الحفاظ على عجائب الأراضي الرطبة
هل ستختار”الأراضي الرطبة” إذا طلب منك تسمية أهم أنواع الموائل في العالم؟ لا اعتقد. فالمصطلح يستحضر في الأذهان صوراً للأراضي الرطبة القاحلة والسبخ والمستنقعات وغيرها من البيئات غير المحببة بشكل عام (بالنسبة للبشرعلى الأقل)، ويرسم صورة لمجموعة من الموائل تغطيها المياه، والتي اعتبر وجودها الكثيرون هدرا للمساحات، وذهبوا إلى أنه يجب تجفيفها واستصلاحها والانتفاع بها في أغراض أكثر “إنتاجية”.
ولكن – وكما هو الحال في كثير من الأحيان – دائما ما تتسم رؤيتنا عن عالمنا الطبيعي بقصر النظر وتفتقر إلى الدقة. فنحن نجهل الدور الحيوي الذي تلعبه هذه المناطق في النظام البيئي لكوكبنا. وأدركنا – ولكن متأخراً، أن الأراضي الرطبة ذات أهمية حيوية، حتى أن بعض الخبراء راحوا ينعتونها بـ “كليتي كوكب الأرض” لقدرتها الهائلة والطويلة الأمد على تنقية المياه التي تتدفق عبرها من الملوثات.
وحتى من المنظور الإنساني، ووفقا للصندوق العالمي للطبيعة، يعيش ما بين 300 إلى 400 مليون إنسان بالقرب من الأراضي الرطبة ويعتمدون عليها. وتجدر الإشارة إلى أن تلك البيئة تدعم زراعة بعض المحاصيل المهمة مثل الأرز، والذي يعد عنصراً أساسياً في النظام الغذائي بالنسبة لنصف سكان العالم. من ناحية أخرى، تمكنا بيئة الأراضي الرطبة من التحكم في الفيضانات، كما أنها توفر المياه النظيفة، والمواد، والأدوية، والموائل الحيوية، ناهيك عن الحماية من العواصف.
وعلى مدار سنوات عديدة، ظلت أغلب جهودنا الموجهة لحماية البيئة تركز على الغابات، لا سيما الغابات المطيرة، مثل الكونغو والأمازون. ولكن مقارنة بالغابات، قد تكون الأراضي الرطبة مصرفاً أكثر فعالية للكربون. إذ تشير الدراسات إلى أن أشجار المانجروف والأراضي الرطبة الساحلية تمتص الكربون بمعدل أسرع عشر مرات مقارنة بالغابات الاستوائية. علاوة على ذلك، تستطيع الأراضي الرطبة تخزين ثلاثة إلى خمسة أضعاف الكربون مقارنة بالغابات الاستوائية. لذا فإنه من المؤسف أن نرى الأراضي الرطبة، بدء الأهوار والمستنقعات وحتى الشعاب المرجانية، تختفي بمعدل أسرع بثلاث مرات من الغابات التي نتحدث عنها دائماً.
فمنذ القرن الثامن عشر، تعرض أكثر من 80% من الأراضي الرطبة لأشكال مختلفة من التدهور، وفقدنا 35% منها منذ عام 1970. ولعل تراجع الأنواع التي تعيش في المياه العذبة بنسبة 83% منذ ذلك الحين ليس من قبيل الصدفة[1].
ولكننا لم نفقد كل شيء … فقد شهدت العقود الأخيرة اقراراً دولياً على مستوى الشعوب وصانعي السياسات على حد سواء، بأن هذا الأمر يعد بالغ الأهمية ويتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة.
ما هي الأراضي الرطبة؟
تعرف الأراضي الرطبة بشكل عام بأنها “مساحة من الأراضي الداخلية أو الساحلية مغطاة جزئياً أو مشبعة بالمياه”. وثمة تعريفات أكثر رسمية للمصطلح كالتعريف الذي وضعته المؤسسة الأمريكية للأسماك والحياة البرية الأمريكية[2] والتي عرّفت الأراضي الرطبة بأنها: “… مناطق بينية تقع بين المسطحات الأرضية والمائية، ويكون منسوب المياه بها عادة عند السطح أو بالقرب منه أو تكون الأرض فيها مغطاة بالمياه الضحلة….” وهي ضرورية من أجل فرض الحماية القانونية.
تأتي الأراضي الرطبة في أشكال عدة وتوجد في جميع القارات، وبعضها يوجد بين أكثر المناطق شهرة في العالم، مثل منطقة إيفرجليدز بولاية فلوريدا، والحاجز المرجاني العظيم في أستراليا، وحوض الأمازون.
وبشكل عام، تنقسم الأراضي الرطبة إلى عدة أنواع[3][4]:
- الأهوار: وهي أراضي رطبة أما تغمرها المياه بشكل دائم، أو تغطيها فقط خلال فترات ارتفاع المياه على حواف الأنهار أو الجداول أو البحيرات أو البرك. تنتشر في الأهوار النباتات المغمورة أو النباتات الطافية ذات الأوراق أو الغطاء النباتي البارز. ومياه الأهوار إما عذبة أو مالحة وفقا لما إذا كانت داخلية أو ساحلية، أو تغذيها الأنهار أو المحيطات. أما عن مستويات المياه في هذه المناطق فهي غالباً ما تكون غير مستقرة، بل تختلف وفقا للمد والجزر والتيارات والمواسم المختلفة.
– توجد الأهوار البارزة حول الشواطئ وتمتد حتى المياه الضحلة نسبياً. وهي تتميز بشكل عام بوجود أنواع نباتية بارزة تغطيها بنسبة تصل إلى 100%.
وتوجد أهوار الهيمي في المياه الأكثر عمقاً وتتميز بمزيج من النباتات البارزة و/أو النباتات الطافية ذات الأوراق والتي تمثل جزءاً من بيئة نباتية مغمورة.
- مروج البردي (أو المروج الرطبة): وهي عبارة عن أراضي رطبة تكون تربتها مشبعة بالمياه دائماً أو في معظم الأحيان. وهي تشكل منطقة بينية تقطع بين المروج والأراضي الرطبة الأخرى ذات التربة الأقل تشبعاً بالمياه، أو في المنخفضات الرطبة أو حول مناطق تصريف المياه الجوفية. وتعد المروج مراعي رطبة تغطيها في أغلب الأحيان نباتات البردي والأعشاب ويوجد بها عدد قليل من النباتات المزهرة عريضة الأوراق.
- الفينات (الاراضي الرطبة قاعدية الدبال) والتسربات: تغذيها المياه الجوفية التي تتسرب إلى السطح. ويعتمد الغطاء النباتي بها على كيمياء المياه وحموضتها.
-الفينات (الاراضي الرطبة قاعدية الدبال): عادة ما تكون قلوية والمياه الجوفية فيها تأتي من التربة الجيرية أو الدولوميتية أو الصخور، وتحتوي على طبقة خث من مواد نباتية ميتة، ويكون بها عادة نباتات عشبية.
-والتسربات: توجد على طول قاعدة المنحدرات أو الرواسب الجليدية حيث تأتي المياه من التربة المشبعة أو من الينابيع.
- السبخ (الأراضي الرطبة حامضية الدبال): هي أراضي رطبة توجد في أحواض المياه العذبة، حيث يعتبر هطول الأمطار المصدر الوحيد للمياه. ولذا فهي لا تغذيها المياه الجوفية السطحية أو الجداول. و أرضها أشبه بالاسفنج، وتنتشر فيها الطحالب وتوجد بكثافة في مناطق المناخ البارد في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية ومناطق القطب الشمالي. تساعد الطحالب على وصول حمضية الماء إلى مستويات ليست بالعالية تصل إلى 3.0 درجة حموضة، مقارنة بالمطر الحمضي، وبها نسب منخفضة جداً من الأوكسجين وتفتقر إلى المغذيات. وهي تتطور عادة عن البحيرات التي تملؤها بقايا النباتات. وبمرور الوقت، تتحلل هذه البقايا جزئياً لتشكل الخث، وتعد مصدر رئيس لتخزين الكربون.
- المستنقعات: هي أراضٍ رطبة بها مياه عذبة أو مالحة، تكثر فيها النباتات الخشبية، وعادة ما تغطيها المياه الراكدة خلال أوقات محددة من السنة، وغالباً ما توجد في السهول الفيضانية المنخفضة على طول الأنهار أو الجداول بطيئة الحركة. وعلى عكس السبخ( الأراضي الرطبة حامضية الدبال)، توفر المستنقعات بيئة غنية بالمغذيات.
– تكثر بالمستنقعات الحرجية الأشجار التي تتحمل الماء مثل أشجار المانجروف أو السرو.
– وتكثر بمستنقعات الشجيرات، والتي تُعرف أحياناً أيضاً باسم الأراضي الرطبة ذات الشجيرات، الشجيرات القصيرة.
مركز التنوع البيولوجي
تبرز أهمية الأراضي الرطبة وثقلها عندما نتحدث عن التنوع البيولوجي. فعلى الرغم من أن هذه الأراضي لا تغطي سوى جزءاً صغيراً من سطح الأرض، فإن 40% من جميع الأنواع النباتية والحيوانية – بما في ذلك 30% من جميع أنواع الأسماك المعروفة – تعيش أو تتكاثر في الأراضي الرطبة[5]. و حتى الآن، استطاع الإنسان أن يتعرف على أكثر من 100 ألف نوع من الأنواع التي تعيش في المياه العذبة في الأراضي الرطبة، ويتم اكتشاف 200 نوع جديد كل عام.
وتعتبر الأراضي الرطبة موطناً لكثير من البرمائيات والزواحف المهددة بالانقراض. كما أنها تضم آلاف الأنواع النباتية وتعيش فيها الطيور المائية المهاجرة والمقيمة. وتعد الأراضي الرطبة الساحلية، التي تضم أشجار المانجروف والشعاب المرجانية، من بين أكثر الأماكن التي يظهر فيها النوع البيولوجي على وجه الأرض، ويعيش العديد من الأنواع المتوطنة في منطقة محددة من الأراضي الرطبة. ولسوء الحظ، فإن ربع هذه الأنواع مهددة بالانقراض. فعلى سبيل المثال، يوجد في نيو ساوث ويلز بأستراليا 71 نوعاً معروفاً من الضفادع، 47 منها تعتمد على الأراضي الرطبة[6]. لذا فإنه عندما تكون هذه الأراضي الرطبة مهددة، فإن الضفادع التي تتخذ منها موطناً تواجه التهديد نفسه – ويشمل ذلك ما يصل إلى 18 نوعاً من الضفادع. ولمواجهة ذلك، اتخذت حكومة الولاية في نيو ساوث ويلز عدداً من التدابير بغية حماية الأراضي الرطبة، كان آخرها قانون الحفاظ على التنوع البيولوجي الذي صدر عام 2016، كما أضاف الإقليم 200 ألف هكتار من الأراضي الرطبة إلى محمياتها منذ عام 2005.
شروق الشمس في بانتانال، البرازيل. بانتانال هي أكبر الأراضي الرطبة في العالم
تعزيز خفض الكربون
تستطيع الأراضي الرطبة أن تخزن كميات هائلة من الكربون تفوق ما تطلقه بكثير، مما يجعلها “مصرف الكربون” الأكثر أهمية في العالم. وتشير الأبحاث إلى أنه على الرغم من أن الأراضي الرطبة لا تشكل سوى أقل من 5٪ من مساحة اليابسة في العالم وأقل من 2٪ من المحيطات، فهي تخزن ما يقرب من 50% من إجمالي الكربون المدفون في رواسب المحيطات[7]. وبذلك تعد الأراضي الرطبة ضرورية جداً لتحقيق هدف اتفاقية باريس المتمثل في الحد من “زيادة متوسط ارتفاع درجات الحرارة العالمية والاحتفاظ بها دون الدرجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة”، بغية الوصول بمتوسط ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
وتعتمد قدرة الأراضي الرطبة على احتجاز الكربون وتخزينه على عدد من العوامل، يتمثل أهمها في ظروف التربة المغمورة التي تتأثر بالمد وتنتشر في الأراضي الرطبة الساحلية، وهي بالإضافة إلى الرطوبة يتراجع فيها مكون الأوكسجين. وهذه الظروف تعمل بشكل طبيعي على إبطاء تحلل النباتات والمواد العضوية الأخرى. وأثناء عملية التمثيل الضوئي، تمتص النباتات ثاني أكسيد الكربون من الهواء والماء وتستخدمه في دعم نموها. وعندما تموت النباتات أو تتساقط أوراقها أو جذورها القديمة، يصبح الكربون الموجود في المادة العضوية المتحللة حبيس التربة، وهو ما يمنعه من الانطلاق في الغلاف الجوي وزيادة تغير المناخ.
ولكن عندما تتعرض الأراضي الرطبة للتدهور ــ عن طريق تجفيفها على سبيل المثال ــ ينطلق الكربون المخزن إلى الغلاف الجوي في هيئة ثلاثة غازات دفيئة رئيسة وهي : ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز. ووفقا لبعض الدراسات، هناك حوالي 450 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون ينتج عن تدمير الأراضي الرطبة الساحلية كل عام.[8]
مرشحات طبيعية للمياه
و كما يتضح من اسمها “كليتي كوكب الأرض”، تعد الأراضي الرطبة بالغة الأهمية في تنقية المياه. فعندما تمر المياه التي تحتوي على الرواسب بها، يتباطأ تدفق المياه، فتتساقط الرواسب وتصبح جزءاً من الطبقة الأرضية[9]. وبذلك تصبح المياه أكثر نقاءً، حيث يتم التخلص من الرواسب والتي – بدون ذلك – تجعل الماء عكراً. ولعل ذلك يعتبر مفيداً جداً عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الصرف الزراعي ومياه الصرف الصحي التي تحتوي على مستويات عالية من العناصر الغذائية مثل الفوسفور والنيتروجين.
ويمكن للأراضي الرطبة أن تمنع هذه العناصر الغذائية من الوصول إلى مستويات السمية في المياه الجوفية التي تستخدم في الشرب وأن تحد من التخثث، وهي العملية التي تسبب العناصر الغذائية فيها زيادة هائلة في نمو الطحالب، مما يؤدي إلى استنفاد الأوكسجين وحجب الضوء الذي تحتاجه النباتات والحيوانات المائية الأخرى للبقاء على قيد الحياة.
وتعود إزالة الرواسب بالنفع على البشر والنباتات والحيوانات لأن الرواسب غالباً ما تحتوي على سموم، ولكن في الأراضي الرطبة، يتم عزل هذه الملوثات داخل طبقة الرواسب. وإذا ظلت هذه الطبقة مستقرة وبعيدة عن أية تدخلات، يتم احتجاز هذه الملوثات بفاعلية وتصبح غير ضارة، في حين تسمح المياه النقية للكائنات الحية التي تقوم بتنقية المياه من أجل الحصول على الغذاء أن تزدهر،ويشمل ذلك المحار.
وحتى النباتات التي تتخذ من الأراضي الرطبة موطناً تلعب دوراً فيما يتعلق بتنقية المياه، إذ يمكن للعديد منها إزالة المواد السامة الناتجة عن المبيدات الحشرية وصرف المصانع وأنشطة التعدين[10]. فعلى سبيل المثال، تستطيع أنسجة بعض النباتات الطافية، وخاصة ياقوتية الماء، وطحلب البط، والسرخس المائي أن تمتص المعادن الثقيلة – مثل الحديد والنحاس – الموجودة في مياه الصرف الصحي و تخزنها. وتعتمد كمية المعادن الثقيلة التي تمتصها النباتات على مجموعة كاملة من العوامل التي تشمل سرعة الماء والمناخ ونوع النباتات – ولكن المستويات عادة ما تكون أعلى بعدة مرات في سيقان النباتات وأوراقها وجذورها مقارنة بمياه الصرف الصحي التي تتم معالجتها.
وقد تم تطبيق هذه المبادئ بنجاح ــ على نطاق واسع ــ في واحدة من أكثر مدن العالم ازدحاماً. وتجدر الإشارة إلى أن مدينة كولكاتا في الهند، والتي بنيت في الأصل لإيواء مليون شخص، تعد الآن موطناً لأكثر من 10 ملايين نسمة، يعيش الكثير منهم في الأحياء الفقيرة والعشوائيات.
وتسمح الأراضي الرطبة في شرق كولكاتا، والتي تبلغ مساحتها 8000 هكتار [11]، و ال20000 إنسان الذين يعملون بها بإعادة استخدام ثلث مياه الصرف الصحي في المدينة من أجل توفيرالأسماك الخالية من السموم والخضروات الطازجة .
الحماية من الطقس المتطرف
وتتمثل إحدى الفوائد الهائلة لموائل الأراضي الرطبة بالنسبة لكل من يعيشون بالقرب منها في أنها تمثل دفاعاً ضد العديد من المخاطر الطبيعية. فهي تشكل حاجزاً أمام الفيضانات القادمة من الساحل، فتعترض المد العالي وتوزع قوة المياه. من ناحية أخرى، تساعد الأراضي الرطبة في ضبط المناخات الساحلية، والحماية من الفيضانات، إذ تقوم الأرض المسامية الموجودة تحت سطح الأراضي الرطبة بامتصاص الأمطار الغزيرة.
ويعزى ذلك إلى أن الأراضي الرطبة تحتوي على تربة الهستوسولات[12] المعروفة بحبها للمياه، والتي تتكون من 20٪ إلى 30٪ من المواد العضوية، وتنتشر في المناطق التي تعاني من سوء الصرف، مما يتسبب في تحلل المواد النباتية أو الحيوانية وجعلها جزءاً من التربة. ويمكن لتربة الهستوسولات أن تمتص كميات كبيرة جداً من الماء – فالفدان الواحد من الأراضي الرطبة بإمكانه امتصاص ما يصل إلى 1.5 مليون جالون من الماء.
وقد تجلت الإمكانات الوقائية للأراضي الرطبة في عام 2012 عندما ضرب الإعصار ساندي الساحل الشرقي للولايات المتحدة[13] – وهو أحد أسوأ الأعاصير التي ضربت البلاد. وفي الولايات الأربع التي تتمتع بأكبر مساحات من الأراضي الرطبة، تراجعت خسائر وأضرار الفيضانات بنسبة 20% إلى 30% مقارنة بالمناطق غير المحمية. وفي نيوجيرسي وحدها، حيث تغطي الأراضي الرطبة 10% من السهول الفيضية، تشير التقديرات إلى أن الولاية قد وفرت ما يقرب من 430 مليون دولار أمريكي من الخسائر التي كانت تتكبدها بسبب الفيضانات.
وقد لاحظت شركات التأمين ذلك. والآن تتعاون شركة زيورخ كندا و 14 شركة تأمين أخرى، مع منظمة داكس انليميتد كندا البيئية غير الربحية من أجل تشكيل جبهة طبيعة . وباستخدام أدوات النمذجة، ستقوم هذه الجبهة بتحديد المناطق الحضرية المعرضة للفيضانات في جميع أنحاء كندا ومن ثم تطوير مشروعات لاستعادة أو إدارة الأراضي الرطبة لتوفير وتعزيز القدرة على مواجهة الفيضانات
التعرض للهجوم
إذا كانت الأراضي الرطبة من الأماكن المهمة للتنوع البيولوجي، ناهيك عن امتصاص الكربون، فلماذا تم تجفيفها في المقام الأول؟ إنه التفكير قصير المدى والجهل – كما هو الحال في كثير من الأحيان. فعلى سبيل المثال، بدا تجفيف المستنقعات الجسرية في إيطاليا فكرة جيدة آنذاك لأنها كانت بمثابة مأوى للبعوض الحامل للملاريا الذي عانى منه سكان روما[14]. وفي العراق، قام صدام حسين بتجفيف أهوار بلاد ما بين النهرين في الثمانينيات لحرمان معارضيه من المأوى. لكن السبب الرئيس وراء فقدان الكثير من الأراضي الرطبة خلال القرون الأخيرة تمثل في إيلاء الأولوية للزراعة والتجارة.
ويُضاف إلى ذلك الاعتقاد السائد منذ زمن طويل بأن الأراضي الرطبة هي مجرد أرض قاحلة؛ وغير منتجة يمكن استغلالها بشكل أفضل بمجرد تجفيفها أو ردمها. ففي دلتا نهر ميكونج في الصين، على سبيل المثال، حذر تقرير الأمم المتحدة عن التوقعات الخاصة بالأراضي الرطبة الواقعة بين الهند وبورما لعام 2022 من أن “الأراضي الرطبة الطبيعية قد تم ردمها و”استصلاحها” من أجل تطوير البنية التحتية مع استمرار الزحف العمراني في ابتلاع السهول الفيضية المحيطة”[15].
توفير الحماية
ولحسن الحظ، شهدنا على مدار السنوات القليلة الماضية إقراراً عالمياً متزايداً بالدور الحيوي الذي تلعبه الأراضي الرطبة فيما يتعلق بتحقيق الاستدامة البيئية على كوكبنا، وكذا بالحاجة إلى الحفاظ عليها واستعادتها بدلاً من تجفيفها.
وقد بدأ مسعى حماية الأراضي الرطبة لأول مرة من خلال الجمعيات الخيرية المعنية بالحياة البرية الطبيعية مثل الصندوق العالمي للطبيعة (WWF)، الذي اشترى في عام 1963 أرضاً في كوتو دونيانا بإسبانيا، وهي منطقة رطبة ذات أهمية بالغة للطيور المهاجرة[16]. ثم استمر في العمل مع الحكومات والجمعيات الخيرية الأخرى لشراء ملايين الهكتارات من الأراضي الرطبة وحمايتها. فعلى سبيل المثال، قام الصندوق في عام 2000 بالتعاون مع حكومات بلغاريا ورومانيا وأوكرانيا ومولدوفا بإنشاء ممر أخضر محمي على طول المجرى السفلي لنهر الدانوب، وهو المخطط الذي يغطي الآن 1.4 مليون هكتار من الأراضي الرطبة.
لكن الإسهام الأبرز للصندوق العالمي للطبيعة تمثل في العمل على وضع اتفاقية رامسار في عام 1971 [17]. وتُعد اتفاقية رامسار بشأن الأراضي الرطبة، والتي سُميت على اسم المدينة الإيرانية التي تمت صياغتها فيها، تُعد المعاهدة العالمية الوحيدة التي تركز على نظام بيئي بعينه، وقد ارتفع عدد الدول الموقعة عليها من الدول السبعة الأصلية الأولى إلى 170 دولة[18]، أي ما يقرب من 90% من إجمالي أعضاء الأمم المتحدة. وقد تعهد الموقعون على الاتفاقية بما يلي:
- تحديد الأراضي الرطبة ذات القيمة العالية على قائمة الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية (مواقع رامسار)
- استخدام جميع الأراضي الرطبة بحكمة والتعاون لمعالجة القضايا العابرة للحدود.
ويوجد اليوم حوالي 2500 موقع رامسار محدد، في بلدان متنوعة مثل النمسا وكازاخستان والإمارات العربية المتحدة وزيمبابوي، والتي تضم مساحة إجمالية تزيد عن 250 مليون هكتار (وهذه المساحة تزيد قليلاً عن مساحة الجزائر).
وتعد اتفاقية الأراضي الرطبة واحدة من أولى الاتفاقيات البيئية المتعددة الأطراف، وهي تعمل جنباً إلى جنب مع الاتفاقيات العالمية الرئيسة الست الأخرى المتعلقة بالتنوع البيولوجي[19]، مثل اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD) واتفاقية التراث العالمي (WHC). وثمة مظهر آخر للتقدم شهدناه في عام 2015 وهو وضع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والتي تهدف معاً إلى تحقيق “مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع” بحلول عام 2030. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة دون التعاون و التركيز على الحفاظ على الأراضي الرطبة وحمايتها، كما اوضحت اتفاقية رامسار في تقريرها لعام 2018 الذي تناول الأراضي الرطبة وأهداف التنمية المستدامة[20].
وقد تبع ذلك المزيد. حيث توصلت الدول في مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي عام 2022 [21]، إلى اتفاقية تاريخية لحماية الطبيعة، وهي الاتفاقية الذي تتضمن بنداً يقضي باستعادة ما لا يقل عن 30% من المسطحات المائية الداخلية التي تعاني من التدهور إلى جانب الحفاظ على النظم البيئية الصحية للمياه العذبة بشكل عادل. وفي مؤتمر الأمم المتحدة للمياه في عام 2023، تم الكشف عن مبادرة “تحدي المياه العذبة”. وهي مبادرة طموحة يقودها تحالف من الحكومات، والذي يضم كولومبيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والإكوادور، والجابون، والمكسيك، وزامبيا، وتهدف المبادرة إلى إعادة إحياء 300 ألف كيلومتر من الأنهار واستعادة 350 مليون هكتار من الأراضي الرطبة (وهي مساحة أكبر من الهند) بحلول عام 2030.
كل ذلك يبشر بالخير. وفي تقرير أعدته الجامعة الجنوبية للعلوم والتكنولوجيا في الصين[22]، توصل الباحثون إلى أن استعادة الأراضي الرطبة التي تم تجفيفها يمكن أن يؤدي إلى تجنب انبعاثات تعادل أكثر من 100 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول نهاية القرن، أي حوالي عُشر إجمالي الانبعاثات المتوقع أن يتسبب فيها الإنسان خلال الفترة نفسها[23]. وقد خلصت الدراسة نفسها أيضاً إلى أن منع تدهور الأراضي الرطبة السليمة من شأنه أن يجنبنا من الانبعاث ما بين 150 إلى 650 مليار طن إضافية بحلول نهاية هذا القرن. وتشمل المناطق التي تتمتع بأكبر إمكانات لخفض الانبعاثات سيبيريا وكندا والكونغو والبرازيل وإندونيسيا.
التقنيات الجديدة
يتطلب التصدي للتحدي العالمي المتمثل في تغير المناخ بذل جهود كبيرة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. ويمكن أيضاً اتخاذ تدابير فورية قصيرة الأجل تسهم في حل المشكلة بشكل ملموس.
وتشمل الاستراتيجيات التي يمكن القيام بها زيادة الأراضي الرطبة عن طريق إضافة الرواسب. وهناك أيضاً أساليب متطورة تجري دراساتها، مثل “البوابات الذكية” التي تتحكم في تدفق المد والجزر لغرض حماية الأراضي الرطبة الساحلية. وتمنع هذه البوابات مياه البحر من الارتفاع أكثر من اللازم، وقد شهدنا نتائج واعدة لها في بعض المناطق مثل متنزه هانتر ويتلاندز الوطني في أستراليا.[24]
ليست مجرد كلمات … بل أمل يداعب الأذهان
منذ الإقرار الرسمي الأول بأهمية الأراضي الرطبة، والذي عكسته اتفاقية رامسار منذ أكثر من 50 عاماً، وحتى يومنا هذا، بدأ العالم يدرك بشكل متزايد القيمة الهائلة لهذه الأراضي وإمكاناتها. فهذه النظم البيئية المعقدة لا تعد مصدراً أساسياً لامتصاص الكربون وأجهزة تنقية طبيعية فحسب، بل توفر أيضاً خط دفاع أمامي ضد الآثار السلبية لتغير المناخ.
والأهم من ذلك أن وتيرة التغيير تتسارع ــ ولابد من ذلك، لأننا على المسار الصحيح، ولكننا نحاول اللحاق بالركب. ووفقاً لمعهد الموارد العالمية[25]، فإنه يتعين علينا تسريع عملية إعادة التشجير واستعادة الأراضي الرطبة الساحلية بمقدار ثلاثة أضعاف حتى نتمكن من تحقيق أهداف اتفاقية باريس لعام 2030. ومع ذلك، ثمة مؤشرات إيجابية و بشائر واعدة، وتقدم جلي لا يمكن إنكاره.
إن الأراضي الرطبة تقع ضمن الأصول الطبيعية الحيوية، وهي ضرورية جداً لتحقيق الاستدامة البيئية والاجتماعية والتجارية على كوكبنا. فإذا اعتنينا بها، سيعود ذلك علينا جميعاً بالنفع. وإذا لم نفعل ، فإن آمالنا في مستقبل أكثر استدامة ستتلاشى تحت مياه المحيطات المتصاعدة.
[1] https://www.unep.org/news-and-stories/press-release/largest-river-and-wetland-restoration-initiative-history-launched-un
[2] https://pondinformer.com/wetland-types/
[3] https://www.greenpeace.org.uk/news/wetlands-biodiversity-climate-change
[4] https://www.wetlands-initiative.org/what-is-a-wetland
[5] https://www.un.org/en/observances/world-wetlands-day
[6] https://www.zurich.com/en/media/magazine/2022/why-we-should-care-about-and-protect-our-wetlands
[7] https://bg.copernicus.org/articles/2/1/2005/
[8] https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0043542
[9] https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0043542
[10] https://www.ramsar.org/sites/default/files/documents/library/services_05_e.pdf
[11] https://www.ramsar.org/sites/default/files/documents/library/services_05_e.pdf
[12] https://www.zurich.com/en/media/magazine/2022/why-we-should-care-about-and-protect-our-wetlands
[13] https://www.zurich.com/en/media/magazine/2022/why-we-should-care-about-and-protect-our-wetlands
[14] https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/20812795
[15] https://www.iucn.org/sites/default/files/2022-11/indo-burma-wetland-outlook-2022_v4.5_pages-compressed.pdf
[16] https://wwfint.awsassets.panda.org/downloads/wwf_50_years_ddd__lrsm_1.pdf
[18] https://www.ramsar.org/sites/default/files/documents/library/services_05_e.pdf
[19] https://www.ramsar.org/about/partnerships/partnerships-other-conventions
[20] https://www.ramsar.org/sites/default/files/documents/library/wetlands_sdgs_e.pdf
[21] https://www.unep.org/un-biodiversity-conference-cop-15
[22] https://www.newscientist.com/article/2335373-rewetting-dried-wetlands-could-stop-100-billion-tons-of-co2-emissions
[23] https://www.newscientist.com/article/2335373-rewetting-dried-wetlands-could-stop-100-billion-tons-of-co2-emissions
[24] https://www.wrc.unsw.edu.au/news/turning-the-tide-on-the-hunter-wetlands
[25] https://www.wri.org/insights/climate-action-progress-indicators-2030-2050-targets