارها، مع الانتشار التدريجي للمركبات الكهربائية الصديقة للبيئة في الشرق الأوسط، إلا أنه لا يمكن التغافل عن حقيقة أن مبيعات هذه المركبات لا تزال متأخرة مقارنة بالأسواق الأكثر تطوراً، وهو أمر متوقع في بلدان تعتمد تاريخياً على النفط والغاز. وهذا يعني أنه في خضم السعي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، يجب أن تتكاتف الجهود بين القطاعين العام والخاص لاستغلال ما لديهم من موارد في سبيل تعجيل انتشار المركبات الكهربائية في الشرق الأوسط.
تفيد الدراسات أن مشتري السيارات في الشرق الأوسط يمتازون بنظرتهم التطلعية، إذ يميلون إلى اقتناء السيارات ذات “المظهر المستقبلي، والتقنيات الميكانيكية المتقدمة، والمجهزة بأحدث الابتكارات الرقمية “، بحسب شركة «ديلويت» [19]. والخلاصة أنه إذا كان لسوق المركبات الكهربائية في المنطقة أن يحقق طموحاته المتمثلة في زيادة قيمته بنحو ثلاثة أضعاف خلال السنوات الخمس المقبلة، فسيكون ذلك بسبب استرشاد المشرعين والمصنعين والممولين بتطلعات جمهور متبصر وواعٍ.
[1] https://www.iea.org/reports/global-ev-outlook-2024/trends-in-electric-cars
[2] https://www.iea.org/reports/global-ev-outlook-2024/trends-in-electric-cars
[3] https://www.globenewswire.com/news-release/2023/10/04/2754445/0/en/Middle-East-Oil-Gas-Market-Report-Market-Size-Share-Consumption-Production-Historical-and-Forecast-Data-2019-2030.html
[4] https://rhomotion.com/news/the-middle-east-ev-market-trends-investment-and-opportunities/
[5] https://www.rolandberger.com/en/Insights/Publications/EV-Charging-Index-Expert-insight-from-the-Middle-East.html
[6] https://www.deloitte.com/middle-east/en/our-thinking/mepov-magazine/securing-the-future/the-middle-east-goes-electric.html
[7] https://www.reuters.com/business/autos-transportation/saudi-crown-prince-launches-ceer-first-saudi-electric-vehicle-brand-2022-11-03/
[8] https://www.adlittle.com/en/insights/report/global-electric-mobility-readiness-index-gemrix-2023
[9] https://www.iea.org/reports/global-ev-outlook-2024/trends-in-electric-cars
[10] https://jordantimes.com/news/local/jordans-ev-sales-expected-spike-459-2023-report-finds
[11] https://news.cgtn.com/news/2024-03-13/Middle-East-insights-Why-is-UAE-a-target-market-for-Chinese-EVs–1rWBEXns6pG/p.html
[12] https://www.investmentmonitor.ai/news/statevolt-to-build-new-battery-cell-gigafactory-in-uae/
[13] https://rhomotion.com/news/uae-announces-first-battery-recycling-plant/
[14] https://www.spglobal.com/commodityinsights/en/market-insights/latest-news/metals/050822-saudi-arabia-to-develop-ev-metals-steel-projects-as-part-of-32-bil-investments
[15] https://www.evcandi.com/news/saudi-arabia-launches-company-roll-out-ev-infrastructure
[16] https://www.reuters.com/article/business/saudi-electricity-signs-deal-with-japanese-firms-for-first-ev-pilot-idUSKBN1F30U1/
[17] https://info.oregon.aaa.com/aaa-study-whats-the-real-range-of-electric-vehicles
[18] https://www.evspecs.org/electric-cars-with-the-longest-range
[19] https://www.deloitte.com/middle-east/en/our-thinking/mepov-magazine/securing-the-future/the-middle-east-goes-electric.html