الاتحاد الأوروبي يخط نهجا جديدا لمعالجة مياه الصرف
بينما يخوض العالم معركة مصيرية لمواجهة التحديات التي تفرضها مشكلة ندرة المياه، والتي تتفاقم بسبب تغير المناخ والتحضر المتسارع، برزت الحاجة إلى تعزيز إعادة استخدام مياه الصرف الصحي.
ظلت مياه الصرف فيما مضى تُعتبر مجرد منتج ثانوي، على الرغم من أن بها إمكانات هائلة تجعل منها موردا قيما بإمكانه أن يساعدنا في مواجهة مشكلة الإجهاد المائي، وأن يسهم في نهج أكثر استدامة وأكثر دائرية لإدارة المياه، لا سيما في المناطق الحضرية حيث يتزايد الطلب – المرتفع بالفعل – على المياه بشكل ملحوظ.
وتُعد إدارة مياه الصرف الصحي الحضرية بفعالية وكفاءة أولوية بالنسبة للمجتمعات والحكومات في جميع أنحاء العالم – أو على الأقل، ينبغي أن تكون هكذا. على الرغم من ذلك، فإن سجل الإنجازات التي تحققت في هذا المضمار حتى الآن لا يدعو للتفاؤل.
فوفقا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، لا تتجاوز نسبة مياه الصرف الصحي المنزلية والصناعية التي يعاد استخدامها حول العالم 11٪ من إجمالي ما يُنتج في الوقت الحالي، و يشير البرنامج إلى أن 48% من مياه الصرف لا يزال يتم إطلاقه في البيئة دون معالجة[1]. وفي الاتحاد الأوروبي، تشير التقديرات إلى أنه يتم إعادة استخدام ما لا يقل عن مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي الحضرية المعالجة سنويًا. يبدو ذلك واعدًا … لكن ثمة دراسات تشير إلى أن معدلات إعادة الاستخدام يمكن زيادتها ستة أضعاف[2]، وهو ما يعني أن أكثر من 80% من مياه الصرف الصحي في الاتحاد الأوروبي تُهدر أو تُصرف دون فائدة. ففعليا مليارات الجالونات من المياه، التي تمثل شريان الحياة لآمالنا في مستقبل مستدام، تضيع في المجاري المائية كل عام.
وتجدر الإشارة إلى أن تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة في البيئة لا ينطوي فقط على فرص ضائعة لتخفيف الضغط عن مصادر المياه العذبة، بل إنه يشكل أيضًا مخاطر جمة بالنسبة للصحة والبيئة.
لقد دفع ذلك المشرعين في الاتحاد الأوروبي خلال شهر يناير 2024 إلى إقرار مقترحات تتعلق بتوجيه جديد لمعالجة مياه الصرف الصحي الحضرية. تمت صياغة التوجيه لغرض تحسين عمليات جمع ومعالجة مياه الصرف الصحي الحضرية في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ويمثل هذا التوجيه معلمًا مهمًا في الإدارة المستدامة لمياه الصرف الصحي. وهو يهدف إلى خفض مستويات التلوث الذي ينتج عن تصريف مياه الصرف في البيئة ، ومواءمة التوجيه مع أهداف الصفقة الخضراء الأوروبية ، ووضع أهداف لتحقيق حياد الطاقة في القطاع، ووضع إطار حوكمة ملائم لإدارة مياه الصرف الصحي.
يمر هذا التوجيه في الوقت الحالي عبر القنوات التشريعية للاتحاد الأوروبي، ومن المنتظر أن يدخل حيز النفاذ في الربع الثالث من عام 2024.[3]
ماذا نعني بمياه الصرف الصحي؟
يأتي وراء تحرك الاتحاد الأوروبي لتحفيز إدارة مياه الصرف الصحي إدراك متزايد بأن الوضع الحالي لا يُحتمل ويُنذر بتفاقم وضعٍ متردي بالفعل.
ولكن ما المقصود بمياه الصرف الصحي، ولماذا تنطوي على كل تلك الأهمية بالنسبة لمفهموم الاستدامة؟
يشير مصطلح “مياه الصرف الصحي” بشكل عام إلى مياه الصرف الصحي الحضرية، والمعروفة أيضًا باسم مياه الصرف الصحي البلدية أو مياه المجاري. وهي تيار النفايات الناتج عن المبان السكنية والتجارية والمؤسسية داخل المناطق الحضرية. وعادةً ما تتدفق هذه المياه عبر شبكة من أنظمة الصرف الصحي، إما مُدمجة (تحمل مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي) أو مُنفصلة (تحمل مياه الصرف الصحي فقط)، قبل أن تصل إلى محطة معالجة مياه الصرف الصحي.
وهناك أربعة أنواع رئيسة من مياه الصرف الصحي الحضرية:
- مياه الصرف الصحي المنزلية : التي تُنتج من المنازل والمناطق السكنية، ويشمل ذلك مياه الأحواض والاستحمام والمراحيض والغسالات وغيرها من الأنشطة المنزلية.
- مياه الصرف الصحي التجارية والمؤسسية : التي تأتي من مصادر تشمل المباني المكتبية والمدارس والمستشفيات والمطاعم وغيرها من المرافق التجارية والعامة.
- مياه الصرف الصناعي : الناتجة عن الصناعات الخفيفة والتي قد يتم تصريفها أيضًا في شبكة الصرف الصحي البلدية.
- . مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي الحضرية: والتي تأتي من الطرق ومواقف السيارات وغيرها من الأسطح، وتجد طريقها إلى شبكة الصرف الصحي البلدية عبر أنظمة الصرف الصحي المشتركة أو قنوات الصرف.
المخاطر التي تترتب على سوء إدارة مياه الصرف الصحي
يرتبط سوء إدارة مياه الصرف الصحي بمخاطر صحية وبيئية جسيمة، كما أنه يعكس إهدارا لا يغتفر للموارد.
فمياه الصرف الصحي الحضرية غالبا ما تحتوي على مواد عضوية، مثل براز الإنسان، والدهون، والبروتينات، والمواد النباتية والسكرية الناتجة عن تحضير الطعام، بالإضافة إلى الصابون. وبينما يذوب بعض تلك المواد في الماء، يظل بعضها الآخر عالقا فيه في شكل جزيئات منفصلة، تُعرف باسم المواد الصلبة العالقة.
تستهلك البكتيريا هذه النفايات العضوية، فهي مهمة لنموها. أما في البيئات المائية الطبيعية التي تحتوي على نسبة عالية من الأكسجين، فإن البكتيريا الهوائية تتغذى على المواد العضوية فتُشكل “طبقة لزجة” من خلايا بكتيرية جديدة ونواتج نفايات ملحية ذائبة.
وإذا تُركت مياه الصرف الصحي الثقيلة دون معالجة، تقوم البكتيريا اللاهوائية بتحليل المواد العضوية وتُطلق غازات مثل كبريتيد الهيدروجين والميثان وثاني أكسيد الكربون في الهواء. وفي نهاية المطاف، وعندما يُستنفد كل الأكسجين من الماء، تسيطر البكتيريا اللاهوائية على المياه فتصبح عفنة. ويضر ذلك بالطبع بالأسماك وغيرها من أشكال الحياة التي تعتمد على الأكسجين الموجود في الماء، وهو ما يُؤدي أحيانًا إلى ما يعرف بال”مناطق الميتة”.
وتجدر الإشارة إلى أن البكتيريا والفيروسات ومسببات الأمراض في مياه الصرف الصحي قد تُلوّث الشواطئ وتُصيب سلالات المحار بالضرر أيضا. وبينما تكون بكتيريا القولون البرازية الموجودة في الفضلات البشرية عادةً غير ضارة، هناك مسببات أمراض يمكن أن تؤثر سلبًا على صحة الإنسان. ويشمل ذلك أنواعا من البكتيريا مثل التيفويد أو أنواعا من الفيروسات مثل تلك التي تسبب التهاب الكبد الوبائي . وتنتشر العدوى نتيجة التلامس المباشر مع هذه المسببات أو تلوث إمدادات المياه.
من ناحية أخرى، تحتوي مياه الصرف الصحي أيضا على مواد غير عضوية. ويعتمد ذلك على مصدرها. ويشمل ذلك: المعادن والفلزات والمركبات، مثل الصوديوم والنحاس والرصاص والزنك، وهي مواد لا تستطيع الكائنات الحية الموجودة في الماء تحليلها بسهولة.
قد تحتوي مياه الصرف الصحي أيضا على بعض المغذيات مثل الفوسفور والنيتروجين. وتجدر الإشارة إلى أنه مع زيادة كمية هذه المياه، ترتفع نسبة المغذيات في الماء، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة كمية نمو النباتات والطحالب وتقليل الأكسجين، فتتغير الموائل، مما يهدد أنواع معينة من الكائنات البحرية.
ضمان إدارة فعّالة لمياه الصرف الصحي
وبالنظر إلى كل هذه المخاطر، تبرز أهمية الإدارة الفعّالة لمياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية باعتبارها عنصر أساسي من منحى الإدارة المستدامة للمياه الحضرية.
فمن خلال معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها، يمكن للمجتمعات المحلية أن تُسهم في تعزيز الأمن المائي ومواجهة مشكلة ندرة المياه، وذلك من خلال خفض الطلب الإجمالي على المياه العذبة بشكل ملحوظ، وهو ما يؤدي بدوره إلى المحافظة على إمدادات المياه الثمينة لأغراض أساسية كالشرب والاستخدام المنزلي.
ويُعد هذا الأمر بالغ الأهمية لاسيما في المناطق التي تعاني بالفعل من شحّ المياه، حيث يُمكن أن تُشكّل مياه الصرف الصحي المُعالجة مصدرًا بديلًا وموثوقًا لبعض الأنشطة مثل الري الزراعي، والعمليات الصناعية، بل وتجديد مخزون المياه الجوفية.
وتجدر الإشارة إلى أن المعالجة الفعّالة لمياه الصرف الصحي تمنع تصريف مياه الصرف غير المعالجة في المسطحات المائية، مما يحمي موارد المياه العذبة ويحافظ عليها من التلوث. ويضمن ذلك جودة مصادر المياه العذبة وتوافرها للاستهلاك البشري والزراعة، بالإضافة إلى الحد من أي آثار قد تطول النظم البيئية المائية والصحة العامة.
في الوقت نفسه، يمكن لعمليات معالجة مياه الصرف الصحي المتقدمة استعادة موارد قيّمة من مياه الصرف، مثل العناصر الغذائية (الفوسفور والنيتروجين) والتي يمكن استخدامها في أغراض الزراعة و إنتاج الطاقة من الغاز الحيوي. ويساهم ذلك في الإدارة المستدامة للمياه ، كما أنه يقلل الطلب على موارد المياه العذبة.
وهذه الإدارة الإيجابية والفعّالة لمياه الصرف الصحي تتماشى مع مبادئ التنمية المستدامة، حيث أنها تشجع الاستخدام المسؤول للمياه، وتقليل الضغط على مصادر المياه الطبيعية، ودعم الاستدامة البيئية طويلة الأجل. وترتبط مشكلة ندرة المياه أيضا ارتباطًا وثيقًا بمجموعة كبيرة من التحديات الأخرى التي تواجه كوكبنا. إذ تشمل الغايات الرئيسة لأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة: المياه النظيفة والصرف الصحي (الهدف السادس)، و العمل المناخي (الهدف الثالث عشر)، و الطاقة النظيفة وباسعار معقولة (الهدف السابع)، و القضاء على الجوع (الهدف الثاني).
أبرز ما ينطوي عليه توجيه الاتحاد الأوروبي الجديد
يعتبر الكثيرون توجيه الاتحاد الأوروبي الجديد خطوة إيجابية على طريق وضع إطار عمل أكثر فعالية واتساقًا لمعالجة مياه الصرف الصحي في جميع الدول الأعضاء.
و التوجيه الجديد ما هو إلا مراجعةً لتوجيه الاتحاد المعتمد حاليا لمعالجة مياه الصرف الصحي والصادر عام ١٩٩١. ووفقًا للمفوضية الأوروبية، من المنتظر أن يعزز التوجيه المُعدّل ” الحفاظ على صحة الإنسان والبيئة وحمايتهما من مياه الصرف الصحي الحضرية. كما إنه سيؤدي إلى نظافة الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية والبحار في جميع أنحاء أوروبا“.[4]
ومن بين جملة تدابير، من المنتظر أن يؤدي التوجيه إلى إزالة المزيد من العناصر الغذائية من مياه الصرف الصحي، وتطبيق معايير جديدة لخفض مستويات الملوثات الدقيقة، لاسيما تلك التي تنتج عن الأدوية ومستحضرات التجميل السامة. كما سيُدخل التوجيه آلية للرصد الممنهج للبلاستيك الدقيق وما يُسمى ب “المواد الكيميائية الدائمة” – مواد البيرفلورو ألكيل والبولي فلورو ألكيل – وهو ما يُساعد على تحسين فهمنا لكيفية انتشار هذه المواد الكيميائية عبر مياه الصرف الصحي.
ويُلزم التوجيه جميع التجمعات الحضرية، والتي يبلغ عدد سكانها 1000 نسمة أو أكثر، بتطبيق المعالجة الثانوية لمياه الصرف الصحي (إزالة المواد العضوية القابلة للتحلل الحيوي) بحلول عام 2035. بالإضافة إلى ذلك، يواءم التوجيه بين مواعيد المعالجة الثلاثية (إزالة النيتروجين والفوسفور) والمعالجة الرباعية (إزالة مجموعة واسعة من الملوثات الدقيقة)، المقرر تنفيذها بحلول عامي 2039 و2045 على التوالي، في محطات المعالجة الكبيرة، مع وجود أهداف متوسطة لعامي 2033 و2036 للمعالجة الثلاثية، ولعامي 2033 و2039 للمعالجة الرباعية.
ومن أبرز التطورات التي شهدناها في السياق نفسه بزوغ مبدأ “الملوث يدفع” من خلال مسؤولية المنتج الموسعة. ومن المنتظر أن يؤدي ذلك إلى إلزام الصناعات الأكثر تلويثًا للبيئة، مثل الصناعات الدوائية ومستحضرات التجميل، بدفع ما لا يقل عن 80% من تكاليف المعالجة الرباعية.
من ناحية أخرى، يضع التوجيه الجديد هدفًا يتعلق بتحقيق حياد الطاقة، إذ يُلزم منشآت معالجة مياه الصرف الصحي باعتماد مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2045. كما إنه سيطالب دول الاتحاد الأوروبي بالترويج بشكل مكثف لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، لاسيما في المناطق التي تعاني من شحّ المياه، وذلك لمواجهة مشكلة ندرة المياه.
ويقول فيرجينيوس سينكيفيشيوس، المفوض الأوروبي للبيئة والمحيطات ومصايد الأسماك، إن التوجيه الجديد ” لن يضمن توافر مياه أنظف لجميع الأوروبيين وحسب، بل أكثر من ذلك بكثير –إذ أنه سييسر الحصول على خدمات الصرف الصحي، وتطبيق مبدأ “الملوث يدفع”، واستقلالية الطاقة. ومن المنتظر أن تحدث مثل هذه التدابير ثورةً شاملة في هذا القطاع، وتجعله أكثر مرونةً لعقود قادمة.”
تحديات التنفيذ
ومن المتوقع أن يكون للتوجيه أثرا ملحوظا على إدارة مياه الصرف الصحي، لاسيما في المدن والبلدات الصغيرة في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، وذلك في المقام الأول من خلال توسيع نطاقه ليشمل المناطق الحضرية الأصغر.
فمن المنتظر أن يتم إلزام جميع المناطق الحضرية التي يبلغ عدد سكانها 1000 نسمة فأكثر بتطبيق معالجة ثانوية على الأقل بحلول عام 2035 – وهو ما يعتبر تغييرا جوهريا مقارنة بالتوجيه السابق، الذي كان يقتصر على المناطق التي يبلغ عدد سكانها 2000 نسمة فأكثر. وفي حين أن المعالجة الثلاثية ستكون إلزامية في البداية فقط للمحطات الأكبر حجمًا، قد تحتاج المحطات الأصغر التي تخدم ما بين 10,000 و150,000 نسمة أيضًا إلى تطبيق المعالجة الثلاثية بحلول عام 2045 وذلك وفقاً لتقييمات المخاطر الخاصة بها.[5] وقد يتطلب الأمر تحديثات كبيرة في البنية التحتية واستثمارات توجه لتقنيات المعالجة المتقدمة بالنسبة للعديد من المدن والبلدات الصغيرة التي تقع ضمن هذا النطاق السكاني.
من ناحية أخرى، ستحتاج المناطق الحضرية التي يتراوح عدد سكانها بين 10,000 و100,000 نسمة أيضًا إلى وضع خطط متكاملة لإدارة مياه الصرف الصحي إذا أشارت تقييمات المخاطر إلى أن تدفقات شبكات الصرف الصحي المشتركة تُعد “إشكالية”[6]. ويعني ذلك تحليل منطقة مستجمعات الصرف الصحي بأكملها، وتحديد الأهداف، وتطبيق التدابير اللازمة للحد من التلوث الناجم عن تدفقات شبكات الصرف الصحي المشتركة، وهو ما قد يُشكل تحديًا للبلديات الأصغر ذات الموارد المحدودة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن متطلبات المراقبة والإبلاغ الموسّعة المتعلقة باللدائن الدقيقة والمواد الكيميائية المشبعة بالفلور، ومسببات الأمراض، ومقاومة مضادات الميكروبات، سوف تتطلب على الأرجح زيادة قدرات الرصد والمراقبة وجمع البيانات وإعداد التقارير، وهو ما قد يشكل عبئًا أيضًا على المراكز الحضرية الأصغر محدودة الميزانيات والخبرة الفنية.
كيف تتعامل الدول الأخرى مع هذه القضية؟
على الرغم من أن التأثير الكامل لتوجيه الاتحاد الأوروبي لم يتضح بعد، فقد قامت عدة دول ومناطق أخرى بتنفيذ سياسات ولوائح لمعالجة إدارة مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية، وإن كان ذلك على نطاق أصغر.
سنغافورة
تُعد سنغافورة رائدة عالمية في مجال إعادة استخدام مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية بفضل مبادرة “نيووتر “[7]. تم إطلاق هذه المبادرة عام 2003، و هي تقوم على معالجة المياه المُستخدمة عن طريق تقنيات الأغشية المتطورة والتطهير بالأشعة فوق البنفسجية لإنتاج مياه مُعالجة عالية الجودة. وتُستخدم هذه المياه بشكل أساسي في الأغراض الصناعية ولزيادة قدرات خزانات المياه، وهو ما يُساهم في تغطية حوالي 40٪ من إجمالي الطلب على المياه في سنغافورة. وقد أسهمت هذه المبادرة بشكل كبير في تقليل اعتماد سنغافورة على المياه المستوردة، وتعزيز أمنها المائي.
لوس أنجلوس، الولايات المتحدة الأمريكية
حققت لوس أنجلوس تقدمًا ملحوظًا في مضمارإعادة استخدام مياه الصرف الصحي من خلال محطة هايبريون لإعادة استخدام المياه.[8] وتقوم المحطة بمعالجة مياه الصرف الصحي وفقًا لأعلى معايير الجودة، وتنتج مياهًا مُعاد تدويرها تُستخدم في الري والعمليات الصناعية، وإعادة تغذية المياه الجوفية. وتهدف المدينة إلى إعادة تدوير 100% من مياه الصرف الصحي بحلول عام 2035، وهو ما يُقلل من اعتمادها على المياه المستوردة ويُحسّن قدرتها على مواجهة الجفاف.
ويندهوك، ناميبيا
تُعدّ ويندهوك رائدة في مجال إعادة الاستخدام المباشر لمياه الشرب، حيث تتم تنقية مياه الصرف الصحي المعالجة وفقًا لمعايير مياه الشرب وتُضاف مباشرةً إلى شبكة إمدادات المياه في المدينة.[9] وقد تم تطبيق هذا الإجراء منذ عام 1968، مما جعل ويندهوك من أوائل المدن في العالم التي تنفذ هذا النوع من إعادة الاستخدام المباشر لمياه الشرب. وقد كان لهذا النهج دور حاسم في إدارة ندرة المياه في منطقة جافة، وضمان توفير إمدادات مياه موثوقة لسكانها.
بكين، الصين
نفذت بكين العديد من مشروعات إعادة استخدام مياه الصرف الصحي لمواجهة النقص الحاد في المياه.[10] حيث تُستخدم مياه الصرف الصحي المعالجة لأغراض مختلفة غير الشرب، بما في ذلك التبريد الصناعي، وري المساحات الخضراء، والحفاظ على منسوب المياه في البحيرات. فعلى سبيل المثال، تقوم محطة معالجة مياه الصرف الصحي في مدينة تاييوان بمعالجة 20,000 متر مكعب من المياه يوميًا لاستخدامها في الاغراض الصناعية وري المساحات الخضراء. وقد ساعدت هذه المبادرات بكين على إدارة مواردها المائية بشكل أكثر استدامة.
نهر الأمل
إن توجيه الاتحاد الأوروبي الجديد بشأن معالجة مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية لا يشجع على المحافظة على المياه وحسب، بل يعزز أيضًا الابتكار في مضمار تقنيات معالجة مياه الصرف الصحي وبنيتها التحتية، وهو ما يمهد الطريق نحو نهج أكثر استدامة ومرونة في إدارة الموارد المائية.
ولكن في حين أن تحديد الأطر التنظيمية والسياسية الخاصة بتحسين استخدام موارد مياه الصرف الصحي يقع على عاتق الحكومات، فإن القطاع الخاص مسؤول، ولو جزئيًا، عن تحويل هذه الطموحات إلى واقع ملموس..
ونحن نفخر بأن شركة آلمار لحلول المياه، التابعة لعبد اللطيف جميل للخدمات البيئية، تساعد في إحداث تحول في مجال توافر المياه في الأسواق الرئيسة في جميع أنحاء العالم من خلال مجموعة من مشروعات البنية التحتية المستدامة للمياه في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ويُعد مشروع محطة الشقيق 3 لتحلية المياه بقدرة450,000 متر مكعب يوميًا ـ والواقعة على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، أحد أبرز مشاريعها، وأحد أكبر محطات التحلية في العالم التي تعمل بتقنية التناضح العكسي. وتمتد محطة “الشقيق” على مساحة تعادل 34 ملعب كرة قدم، وهي تضمن توفير مياه شرب موثوقة لما يقارب 1.8 مليون شخص على مدار 25 عامًا، كما أسهمت في توفير 700 فرصة عمل.[11]

كما بدأت شركة ألمار لحلول المياه في أبريل 2024، العمل على مشروع جديد في المملكة العربية السعودية، وهو محطة معالجة مياه الزلوف. وتعمل المحطة بقدرة إنتاجية كبيرة تبلغ 185000 متر مكعب يوميًا، مما يساهم بشكل كبير في حلول المياه المستدامة في المملكة العربية السعودية.
كما تدير شركة ألمار أيضًا محطة معالجة مياه الصرف الصحي المتطورة في المحرق بالبحرين بطاقة انتاجية تصل إلى 100000 متر مكعب يوميًا بالاضافة إلى نظام نقل الصرف الصحي، حيث يُعاد تدوير المياه المستخدمة المعالجة إلى مياه عالية الجودة يعاد استخدامها.[12]
و في مصر، حيث يفتقر 7.3 مليون شخص إلى فرص الحصول على مياه شرب آمنة ويعاني 8.4 مليون شخص من نقص خدمات الصرف الصحي المناسبة، فتتعاون الشركة مع شركة حسن علام للمرافق لغرض تطوير مشروعات إدارة مياه الصرف الصحي في جميع أنحاء البلاد. وقد أدى ذلك إلى الاستحواذ على مجموعة ريدجوود ، وهي شركة رائدة في مجال خدمات تحلية المياه. تدير ريدجوود 58 محطة تحلية مياه في جميع أنحاء مصر، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 82,440 مترًا مكعبًا من مياه الشرب الآمنة والنظيفة يوميًا.
لا شك أن العمل على تعزيز إعادة استخدام مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية لا يخلو من التحديات. لذا لا مناص من دراسة ومعالجة كافة المخاوف التي تتعلق بالفكر العام، والمخاطر الصحية المحتملة، والحاجة إلى أطر رقابية وتنظيمية فعّالة. إن الاستثمار المناسب في البنية التحتية، وبناء القدرات، وحملات التوعية العامة، جد مهم لضمان التنفيذ الآمن والفعال لممارسات إعادة استخدام مياه الصرف الصحي. ويجب أن نتذكر أن إدارة مياه الصرف الصحي تعد خطوةً حاسمةً نحو تحقيق الأمن المائي وتوافر المياه بشكل مستدام.

يقول فادي جميل، نائب رئيس مجلس إدارة العمليات الدولية بعبد اللطيف جميل:
“إن التوجيه الجديد للاتحاد الأوروبي يمثل نموذجا يجب أن تُحتذى به المناطق الأخرى، نظرا للإمكانات الهائلة لمياه الصرف الصحي باعتبارها مورد مهم لا نوع من النفايات التي يجب التخلص منها. إن العالم يواجه تحديات جمة تتعلق بندرة المياه، فهل آن الآوان كي نتحرك، ونجعل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية تتصدر جهودنا نحو مستقبل آمن مائيًا“؟
[1] UNEP 2023, “Wastewater: Turning problem to solution”.
[2] https://environment.ec.europa.eu/topics/water/water-reuse_en
[3] https://www.insideeulifesciences.com/2024/04/10/new-eu-wastewater-treatment-fees-on-producers-of-pharmaceutical-and-cosmetic-products/
[4] https://ec.europa.eu/commission/presscorner/detail/en/ip_24_504
[5] https://environment.ec.europa.eu/topics/water/urban-wastewater_en
[6] https://microtronics.com/en/blog-en/implementation-of-the-eu-urban-waste-water-treatment-directive/
[7] https://www.pub.gov.sg/Public/WaterLoop/OurWaterStory/NEWater
[8] http://publichealth.lacounty.gov/eh/focus/hyperion-water-reclamation-plant.htm
[9] https://www.aquatechtrade.com/news/water-reuse/namibia-second-direct-potable-reuse-project
[10] https://www.iges.or.jp/en/publication_documents/pub/peer/en/1180/IRES_vol.5-2_425.pdf
[11] https://www.almarwater.com/2019/05/09/almar-water-solutions-to-acquire-mubadala-infrastructure-partners-investment-in-muharraq-sewage-treatment-plant-in-bahrain/
[12] https://www.almarwater.com/2019/05/09/almar-water-solutions-to-acquire-mubadala-infrastructure-partners-investment-in-muharraq-sewage-treatment-plant-in-bahrain/