تدارك أكبر المخاطر على كوكبنا
قد تبدو مفارقة غريبة أن يكون أخصائيو التنبؤات أكثر حرصًا على التعلم من “التجارب السابقة” من أولئك المسؤولين عن تحديد المخاطر وتقييمها. قبل نحو ستة أشهر فقط، لم يكن مصطلح “الفيروس التاجي” معروفًا تقريبًا لأي شخص خارج الأوساط العلمية والطبية. أما اليوم، لا تكاد تخلو بقعة من كوكب الأرض من صورة للفيروس الكروي المحاط بنتوءات بارزة من كل جانب، بعد ما خيّم بآثاره المدمرة على المشهد العالمي.
عادةً ما تتسم المخاطر بطبيعة ضبابية يصعب التنبؤ بها، فعندما نشر المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) تقرير المخاطر العالمية السنوي في يناير من العام 2020، لم يكن هناك أي ذكر على الإطلاق للأوبئة – ناهيك عن فيروس كورونا المستجد.
ولعل ما يجعل هذا التجاهل أكثر إثارة للدهشة هي حقيقة أن الفيروس كان ينتشر بالفعل من قارة إلى قارة، بل وتم تصنفيه في بؤرة انتشاره الأصلية على أنه مرض يحتمل انتقاله من الحيوانات (وشديد العدوى).
وبرغم المخاوف القوية من الأوبئة الفيروسية السابقة التي نشأت عن مرض المتلازمة التنفسية الحادة (SARS) في عام 2002، ومتلازمة فيروس كورونا التنفسية الشرق أوسطية (MERS) في عام 2012، إلا أن تقرير منتدى الاقتصاد العالمي الصادر في يناير الماضي تغافل دون مبرر عن إدراج الخطر الذي تشكله الأوبئة والأمراض المعدية ضمن قائمة المخاطر العالمية العشر الأولى (من حيث احتمالية حدوثها). في الواقع، لم تكن الأوبئة والأمراض المعدية ضمن أكبر خمس مخاطر في تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي على مدى العقد الماضي، على الرغم من تحذيرات الخبراء من أن خطر تفشي الأوبئة بات وشيكًا.
وليست هذه دعوةً إلى توجيه اللوم إلى المنتدى الاقتصادي العالمي، بل لعله يستحق الإشادة على نظرته المستقبلية وتوقعاته، حيث تضمن تقرير المخاطر العالمية لعام 2019 تحقيقًا خاصًا حول “المخاطر البيولوجية”، وكان ذلك قبل 12 شهرًا من ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد إلى العلن.
وقد أشار تقرير المخاطر لعام 2019 حرفيًا إلى ما يلي:
- توصي منظمة الصحة العالمية (WHO) بإدراج “المرض اكس” إلى قائمة الأمراض المعديّة التي تتطلب إجراء بحوث عاجلة – وهو إقرار بأن مسببات الأمراض غير المعروفة حاليًا لا تقل خطورة عن تلك المرصودة بالفعل من قبل الأنظمة الصحية حول العالم.
- ما زالت البلدان غير مستعدة بشكل كاف لمواجهة خطر الأوبئة، ذلك أن معظمها لم يستوفي المعايير الدولية الدنيا للكشف عن تهديدات الصحة العامة والإبلاغ عنها، بحسب اللوائح الملزمة الصادرة في عام 2007[1].
- يواجه صندوق الطوارئ التابع لمنظمة الصحة العالمية لحالات الطوارئ (الذي أنشئ في عام 2015 لتسريع الاستجابة للأزمات الصحية) عجزًا تمويليًا يصل إلى ثلثي قيمته المستهدفة البالغة 100 مليون دولار أمريكي.
- يواجه النظام الدولي لتبادل العينات البيولوجية، وهو نظام بالغ الأهمية في جهود الاستجابة للأمراض، قيودًا أدت إلى تقويضه بسبب “بروتوكول ناغويا”، الذي يمنح الدول حقوقًا أكبر في العينات التي يتم جمعها في أراضيها.
قد يبدو لنا الآن أن التقرير كان عميق التنبؤ في الكثير مما سبق، لكنه مع ذلك لم يثر أي اهتمام يذكر في وقت صدوره!
عندما صدر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام، كانت المخاطر الخمسة الأولى (بترتيب تنازلي لأرجحية الحدوث) تقتصر على الظواهر الجوية القاسية، وفشل إجراءات التصدي للتغير المناخي، والكوارث الطبيعية، وفقدان التنوع البيولوجي، والكوارث البيئية التي يتسبب بها الإنسان. ظاهريًا، لا يبدو أن هذه المخاطر ذات صلة كبيرة بجائحة الفيروس، لكن واقع الحال هو أن بعضها كان وثيق الصلة بالفيروس التاجي أكثر مما قد يظهر للبعض!
البيئة والأوبئة … علاقة أزلية
قد يكون تقرير المخاطر العالمية الذي نشره المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2020 أكثر تبصراً مما قد توحي به القراءة السطحية له.
ولعل السبب يكمن في حقيقة أن الجنس البشري ظل يشكل وعلى مدى سنوات طويلة حلقة أساسية في سلسلة الأحداث التي أدت إلى ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، فكثيراً ما يُنظر إلى نشاطنا الصناعي وسلوكنا وسوء استغلالنا للبيئة وأعدادنا الهائلة كأدوات مساعدة على انتشار الفيروس، فقد ساهم المجتمع البشري بشكل مطرد وعن غير قصد في تهيئة بيئة مناسبة لظهور فيروسات جديدة وقابلة للانتشار بوتيرة سريعة في جميع أنحاء العالم.
في مقال سابق له ضمن سلسلة “الرؤى”، أوضح فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة عبد اللطيف جميل، ببصيرة ثاقبة أن ظهور الفيروسات التاجية لم يكن واردًا على الإطلاق لولا سلوكنا السلبي تجاه البيئة، والذي أدى في نهاية المطاف إلى انتشار الفيروس لدرجة اضطر معها العالم إلى وقف أنشطته والدخول في حالة جمود تام.
وبالعودة مرة أخرى إلى المخاطر التي حددها المنتدى الاقتصادي العالمي، نجد أن المخاطر الخمس الأولى (التي تم تحديدها بحسب أرجحية حدوثها)، كلها مرتبطة إما بشكل مباشر أو غير مباشر بالبيئة.
- الظواهر الجوية القاسية. يعتقد أكثر من 77٪ من المشاركين في استطلاع تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (أي الأكاديميون والشركات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية) أن مخاطر موجات الحر الشديدة ستزداد في عام 2020 [2]. ويكشف الاستطلاع نفسه عن أن الظواهر الجوية القاسية بشكل عام هي الخطر الأكثر توقعًا على المدى الطويل خلال العقد المقبل. وهذه كلها مخاوف لها ما يبررها على أرض الواقع. فعلى سبيل المثال، تسبب إعصار إيداي الاستوائي في ترك ما يقرب من 150,000 شخص بلا مأوى بعد أن جلب الفوضى إلى أفريقيا ونصف الكرة الجنوبي في العام 2019. وبشكل عام، اضطر حوالي 20 مليون شخص إلى النزوح عن منازلهم بسبب العواصف والفيضانات والحرائق والحرارة بين عامي 2008 و 2016.
- فشل إجراءات التصدي للتغير المناخي. لعل أكثر الأدلة وضوحًا على هذا الفشل هو تسارع الأنشطة البشرية في إحداث تغير مناخي سريع وغير مسبوق. ففي عام 2018، بلغ متوسط مستوى سطح البحر العالمي حوالي 20 سم أعلى مما كان عليه في بداية القرن العشرين[3]. وعلى الرغم من معرفتنا بمخاطر غازات الاحتباس الحراري، إلا أن هذه الانبعاثات شهدت ارتفاعًا ملحوظًا بين عامي 1990 و 2010 في كل مكان في العالم باستثناء أوروبا، وكانت آسيا وحدها مسؤولة عن 95٪ من هذا الارتفاع[4]. وإذا ما استمرينا في السير على مسارنا الحالي، فسترتفع درجات الحرارة العالمية بمعدلات كارثية بين 3-6 درجة مئوية بحلول عام 2100 – وعلى الأقل 2 درجة مئوية حتى مع انخفاض معدل الانبعاثات قبل عام 2030[5]. وقد أشار المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن “الآثار قصيرة المدى لتغير المناخ ستؤدي إلى تفاقم أزمات كوكب الأرض وستخلف خسائر في الأرواح، وتوترات اجتماعية وجيوسياسية وتداعيات اقتصادية سلبية”[6].
- الكوارث الطبيعية. قد يعزو البعض هذه الكوارث إلى الطبيعة، ولكن تبقى بعض الشكوك قائمة في أن العديد من هذه الكوارث، مثل الجفاف والفيضانات وموجات الحر، وما إلى ذلك – تتفاقم بشكل أو بآخر بسبب الممارسات البشرية المضرة بالبيئة، لا سيما وأن أحد التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي سجل رقمًا قياسيًا لـ 8,000 كارثة متعلقة بالطقس بين عامي 1990 و2014[7]. وثمة علاقة وثيقة بين درجات الحرارة المرتفعة والجفاف وحرائق الغابات وموجات الحر والعواصف. وبالمثل، ترتبط زيادة هطول الأمطار بالفيضانات والانهيارات الأرضية والأعاصير المدارية.
- فقدان التنوع البيولوجي. وفقًا للمنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES) [8]، تعرض ما يقرب من 75٪ من مساحة اليابسة و 66٪ من المحيطات والبحار لتغييرات كبيرة بسبب النشاط البشري المكثف، حيث يُستخدم أكثر من ثلث أراضي العالم، وما يقرب من ثلاثة أرباع بيئات المياه العذبة، الآن في إنتاج المحاصيل أو تغذية الماشية. وقد أدى تدهور التربة إلى انخفاض إنتاجية 23٪ من الأراضي في العالم. وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن المعدل الحالي للانقراض “يزيد بعشرات إلى مئات المرات عن متوسط الانقراض على مدى العشرة ملايين سنة الماضية، وما يثير القلق أكثر هو أنه آخذ في التسارع. ولفقدان التنوع البيولوجي كذلك آثار خطيرة على البشرية أقلها انهيار أنظمة الغذاء والصحة وقد تصل إلى توقف سلاسل التوريد بأكملها.[9]“
- الكوارث البيئية الناجمة عن النشاط البشري. كانت أزمة “وعاء الغبار” الأمريكية في ثلاثينيات القرن الماضي (والتي تسببت في حرمان مئات الآلاف من منازلهم وسبل معيشتهم)، بمثابة جرس إنذار للبشرية للتوقف عن الممارسات الخاطئة تجاه البيئة، والاستغلال قصير المدى للموارد الطبيعية. لكن الخطر ظل قائمًا بصور وأشكال عديدة، فلدينا الآن مخاطر مثل تسرب النفط (مثل كارثة “إكسون فالديز” (Exxon Valdez) في 1989، و “ديب واتر هورايزن” (Deepwater Horizon) في 2010)، والتسربات الإشعاعية (مفعال تشيرنوبيل في 1986)، وتلوث إمدادات المياه (مثل أزمة مياه نهر فلينت في عام 2013)، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية. ومع أن خسائر الأرواح قد تبدو بديهية في كثير من الأحيان، إلا أن الأثر المالي يبقى ضخمًا لدرجة لا يستهان بها، حيث يقدّر مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، في تقريره الذي حمل عنوان “كوارث من صنع الإنسان والتكنولوجيا”، أن الأثر الاقتصادي للكوارث الناجمة عن النشاط البشري في عام 2016 وحده يبلغ 9 مليارات دولار أمريكي[10].
يُصنف تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي المخاطر الثلاثة المذكورة أعلاه (الظواهر الجوية القاسية، فشل إجراءات التصدي للتغير المناخي، وفقدان التنوع البيولوجي)، ليس فقط على أنها المخاطر الأكثر احتمالية للحدوث، ولكن باعتبارها أيضًا الأكثر تأثيرًا – وهذا استنتاج يجمع بين معقولية وقوع الضرر وعواقبه، ويفرض علينا حالة من التأهب والحذر.
فداحة الدخول في مخاطرة مرضية
ربما يكون حريًا بالمجتمع البشري أن يدقق النظر وأن يعيد حساباته ليرى كيف تفاقم سلوكياتنا من حجم المخاطر العالمية – خاصة عندما يتعلق الأمر بالأمراض الحيوانية المنشأ (أي الأمراض التي تنتقل من الحيوانات أو الحشرات إلى البشر).
ولا بد أن يتقين البشر من أن تدمير الغابات المطيرة وتغيير الموائل وتغير أنماط الطقس وتعريض أنظمة المياه والغذاء للخطر، كلها سلوكيات قصيرة النظر وذات تأثيرات مضاعفة، فهي تقود أولاً إلى ظهور الأمراض الحيوانية المنشأ، ثم إلى زيادة الاحتكاك بين الإنسان والحيوان مع اختفاء الموائل، والنتيجة حتمية بقدر ما هي مأساوية.
ما مدى خطورة لعبة اجتذاب مسببات الأمراض هذه؟
في تقريره المنشور عام 2016، أشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) أن 75٪ من الأمراض الجديدة التي أصابت الناس على مدى السنوات العشر الماضية كانت حيوانية المنشأ، وأن البشر يتعرضون لمرض معدٍ جديد كل أربعة أشهر في المتوسط[11]!
وهذه الحقيقة تُحتم علينا في هذا الوقت أن نتعمق في نظرنا إلى علاقة انتهاك حرمة الطبيعة بمخاطر الأمراض، والبدء في إعادة تشكيل مجتمعاتنا لوقف هذا النوع من التهديدات التي تهيمن حاليًا على عناوين الصحف ووسائل الإعلام العالمية.
ولا يختلف اثنان على حجم الدمار الهائل الذي خلفه تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في كل بقعة من العالم. فحتى وقت كتابة هذا التقرير، ووفقًا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، كانت هناك أكثر من 8 ملايين حالة مؤكدة وحوالي 445,000 حالة وفاة في 188 دولة، وشهدت أمريكا الشمالية وحدها أكثر من 2.1 مليون إصابة وأكثر من 110,000 حالة وفاة[12].
وليس الوضع الاقتصادي بأحسن حال، فمع بداية شهر مايو، انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 18.5٪ منذ تأكيد تفشي المرض، فيما تراجع مؤشر نيكاي إلى14.7٪ ومؤشر فوتسي 100 إلى 24.5٪ – وهي أعلى انخفاضات في الربع الأول منذ أكثر من 30 عامًا، حتى أن مجلس الشيوخ الأمريكي اضطر إلى إقرار حزمة مساعدات بقيمة 2 تريليون دولار أمريكي بعد أن قدم أكثر من 30 مليون أمريكي طلبات للحصول على إعانات البطالة في غضون ستة أسابيع فقط. كما انخفض سعر النفط الخام إلى أقل من 20 دولارًا للبرميل، وهو أدنى مستوى له في 18 عامًا[13].
وفقًا للبنك الدولي، شهد الاقتصاد العالمي 14 حالة ركود عالمي منذ عام 1870: في 1876، 1885، 1893، 1908، 1914، 1917-21، 1930-32، 1938، 1945-46، 1975، 1982، 1991، 2009، و 2020.
ومن المتوقع أن يكون الركود الذي خلفه فيروس كورونا (كوفيد-19) هو الأكثر حدة منذ 1945-1946، وقد تصل تداعياته إلى ضعف آثار الركود الذي شهده العالم إبان الأزمة المالية العالمية 2007-2009.
ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الأمراض المعدية جاءت في المرتبة العاشرة فقط في تقرير[14] المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام، وذلك من حيث “التأثير” وليس “أرجحية الحدوث”، فيما اعتبر التقرير أن المخاطر الأخرى المرتبطة بالبيئة تنطوي على عواقب عالمية أكثر خطورة، وهو ما يعني أننا قد نجد أنفسنا محاطين بمشكلة أعمق بكثير من الجائحة الحالية.
دعوة للاستيقاظ لمواجهة خطر واقعي
احتلت قضايا فشل إجراءات التصدي لتغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والظواهر الجوية القاسية، وأزمات المياه، الكوارث الطبيعية، الكوارث البيئية الناجمة عن النشاط البشري، حيزًا أكبر من الاهتمام العالمي. ففي بداية هذا العام، كان يُعتقد أن كل واحدة من هذه المخاطر المحتملة لها تأثير أكبر من الجائحة التي نعيشها الآن كأمر واقع.
ولعل الفيروس التاجي هو جرس الإنذار الأخير لنا للتسليم بحاجتنا الملحة إلى احترام كوكبنا وحمايته.
ومن الواضح، بحسب الإحصاءات الدامغة في السنوات الأخيرة، أن مثل هذه الاستجابة قد طال انتظارها وربما أنها ستأتي متأخرة، لا سيما بعد تدمير ما يقرب من 1.3 مليون كيلومتر مربع من الغابات بين عامي 1990 و2016[15]، وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الطيران بنسبة 32٪ بين عامي 2013 و 2018[16]، وارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، وهو ما سيؤدي إلى اختفاء جميع الشعاب المرجانية تقريبًا بحلول عام 2100، بل وقد يصبح الصيف القطبي الخالي من الجليد أمرًا شائعًا[17]. وقد نبه تقرير الأمم المتحدة الصادر بعنوان “فجوة الانبعاثات” لعام 2019، من أن العالم بحاجة إلى خفض الغازات الدفيئة بنسبة 7.6٪ سنويًا لخفض معدل الاحترار العالمي المستقبلي إلى 1.5 درجة مئوية[18].
ولكن يبدو أن حتى هذه الأرقام المحبطة لم تكن كافية لإيقاظ سكان الكوكب، وقد يتطلب الأمر أزمة شبيهة بفيروس كورونا لجعلنا ندرك مدى عجزنا في مواجهة قوى أكبر – وكيف أننا بعيدين كل البعد عن مراقبة النظام البيئي المتداخل بقوة مع حمضنا النووي.
وإذا كانت هناك أي جوانب إيجابية يمكن أن تتمخض من هذا الوضع، فلابد ألا تكون شيئًا آخر سوى أن يمضي مجتمعنا في مسار الالتزام والعزم والاستثمار للبدء في التصدي لتغير المناخ بطريقة مجدية ومستدامة، وإلا فقد نجد أنفسنا فريسة سهلة لأي من أو ربما كل المخاطر التي أوردها تقرير المخاطر الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
تحويل المخاطر إلى فرص
ينبغي ألا تقتصر نظرتنا إلى الخطر كأداة لتخويفنا وحسب، بل يمكن أن يكون أيضًا وسيلة لإرشادنا، ذلك أن التصدي لبعض من هذه المخاطر، بما فيها الأوبئة، سيقودنا بطبيعة الحال إلى إقامة علاقة جديدة مع البيئة الطبيعية. وثمة اعتراف متزايد بأن تحصين وجودنا الحضاري من مخاطر المستقبل يتطلب تكاتفًا عالميًا على جميع الأصعدة.
ولطالما كانت شركة عبد اللطيف جميل واعية لحجم المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها إزاء الحفاظ على العالم للأجيال اللاحقة، بل وأدركت منذ وقت الطويل مدى أهمية إدارة المخاطر في تحقيق هذه الغاية.
وقد أخذت الشركة على عاتقها التزامًا طويل الأمد بالاستثمار في “البنية التحتية للحياة”، وها هي اليوم تنشط في 30 دولة أو نحو ذلك، باستثمارات ضخمة في قطاعات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وحلول المياه والخدمات البيئية، كما تبلغ سعة مشاريعها في قطاع الطاقة المتجددة حوالي 2 جيجا واط من الكهرباء موزعة على مواقع مختلفة، وهو ما يسهم في تخفيف جزء كبير من التأثيرات الضارة للوقود الأحفوري عامًا بعد عام.
وإلى جانب المساعدة في دفع عجلة التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة والعمل على التخفيف من آثار تغير المناخ، تواصل مجتمع جميل، وهي ذراع العائلة في ميدان العمل الخيري العالمي، مساعيها لدعم الأبحاث والابتكارات والاستثمارات الرامية إلى تحسين أنظمة الغذاء والمياه على مستوى العالم، ومعالجة بعض القضايا التي تسببت في تهيئة بيئة خصبة تزدهر فيها مسببات الأمراض مثل فيروس كورونا.
وفي هذا الصدد، يدعم معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) جهود البحث والابتكار والتطوير التكنولوجي لضمان توفير إمدادات آمنة ومرنة من الغذاء والماء بأقل قدر من التأثير البيئي.
وبادر المعمل، منذ تأسيسه في عام 2014، إلى تمويل أكثر من 60 مشروعًا، بقيمة تتجاوز 12 مليون دولار أمريكي، بهدف توسيع نطاق أبحاثه[19].
وتركز معظم المشاريع التي يدعمها معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء على استكشاف تقنيات مبتكرة ومتطورة لتحسين كفاءة وفعالية أنظمة الغذاء والماء في البلدان النامية، وتطويرها بأقل تكلفة وأعلى مردود اقتصادي.
وفي قطاع الصحة والسلامة العالمي، تدعم عبد اللطيف جميل مختبريّن رائديّن في مجال الأبحاث. ففي عام 2019، أبرمت مجتمع جميل شراكة مع جامعة إمبريال كوليدج في لندن لتأسيس معهد عبد اللطيف جميل لمكافحة الأمراض المزمنة والأوبئة والأزمات الطارئة (J-IDEA)، وهو مركز أبحاث يهدف إلى التنبؤ بالأزمات الصحية العالمية والوقاية منها.
يحتضن معهد جميل نخبة من أبرز الباحثين وخبراء تحليل البيانات وعلماء الأوبئة في العالم، لتسخير خبراتهم مجتمعة في تحسين فهمنا للأمراض وحالات الطوارئ الصحية لدى الشرائح السكانية الأكثر عرضةً للأزمات الصحية في العالم، وكان في طليعة المؤسسات التي ساهمت بأبحاث وتحليلات نموذجية في جهود التصدي لجائحة فيروس كورونا الحالية.
ويضطلع معهد جميل أيضًا بدور تكميلي آخر من خلال مساندة مختلف المبادرات الصحية العالمية في مجتمع جميل، مثل عيادة عبداللطيف جميل لتقنيات التعلم الآلي في مجال الرعاية الصحة (J-Clinic)، التي تأسست في عام 2018 بالشراكة مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وتركز على تسخير الذكاء الاصطناعي في منع واكتشاف وعلاج بعض الحالات المرضية المستعصية مثل السرطان والإنتان والخرف وغيرها من الاضطرابات العصبية.
وفي فبراير 2020، أعلنت عيادة عبد اللطيف جميل عن اكتشاف مضاد حيوي عالي الفعالية باستخدام إحدى خوارزميات التعلم الآلي، وقد أظهر العقار الجديد خلال الاختبارات المعملية قدرة فائقة على قتل العديد من أعتى أنواع البكتيريا المسببة للأمراض في العالم، بما في ذلك بعض السلالات فائقة المقاومة لجميع المضادات الحيوية المعروفة. وجاء اكتشاف الدواء من خلال نموذج حاسوبي يمكنه فحص أكثر من مائة مليون مركب كيميائي في غضون أيام ومن ثم اختيار المركب الأنسب من بينهما.
محطتنا التالية… أفكار ختامية لفادي جميل.
يقول فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة عبد اللطيف جميل – وهو من أبرز المناصرين لقضية معالجة أزمة المناخ العالمية: “نسعى من خلال محفظة أعمالنا وأنشطة مجتمع جميل، إلى اقتفاء المسار الصحيح لخلق عالم أكثر استدامة ومرونة”.
فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة عبد اللطيف جميل
“لقد اجتذبت هذه الجائحة المأساوية انتباه الجميع بما خلفته من آثار مدمرة على حضارتنا وأنماط حياتنا المعتادة، لكن ما يدعو إلى التفاؤل هو أننا نعلم عنها الآن أكثر بكثير مما كنا نعرفه من قبل، بيد أن الأمر لا يقتصر على قدرة الأوبئة على الانتشار من بؤر مجهولة، فما زلنا نواجه خطر حدوث أزمات بيئية قادرة على شل حركة المجتمعات تمامًا”.
“هذه المعرفة، وهذه التجربة المؤلمة، هي في الواقع ميزة عظيمة، فالمخاطر، بحكم طبيعتها، ستظل دائمًا مبهمة إلى حد ما؛ لأن قوتها تكمن في قدرتها على المفاجأة”.
“وبصفتنا شركة تركز على المجتمع، فإننا نؤمن بقدرتنا على إحداث فرق ملموس على جبهات متعددة: من خلال استكشاف الحجم الحقيقي للمخاطر التي نواجهها جميعًا؛ واستخدام التكنولوجيا الحديثة لبناء عالم أقل عرضة لهذه الأخطار؛ وبتعزيز دفاعاتنا لتكون على أهبة الاستعداد متى وكلما تحول الخطر إلى واقع ملموس “.
“لا شك في أن التعرض للمخاطر واقع لا مفر منه، لكن الاستعداد لها ليس مستحيلًا. ويمكننا، من خلال التكاتف في معالجة قضايانا الملحة، أن ننتشل أنفسنا من هذا الوضع الحرج، وإن كان ذلك بجهد أكثر تواضعًا، لكنه أقوى وأكثر حكمة من ذي قبل”.
[1] https://www.who.int/bulletin/volumes/85/6/07-100607/en/
[2] http://www3.weforum.org/docs/WEF_Global_Risk_Report_2020.pdf
[3] https://www.eea.europa.eu/data-and-maps/indicators/sea-level-rise-6/assessment
[4] https://www.oecd.org/environment/cop21-climate-change-in-figures.htm
[5] https://www.oecd.org/environment/cop21-climate-change-in-figures.htm
[6] http://www3.weforum.org/docs/WEF_Global_Risk_Report_2020.pdf
[7] https://www.imf.org/en/Publications/WEO/Issues/2017/09/19/~/media/Files/Publications/WEO/2017/October/pdf/analytical-chapters/c3.ashx
[8] https://www.un.org/sustainabledevelopment/blog/2019/05/nature-decline-unprecedented-report/
[9] http://www3.weforum.org/docs/WEF_Global_Risk_Report_2020.pdf
[10] https://www.preventionweb.net/files/54012_manmadetechhazards.pdf
[11]https://environmentlive.unep.org/media/docs/assessments/UNEP_Frontiers_2016_report_emerging_issues_of_environmental_concern.pdf
[12] https://covid19.who.int/region/amro/country/us
[13] https://www.bbc.co.uk/news/business-51706225
[14] http://www3.weforum.org/docs/WEF_Global_Risk_Report_2020.pdf
[15] https://www.nationalgeographic.com/environment/global-warming/deforestation/
[16] https://theicct.org/sites/default/files/publications/ICCT_CO2-commercl-aviation-2018_20190918.pdf
[17] https://www.ipcc.ch/2018/10/08/summary-for-policymakers-of-ipcc-special-report-on-global-warming-of-1-5c-approved-by-governments/
[18] https://www.ipcc.ch/2018/10/08/summary-for-policymakers-of-ipcc-special-report-on-global-warming-of-1-5c-approved-by-governments/