عندما تتناول منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) مشكلة ندرة المياه تصفها كواحدة من أبرز التحديات الرئيسة التي تواجه التنمية المستدامة في مجتمعنا[1]. وبينما ظلت تحلية المياه تمثل الحل التقليدي الأمثل لمواجهة هذه المشكلة، تتوجه أحدث التطورات التي يشهدها مجال معالجة المياه العادمة/مياه الصرف الصحي نحو التحول إلى إعادة استخدام هذه المياه لتلبية احتياجاتنا.

وترى شركة الاستشارات العالمية الرائدة “ماكينزي آند كومباني” أن المياه جد مهمة لاقتصاد العالم مثل النفط أو البيانات[2]. وقد يبدو ذلك للسامع غريباً بعض الشيء، فالماء يعتبر أكثر الموارد المتوفرة على هذا الكوكب. وهذا صحيح.  ولكن لسوء الحظ، لا يصلح للاستهلاك الآدمي منه سوى  1٪، بينما تبلغ نسبة مياه البحر 97 ٪، ونسبة الجليد أو الثلج حول القطبين  2 ٪.[3]

ومما يزيد الأمر سوءا أن طلبنا على المياه يفوق بكثير ما هو متاح منها. فبحلول عام 2050، من المنتظر أن يزداد الطلب على المياه التي نستهلكها في الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي بما يزيد على 50٪، وذلك لتوفير الغذاء لسكان العالم والمقدر عددهم بـ 10 مليار نسمة.[4]

وقد أجهدت بالفعل نحو 25 ٪ من أحواض المياه في العالم والبالغ عددها 410 حوضا (وهي تمثل أدنى نقطة لتصريف المياه من المناطق المرتفعة)، حيث تجاوزت السحوبات السنوية ما هو متاح من إمدادات المياه بنسبة 40 ٪. ونرى نصف هذه النسب في ثلاث دول يزداد فيها الطلب على المياه بشكل كبير. وهذ الدول هي: الولايات المتحدة والهند والصين. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2030، قد ينخفض ما هو متاح عالميا من المياه التي توفرها أحواض المياه بنسبة 10٪ وبل قد تصل النسبة إلى 25٪ بحلول عام [5]2050.

ALJ Stressed Water Basins

وقد سلط تقرير تنمية الموارد المائية في العالم الصادر عن برنامج اليونسكو العالمي لتقييم المياه[6] (WWAP) الضوء على الوضع الخاص بعام 2030 – فمن المنتظر أن يعاني ما يقرب من 50٪ من سكان العالم من الإجهاد المائي، وبحلول العام نفسه سيفوق الطلب ما هو متاح من إمدادات المياه بنسبة 40٪ إذا لم نبادر بتغيير مستويات استهلاكنا الحالية. وفي جنوب صحراء أفريقيا وحدها سوف يزداد الطلب بنسبة 283٪ في عام 2030 مقارنة بعام 2005[7]، إذ ستندر المياه حتى في المناطق التي تتوافر فيها حاليًا.

وقد ورد في تقرير “شركة ماكينزي آند كومباني” والمعنون “المياه: أولوية للإنسان ولمجتمع الأعمال”، أن مخاطر المياه ليست بالأمر الذي يمكن معالجته بمعطيات مستقبل غامض. فإمدادات المياه العذبة تتناقص باطراد بينما يزداد الطلب بشكل مطرد أيضا. وفي القرن العشرين، تضاعف عدد سكان العالم أربع مرات، بينما ازداد استهلاك المياه ستة أضعاف.

وثمة تكلفة اقتصادية للأمر أيضا. فمن المنتظر أن ينتج عن ندرة المياه تداعيات وتأثيرات مجتمعية جد خطيرة. ويعتقد خبراء البنك الدولي أنه بحلول عام 2050، قد تكلف مشكلة ندرة المياه، التي تتفاقم بسبب تغير المناخ، بعض الأقاليم ما يصل إلى 6 ٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، كما أنها ستكون دافعا للهجرة وسببا لنشوب الصراعات بين الدول[8]. وعلى النقيض، يمكن مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ على المياه بقرارات سياسيات أفضل واتجاه بعض الأقاليم إلى تحسين معدلات نموها بنسبة تصل إلى 6٪ من خلال إدارة أفضل للموارد المائية (انظر الرسم البياني أدناه).

ALJ Water Scarcity GDP
وفي تقريره عن تنمية الموارد المائية في العالم، أكد برنامج اليونسكو العالمي لتقييم المياه WWAPمحذرًا أنه: “بغض النظر عن حجم عجز المياه المستقبلي على مستوى العالم – والأهم من ذلك على المستوى المحلي –  من المنتظر أن تحد ندرة المياه من فرص النمو الاقتصادي ومن إمكانية خلق فرص عمل لائقة في العقود المقبلة“.

 تأثير الدومينو

إن قضية ندرة المياه لا تمثل خطرًا قائما بذاته – فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بمجموعة كاملة من التحديات الأخرى التي تواجه كوكبنا. إذ تشمل أهداف الأمم المتحدة الـ 17 للتنمية المستدامة: المياه النظيفة والصرف الصحي، والتغيير المناخي، والطاقة النظيفة بتكلفة ميسورة، والقضاء على الجوع وكل تلك الأهداف تؤثر على بعضها البعض.

ALJ Sustainable Development Goals
وفي تقرير المخاطر العالمية لعام 2020، يشير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أزمات المياه باعتبارها خامس أكبر المخاطر التي يواجهها العالم من حيث شدة التأثير. وتأتى الأحداث المناخية المتطرفة في المرتبة الرابعة بينما يحتل تغير المناخ المرتبة الأولى بين تلك المخاطر[9].

ومع نوبات الجفاف المتكررة ونقص المياه والكوارث الطبيعية الناجمة عن الأمطار والفيضانات التي لا يمكن التنبؤ بها، لم يعد هناك مجالا للشك أن ثمة تأثير مدمر لتغير المناخ على إمدادات المياه. في سياق متصل، تذهب منظمة الأغذية والزراعة إلى أنه “مع كل درجة واحدة من الاحترار العالمي سيشهد 7٪ من سكان العالم انخفاضًا بنسبة 20٪ أو أكثر في موارد المياه المتجددة”[10].

وما من أحد يمكنه إغفال العلاقة بين المياه النظيفة والصحة. فعلى الصعيد العالمي، تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 60٪ من الأمراض ترتبط بالمياه[11]. ولعل تقرير تنمية الموارد المائية كان أكثر وضوحًا في استنتاجاته. فقد نص على أن “تطبيق حق الإنسان في المياه الأمنة والكافية وخدمات الصرف الصحي الملائمة من شأنه حماية صحة الملايين من الناس وتحسين نوعية حياتهم، ولا يقتصر ذلك على الفئات الأفقر وحسب”[12].

فوفقا للتقديرات، يتسبب عدم توافر المياه وخدمات الصرف الصحي بالشكل المناسب فيما يقرب من مليوني حالة وفاة يمكن تجنبها كل عام، ويمثل الأطفال دون سن الخامسة النسبة الأكبر بين هؤلاء.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن إدارة الموارد المائية بشكل أفضل لغرض الحد من الأمراض المنقولة بالنواقل، وضمان عدم احتواء البحيرات والأنهار المستخدمة في أغراض الترفيه على مستويات ضارة من التلوث بالبراز أو تكاثر الطحالب، ويمكن لها أن تنقذ  الأرواح وأن تعود على الاقتصاد بفوائد  مباشرة وغير مباشرة. وجديرا بالذكر أن العديد من الأمراض المنقولة بالغذاء ترتبط بنوعية المياه المستخدمة في إنتاج الغذاء أو معالجة ما بعد الحصاد أو الصناعات الغذائية. وتشير أحدث التقديرات إلى أن المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية القريبة من المراكز الحضرية والتي يتم ريها بالمياه العادمة الحضرية غير المعالجة وصلت إلى حوالي 36 مليون هكتار – أي ما يعادل مساحة ألمانيا[13].

 تحلية المياه – الحل التقليدي

تمثل تحلية المياه الحل التقليدي الرئيس لمعالجة المشكلة، وذلك من خلال توفير إمدادات جديدة للمياه. ونقصد بتحلية المياه استخلاص الملح من مياه البحر وجعله ملائما للاستهلاك البشري. وعلى الصعيد العالمي، يحصل أكثر من 300 مليون شخص في الوقت الحالي على احتياجاتهم من المياه من محطات التحلية، وذلك وفقًا للرابطة الدولية لتحلية المياه.

وباستخدام تقنيات مختلفة، يمكن لعملية تحلية المياه أن تنتج أنواع مختلفة من المياه العذبة تصلح لتطبيقات مختلفة، بما يتماشى مع معايير الجودة العالمية: فالمياه فائقة النقاء هي المياه الصالحة للشرب، والتي بدورها تصلح لأغراض أخرى مثل الزراعة أو الاستخدام الصناعي.

وفي المناطق التي تعاني من ندرة المياه، حققت تقنيات تحلية المياه نجاحًا ملحوظًا. ويوجد حاليًا ما يقرب من 16,000 محطة لتحلية المياه على مستوى العالم، إما قيد التشغيل أو قيد الإنشاء[14]، وهي تنتج حوالي 95 مليون متر مكعب/ اليوم من المياه المحلاة للاستخدام البشري، 48٪ منها يتم إنتاجها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا[15]. ويشمل ذلك محطة ألمار لحلول المياه في مومباسا، كينيا، والتي ستوفر أكثر من 100 ألف متر مكعب من مياه الشرب لأكثر من مليون شخص بمجرد اكتمالها.

Desalination by Region

لكن تحلية المياه تنطوي على تحديات فريدة من نوعها. فهناك نوعان رئيسان من تقنيات تحلية المياه: التقنية الحرارية التي تقوم على تسخين الماء ثم التكثيف، وتقنية التناضح العكسي (RO)، التي تدفع مياه البحر عبر غشاء لتنقيته. ويعد بناء كلتا التقنيتين مكلفًا للغاية، كما يتطلب تشغيلهما قدرًا هائلاً من الطاقة. فتحتاج محطة التناضح العكسي النموذجية 10 إلى 13 كيلو واط في الساعة من الطاقة في المتوسط لكل ألف جالون تتم معالجته[16]،  كما أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تنتجها المحطات التي تعمل بالوقود الأحفوري تسهم بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية. فعلى سبيل المثال، ووفقا لتقديرات البنك الدولي، تعتمد 30 محطة تحلية تقريبًا في المملكة العربية السعودية على قرابة الـ 300,000 برميل من النفط الخام يوميًا[17].

وثمة تأثيرات بيئية أيضا. فعملية تحلية المياه ينتج عنها في نهاية المطاف مادة مركزة تعرف باسم brine  وتعني محلول ملحي. ويتم التخلص من هذه المادة عن طريق إعادتها إلى المحيط. وإذا لم يتم ذلك بشكل صحيح وعن طريق نشر هذه المادة عند التخلص منها على مساحة واسعة، فقد تتسبب في استنزاف الأكسجين من المحيط. ويتمخض عن ذلك بالطبع تأثيرات سلبية على الحياة البحرية. كما أنها قد تحتوي أيضًا على مركبات كيميائية ضارة كالنحاس والكلور ينتهي بها المطاف أيضا في مياه البحر[18]. وفي واقع الأمر، ترى دراسة أجريت عام 2019 من قبل معهد الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة[19] أن مشكلة نفايات المحلول الملحي تم التغاضي عنها والتقليل من أهميتها بنسبة 50٪.

وهناك مشكلة أخرى تتعلق بشفط المياه المالحة للمعالجة. فقد تعلق سمكة أو كائن حي كبير آخر على شبكة السحب فتموت أو تصاب. بالإضافة إلى ذلك، قد يتم شفط يرقات الأسماك أو البيض أو العوالق أثناء العملية ويصعب أن تنجو فتموت.

هناك أيضًا اعتبارات جغرافية تتعلق بالأمر. فبعض الأماكن لا تصلح لإقامة محطات تحلية المياه. فالمياه ثقيلة وعمليات رفعها ونقلها مكلفة للغاية، وهو ما يعني ضرورة إقامة محطة تحلية المياه بالقرب من مصدر المادة الخام المستخدمة في العملية، أي البحر. كما يجب أن تكون المحطة قريبة من السوق أو نقطة الاستخدام. ومن الناحية الجغرافية أيضًا، يجب أن تكون محطة التحلية منخفضة مقارنة بسوقها لأن ضخ المياه من خلال رفعها مكلف للغاية. وبناء على ذلك، يصبح الموقع المثالي والنموذجي لمحطة تحلية المياه على امتداد مدينة ساحلية أو منطقة صناعية ساحلية، وذلك لتوفير المياه للأغراض الصناعية والتجارية والمنزلية.

ويتم حاليا تطوير تقنيات جديدة لتحلية المياه تهدف إلى إيجاد حل لبعض تلك المشكلات، مثل تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية. ومن الأمثلة على ذلك نظام تحلية المياه بالطاقة الشمسية في الصين الذي يمكن أن يوفر أكثر من 1.5 جالون من مياه الشرب العذبة في الساعة اعتمادا على لوح شمسي تبلغ مساحته متر مربع واحد[20]. وهناك أيضا نظام GivePower الغير هادف للربح والذي يوفر أنظمة تحلية تعتمد على الطاقة الشمسية وتعمل بالبطاريات للمجتمعات الفقيرة في كل من كينيا وهايتي.[21]

كما يتم اتخاذ خطوات للحد من انتاج ال brine  (المحلول الملحي) وذلك من خلال أنظمة  Zero Liquid Discharge (ZLD) التي تعمل على تنقية المياه العادمة وإعادة تدويرها – وهو ما يترتب عليه عدم صرف أي سوائل في  نهاية العملية[22].

وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن أن نجزم أن هناك سبيل لتحلية المياه بطريقة رخيصة ونظيفة تحافظ على البيئة وتلبي احتياجات الإنسان من المياه. فهناك حاجة ماسة إلى بدائل أكثر استدامة – وقد تكون المياه العادمة جزءًا رئيسًا من هذا الحل.

ووفقا لمديرية البيئة بالمفوضية الأوروبية فإن: “إعادة استخدام المياه بالمقارنة بالمصادر البديلة لإمدادات المياه مثل تحلية المياه أو نقل المياه غالبًا ما تتطلب تكاليف استثمارية وطاقة أقل، كما أنها تسهم أيضًا في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري[23].”

Muharraq Wastewater Plant Bahrain
تقوم محطة المحرق لمعالجة مياه الصرف الصحي في مملكة البحرين، والتي تمتلك شركة ألمار لحلول المياه حصة كبيرة فيها، بمعالجة 100,000 متر مكعب في اليوم وتضم أول خط أنابيب للصرف الصحي بعمق 16.5 كم داخل منطقة دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى شبكة لتجميع المياه العادمة.

لا للإهدار

وظّف المزيد من الاستثمارات والابتكارات فيما يتعلق بأنظمة معالجة المياه العادمة.

إن الاستثمار الفعال في مجال معالجة المياه العادمة وغيرها من المجالات المتعلقة بالبنية التحتية للصرف الصحي تعتبر أمرا مهما لتحقيق أهداف حماية الصحة العامة، والحفاظ على البيئة، وتحسين نوعية الحياة. بالإضافة إلى ذلك، فإن خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية المدارة بأمان تعد عاملا أساسيا للوقاية من الأمراض وحماية صحة الإنسان أثناء تفشي الأمراض المعدية، بما في ذلك الجائحة التي تواجه العالم في الوقت الحالي.

ويتم تعريف المياه العادمة المعالجة بشكل عام على أنها المياه المستخدمة من قبل شركة أو منزل أو صناعة والتي تمت معالجتها لإزالة الملوثات وهي مناسبة للإعادة الاستخدام. ويمكن أن تؤدي عمليات المعالجة إلى خصائص مختلفة للمنتج النهائي لتلبية احتياجات عدد من القطاعات، بما في ذلك الصناعة والزراعة. ويمكن معالجة المياه بطرق تدعم وتحافظ على البيئة، كما يمكن إعادة استخدامها كمياه شرب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام المنتجات الثانوية التي تنتج عن عملية معالجة المياه العادمة في الزراعة وتوليد الطاقة، وهو ما يجعل محطات معالجة المياه العادمة أكثر استدامة من الناحية المالية ومن الناحية البيئية.

وعلى الرغم من ذلك، يتم تصريف حوالي 80٪ من المياه العادمة في العالم في البيئة دون معالجة مناسبة [24]– وهي تعتبر موردا قيما يهدر ويختفي حرفياً عبر المصارف أمام أعيننا.

وثمة اعتراف متزايد بهذه الفرصة الضائعة وقبول متنامي بفكرة أن معالجة المياه العادمة يمكن أن تقدم حلاً لمشكلة ندرة المياه يتسم بالمرونة والفعالية من حيث التكلفة والاستدامة وهو ما يكمل منظومة تطوير قطاع تحلية المياه.

وتقول جينيفر سارة، المديرة العالمية لممارسة المياه العالمية في البنك الدولي: “في الوقت الذي يعيش فيه 36٪ من سكان العالم في مناطق تعاني شح المياه، تمثل معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها جزءًا من الحل لمشكلات ندرة المياه والتلوث”. “فبمجرد معالجة المياه العادمة، يمكن استخدامها لتحل محل المياه العذبة في أغراض الري أو العمليات الصناعية أو الأغراض الترفيهية. كما أنا تحافظ على استدامة البيئة ويمكن استخدام المنتجات الثانوية الناتجة عن العملية في توليد الطاقة. “

وفي الماضي، كان هناك أربع معوقات رئيسة للاستثمار في أنظمة الصرف الصحي:

  • غياب الوعي والفهم لدى العامة، مما يؤدي إلى أفكار ورؤى سلبية فيما يتعلق بإعادة استخدام المياه العادمة
  • المعوقات التقنية والمالية والتنظيمية على المستوى المحلي أو الإقليمي، والتي تعوق الاستثمار في حلول مياه الصرف الصحي أو المياه العادمة. فعلى سبيل المثال، هناك مواصفات المياه المحلية التي لا تعترف باستخدام المياه المعاد تدويرها
  • الافتقار إلى الحوافز الاقتصادية للمطورين أو المستخدمين لحلول المياه العادمة/ مياه الصرف الصحي
  • عدم اتخاذ الحكومة إجراءات تتطلب زيادة استخدام المياه المعاد تدويرها

على الرغم من ذلك، شهدت الفترة الأخيرة تراجعا تدريجيا لتلك المعوقات، وهو ما يعكس تغييرًا في توجهات السلطات وتزايدا في المخاوف العالمية فيما يتعلق بتغير المناخ وتحقيق الاستدامة بشكل عام.

Carlos Cosin, Almar Water Solutions
كارلوس كوسين،
الرئيس التنفيذي  لشركة ألمار لحلول المياه

ويقول كارلوس كوزين – المدير التنفيذي لشركة ألمار لحلول المياه والتي تعتبر جزءاً من شركة عبد اللطيف جميل للطاقة والخدمات البيئية “لقد لعبت أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة دورا مهما في هذا الصدد. فقد ركزت على أزمة المناخ، وأدرك الجميع أننا بحاجة إلى التحرك الآن، وقبل فوات الأوان”.

لقد بلغ حجم السوق العالمية لإعادة تدوير المياه العادمة/مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها حوالي 12.2 مليار دولار أمريكي في عام 2016. ووفقا لتقديرات الرابطة الدولية للمياه، من المنتظر أن يصل إلى 22.3 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2021[25] . وقد تضاعفت طاقة إعادة الاستخدام المتعاقد عليها عالميًا تقريبًا منذ عام 2010، إذ زادت الطاقة التعاقدية الاجمالية من 59.7 مليون متر مكعب يوميًا (م3/يوم) في عام 2009 إلى 118 مليونًا في عام 2017[26]، ومثلت الصين 49٪ من الطاقة التعاقدية بين عامي 2010 و2017.

وثمة بعض البلدان والمدن البارزة التي تعكس قدرة المياه العادمة على تحقيق التحول فيما يتعلق بإمدادات المياه:

 

San Diego

كاليفورنيا تحلم

تحدد لائحة القانون رقم 22 في كاليفورنيا 40 غرضًا يسمح فيها باستعمال المياه المنقاة والمعاد تدويرها ثلاثيا (ويشمل ذلك ري الحدائق)، ذلك بالإضافة إلى 24 غرضا يسمح  فيها باستعمال المياه المنقاة والمعاد تدويرها ثنائيا (ويشمل ذلك ري أعلاف الحيوانات والمحاصيل الأخرى غير المعالجة)، فضلا عن سبعة أغراض يسمح فيه باستعمال المياه غير المنقاة والمعاد تدويرها ثنائيا (مثل الاستخدامات الصناعية).

وتشمل الأغراض الأخرى التي يسمح فيها باستعمال المياه المنقاة والمعاد تدويرها: ري المحاصيل الغذائية والمسطحات الخضراء في المناطق السكنية ومكيفات الهواء والمغاسل التجارية ونوافير الزينة وأنظمة الطرد بالمراحيض في المبان التجارية.

ولا تسمح اللائحة باستخدام مياه الشرب المعاد تدويرها، لكنها تسمح بإعادة ضخ المياه المعاد تدويرها في نظام المياه ومعالجتها بشكل طبيعي في إمدادات المياه للمنازل.

وعلى المستوى المحلي، أظهر المشروع الرائد لتنقية المياه الذي انطلق في سان دييجو في عام 2012 كيف يمكن أن يتم تحويل المياه العادمة/ مياه الصرف الصحي إلى مصدر محلي “موثوق ومستدام ومتنوع” للماء المنقى الصالح للشرب، وذلك مع ارتفاع نسبة موافقة الجمهور على إعادة استخدام المياه من 26٪ في عام 2004 إلى 73٪ في عام 2012. وقد فاز المشروع، والمعروف الآن في سان دييجو باسم Pure Water San Diego في عام 2015 بجائزة المياه الأمريكية المقدمة من US Water Alliance  (تحالف المياه الأمريكية). ويهدف المشروع إلى إمداد المدينة بـ 83 مليون جالون من مياه الشرب محليًا بحلول عام 2035.[27]

Merlion
مدينة ميرليون

تعتبر سنغافورة نموذجا أخر للنجاح في مجال معالجة المياه العادمة/ مياه الصرف الصحي. حيث تعتمد مبادرتها التي انطلقت تحت اسم نيووتر NEWater على عملية الترشيح الدقيق، والتناضح العكسي، والتطهير باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، وموازنة القلوية “pH”، وذلك لغرض توفير 40٪ من الاحتياجات الحالية من المياه فائقة النقاء والمياه الصالحة للشرب في المدينة، وذلك من خلال خمس محطات لمعالجة المياه. وتهدف المبادرة إلى زيادة هذه النسبة إلى 55٪ بحلول عام 2060[28].

Singapore NEWater
وبالمثل، تقوم مدينة العقبة في الأردن، وهي واحدة من أكثر دول العالم معاناة من شح المياه، بتجميع ومعالجة 90٪ من المياه العادمة/ مياه الصرف الصحي – وهو ما يعادل 31,000 مليون متر مكعب/ يوم تقريبا. وقد ساهمت استراتيجية احياء موارد المدينة في الحد من انبعاثات الكربون، وتخضير المسطحات الخضراء الحضرية، ودعم كلا من قطاعي السياحة والصحة العامة، فضلا عن توفير عائد يقدر بأكثر من 4 ملايين دولار أمريكي لشركة العقبة للمياه (AWC)[29]. وفي الوقت نفسه، يلزم تشريع جديد صدر في مانيلا، عاصمة الفلبين، جميع الاطراف المعنية بإدارة 100٪ من المياه العادمة/ مياه الصرف الصحي لديهم بحلول عام 2028 وإعادة استخدامها.[30]

ويقول كوزين: “أثبتت بعض الأماكن مثل كاليفورنيا وسنغافورة أنه عندما تتوفر لديك الإرادة السياسية، يمكنك تحقيق الأهداف المرجوة”.

وتقوم شركة ألمار لحلول المياه أيضاً بنقل ريادتها في مجال تقنية تحلية المياه إلى حلول معالجة المياه العادمة/ مياه الصرف الصحي المستدامة. ويشمل ذلك حصة كبيرة في محطة حديثة لمعالجة المياه العادمة/ مياه الصرف الصحي بقدرة 100,000 متر مكعب/ يوم ونظام نقل الصرف في المحرق بالبحرين. ويأتي ذلك عقب الفوز بعطاء/ بعقد تطوير محطة تحلية تبلغ قدرتها 450,000 متر مكعب/ يوم في مدينة الشقيق الساحلية في السعودية. وتغطي المحطة مساحة تعادل 34 ملعبًا لكرة القدم، و هي تضمن توفير مياه صالحة للشرب لـ 1.8 مليون شخص على مدى 25 عامًا فضلا عن خلق 700 فرصة عمل[31].

في مصر حيث لا يستطيع 7.3 مليون شخص الحصول على مياه شرب آمنة، ولا يحصل 8.4 مليون شخص على خدمات الصرف الصحي المناسبة، تتعاون شركة ألمار لحلول المياه مع شركة حسن علام للمرافق في تطوير مشروعات لإدارة المياه العادمة/ مياه الصرف الصحي في جميع أنحاء البلاد.

 أوروبا ترسم معالم الطريق

لم تكن أوروبا حتى وقت قريب على قلب رجل واحد. وقد انعكس ذلك جليا من خلال تباين التشريعات والأجندات الوطنية. فعلى سبيل المثال، لا تمثل ندرة المياه بالنسبة لشمال أوروبا مشكلة ذات أولوية كما هو الحال في البلدان الجنوبية الحارة مثل إسبانيا أو إيطاليا أو اليونان. ولطالما كانت إسبانيا مؤيدًا قويًا لمعالجة المياه العادمة/ مياه الصرف الصحي. وقد قادت السوق الأوروبية لإعادة استخدام المياه العادمة/ مياه الصرف الصحي منذ تقديم استراتيجية وطنية لإعادة استخدام المياه في عام 2010، مع عدد من المشروعات الضخمة التي تستهدف المستخدمين الزراعيين.

EU Waste-water Graphic

يقول كوزين “تستخدم إسبانيا حوالي 10٪ إلى 12٪ من المياه المعاد تدويرها، وهذه النسبة آخذة في الازدياد. وفي بعض المناطق مثل مورسيا وجزر الكناري، تصل هذه النسبة إلى 25٪ وهي في ازدياد”.

وفي عام 2020، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة كبيرة إلى الأمام نحو إطار عمل متناغم ومترابط فيما يتعلق بإعادة استخدام المياه في عموم الاتحاد الأوروبي، عندما أقر البرلمان الأوروبي لائحة إعادة استخدام المياه. ويحدد القانون الجديد لأول مرة الحد الأدنى من متطلبات المياه المعاد استخدامها على المستوى الأوروبي (أي المياه العادمة/مياه الصرف الصحي الحضرية والتي تمت معالجتها في محطة المعالجة وإعادة الاستخدام) كي يتم استخدامها في أغراض الزراعة بطريقة آمنة، تحمي الناس والبيئة.

ولعل هذه تعتبر المرة الأولى التي يقر فيها الاتحاد الأوروبي مثل هذه التشريعات وتتوافر لديه القدرة على زيادة كمية المياه التي يعاد استخدامها من 1.1 مليار متر مكعب حاليا إلى 6.6 مليا متر مكعب في السنة. وتهدف اللائحة الجديدة أيضًا إلى الحد من الإفراط في استنزاف المياه الجوفية وهو ما يعتبر أحد أكبر التهديدات لموارد المياه في أوروبا.[32]

 ويقول إوان دينيس، وزير المياه والغابات في الاتحاد الأوروبي “إن المياه مورد ثمين. ولعله من المنطقي وضع حد أدني من المعايير فيما يتعلق بجودة المياه المعالجة، ومراقبة الامتثال لها حتى يتمكن مزارعونا من استخدام هذه المياه بأمان. ويجب أن يكون التعلم من تجارب الدول الأعضاء التي أعادت استخدام المياه بنجاح لعقود جزءا لا يتجزء من هذا التوجه”.

وستهدأ الامور فيما بعد؟

تعد لائحة الاتحاد الأوروبي الجديدة خطوة كبيرة إلى الأمام، يمكن أن تضع أوروبا في الصفوف الأولى فيما يتعلق بقطاع إعادة استخدام المياه، وهو ما يعنى تشجيع موجة جديدة من الاستثمار والابتكار. على الرغم من ذلك، لا تزال هناك العديد من التحديات التي يجب مواجهتها إذا كان لهذه التقنية الحيوية أن تحقق إمكاناتها على نطاق عالمي.

يقول كارلوس كوزين “هناك حاجة إلى إطار عمل عالمي. ففي الوقت الحالي، يعمل كل إقليم وكل دولة في ضوء نظامه الخاص، ولا يعتمد الجميع منهجًا موحدًا. وعلى الرغم من أننا شهدنا توجهات لتغيير ذلك في أوروبا، فإن ذلك سيكون بمثابة التحدي الأكبر على مدى السنوات العشر المقبلة”.

ولتحقيق هذا الهدف، ستحتاج المنظمات غير الحكومية والسلطات الحكومية وشركات المياه والباحثون والمجتمعات المحلية إلى العمل معًا لإطلاق القدرات وتحقيق التقدم المنشود لتأمين إمدادات مياه آمنة ونظيفة ومستدامة يعتمد عليها مجتمعنا.

وكما قال فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة العمليات الدولية لشركة عبد اللطيف جميل – وكان منذ فترة من دعاة التحرك للتصدي لأزمة المياه العالمية – ” يمكننا، فقط من خلال إعطاء الأولوية للتحدي المتعلق بالمياه وتشجيع الاستثمار والابتكار والشراكات على مستوى المجتمع، التأسيس لصناعة مبتكرة لمعالجة المياه العادمة / مياه الصرف الصحي بقدرة تجعلها تلعب دورًا حاسمًا في الأمن المائي والتنمية العالمية”.

والخبر السار هو أنه على عكس المعادن أو الوقود الأحفوري، تعد المياه من المصادر المتجددة التي لا تفنى. كما أنها أكثر الموارد وفرة. وهي في الوقت نفسه أحد الأصول الأساسية التي نحتاج إلى الحفاظ عليها وحمايتها. 

[1] http://www.fao.org/zhc/detail-events/en/c/880881/

[2] http://www.mckinsey.com/business-functions/sustainability/our-insights/water-a-human-and-business-priority?cid=eml-web

[3] https://www.economist.com/special-report/2018/08/14/priceless

[4]  http://www.fao.org/zhc/detail-events/en/c/880881/

[5] http://www.mckinsey.com/business-functions/sustainability/our-insights/water-a-human-and-business-priority?cid=eml-web

[6] https://www.unwater.org/publications/world-water-development-report-2020/

[7] https://www.unenvironment.org/news-and-stories/press-release/half-world-face-severe-water-stress-2030-unless-water-use-decoupled

[8] https://www.worldbank.org/en/topic/water/publication/high-and-dry-climate-change-water-and-the-economy

[9] https://www.weforum.org/press/2020/01/burning-planet-climate-fires-and-political-flame-wars-rage

[10] http://www.fao.org/zhc/detail-events/en/c/880881/

[11] https://www.economist.com/special-report/2018/08/14/priceless

[12] https://www.unwater.org/publications/world-water-development-report-2020/

[13] https://www.unwater.org/publications/world-water-development-report-2020/

[14] https://www.nationalgeographic.com/environment/2019/01/desalination-plants-produce-twice-as-much-waste-brine-as-thought/

[15] https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0048969718349167

[16] https://www.nationalgeographic.com/environment/2019/01/desalination-plants-produce-twice-as-much-waste-brine-as-thought/

[17] http://documents.worldbank.org/curated/en/476041552622967264/pdf/135312-WP-PUBLIC-14-3-2019-12-3-35-W.pdf

[18] https://www.nationalgeographic.com/environment/2019/01/desalination-plants-produce-twice-as-much-waste-brine-as-thought/

[19] https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0048969718349167

[20] http://news.mit.edu/2020/passive-solar-powered-water-desalination-0207

[21] https://www.pv-magazine.com/2020/02/06/a-new-solar-desalination-system-to-address-water-scarcity/

[22] https://www.aquatech.com/solutions/zero-liquid-discharge/

[23] https://ec.europa.eu/environment/water/reuse.htm

[24] https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2020/03/19/wastewater-a-resource-that-can-pay-dividends-for-people-the-environment-and-economies-says-world-bank

[25] https://reliefweb.int/report/world/wastewater-report-2018-reuse-opportunity

[26] https://www.aquatechtrade.com/news/water-reuse/spain-and-china-continue-as-water-reuse-heavyweights/

[27] https://www.sandiego.gov/public-utilities/sustainability/pure-water-sd

[28] https://www.pub.gov.sg/watersupply/fournationaltaps/newater

[29] https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/OFID%20Wastewater%20report%202018%20screen.pdf

[30] https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/OFID%20Wastewater%20report%202018%20screen.pdf

[31] https://www.almarwater.com/2019/05/09/almar-water-solutions-to-acquire-mubadala-infrastructure-partners-investment-in-muharraq-sewage-treatment-plant-in-bahrain/

[32] https://www.consilium.europa.eu/en/press/press-releases/2020/04/07/water-reuse-for-agricultural-irrigation-council-adopts-new-rules/