الحرب على الهدر والمبيدات التي يدوم أثرها: معمل عبد اللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي “J-WAFS” يُطلق مبادرة لمعالجة المشكلات الغذائية والزراعية المُلحّة
الغلاف الذي يقلل هدر الأغذية عن طريق زيادة عمر تخزين المحصول، والرذاذ الذي يقلل التلوث الناجم عن المبيدات الحشرية، اثنين من بين أحدث الابتكارات للفوز بتقدير من معمل عبد اللطيف جميل للأمن الغذائي والمائي العالمي (J-WAFS)، في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وجائزة رابو بنك ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا للابتكار في الأعمال الزراعية والغذائية السنوية الثانية.
ومن خلال الحصول على الجائزة الأولى والثانية على التوالي في المسابقة، وبدعم من معمل J-WAFS وبرعاية رابو بنك، فإن المشروعين هما أحدث دليل على التزام J-WAFS بالمساعدة في معالجة بعض المشكلات الأكثر إلحاحًا في العالم – المشكلات المتوقَع أن تزداد شدتها خلال العقود القادمة، ومكافحة العالم لدعم السكان المتزايد باستمرار.
بحلول عام 2030، تتوقع الأمم المتحدة أن يبلغ عدد سكان العالم 8,5 مليار نسمة، من 7,3 مليار نسمة خلال 15 عامًا فقط من 2015، بزيادة أخرى متوقعة بمقدار 1,2 مليار بحلول عام 2050[1]. ولمواجهة الضغوط الإضافية على الموارد الناتجة عن هذه الزيادة السكانية غير المسبوقة، فإن بيانات البنك الدولي[2] تشير إلى ضرورة زيادة الإنتاج الغذائي بنسبة 70% بحلول عام 2050.
معالجة مشكلة الهدر المتفاقمة
بجانب ضرورة زيادة الإنتاج الغذائي، يجب أيضًا أن يُولى الاهتمام لتقليل كمية هدر الأغذية.
تقدِّر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO)، سنويًا، أن ثلث كمية الأغذية المنتَجة للاستهلاك البشري في العالم (تقريبًا 1,3 مليار طن) يُفقَد أو يُهدر. ويشمل 45% من جميع الفواكه والخضراوات، و35% من الأسماك والمأكولات البحرية، و30% من الحبوب، و20% من منتجات الألبان، و20% من اللحوم[3].
مع أن نسبة الهدر موجودة أعلى في أوروبا وأمريكا الشمالية، إلّا أنها أيضًا مشكلة كبيرة ومتفاقمة في الشرق الأوسط. فهناك أكثر من 10 مليون طن من الأغذية سنويًا يتم تعبئتها في الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، بما في ذلك الواردات والإنتاج المحلي. وتقدّر كمية الهدر بحوالي 3,27 مليون طن من هذه الكمية [4]
وعلى وجه التحديد خلال شهر رمضان، يصل هدر الأغذية إلى 25% أعلى من الشهور الأخرى. فعلى سبيل المثال، في البحرين، يتعدى هدر الأغذية 400 طن يوميًا خلال الشهر الكريم، وفي قطر تقريبًا نصف الطعام المُعَد خلال شهر رمضان يجد طريقه إلى صناديق القمامة، ذلك على الرغم من أن العديد من المبادرات الحكومية والمنظمات غير الربحية موجودة في أنحاء المنطقة لمعالجة هذه المشكلة وإعادة توزيع الطعام على المجتمعات الفقيرة.
إن فقد وهدر الأغذية له أثر كبير على البيئة. إذ يُقدَّر انبعاث الكربون العالمي بحوالي 3,3 جيجا طن.[5] وفي الواقع، إن افترضنا أن هدر الأغذية دولةً، فستُرتَّب فقط بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين في انبعاثات الغازات الدفيئة.
وفي ضوء هذه الخلفية، قدمت جائزة رابو بنك ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا للابتكار في الأعمال الزراعية والغذائية سبعة من المتأهلين للتصفيات النهائية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والجامعات الأخرى لتقديم مقترحاتهم إلى لجنة من الخبراء للحصول على فرصة للفوز بجوائز تبلغ قيمتها 25000 دولارًا أمريكيًا.
في افتتاح حفل هذا العام لتوزيع الجوائز، قال جون لينهارد – مدير معمل عبد اللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي في معهد ماساتشوستس – أن المنافسة تمثل هدفًا رئيسيًا من أهداف مبادرة J-WAFS: تدعم الشركات الناشئة في مجال الأغذية والأعمال التجارية الزراعية. والتي تمثل أهمية خاصة مع تزايد تعداد سكان العالم بمعدل غير مسبوق. وقال لينهارد: “نحن نؤمن إيمانًا راسخًا بأن الحل لكثير من هذه المشكلات هو تأسيس منشآت ستخرج من تلقاء نفسها، كأحد الأعمال التجارية، والتي ستنشر أفكار جديدة وجيدة”.
الحد من هدر الأغذية: عمر التخزين
كان الفائز بالجائزة الأولى التي تبلغ قيمتها 12000 دولارًا أمريكيًا فريق من جامعة تافتس ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يُسمى “كامبردج كروبس”، والذي يطوِّر غلاف قائم على الحرير يزيد عمر تخزين الفاكهة والخضراوات بنسبة 50%.
الغلاف مكوَّن من 99% ماء و1% فبريون الحرير – بروتين مماثل لذلك الموجود في غدة اليرقات. عند إضافة الغلاف للمحاصيل، فيتبخر الماء، تاركًا غشاء حريري صالح للأكل بلا نكهة. ويقلل هذا الغشاء من تنفس الخلايا وتبخر المياه، وبالتالي يمكنه أن يبطئ بشكل كبير نضوج المحاصيل وإفسادها.
تستند هذه التكنولوجيا إلى أبحاث بينديتو ماريلي في جامعة تافتس، وهو الآن أستاذ مساعد لتطوير أبحاث بول إم كوك في قسم الهندسة المدنية والبيئة بمعهد ماساتشوستس. حيث أظهرت الأبحاث أن الغلاف يمكنه أن يزيد عمر تخزين الفراولة بنسبة 50%، التي عادةً ما يكون عمرها التخزيني أقل من 10 أيام. قال جاك هنري جريسلين، عضو فريق كامبردج كروبس “لدينا التكنولوجيا التي يمكن أن تقلل بشكل كبير من الهدر في كل خطوة بسلسلة القيمة للمنتجين، والموزعين، والمستهلكين“.
وستساعد الجائزة المالية في تمويل تجارب الفريق الجارية التي تهدف إلى ضمان صلاح الغلاف تجاريًا. وأضاف جريسلين “نريد أن نتأكد أن لدينا الحل الأفضل والأكثر كفاءة في السوق“.
الابتكار لحل مشكلة التلوث بالمبيدات
كان الفائز بالجائزة الثانية التي تبلغ قيمتها 8000 دولار أمريكي هو “إيكوسبراي”، ويقوم بتطوير رذاذ يساعد المزارعين على تقليل استخدام المبيدات، وخفض التكلفة، والحد من التلوث.
طبقًا لمنظمة الصحة العالمية [6] إن 600 مليون شخص – حوالي شخص من كل عشرة أشخاص في العالم – يمرضون بعد تناول أغذية ملوَثة كيميائيًا و420000 شخص يموتون يوميًا، ما يترتب عليه فقد 33 مليون عام من الحياة الصحية.
وكما يحدث في مناطق أخرى، فقد ازداد استخدام المبيدات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصورة ملحوظة في العقود الأخيرة، وذلك بسبب ارتفاع مستوى الزيادة السكانية والطلب على الأغذية. لذلك، هناك مخاوف حول تأثير هذه المبيدات على التلوث والصحة. وبالفعل، في سنة 2017 حظرت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة استيراد بعض الفاكهة من مصر بسبب المخاوف من بقايا المبيدات على الفاكهة.
وأوضح ماهر دماك، طالب دراسات عليا في الهندسة الميكانيكية وعضو في فريق إيكوسبراي، أن المزارعون ينفقون ما يقرب من 100 مليار دولار أمريكي سنويًا على المبيدات، وحوالي 2% فحسب من المبيدات هي التي تلتصق بالمحاصيل بالفعل. أما الباقي فيُزال أو يرتد ويتدفق إلى الجداول والأنهار مسببًا تلوث. وحوالي 200000 شخص على مستوى العالم سنويًا يموتون بسبب التسمم بالمبيدات، طبقًا لآخر التقارير من الأمم المتحدة [7]
ولأن النباتات كارهة للماء بطبيعتها (طاردة للماء)، فإن قطرات المبيد السائلة ترتد من سطح المحاصيل. على مدى الأعوام الأربعة الماضية، فقد طوّر دماك وفريق إيكوسبراي، بما فيهم كريبا فارانسي، أستاذ الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، رذاذًا يضيف اثنين من الإضافات المختلفة للمبيد. أحدهم ينتج قطرات سالبة الشحنة؛ والآخر ينتج قطرات موجبة الشحنة.
عندما يجتمع الاثنين على النبات، تتكون انتفاخات محبة للماء (جاذبة للماء) التي ترتبط بالقطرات. وهذا يُبقي 10 مرات أكثر من السائل، ويعني أن فقط عُشر الكمية من المبيد كافية لتعطي نفس التأثير. قال دماك “إن مهمتنا هي القضاء على جميع نفايات المبيدات، بينما يوفِّر المزارعون عشرات المليارات من الدولارات سنويًا“.
مُنحت الجائزة الثالثة التي تبلغ قيمتها 5000 دولار أمريكي إلى WISRAN، برنامج مبتكر يُحسّن أرباح المزارعين من خلال تحليل الوقت الفعلي، والوقت، والتكلفة، وفعالية الأنشطة الزراعية.
وفي المُجمَل، فقد قدّم 28 فريقًا مشاركة للمنافسة، واختارت لجنة الحكّام سبعة من بينهم للتأهل إلى التصفيات النهائية. وبعد ذلك تم اقران السبعة متنافسين مع مرشدين للمساعدة في تطوير خطط أعمالهم، قبل اختيار الثلاثة مشتركين الرابحين.
قالت سامنثا فارباخ، رئيسة نادي الأغذية والزراعة بمعهد ماساتشوستس التي ساعدت في تنظيم المسابقة: “إن الأمر يتعلق بجمع الأفكار إلى مكان حيث يمكنها أن تنطلق، ومعهد ماساتشوستس القادر على ذلك حيث هو المكان الذي تحدث فيه ابتكارات الأغذية والزراعة”.
[1] http://www.un.org/en/development/desa/news/population/2015-report.html
[2] http://www.fao.org/news/story/en/item/35571/icode/
[3] http://www.fao.org/save-food/resources/ar/
[4] Global food losses and food waste, FAO, 2011.
[5] Food wastage footprint: Impacts on natural resources, summary footprint, FAO, 2013.
[6] Food Safety Fact Sheet, No. 3999, World Health Organization, December 2015.
[7] Report of the Special Rapporteur on the Right to Food, UN General Assembly, March 2017.