ما من بقعة على وجه هذا الكوكب سلمت من الآثار المدمرة لتغير المناخ. فمن الموجات الحارة وحرائق الغابات التي تجتاح أوروبا [1]، إلى أزمات التنوع البيولوجي التي يشهدها الأمازون [2]، وغرق العديد من جزر المحيطين الهادئ والهندي [3]، من المنتظر أن تواجه جميع المجتمعات خيارات قاسية في نضالها من أجل البقاء في ظل التقلبات البيئية الوشيكة.

على الرغم من ذلك، احتفظ الاحتباس الحراري بعواقبه الأسوأ على الإطلاق لأحدى بقاع الكون التي طالما عانت ولا تزال تعاني من الظلم والحرمان والصراعات – إنها قارة أفريقيا.

تضم أفريقيا 54 دولة وأكثر من مليار شخص، ولديها تراث مضطرب. ولطالما تسببت الظروف القاحلة ودرجات الحرارة المرتفعة فيما ضرب القارة من موجات جفاف ومجاعات، ناهيك عن وفاة عشرات الملايين على مدار العقود الأخيرة. وعلى هذه الخلفية، أدت الحروب الأهلية والصراعات العابرة للحدود إلى تعرض الشعوب – التي ترزح تحت وطأة الحصار – إلى العديد من المخاطر.

لكن القارة التي صارت فريسة لبراثن العديد من الكوارث الإنسانية لم تشهد بعد أسوأ آثار تغير المناخ.

ففي الوقت الحالي تعاني منطقة القرن الأفريقي، التي تضم كل من إثيوبيا وكينيا والصومال، من أخطر موجة جفاف ضربتها منذ 40 عاماً. وقد خلفت خمس سنوات من الحرمان من هطول الأمطار آثاراً مدمرة لـ 50 مليون شخص، يواجه 20 مليوناً منهم احتمالات المجاعات [4]. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 20٪ من الأشخاص الذين يعيشون في أفريقيا يصنفون على أنهم يعانون من سوء التغذية [5].

إن مثل هذا المناخ الحار الجاف يؤدي إلى جعل النباتات الأرضية قابلة للاشتعال بدرجة عالية، ولم تكن الجزائر وتونس الدولتين الوحيدتين اللتان شهدتا حرائق غابات ناجمة عن الحرارة طوال عام 2022.

من ناحية أخرى، تسببت الأعاصير في خسائر فادحة. فقد واجهت منطقة جنوب أفريقيا سلسلة من العواصف الاستوائية المستمرة خلال عام 2022 مما أدى إلى النزوح الجماعي والمعاناة الإنسانية لاسيما في جزيرة مدغشقر.

وقبالة الساحل، ارتفع مستوى سطح البحر بشكل يثير الذعر. فعلى طول البحر الأحمر والمحيط الهندي الغربي، ارتفعت مستويات سطح البحر بمقدار 3.7 ملم سنويًا و3.6 ملم سنوياً على التوالي، متجاوزة بذلك متوسط ​​الارتفاع العالمي السنوي البالغ 3.4 ملم [6].

وقد يكون الأسوأ قادماً. فقد يتحول السيناريو السيء إلى الأسوأ في جميع أنحاء أفريقيا خلال السنوات القادمة، خاصة مع وقوع القارة في قبضة تغير المناخ.

ارتفاع درجات الحرارة بشكل أكبر – وأسرع – مقارنة بأي مكان آخر

تعتبر أفريقيا من أكثر البقاع المعرضة لمواجهة تبعات الاحتباس الحراري العالمي ويعزى ذلك إلى موقعها وطبيعتها الطبوغرافية. ومن المرجح أن تستمر درجات الحرارة هنا في الارتفاع بصورة أكبر وبوتيرة أسرع مقارنة بأي مكان آخر في العالم.

فمنذ عام 1991 وحتى عام 2022، ارتفعت درجات الحرارة في أفريقيا بمعدل 0.3 درجة مئوية لكل عقد، وهي زيادة أسرع من متوسط الـ ​​0.2 درجة مئوية لكل عقد الذي شهدته القارة من عام 1961 إلى عام 1990. [7] وبحلول عام 2040، قد تواجه “الدول الهشة” في أفريقيا (وهي تلك المعروفة بضعف الحوكمة والتوترات الاجتماعية والأزمات الإنسانية والصراعات المسلحة)، من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى الصومال والسودان، 60 يوماً أو أكثر في السنة من درجات الحرارة الخانقة التي تزيد عن 35 درجة مئوية – أي أربعة أضعاف الدول غير الهشة [8].

وفي الوقت نفسه، قد تصبح أنماط هطول الأمطار أكثر تقلباً على نحو غير متوقع. ويعني ذلك بالنسبة لمن يعيشون في هذه المناطق تواتر الكوارث المناخية المتطرفة، وتراجع كميات المحاصيل وتدهورها، وفقدان سبل العيش، والتصحر المتسارع.

قد يعني الاحتباس الحراري العالمي لمعظم الدول المتقدمة ارتفاع قيمة الفواتير، وتراجع الخيارات المتاحة في المحال والسوبر ماركت، وربما عطلات غير مريحة. أما لمن يعيشون في أفريقيا، فالاحتباس الحراري وتبعاته يعتبر مسألة حياة أو موت.

فماذا يحمل المستقبل في جعبته لهذه المنطقة من العالم المعرضة للخطر؟ هل أفريقيا قدر لها أن تعيش المعاناة إلى الأبد مع استمرار تدهور المناخ – أم أن الخلاص قد يكمن في المبادرات السياسية والتكنولوجية والاستثمارية؟ إن معالجة نقاط الضعف المنتشرة في هذه القارة الشاسعة لمواجهة خطر تغير المناخ سوف تتطلب المزيد من التعاطف والتفاهم.

معاناة مائة مليون شخص بسبب أزمة تغير المناخ

تعكس المشكلات المرتبطة بأزمة المناخ في أفريقيا غبناً بيناً. فجميع الدول الأفريقية مجتمعة لا تطلق سوى 3.8% من غازات الاحتباس الحراري العالمية سنوياً، مقارنة بالصين (23%) والولايات المتحدة (19%) والاتحاد الأوروبي (13%) [9]. كما يبلغ معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد 1.04 طن متري فقط سنوياً، ويعد ذلك أقل بكثير من المتوسط ​​العالمي البالغ 4.69 طن متري [10].

فعلى من نلقي اللوم؟  تسلط المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الضوء على ستة نقاط مثيرة للقلق تهدد المستقبل القريب والمتوسط ​​للقارة.

وهي تشمل: تسارع معدل ارتفاع درجات الحرارة؛ وانخفاض الإنتاجية الزراعية؛ والطقس المتطرف الذي يؤدي إلى تفاقم المشكلات المتعلقة بالأمن الغذائي والنزوح والصراعات؛ وتراجع التمويل اللازم للتكيف؛ وارتفاع كلفة الخسائر؛ وعدم توافر أنظمة الإنذار المبكر الفعالة.

لا شك أن الموجات الحارة والفيضانات والأعاصير والجفاف تخلف دماراً أينما حدثت. فكيف يكون حجم الدمار في جزء من العالم يعاني من تحديات اقتصادية هائلة مثل أفريقيا، حيث يتجاوز متوسط ​​الناتج المحلي الإجمالي للفرد بالكاد 2000 دولار أمريكي اعتباراً من عام 2023 [11]. وتفتقر أفريقيا إلى منظومة متطورة للتعامل مع الكوارث. فعلى سبيل المثال، تنتشر الأمراض بسبب شبكات الصرف الصحي المتهالكة، ويتحول الجوع إلى مجاعات لأبسط الأسباب.

وبالنسبة للعديد من المدنيين، فإن الأمر يتعلق بالبقاء على قيد الحياة.

تُظهر الأرقام أن أكثر من مائة مليون شخص يعيشون في أفريقيا قد تأثروا بالمخاطر المناخية خلال عام 2022، ويتضمن ذلك 5000 حالة وفاة حدثت بسبب الجفاف والفيضانات. ومن المرجح أن تكون الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير، ويعزى ذلك إلى صعوبة تجميع الإحصاءات في منطقة شاسعة تفتقر إلى وسائل اتصالات موثوقة.

وبغض النظر عن الخسائر البشرية التي خلفها تغير المناخ، تشير التقديرات إلى خسائر مالية يقدر حجمها بأكثر من 8.5 مليار دولار أمريكي تكبدتها القارة في عام 2022 – ويمثل ذلك ضربة قاسمة لمنطقة يتخلف اقتصادها بالفعل عن معظم العالم المتقدم.

تمثل الزراعة شريان الحياة للعديد من الأسر والاقتصادات في افريقيا، فهي تمثل نصف كامل القوة العاملة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. لكن تغير المناخ أدى إلى تراجع الإنتاجية الزراعية بنحو الثلث منذ عام [12]1961. ويمثل ذلك انخفاضاً ملحوظاً مقارنة بأي منطقة أخرى في العالم، كما يعكس أن أفريقيا اضطرت إلى مضاعفة كمية الغذاء التي تستوردها سنوياً لإعالة سكانها [14]. وتجدر الإشارة إلى أن 3٪ فقط من المساحات المزروعة في أفريقيا يتم ريها من خلال القنوات أو الخزانات، مما يترك المحاصيل عرضة لمخاطر الفيضانات والجفاف [13]. من ناحية أخرى، يعد الافتقار إلى التمويل الموجه للصيانة من العوامل التي يمكن أن تحكم على أي مخططات خاصة بالري بالفشل. فعلى سبيل المثال، تغطي شبكة الري في الجزيرة في السودان الآن أقل من نصف المساحة البالغة 8000 كيلومتر مربع التي كانت تغطيها من قبل. وتذهب بعض السيناريوهات إلى أن تغير المناخ قد يجعل 50 مليون شخص آخرين يسقطون ضحايا لبراثن الجوع في الدول الهشة في أفريقيا بحلول عام 2060. [15]

ويهدف مركز سياسة المناخ الأفريقي التابع للّجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة إلى تحديد الأثر الاقتصادي للخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، و التي بلغت وفقا لتقديرات المركز ما بين 290 مليار دولار أميركي و440 مليار دولار أميركي لأفريقيا، وذلك حسب شدة الاحتباس الحراري الذي سنشهده في نهاية المطاف. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن قدرة أفريقيا على البقاء على قيد الحياة في ظل التحول المناخي ترتبط بدعم الشركاء الدوليين. وللحفاظ على عالم قوي ومستقر، يجب أن تصبح مساعدة أفريقيا على تجنب شبح الجوع والحرب والهجرة الجماعية مهمة عالمية.

الاكتفاء الذاتي لا غنى عنه لبلوغ الحلول الدائمة

ماذا لو تمكنت أفريقيا من إطلاق العنان لإمكانات مواردها التي تحسد عليها؟ ونحن هنا لا نعني الإمكانات اللانهائية من الطاقة وحسب، بل الإمكانات اللانهائية من الطاقة النظيفة. فالقارة المشمسة، مُنحت أكثر من نصف إجمالي إمكانات الطاقة الشمسية في العالم. على الرغم من ذلك، فإن إجمالي القدرات المركبة بالفعل في جميع أنحاء القارة لا يتجاوز ما نراه في دولة أوروبية صغيرة [16].

إن إطلاق العنان لإمكانات الطاقة الشمسية في جميع أنحاء أفريقيا، إلى جانب مصادر مستدامة أخرى مثل طاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة الحرارية الأرضية، من شأنه أن يحقق فوائد لا مثيل لها – ولا يتعلق الأمر هنا بتوفير بيئة نظيفة في مواجهة أزمة المناخ وحسب، بل يتعلق بتوفير المزيد من الوظائف، والمزيد من الازدهار والصحة، والمزيد من المساواة بين جميع طبقات المجتمع.

والمؤسف أن هدف التنمية المستدامة للأمم المتحدة المتعلق بضمان الحصول على الطاقة عالميا بحلول عام 2030  يبدو وكأنه حلم بعيد المنال في أفريقيا. فتكلفة رأس المال الخاصة بمشروعات الطاقة الجديدة أعلى مرتين إلى ثلاث مرات مقارنة بمثيلتها في الاقتصادات المتقدمة [17]. ولعل هذا المأزق يعني أن الكهرباء لن تتوافر للملايين وهو ما سيؤثر سلباً على مضماري التعليم والتوظيف.

ولعل الوقت قد حان لتمويل كافة خيارات الطاقة المتجددة في جميع أنحاء أفريقيا. ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، من المقرر أن تصبح الكهرباء الخضراء أرخص مقارنة بالبدائل التي تعتمد على الوقود الحفري في أفريقيا بحلول عام 2030. [18]

على الرغم من ذلك، لا يزال التقدم بطيئاً، فحوالي 3٪ فقط من استثمارات الطاقة العالمية حالياً توجه إلى أفريقيا. [19] ويتطلب تغيير هذا الوضع التحرك الفوري والجريء من القطاعين العام والخاص.

وتسعى المؤسسات المالية العالمية الكبرى إلى تحفيز التقدم، ومواجهة المخاطر بشكل فعال من خلال استثمارات القطاع الخاص ووضع أسس للنمو الاقتصادي طويل الأمد. إن المنازل والصناعات تحتاج إلى إمدادات طاقة موثوقة كي تتقدم وتزدهر. وحسب الموقع، سيتم تلبية بعض هذه الاحتياجات من خلال شبكات طاقة قوية تقع في قلب المجتمعات. وفي أماكن أخرى، قد تدعم مجموعات الطاقة الشمسية والبطاريات الأنظمة الواقعة خارج الشبكة في المناطق النائية.

ويدرك المجتمع الدولي أن أفضل طريقة لدعم أفريقيا هي مساعدتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي اقتصادياً. وهذا يعني تمكين الشعوب من اجل إنشاء قاعدة صناعية قوية وإطلاق قدرات تصنيعية فائقة. ومن المرجح أن يوفر الاستثمار في القطاع العام قيمة استثنائية مقابل المال – وتشير بعض الاحصائيات إلى أن 28 مليار دولار أمريكي من رأس المال الميسر الذي توفره وكالات التنمية من شأنه أن يفتح المجال لأكثر من ثلاثة أضعاف هذا المبلغ في التمويل الخاص [20].

واغتناماً للمبادرة، يدعو تقرير وكالة الطاقة الدولية الجديد تمويل الطاقة النظيفة في أفريقيا إلى مضاعفة استثمارات الطاقة في أفريقيا بحلول نهاية العقد، لتصل إلى أكثر من 200 مليار دولار أمريكي سنوياً. ويتناول التقرير بالتحليل كيفية تحقيق هذه القفزة الهائلة في الاستثمارات وخفض تكلفة تمويل الطاقة النظيفة تماماً في نهاية المطاف.

وتشمل حلول وكالة الطاقة الدولية فيما يخص الاستثمارات المستدامة في أفريقيا ما يلي:

  • جمع رأس المال من الحكومات ووكالات التنمية ومستثمري القطاع الخاص – بحيث تزداد حصة الأخير ستة أضعاف بحلول عام 2030.
  • إطلاق مبادرات الطهي النظيف للحد من الاعتماد على الحطب
  • ضمان توفير الدعم بالتساوي للدول ذات الدخل المنخفض في أفريقيا، والتي تعد موطناً لثلاثة أرباع سكان القارة بيد أنها لا تحصل إلا على جزء ضئيل فقط من التمويل الموجه للتنمية
  • الاستثمار الطموح في شبكات الطاقة لتعزيز الموثوقية، وإضفاء الطابع الديمقراطي على الحصول على الفرص، والمساعدة في تحقيق التكامل السريع بين الطاقات المتجددة
  • تشجيع الاستثمار واسع النطاق في مشروعات كفاءة الطاقة لتحقيق الاكتفاء الذاتي حيثما أمكن
  • توجيه التمويل نحو المشروعات التكنولوجية المتطورة، وتوفير آليات التسليم السلسة، وهياكل التمويل المختلطة والبنوك الإنمائية متعددة الأطراف مما يقلل من مخاطر الاستثمارات الخاصة
  • اعتماد أطر تنظيمية ورقابية يمكن التحقق منها لجذب الاستثمارات بعيدا عن أسواق الكربون

بإمكانك أن ترى بعض هذه المبادرات على أرض الواقع. فجيبوتي، التي يبلغ معدل ​​هطول الأمطار فيها 130 ملم سنوياً، تعد واحدة من أكثر المناطق جفافاً على وجه الأرض [21]. وفي مناطقها الساحلية، يتعرض نحو 30 ألف شخص للفيضانات المحيطية كل عام. على الرغم من ذلك، نجحت جيبوتي مؤخراً في ابرام اتفاق للتأمين ضد الكوارث متعددة المخاطر مدته خمس سنوات مع مجموعة من الشركاء الدوليين.

ويجمع الاتفاق بين حكومة جيبوتي ومجموعة القدرة الأفريقية على تحمل المخاطر وشركة ديكارت للتأمين والبنك الدولي. وفي إطار حماية المجتمعات الضعيفة من موجات الجفاف وهطول الأمطار غير المتوقعة، يستكمل المخطط ما بدأه مشروع البنك الدولي للحد من المخاطر وتعزيز القيمة والإدماج للاقتصادات الرعوية (DRIVE)، والمصمم لحماية مربي الماشية في منطقة القرن الأفريقي من آثار الاحتباس الحراري العالمي.

ولعل اتفاق جيبوتي خير دليل على صحة الفكرة. والمنظمات الشريكة تأمل في أن ترى مخططات مماثلة تتكشف بجوانبها الإيجابية في المستقبل لنحو 200 مليون شخص آخرين في أفريقيا. فالتخطيط للطوارئ والتعامل معها لا يتحقق إلا من خلال حشد الموارد التقنية وتحفيز التمويل، وهو ما يوفر الحماية للمساكن وسبل العيش.

يقول ديفيد ماسلو من مركز أبحاث أفريقيا إن الاتفاق النموذجي يثبت أن “التمويل الموجه للتعامل مع مخاطر الكوارث ليس مجديا وحسب، بل إنه أمر بالغ الأهمية في أفريقيا حيث تؤثر تداعيات تغير المناخ بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر ضعفاً”. [22]

إن الاحتباس الحراري العالمي يعيق التنمية الاقتصادية في أفريقيا. ويهدد الأنظمة الزراعية، وينذر بالقضاء على ما تم انجازه خلال عقود من التقدم في مجالي التعليم والرعاية الصحية، ويعرض التراث الثقافي للخطر. في هذا السياق، يمكن للتحرك السريع أن يسهم في الحد من هذه المخاطر وبناء أفريقيا أكثر مرونة، لصالح العالم أجمع.

درجات الحرارة وأعداد السكان ترتفع في آن واحد

بدون التعامل مع آثار تغير المناخ، قد يضطر أكثر من 100 مليون أفريقي إلى النزوح والانتقال للعيش في أماكن أخرى بحلول منتصف القرن. وفي منطقة القرن الأفريقي، قد يضطر ما يقرب من 10% من السكان إلى النزوح بسبب المناخ للبحث عن مأوى أو لحماية سبل العيش. [23]

ويتطلب تأمين مستقبل هذه القارة الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي الاستثمار في المدن المستدامة والمتصلة، والإدارة الدقيقة للأراضي والمياه والموارد الطبيعية الأخرى. وثمة بصيص أمل يلوح في الأفق ينطلق من المبادرات التي تشمل مرفق المرونة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي. يوفر الصندوق تمويلاً طويل الأجل وبأسعار معقولة للدول الصغيرة الملتزمة بتعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة الكوارث المرتبطة بالمناخ. [24]

 

إن المنتديات التي تشمل قمة المناخ الأفريقية 2023، والتي عقدت في نيروبي، تعد جد مهمة للحفاظ على الزخم الذي تحقق في رحلة بلوغ الاستدامة. لقد صاغت القمة، التي جمعت أبرز القادة من الحكومات والشركات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، صاغت دعوة إلى العمل لتعزيز المرونة المناخية في جميع أنحاء القارة. وقد شملت التدابير المقترحة:

    • إعادة هيكلة/ جدولة ديون أفريقيا القديمة وتحفيز تمويل جديد للمناخ
    • ضمان احترام المجتمع الدولي لتعهد مؤتمر الأطراف الخامس عشر بتخصيص 100 مليار دولار أمريكي لتمويل قضايا المناخ سنوياً
    • مواصلة الحد من الاعتماد على طاقة الفحم والتخلص التدريجي من دعم الوقود الحفري
    • تأمين الاستثمارات الإيجابية للمناخ لتحفيز مسار النمو، والوصول بالدول الأفريقية إلى وضع الدخل المتوسط بحلول عام 2050
    • تفعيل صندوق “الخسائر والأضرار” التابع لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين لتعويض الخسائر التي ترتبت على التصنيع في العالم المتقدم
    • إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في أفريقيا، وهو ما يعكس طموحات اتفاقية باريس للمناخ
    • تجاوز مرحلة الوقود الحفري التقليدية في التنمية الصناعية من خلال التحول مباشرة إلى الوقود الأخضر ومبادئ الاقتصاد الدائري
    • تعزيز الإجراءات الخاصة بالتصدي لفقدان التنوع البيولوجي
    • تعزيز أنظمة الإنذار المبكر وخدمات المعلومات المناخية وتوسعة نطاقها، وتبني المعرفة الأصلية وعلم المواطنة

    وتعد كل هذه الإجراءات جد ملحة نظراً لأن عدد سكان أفريقيا الذي يبلغ 1.2 مليار نسمة من المتوقع أن يتضاعف خلال السنوات الثلاثين المقبلة [25]ـ تماماً كالتأثيرات الأكثر ضرراً الناجمة عن تغير المناخ والتي تتجلى في أنظمتنا البيئية. ومن المنتظر أن يلعب القطاع الخاص، على المستويين المحلي والدولي، دوراً رئيساً في هذا التحول الضروري.

القطاع الخاص يتصدى لأزمة المناخ في أفريقيا

تعتمد بعض الشركات مثل عبد اللطيف جميل على قوة رأس المال الخاص لمساعدة المجتمعات المعرضة لخطر تغير المناخ في جميع أنحاء العالم بطرق متنوعة.

وإيماناً منا بأن المناخ يقع في الصميم من العديد من الأزمات الوشيكة، تلعب شركة عبد اللطيف جميل دورها في الحد من الاحتباس الحراري العالمي من خلال تمويل محاولات التوسع في مجال الطاقة الخضراء في جميع أرجاء العالم.

وتدير شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المستدامة (FRV) والتي تعد من أبرز مشروعاتنا في مجال الطاقة المتجددة، حافظة متنوعة من مشروعات الطاقة الشمسية وتخزين الطاقة وطاقة الرياح والطاقة الهجينة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأوروبا وأستراليا.

وفي مناطق مثل أفريقيا، حيث الشمس الساطعة وأشعة الشمس الوفيرة، تستطيع الطاقة الشمسية مد عدد لا يحصى من المنازل والشركات باحتياجاتها من الطاقة. وهذا أحد الأسباب التي دفعت شركة فوتواتيو – إكس  FRV-X ذراع الابتكار لشركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المستدامة (FRV)، إلى استثمار 10.6 مليون دولار أمريكي في شركة إيكوليجو الألمانية التي توفر “الطاقة الشمسية كخدمة”. تأسست شركة إيكوليجو في عام 2016، وهي تساعد الشركاء التجاريين والصناعيين في جميع أنحاء العالم – بما في ذلك أفريقيا – على تمويل مشروعات الطاقة الشمسية من خلال منصة استثمار جماعي مبتكرة.

من ناحية أخرى، تقع المجتمعات المتضررة من الجفاف في أفريقيا في قلب اهتمامات شركة ألمار لحلول المياه، وهي جزء من شركة جميل للطاقة والخدمات البيئية. حيث تعمل شركة ألمار لحلول المياه على توسيع نطاق الحصول على إمدادات موثوقة من المياه النظيفة في المناطق الجافة من خلال تطوير وإدارة مرافق تحلية المياه الحديثة وخدمات شبكات المياه الذكية والبنية التحتية الرقمية للمياه المحلية.

ودائما ما يقع الأمن الغذائي في أفريقيا في دائرة الاهتمام، حيث يعاني أكثر من 55 مليون طفل دون سن الخامسة من التقزم بسبب سوء التغذية الشديد  [26].

إن مثل هذه الإحصائيات هي ما يلهم معمل عبد اللطيف جميل لأنظمة المياه والغذاء J-WAFS)) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والذي شاركت مؤسسة مجتمع جميل في تأسيسه في عام 2014. ويقوم معمل عبد اللطيف جميل لأنظمة المياه والغذاء بتمويل الأبحاث المتعلقة بالإنجازات الطموحة في المجال الزراعي مثل البذور المقاومة للجفاف أو المزارع المستقبلية التي تعتمد على التكنولوجيا – وجميعها يمثل تدابير بالغة الأهمية في قارة تواجه التحول المناخي السريع.

وعلى نحو مماثل، يتمتع معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL)، وهو مركز أبحاث عالمي يعمل على الحد من الفقر من خلال ضمان اعتماد السياسات العامة على الأدلة العلمية، يتمتع بتواجدٍ ودور قوي في أفريقيا. فهنا، يعمل فريق معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر بالتعاون مع مجموعة القيادة المناخية للمدن C40، وهي شبكة عالمية من رؤساء بلديات المدن الرائدة في العالم تجمعهم الرغبة في السيطرة على أزمة المناخ قبل أن تبدأ في السيطرة علينا. ويدير معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر سلسلة من معامل المناخ الرائدة التي تسعى إلى مواجهة شبح الاحتباس الحراري العالمي من منظور أفريقي. ويعمل الأعضاء مع صناع السياسات الحكوميين من مصر في الشمال إلى جنوب أفريقيا في منطقة جنوب الصحراء الكبرى.

ويقوم معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر في أفريقيا J-PAL Africa، ومقره جامعة كيب تاون، بإجراء تقييمات عشوائية وكذا مساعدة الشركاء على توسيع نطاق البرامج الفعالة عبر مجموعة واسعة من المبادرات الاجتماعية، بداية من أسواق العمل والخدمات الحضرية إلى المشاركة السياسية.

ولدى الباحثين في معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر 391 مشروعاً في أفريقيا منهم المكتمل ومنهم ما هو قيد التنفيذ. وقد تضمنت التقييمات الأخيرة، التي ستساعد المجتمعات في التعامل مع أزمة المناخ، تضمنت ما يلي:

  • بناء الثقة في جودة الأسمدة بين المزارعين في تنزانيا.
  • التشجيع على استخدام الخزانات الخاصة بتجميع مياه الأمطار من خلال القروض المضمونة في كينيا.
  • تعزيز الرعاية الصحية والاشتراك في التأمين الصحي في غانا.
  • تحسين الحصاد والصحة عن طريق زراعة نوع من الأرز عالي الغلة في سيراليون
  • ربط التأمين القائم على مؤشرات الطقس بالائتمان بغرض تحسين الإنتاجية الزراعية في المناطق الريفية في إثيوبيا

وتسعى مبادرة مجتمع جميل إلى تعزيز مجموعة من المبادرات الأخرى للمساعدة في دعم هذه القارة الشاسعة والمتنوعة في مواجهة التغير المناخي.

Jameel Observatory, Nairboi Kenya

فعلى سبيل المثال، يستخدم مرصد جميل التي تستند على البيانات في توقع الكوارث المناخية والحد من توابعها، وخاصة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض. وتشمل برامجه الرئيسة شبكة مرصد جميل لنظم الإنذار المبكر من تغيرات المناخ، والتي تدعم المجتمعات الزراعية بأحدث تقنيات التنبؤ بالمناخ وتعزيز المرونة؛ ومرصد جميل للعمل المبكر للأمن الغذائي، الذي يدمج المعرفة المحلية مع الابتكار العلمي للتغلب على سوء التغذية في المناطق التي تعاني من الجفاف.

وتتطلب بعض المبادرات التواجد على الأرض حتى يتحقق النجاح. فعلى سبيل المثال، سافر أحد الباحثين في مرصد جميل إلى مقاطعة ميرو في كينيا لقياس الأنظمة الغذائية للماشية، ومدى تأثيرها على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وقد كان للزيارة دور في استكمال البيانات الهامة، وهو ما انطوى على وعود بتحسين تغذية الحيوانات فضلاً عن خفض مستويات الميثان في الوقت نفسه – وهي النتائج التي كان من المستحيل اثباتها إذا اكتفى أعضاء الفريق بتحليل البيانات عن بعد.

ومع التطورات الأخيرة التي شهدناها في مضمار تكنولوجيا النمذجة المناخية وتحليل البيانات، أضحت الحاجة إلى زيادة التمويل الموجه للتدابير الاستباقية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى [27]. لقد ظل المستثمرون – بشكل عام – يميلون إلى التحرك في حالات الطوارئ، بيد أن إنفاق الأموال مقدماً قد يكون أكثر فعالية – إنها مفارقة تتطلب تغييراً عاجلاً في الفكر والرؤية.

استراتيجية مزدوجة قد تعين أفريقيا في تحقيق الأمن المستدام

يتعين على بلدان العالم المتقدم أن تستخلص الدروس من تطورها الذي ألحق بالبيئة أضراراً جمة، وأن تضمن لأفريقيا طريقاً أكثر استدامة لبلوغ الثروة وتحقيق الأمن. ويتطلب ذلك استراتيجية مزدوجة. أولاً، تعزيز اقتصاد القارة من خلال تمكين الدول الأفريقية من تحقيق الازدهار في عالمنا المعاصر الذي يمضي مدفوعاً بالتكنولوجيا والأنظمة المالية المتطورة. وثانياً، تنسيق الجهود لمواجهة الأسباب الكامنة وراء الاحتباس الحراري العالمي الذي ينذر بمثل هذه التغيرات المدمرة في درجات الحرارة وأنظمة الطقس في المناطق الاستوائية.

وكما أوضح زميلي الدكتور جايو روبا من مرصد جميل للعمل المبكر للأمن الغذائي في بودكاست تناول فيه “عصر الأعمال الخيرية”، من المنتظر أن يلعب العمل الخيري دوراً بالغ الأهمية في حماية الأرواح الأفريقية خلال هذا العصر الجديد الذي تشوبه الضبابية البيئية. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن تراجع ميزانيات المساعدات يرتبط بخفض الحصص الغذائية، وينطوي ذلك على تحذيرات من مخاطر أبشع حيث أضحى هدف الأمم المتحدة المتمثل في الحد من درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين أشبه بحلم يداعب الخيال. في الوقت نفسه، تتزايد الأدلة على أن المسار المستقبلي الكامل للطفل يتحدد بما يأكله خلال أول ألف يوم من حياته، وهي الفترة التي يحدث فيها ما يصل إلى 90٪ من نمو الدماغ. وتجدر الإشارة إلى أن تكنولوجيا التنبؤ بالمناخ تشهد تطوراً مستمراً؛ والآن يحتاج التمويل الدولي إلى اللحاق بالركب لضمان أن تصبح هذه المعلومات الإضافية أساساً للتحرك والعمل الملموس.

لدينا ما يدعو للأمل… ففي القطاع الخاص تحديداً، النجاحات تدفع النجاحات. وفي أواخر عام 2023، جددت جامعة إدنبرة والمعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية ILRI مذكرة تفاهم استمرت لعقود من الزمن تعكس الدعم المستمر لبرامج بحثية متعددة، بما في ذلك مجتمع جميل، ومعمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر J-PAL، ومرصد جميل للعمل المبكر للأمن الغذائي [28]. إن العمل الخيري، كما رأينا، يمثل مشروعاً مشتركاً، ومسعى للقلوب والعقول ينطوي على ويحفز سلسلة من المبادرات الإنسانية.

إن التقاعس عن التحرك والتعامل مع أزمة تغير المناخ في أفريقيا تهاون أخلاقي، يحكم على أكثر من مليار شخص بالموت المبكر أو عيش حياة صعبة تخلو من الأمل والفرص. أما البديل، الذي يكمن في تمكين المجتمعات من الانضمام إلينا في رحلتنا نحو المستقبل، فينطوي على وعود بتعزيز العدالة وتحفيز الازدهار في كل مكان.

[1] https://www.reuters.com/business/environment/how-climate-change-drives-heatwaves-wildfires-europe-2023-08-17/

[2] https://www.nature.com/articles/s41586-023-06970-0

[3] https://www.livescience.com/planet-earth/climate-change/which-islands-will-become-uninhabitable-due-to-climate-change-first

[4] https://www.theguardian.com/environment/2023/apr/27/human-driven-climate-crisis-fuelling-horn-of-africa-drought-study

[5] https://www.worldvision.org/hunger-news-stories/africa-hunger-famine-facts

[6] https://wmo.int/news/media-centre/africa-suffers-disproportionately-from-climate-change

[7] https://wmo.int/news/media-centre/africa-suffers-disproportionately-from-climate-change

[8] https://www.imf.org/en/Blogs/Articles/2023/08/30/africas-fragile-states-are-greatest-climate-change-casualties?

[9] https://www.cdp.net/en/research/global-reports/africa-report

[10] https://wmo.int/news/media-centre/africa-suffers-disproportionately-from-climate-change

[11] https://www.statista.com/statistics/1300864/gdp-value-per-capita-in-africa/

[12] https://library.wmo.int/records/item/67761-state-of-the-climate-in-africa-2022

[13] https://wmo.int/news/media-centre/africa-suffers-disproportionately-from-climate-change

[14] https://www.imf.org/en/Blogs/Articles/2023/08/30/africas-fragile-states-are-greatest-climate-change-casualties?

[15] https://www.imf.org/en/Blogs/Articles/2023/08/30/africas-fragile-states-are-greatest-climate-change-casualties?

[16] https://www.iea.org/commentaries/a-new-energy-pact-for-africa?

[17] https://www.iea.org/reports/financing-clean-energy-in-africa

[18] https://www.iea.org/reports/africa-energy-outlook-2022

[19] https://www.iea.org/commentaries/a-new-energy-pact-for-africa?

[20] https://www.iea.org/reports/financing-clean-energy-in-africa

[21] https://www.weforum.org/agenda/2023/05/climate-change-djibouti-multi-peril-insurance/

[22] https://www.weforum.org/agenda/2023/05/climate-change-djibouti-multi-peril-insurance/

[23] https://theconversation.com/climate-change-will-force-up-to-113m-people-to-relocate-within-africa-by-2050-193633

[24] https://www.imf.org/en/Blogs/Articles/2023/08/30/africas-fragile-states-are-greatest-climate-change-casualties?

[25] https://www.iea.org/commentaries/a-new-energy-pact-for-africa?

[26] https://www.oxfam.org/en/press-releases/over-20-million-more-people-hungry-africas-year-nutrition

[27] https://www.agtechnavigator.com/Article/2024/06/24/early-warning-systems-eliminate-hunger-so-why-the-lack-of-investment

[28] https://www.communityjameel.org/news/university-of-edinburgh-renews-partnership-with-international-livestock-research-institute