إعادة تصميم المدن في القرن الحادي وعشرين
تجسد المدن مزيجاً من مشاعر الحب والكراهية في الوقت ذاته، فهي مصدر العطاء الذي لا ينضب، إلا أنها في الوقت ذاته مصدراً للسموم والتلوث.
بقلم فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة العمليات الدولية لشركة عبد اللطيف جميل
المدن هي المحركات التي تُدفع بعجلات الاقتصاد لتحقيق معدلات نمو غير مسبوقة، وهو ما يؤدي بدوره إلى رفع مستويات المعيشة إلى آفاق جديدة. إنها الأوعية التي تذوب فيها الحضارات والأفكار المتقدة التي تُدفع بعجلتي التجارة والفن قدمًا؛ إنها شهادات على رقي العالم، وقوارير عسل بالنسبة لمجال السياحة، فضلاً عن كونها منصات يبذل عليها مليارات البشر العرق كل يوم.
إلا إن المدن قد أدت في الوقت ذاته إلى إيجاد عددٍ من أسوء المشاكل التي تواجه البشر في هذا العصر، مثل مشكلة الزيادة السكانية التي ظهرت عندما تجاوزت الكثافة السكانية المساحات المتاحة للسكن داخل المدن؛ والإخفاقات في مجال الصحة العامة، وهي المشكلة التي نجمت عندما أدى أسلوب الحياة المكتظة إلى فشل منظومة الصحة العامة؛ والتلوث الخانق والمرتبط بقطاعي الصناعة والمرور؛ والفترات الزمنية المتعاقبة التي تشهد ارتفاع معدلات البطالة والركود؛ ناهيك عن مشكلة الخلل الاجتماعي، بل وأحيانًا الصراع، حيث تتصادم مصالح مجتمعات متباينة يتنافسون على القيم والموارد.
ومع ذلك، فلو سلمنا أن هناك شيئًا ما تظهره هذه المدن باستمرار، فهي المرونة.
إن ما يربو على نصف سكان العالم (4.2 مليار نسمة) يقطنون المدن الآن، وهو الرقم الذي قفز من أقل من ثلث هذا الرقم (751 مليون نسمة) في عام 1950. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بنحو الثلثين في زمن جيل آخر ليؤكد على استمرارية هذا التوجه.[1] وفي الحقيقة، فهناك عشرة مدن أخرى يتوقع أن تنضم إلى قائمة “المدن الكبرى” (المدن التي يقطن بها أكثر من 10 مليون نسمة) بحلول 2030، مثل لواندا (أنجولا)، وحيدرآباد (الهند) وتشنغدو (الصين).[2]
وفي ضوء هذه الخلفية، تتغير توقعاتنا حول المدن بمعدل هائل. إن التاريخ لم يتحرك بمثل هذه السرعة من ذي قبل، فالفرص التكنولوجية والضغوطات البيئية تؤكد أن المستقبل يسير صوبنا بوتيرة متسارعة. فمنذ بزوغ ضوء هذه الألفية، واتجاهاتنا صوب بناء الكتل السكنية – كيف نعيش، وكيف نعمل، وكيف نتحرك، كيف نجعل حياتنا مفعمة بالطاقة – قد مرت بسلسلة من التحولات القهرية. فما الذي نريده؟ إننا نريد أن نقضي وقتًا أقل في التنقل، مقابل أن نقضي وقتًا أطول مع عائلتنا وفي منازلنا. نريد أن نعمل عددًا أقل من الأيام، وأن تكون أعمالنا أكثر مرونة. إننا نريد أن نستمتع بالمساحات الخضراء، ولا سيما في الوقت الذي تتنامى فيه رغباتنا للمساكن. إننا نريد – لا، إننا بحاجة – إلى خفض نسب التلوث القائمة بيننا، وأن نتنفس هواءً أنظف، وأن نأخذ بعين الاعتبار احتياجات أطفالنا وأحفادنا.
وإذا اعتبرنا المدن الموجودة في عالمنا اليوم بمثابة سلسلة من أنابيب الاختبار والحاضنات التي تعمل على إيجاد حياة أفضل، فإنها أيضا بمثابة التجارب التي ينتج عنها نتائج جد متنوعة وتظهر كيف أن التدخل البشري بمقدوره تعزيز أوتشويه رؤيتنا المثالية حولها.
وعلى الرغم من أنه لم يتم الإجابة على جميع الأسئلة حتى الآن، إلا أن هناك شيئا واحدًا يبدو مؤكدًا.
لو أن المستقبل سيصبح أي شيء على الإطلاق، فإنه سيكون ذكيًّا.
أذكى، أسرع، أنظف، أكثر سعادة
كما يدل اسمها، ستحتل الهواتف الذكية قلب الثورات في المدن الصناعية، إذ ستعد هذه الأجهزة متعددة الاستخدامات بمثابة “مفاتيح المدن”،[3] وفق التعبير الذي وضعته شركة ماكنزي الرائدة في مجال الاستشارات، ناقلة بذلك المعلومات الآنية حول السلامة والحركة والوظائف والصحة والترفيه مباشرة إلى أيدي الملايين من البشر.
وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن القليل من مخططي المدن يتمتعون بحرية الشروع في مدينة جديدة من الصفر، وهو ما يعني أن غالبية المدن تصمم وفق تراث (موروث) من البنى التحتية. وعليه، فإن التغييرات التي نضفيها على أي من هذه المدن تقوم على الفرص والأخطاء الموجودة بالفعل من ذي قبل. ومن ثمن فإن إمكانية تجميع البيانات حول “المدن الذكية” بمقدورها المساعدة على التأكد من اتخاذ القرارات الصائبة، وتبني الاستراتيجيات طويلة المدى التي تركز على الناس بحيث تستجيب للأنماط المتغيرة وتحسن جودة الحياة على نحوٍ ملموس.
وهنا نقول إن أي مدينة ذكية مرتبطة بالكلية ببعضها البعض تقوم على ثلاثة أسس؛ أولاها: التواصل – وهو ما يعنى به “الكتلة الحرجة” من الاعتماد على الهواتف الذكية جنبًا إلى جنب مع مستشعرات موزعة على نطاقٍ واسعٍ في ربوع المدينة من أجل جمع المعلومات من جميع الشوراع والمناطق بلا استثناء. أما الأساس الثاني، فهو سلسلة التطبيقات التفاعلية التي بمقدورها ترجمة البيانات إلى تحذيرات ذات معنى للمستخدمين. أما الأساس الثالث، فهو تبني السواد الأعظم والاستخدام الحتمي لهذه التقنيات من قبل العامة ومسؤولي المدن والأعمال التجارية فيها.
وبمقدور التكامل التام والسلس بين هذه الأسس الثلاثة أن يساعد الناس على قطع مسافات السفر في زمن وجيز، وأن يختاروا أكثر الطرق كفاءة لرحلاتهم، وأن يستهلكوا طاقة ومياه أقل، وأن يخفضوا من الضغط على الأنظمة العامة.
وتشير الدراسات إلى أنه في حال انتشرت التكنولوجيا الذكية على نحوٍ فعال، فبمقدورها تعزيز ما يلي: –
- التنقل بصورة انسيابية. من المتوقع أن تقلل المدن الذكية من وقت التنقل بمقدار يترواح من 15-20%، أو بما يعادل 30 دقيقة يوميًا في الدول المتطورة،[4] إذ من الممكن استخدام اللافتات الرقمية تطبيقات الهواتف النقالة لنقل المعلومات عن التأخيرات والانهيارات وأماكن وقوف السيارات المتاحة.
- تحسين الصحة. تستطيع التطبيقات أن تقلل من مستوى التلوث من خلال تعزيز التنقل وكفاءات الأساليب الحياتية. كما أن بمقدورها أيضًا مراقبة الحالات المرضية المزمنة عن بعد وتحليل قابلية المناطق الجغرافية للإصابة بالأمراض، ناهيك عن تعزيز رسائل الرعاية الصحية المستهدفة، في حين تظهر بعض الإحصائيات إلى أن بمقدور مثل هذه التطبيقات تخفيض معدل سنوات العمر المصححة باحتساب مُدد العجز (وحدة دالي) بنحو 8% إلى 15%.
- زيادة السلامة العامة. إذا ما وضعنا خرائط تفصيلية للجرائم الآنية، وجعلنا العمل الشرطي قائمًا على البيانات، وفعلنا أساليب المراقبة الذكية ووجهنا مركبات الطوارئ ذات الكفاءة، فإن ذلك يساعد على خفض معدل الوفيات بنسبة تتراوح من 8% إلى 10% ومعدل الجريمة بنسبة تترواح من 30% إلى 40%، فضلاً عن أنها تساعد على إرساء حالة من راحة البال.
- إنقاذ البيئة. بمقدور أنظمة البناء المؤتمتة والتطبيقات التي تقضي على الزحام وأسعار الكهرباء المتحركة تخفيض الانبعاثات الضارة بنسبة تتراوح من 10% إلى 15%. وتستطيع مستشعرات جودة الهواء التعرف على مصادر التلوث، بينما تستطيع أجهزة مراقبة استهلاك المياه وهدرها خفض كمية المياه المطلوبة. وفيما يتعلق بعملية إعادة التدوير، يستطيع نظام التعقب “الدفع مقابل النفايات الملقاة” تقليل معدل النفايات بنسبة تتراوح من 30 إلى 130 كجم لكل شخصٍ سنويًّا.
إعادة تصور المدن من أجل مستقبل بلا سائقين
إن التأثير الذي ستحدثه السيارات ذاتية التحكم ليس سوى ثورة ينتظرها العالم. وفي هذا الصدد، ذكر مركز الأبحاث “ٌRethinkX” المعني بالتكنولوجيا المستقلة أنه في غضون عقدٍ من الموافقة التنظيمية على المركبات ذاتية التحكم (بلا سائق)، فإن نحو 95% من الأميال التي يقطعها المسافرون في الولايات المتحدة ستكون بواسطة السيارات الكهربايئة ذاتية التحكم (EV).
وفي هذا الصدد، ستبلغ نسبة السيارات ذاتية التحكم حوالي 60% من سوق السيارات في الولايات المتحدة، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض عدد سيارات الركاب على الطرق الأمريكية من 247 مليون سيارة إلى 44 مليون من الآن إلى عام 2030.[5]
وحيث إن شوارعنا ستحوي عددًا أقل من السيارات مقابل عددٍ أكبر من الناس، فإن المنظر الحضري سوف يخضع لثلة من التغييرات التطويرية.
إن الشارع النموذجي في أي مدينة يخصص الآن نسبة تتراوح من 60% إلى 90% من مساحته للمركبات، في حين يتكدس المارة في المنطقة المتبقية.[6]
ومع ذلك، فإن عددًا أقل من المركبات سينتج عنه وجود عددٍ أقل من مواقف السيارات. وفي هذا الصدد، أشار تقرير صادر من المنتدى الدولي للنقل التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن معدل الوقت القياسي الذي تحتاجه السيارات (لإيجاد موقف سيارات) سينخفض من 95% إلى 5%.[7]
وفي الحقيقة، فبحلول عام 2050، من الممكن أن تخفض السيارات ذاتية التحكم الحاجة إلى مواقف للسيارات في الولايات المتحدة وحدها بما يعادل نحو 5.7 مليون كم مربع.[8]
فهل من الممكن أن تصبح شوارع المستقبل أماكن “تتحول فيها الثلاثين قدما الأولى من مساحتها والممتدة من المباني إلى عالم مفعم بالنشاط، داخليًّا وخارجيًّا؟”[9] يعتقد بعض المهندسين المعماريين والمخططين أنه من الممكن تحقيق ذلك.
الحلقة الممتلئة تحل محل الحلقة المفرغة
من المقرر حتمًا أن إعادة تصميم مدننا يؤثر إيجابًا على الحالة المالية. وعندما يتحدث المال، فإن صناع القرار عادة ما ينصتون.
وفي هذا الشأن، يقدر المحللون أن المدن الذكية سوف تخلق فرصًا للنمو بما يعادل 2.46 تريليون دولار أمريكي بحلول 2025،[10] وهو ما يعني أن التحسينات سوف تتأتى تباعًا. وستكتشف الدول التي تولي أولوية للخدمات الرقمية وتحليل البيانات أن الإنفاق على التكنولوجيا سيزداد بوتيرة متسارعة بمجرد الشروع في العملية.
وفي ظل وجود وإتاحة مثل هذه البيانات المثيرة والجذابة، يصبح التوجه الحالي تجاه المدن الذكية أقل إثارة للدهشة والاستغراب، وهذا يعني أن الحكومات أنفسها هي من ستملي وتوجه بإعادة تصميم مدننا في القرن الحادي والعشرين.
وبهدف توفير حياة أفضل، تنسق المفوضية الأوروبية شراكات ابتكارية حول المدن والمجتمعات الذكية، وتوحيد المدن والصناعات والأعمال التجارية الصغيرة والبنوك والأبحاث.
وينصب تركيز المفوضية على حركة التنقل المستدامة والبناء، ومشاركة المعرفة، والسياسات والتخطيط، بالإضافة إلى البنى التحتية المتكاملة لمجالات الطاقة والمعلومات والتكنولوجيا والنقل والمواصلات. وفي إشارة منها إلى النجاح المستمر وإيمان المفوضية الأوروبية بأهمية المشروع، فإن هذه الشراكات التي قامت بها المفوضية لن تلبث حتى تندمج مع نظام معلومات المدن الذكية لتبادل المعلومات، ومن ثم إعادة تمركز هذه المدن باعتبارها سوق شامل للمدن الذكية.
وفي هذا الصدد، يقول جورج هوبان – مسؤول السياسة في المفوضية الأوروبية – “سيساعد سوق المدن الذكية المدن الكبيرة والصغيرة من جميع الأحجام على تقديم المزيد من أنظمة الطاقة الحضرية المستدامة، حيث يقدم جميع المعلومات المطلوبة لاستكشاف وتشكيل وإنشاء مشروع مدينة ذكية ناجح في مكانٍ واحد”[11]
والحق أن المفوضية الأوروبية ليست وحدها في هذا الاتجاه، إذ تتوارد الأدلة من جميع أنحاء العالم على أن الحكومات ذات النظرات التقدمية فيما يتعلق بالمستقبل تعمل على إزاحة جميع منافسيها عندما يتعلق الأمر بتصميم مدن توائم المستقبل.
السياسات المحورية لتطوير مناظر المدينة
تعتبر مدينة كوبنهاجن في الدنمارك من أوائل المدن التي حازت قصب السبق في إرساء هذه السياسات التحولية، حيث بادرت في عام 1962 إلى حظر المرور من شارعها الرئيسي “شتروجت” والذي يعود إلى القرون الوسطى. واستمر مشروع جعل الشارع مقتصراً على المارة على مدار العقود التالية، حتى أصبحت المدينة الآن تتمتع بنحو 96,000 كم مربع (33% شوارع و67% ميادين عامة) من المساحات الخالية من السيارات.[12] وفي سبيل تحقيقها هذا الهدف، ابتكرت السلطات في المدينة استراتيجية خاصة لإدارة المرور تقوم على الحد من مساحات ركن السيارات، وتقليل عدد الحارات على الطرق الرئيسية المؤدية إلى قلب المدينة، وتطوير شبكات الطرق الخاصة بالقطارات والباصات والدراجات. وتظهر الإحصائيات اليوم أن نحو 80% من جميع الرحلات في كوبنهاجن يقوم بها أصحابها مترجلين، في حين يستخدم 14% الدراجات. وعلى الصعيد التجاري، فإن النتائج المبهرة التي حققها المشروع ليست بحاجة إلى أن يتحدث عنها، إذ غدت أنشطة “توقف وابق” في المدينة سالفة الذكر أكثر بنحو أربع مرات تقريبا مما كانت عليه في ستينيات القرن الماضي.
وهناك أماكن أخرى من العالم يزدهر فيها الفكر الابتكاري. فقد شرعت مدينة شنغهاي الصينية، حيث المباني شاهقة الارتفاع متعددة الطوابق، في تبني توجه جديد – البناء والتشييد تحت الأرض. ولا أدل على ذلك من قيام سلطات المدينة ببناء متحف التاريخ الطبيعي في المدينة باتجاه ينحدر إلى باطن الأرض في منتزه يقع على مقربة من المقاطعة المالية. ويتسم هذا البناء بوجود جدران مصنوعة من الزجاج للسماح بتخلل الضوء الطبيعي من خلال نفاذ أشعة الشمس عبر الزجاج، ناهيك عن نظام التبريد الصديق للبيئة والمستمد من بركة مياه موجودة في باحة المنتزه.
من جانبها، قامت مدينة لوس أنجلوس الأمريكية بإحلال وتجديد أكثر من 7,000 كم من أضواء الشوارع التي تعمل ببخار الصوديوم واستبدالها بمصابيح الليد التي تشع ضوء أكثر خضرة. وبالإضافة إلى كفائتها، تتميز مصابيح الليد بالذكاء ونقل مستوى الأداء والعيوب مباشرة إلى المقرات الرئيسية في المدينة. وفضلا عن ذلك، يمكن تعديل إنارتها في المستقبل لتستجيب على الفور للحوادث وغيرها من الحالات (الطارئة).
وفي هولندا، ابتكر المخططون في مدينة إيندهوفن خطة فريدة للتغلب على التقاطعات ذات الازدحام الشديد، والتي ظلت فترة طويلة من الزمن تؤرق راكبي الدراجات. وكانت النتيجة في عام 2012 بناء جسر هوفنرينغ بتكلفة بلغت 8 ملايين دولار أمريكي، حيث يحوي 1000 طن من الصلب المعلق مخصص للدراجات، علمًا بأنه قد تم تخفيض مستوى الطرق بالأسفل لضمان أن من يصعد هذا الجسر سيواجه منحدرًا خفيفًا.
وفي مدينة لندن، أظهر تقرير حديث أن عدد الأشخاص الذين يتعرضون لمستويات التلوث الضار قد انخفض بنحو 94% منذ عام 2016،[13] إذ يظهر التقرير أن مستويات ثاني أكسيد النيتروجين قد انخفضت في قلب لندن في الفترة من مطلع 2017 إلى مطلع 2020 بنحو 44%.
ويرجع الفضل في هذا الانخفاض إلى عددٍ من السياسات: فرض غرامات على المركبات غير النظيفة التي تدخل المدينة، استخدام باصات ذات انبعاثاتٍ أقل، سن قوانين جديدة تحظر سيارات الأجرة التي تعمل بوقود الديزل، وتوفير مزيد من الحماية للأماكن المخصصة للدراجات.
أما هناك في أقصى شمال المملكة المتحدة، فقد أماط المخططون في مدينة يورك اللثام عن خطة لبناء أكبر مشروع سكني في المملكة بنسبة من الكربون تبلغ صفر، حيث سيتم بناء 600 منزل في 8 مدن حول منطقة الطريق الدائري. وستمتاز هذه المقاطعات (المدن) بوجود الأشجار والحدائق، علما بأنها ستكون خالية من السيارات. وسيكون لدى كل منزلٍ لوحات تحكم شمسية، وسقائف لحفظ الدراجات فيها، ونقاط شحن كهربائي، فضلاً عن أنه سيكون بمقدور كل منزل التواصل مع أسطول من الدراجات المؤجرة لنقل البضائع. ولو نجح هذا المخطط في تحقيق أهدافه، فمن الممكن استخدامه كنموذجٍ لتنفيذ مخططات أخرى شبيهة في جميع أرجاء المملكة.
أما دبي، فتتبنى هي الأخرى وجهة نظر خاصة حول مدن المستقبل، حيث تعد المدينة المستدامة أول مدينة في الإمارة بتطوير صافي طاقة يساوي صفر. وتشمل المدينة التي تشغل مساحة 46 هكتارًا 500 فيلا و89 شقة تضم بين جنباتها نقاط لشحن المركبات الكهربائية، و11 صوبة زراعية مغلقة، ومزرعة عضوية وحدائق خاصة تستخدم طريقة التبريد السلبي باستخدام المراوح والألواح، ناهيك عن الألواح الشمسية التي تغطي أسطح جيمع المنازل، والدهانات التي تعكس الأشعة فوق البنفسجية بغية خفض الحرارة داخل المنازل. كما تمتاز هذه المدينة أيضا بنظام تدوير المياه المستهلكة، حيث تعتمد أنظمة الصرف على نبات البردى لفصل المياه الرمادية وتلك السوداء، باعتباره مرشح بيولوجي.
يختلف الاستعداد التكنولوجي والحماسة العامة لمثل هذه المشروعات التقدمية من منطقة لأخرى. وقد اعتمدت شركة ماكنزي للاستشارات مبدأ “المدن الذكية” معيارًا لها في تقييم الحالة الذكية الحالية لخمسين (50) مركز حضري كبير حول العالم.[14]
ووفق هذا التقييم، تحتل كل من أمستردام ونيويورك وسيول وسنغافورة وستوكهولم مرتبة عليا فيما يتعلق بتركيب المستشعرات وشبكات الاتصالات، بيد أن هؤلاء الرواد أنفسهم لم يبلغوا إلا ثلثي المسافة فقط صوب بناء شبكة تكنولوجية متطورة بالقدر الكافي. وعلى نطاق أوسع، فإن المدن في أوروبا وأمريكا الشمالية والصين وشرق آسيا وبعض الأماكن المختارة في الشرق الأوسط تحظى بقواعد تقنية قوية، بينما تحاول المدن في الهند وأفريقيا وأمريكا اللاتينية اللحاق بالركب، ولا سيما فيما يتعلق بأعمال تركيب المستشعرات غالية الثمن.
وتظهر على الساحة نقطة اختلاف أخرى، ولا سيما فيما يتعلق بالوعي العام وقبول المفاهيم الذكية. وهنا، تفوق المدن الأسيوية جميع الدول الأخرى من حيث مستويات الاستخدام والرضا، في حين تظهر المدن الأوروبية مقاومة أشد.
وفي هذا الصدد، أشار تقرير ماكنزي: “يظهر التداخل بين تبني (المفاهيم الذكية) والوعي بها مع وجود الشباب الذين لا يقبلون فقط المزيد من الطرق الرقمية لفعل الأشياء، ولكنهم يتوقعونها أيضا.”[15]
إن القرارات التي تشكل مستقبل مدننا تحتاج إلى مستويات عليا من البحث والاستقصاء، كون ثمن الإخفاق الناجم عنها كبيرًا.
ويحتاج المرء إلى نظرة واحدةٍ على مدينة سكوبية، عاصمة مقدونيا الشمالية في الجنوب الشرقي لأوروبا، والتي غالبًا ما يشار إليها باعتبارها المدينة الأكثر تلوثا في القارة. ففي عام 2018، تخطت مستويات جزيئات التلوث في المدينة الحدود التي وضعها الاتحاد الأوروبي في 202 يوم من إجمالي السنة. وقد نجمت المشكلة على نحو رئيس جراء الاعتماد المفرط على حرق الأخشاب في الحصول على التدفئة المنزلية، والمركبات القذرة التي عفى عليها الزمن في الطرق، فضلاً عن محدودية النقل العام في المدينة. وتقف هذه المشكلة وراء وفاة 4,000 شخصٍ قبل سن الرشد في أرجاء المدينة سنويًا.[16]
وإذا أخذنا مدينة دكا، عاصمة بنجلاديش، بعين الاعتبار، لوجدنا الفقر متفش على نطاقٍ واسع، فضلاً عن أن التصميم الحضري الضعيف قد أدى إلى تكرار حدوث الفيضانات على نحوٍ منتظم، وطفح الصرف الصحي وتفشي الأمراض. وتعتبر دكا المدينة الأكثر ازدحامًا في العالم، حيث يقطن ما يربو على 44,500 نسمة في كل كيلو متر مربع واحدٍ.[17] ويصنف نحو 40% من سكان المدينة على أنهم من ساكني الأحياء الفقيرة، ناهيك عن أن أعداد السكان هناك تتجاوز مصادر الرعاية الصحية.
وكم أن هذه الحقائق الواقعية قاسية، حيث تتناقض مع الصور المثالية التي يضعها المهندسون المعماريون والمخططون الحضريون في أذهانهم عندما يطلقون لها العنان للتخيل: مناظر طبيعية للمزارع الحضرية وأبراج شاهقة الارتفاع على غرار “ذا سكاي جاردن” في دبي، وطائرات مسيرة للتنقل وأراض رطبة عاد إليها جمالها السابق، ومباني تعمل بالطاقة الشمسية …
ومن الواضح أنه إذا لم يتم تطوير المدن وإدارتها بعناية، فإنها ستصبح بؤرًا لكل من الكوراث الاجتماعية والبيئية. وعلى الرغم من هذا، إلا إنها (المدن) تظل مراكز القوة لحاضرتنا في المستقبل القريب.
الأزمات تستحث التفكير الإبداعي على نطاق المدينة
سلطت الجائحة الأخيرة الضوء على كيف يجب علينا أن نتبني أسلوبنا الحياتي الخاص لجعل مدننا أكثر صحة وأكثر نظافة في المستقبل.
وفي هذا الصدد، يذكر المنتدى الاقتصادي العالمي أن العالم يواجه الآن “قصورًا في البنى التحتية في مجال الرعاية الصحية والرفاهية، فضلًا عن عواقب الآليات الوقائية الصحية غير الكافية، ولا سيما في المجتمعات الأكثر ضعفًا.”[18]
ويضيف المنتدى الاقتصادي أن عدم المساواة تعتبر مسؤولة بشكل رئيس عن المعاناة التي نجمت عن هذه الأزمة، حيث دمرت أساليب الحياة الحضرية جراء الاعتماد المفرط على المركبات والوجبات غير الصحية والظروف البيئية غير الجيدة. وعلى الرغم من أن هذه العوامل ليست جديدة إلا إنها تتكرر في الاقتصادات النامية في بلدان مثل الهند، حيث من المتوقع أن يتسبب الارتفاع في نسبة الأمراض غير المعدية بحلول 2030 في نحو 70% من الأمراض في البلد.[19]
ولو أن هناك أي فائدة قد نجمت عن هذه الجائحة، فهي جذب انتباهنا إلى المشكلتين اللتين تؤثران سلبًا على العديد من المدن – عدم المساواة والصحة. واعتمادًا على الضغوطات والمصادر التي تواجه مختلف المناطق حول العالم، يفيد المنتدى الاقتصادي العالمي أن استراتيجيات الحد من الآثار ينبغي أن تتضمن الآتي:[20]
- أنظمة صحة عامة محسنة
- المزيد من الطرق للمارة لتشجيع النشاط البدني
- تشخيصات شخصية لأساليب الحياة الصحية
- فواكه وخضروات مزورعة رأسيا لمزيد من الوجبات الغذائية المنتجة محليًا
- مبادرات محلية مثل الدش العام المتنقل
- سياسات دخل عالمية لضمان المستويات الأساسية للمعيشة
والحق أن مثل هذه الإجراءات لن تتأتى بيسر، كما أنها ليست بسيطة من الناحية المنطقية، حيث تطلب التعاون بين كل من الحكومات القومية والمحلية والمطورين والمستثمرين الذي يعملون في القطاع الخاص، بالإضافة إلى المنظمات متعددة الأطراف.
ويمكن أن تعتمد دول العالم النامي على المبادرات مثل مبادرات مؤسسات التمويل بالغ الصغر، حيث يعتبر بنكي التنمية الأفريقي والأسيوي مثالين رائدين في هذا الصدد، إذ لدى هذه المجموعات التأثير اللازم لتوحيد رؤوس الدولة وأقطاب القطاع الخاص وراء خطط الانتعاش الطموحة، حيث بإمكان هؤلاء جميعًا ترتيب وتقديم الدعم المالي لاستراتيجيات تنمية البنى التحتية الحضرية طويلة المدى.
مدن أفضل لحياة أفضل
لا تعرف المدن إلا بقاطنيها. وإنه لمن عظيم الشرف أن أكون في منصب يتيح لي المساهمة في وضع حلول من شأنها تعزيز الأساليب الحياتية الجديدة، والعمل على صياغة مستقبلنا والمضي به قدمًا على المستوى التجاري من خلال شركة عبد اللطيف جميل كوني أحد المستثمرين في البنية التحتية للحياة، وكذا من خلال مجتمع جميل، المؤسسة الخيرية العالمية الخاصة بعائلتي.
وبما أن لكل منا الحق في الحصول على حياة صحية، فقد بادر مجتمع جميل في العام 2018 إلى المشاركة في تأسيس عيادة عبد اللطيف جميل لتقنيات التعلم في مجال الرعاية الصحية (عيادة جميل) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والتي تعنى بإجراء الأبحاث الحيوية في مجال التعلم الآلي، وعلم الأحياء، والكيمياء، والعلوم الطبية. وتكمل عيادة جميل العمل الذي تقوم به معاملنا الأخرى، والتي من بينها معهد عبداللطيف جميل لمكافحة الأمراض المزمنة والأوبئة والأزمات الطارئة (معهد جميل) في كلية لندن الإمبراطورية بلندن، حيث تساعد التحليلات القائمة على الذكاء الاصطناعي في التعرف على والوقاية من الأمراض المعدية والأخطار التي تهدد حياة البشر على المستوى العالمي؛ ومعمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء والذي يمول الأبحاث والابتكارات والشراكات بغية معالجة التحديات التي تواجه أنظمة المياه والغذاء على المستوى العالمي – وهي القضايا التي تكون محل الاهتمام الرئيس لأي مدينة مستدامة حقًّا.
وفي عام 2020، شكلنا لجنتنا الخاصة لتحسين الرعاية الصحية على مستوى العالم من خلال إرساء عبد اللطيف جميل للرعاية الصحية لتسريع وتيرة الحصول على الرعاية الطبية الحديثة مع تلبية الحاجات الطبية غير المستوفاة في الأسواق النامية حول العالم، وهو العمل الذي يقوم على الشراكات القائمة بيننا مع الشركات التقنية العاملة في مجال الصحة حول العالم بغية تحسين الحصول على الرعاية الصحية، مثل الشركتين اليابانيتين “سيبردين” و”سيلسبيكت”.
يراود كل منا نفس الشعور بالبناء على التراث الموجود باعتباره لاعبًا رئيسًا في حلول النقل والمواصلات الصديقة للبيئة، بغية وضع تصور عن نظام النقل الذي ستتبناه المدينة خلال العقود التالية.
إننا الآن نلعب دورًا رئيسًا في مشروعٍ تجريبي حول المركبات التي تعمل بخلايا الوقود الهيدروجينية في المملكة العربية السعودية، حيث وفرنا أسطول اختبار من سيارات تويوتا ميراي التي تعمل بطاقة الهيدروجين. وبالإضافة إلى ذلك، فإننا من مستثمري الدرجة الأولى في ريفان، مبتكر السيارات الإلكترونية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها. وعلاوة على ذلك، فقد استثمرنا في رائد التاكسي الطائر في ولاية كاليفورنيا غوبي أفيشان، حيث ساعدنها لتصبح أفضل مشروع ممول للتاكسي الطائر على مستوى العالم.
إن أحد أضخم التحديات التي تواجهنا هي بالطبع توليد طاقة نظيفة لإمداد المدن بالطاقة، وهو ما عزى بنا إلى ضم أحد المتخصصين في مجال الطاقة المتجددة شركةعبد اللطيف جميل للطاقة المتجددة “فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة”، والتي تنشط الآن في 18 دولة عبر العالم من خلال سلسلةٍ من مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وفي السياق ذاته، كما أن مشروعنا الابتكاري “ألمار لحلول المياة” يهدف إلى توفير احتياجات المياه في المجتمعات النامية. وقد آتى المشروع أكله في مدينة مومباسا في كينيا، والشقيق في المملكة العربية السعودية، والمحرق في البحرين. ومؤخرًا، وسعت ألمار نشاطاتها مرة أخرى لتستحوذ على “مجموعة ريدجوود” في مصر، حيث نشرت 58 مصنع تحلية للمياه في أرجاء البلاد.
الاستثمار يدفع بعجلة التغيير للأمام
تظهر هذه الاستثمارات وغيرها الكثير التزامنا بالاستثمار في الأعمال التجارية والتكنولوجيا التي تؤتي أكلها اعتمادًا على الأداء البيئي والاجتماعي وأداء الحوكمة بنفس قدر اعتمادها على النتائج المالية. كما أنها تعكس الاهتمام العالمي المتزايد في ما يعرف بالاستثمار في “الحوكمة البيئية والمجتمعية”، والتي يشار إليها غالبًا باسم “الاستثمار المستدام”، والذي يدفع أرباحًا مقابل تطوير التقنيات والأفكار الجديدة التي بمقدورها المساعدة على إعادة تصميم مدننا.
وقد تنبأت دراسة أجراها مركز برايس ووتر هاوس أن صناديق الاستثمار في الحوكمة البيئية والمجتمعية بمقدورها زيادة حصتها في قطاع التمويل الأوروبي من نحو 15% إلى 57%[21] بحلول 2050، وهو الأمر الذي قد يكون له آثار كبيرة على الشركات من خلال إعادة توجيه رأس المال إلى الأنشطة المستدامة وإجبار الأعمال التجارية أن تكون شفافة في كل شيء بدءًا من تأثيرهم البيئي إلى معاملتهم للموظفين.
إلا أن الأمر لا يقتصر فقط على تغيير أنماط الاستثمار المؤسسي. فأنا أؤمن أن الأعمال التجارية الخاصة – مثل شركة عبد اللطيف جميل – من الممكن أن تكون عوامل حفزٍ رئيسة في دفع كل من الأعمال التجارية والاستثمار الحكومي صوب الحلول لمعالجة التغير المناخي ولتسريع الفترة الانتقالية تجاه اقتصاد أكثر استدامة ومدن أكثر نجاحًا. إن منظمات مثل جمعية الفرص البيئية النظيفة والمتجددة، والتي يعد عبد اللطيف جميل عضوًا من أعضائها، لتساعد بالفعل على تغيير الاتجاهات وسبر أغوار فرص الاستثمار الخاص عبر الأسواق الفاعلة في الحوكمة البيئية والمجتمعية على مستوى العالم.
هذه هي أنواع المبادرات الجادة التي بمقدورها مساعدة مدننا على البقاء كمراكز صناعية وحضارية للأجيال القادمة.
ولكن ماذا لو أخفقنا كحضارة في التصرف؟
هناك بالفعل أدلة أن أناسًا سيرحلون من المدن إلى الأماكن الأقل ازدحامًا بالسكان، وذلك في أعقاب الجائحة بحثا عن أسلوب حياة أكثر أمنًا واستدامة.[22] وعليه، فلو أردنا أن نعيد التأكيد على كون مدننا عوامل حفز اقتصادي، فربما يجب علينا توسيع نطاق تصوراتنا وتغيير أولوياتنا.
ولربما توجب علينا أيضا أن نستلهم تجربة بوتان في آسيا، حيث يتخذ صناع السياسية مؤشر السعادة القومية الإجمالية بمثابة مرشد يعتمدون عليه على نحوٍ متزايدٍ؛[23] أو لربما توجب علينا أن نقتدي بدول ذات أفكار تقدمية مثل أيسلندا ونيوزيلاندا، والاعتماد المتزايد على توصيات التحالف الاقتصادي للرفاهية.[24]
وفوق هذا وذاك، فعندما نعيد تصميم مدننا للقرن الحادي والعشرين وما بعده، فيجب علينا أن نتذكر أن المدن يجب أن تكون في خدمة الناس – وألا نركن على الاعتقاد الخاطئ في غير ذلك.
[1] https://www.weforum.org/agenda/2019/02/10-cities-are-predicted-to-gain-megacity-status-by-2030/
[2] https://www.un.org/en/development/desa/population/publications/pdf/urbanization/the_worlds_cities_in_2018_data_booklet.pdf
[3] https://www.mckinsey.com/industries/capital-projects-and-infrastructure/our-insights/smart-cities- digital-solutions-for-a-more-livable-future
[4] https://www.mckinsey.com/industries/capital-projects-and-infrastructure/our-insights/smart-cities-digital-solutions-for-a-more-livable-future
[5] https://www.rethinkx.com/press-release/2017/5/3/new-report-due-to-major-transportation-disruption-95-of-us-car-miles-will-be-traveled-in-self-driving-electric-shared-vehicles-by-2030#:~:text=95%20percent%20of%20U.S.%20passenger,as%20a%20Service%20(TaaS).&text=As%20fewer%20cars%20travel%20more,to%2044%20million%20in%202030.
[6] https://www.hok.com/ideas/research/autonomous-vehicles-urban-planning/
[7] https://www.wbcsd.org/Overview/Panorama/Articles/Should-we-try-to-make-parking-spaces-extinct
[8] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/ten-ways-autonomous-driving-could-redefine-the-automotive-world
[9] https://www.hok.com/ideas/research/autonomous-vehicles-urban-planning/
[10] https://www.smartcitiesworld.net/news/smart-cities-predicted-to-create-growth-opportunities-worth-246-trillion-by-2025-5714
[11] https://www.smartcitiesworld.net/news/news/european-commission-launches-smart-cities-marketplace-5720
[12] https://ec.europa.eu/environment/pubs/pdf/streets_people.pdf
[13] https://www.london.gov.uk/sites/default/files/air_quality_in_london_2016-2020_october2020final.pdf
[14] McKinsey.com/smartcities
[16] https://www.bbc.com/future/article/20200701-skopje-north-macedonia-the-most-polluted-city-in-europe
[17] https://www.theguardian.com/cities/2018/mar/21/people-pouring-dhaka-bursting-sewers-overpopulation-bangladesh
[18] https://www.weforum.org/agenda/2020/08/healthy-cities-communities-post-covid19-great-reset-healthcare-disease-risk/
[19] http://www3.weforum.org/docs/WEF_Future_of_Consumption_Fast-Growth_Consumers_markets_India_report_2019.pdf
[20] http://www3.weforum.org/docs/WEF_Future_of_Consumption_Fast-Growth_Consumers_markets_India_report_2019.pdf
[21] https://www.pwc.lu/en/sustainable-finance/docs/pwc-esg-report-the-growth-opportunity-of-the-century.pdf
[22] https://www.theguardian.com/business/2020/oct/03/green-and-pleasant-beats-urban-buzz-as-families-opt-to-leave-cities?
[23] http://www.gnhcentrebhutan.org/what-is-gnh/gnh-happiness-index/