ما الذي بوسعنا فعله لمواصلة تقدمنا في إزالة الكربون
في عام 2015، اجتمعت 196 دولة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باريس وتوصلت معاً إلى اتفاقية تقضي بالحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بمتوسط درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، وكذلك “مواصلة الجهود” لتحجيم معدل الزيادة إلى 1.5 درجة مئوية.
وقد تزامن ذلك مع تنظيم الدورة السنوية الحادية والعشرون لمؤتمر الأطراف (COP21) لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) لعام 1992 والدورة الحادية عشرة لاجتماع الأطراف (CMP) في بروتوكول كيوتو لعام 1997. كان من المقرر أن تصبح هذه الاتفاقية التاريخية سارية بمجرد انضمام 55 دولة أو أكثر، تمثل معاً ما لا يقل عن 55٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية – وهو الهدف الذي تم الوصول إليه في 4 نوفمبر 2016. وبحلول 22 أبريل 2016 (يوم الأرض)، وقعت 174 دولة على الاتفاقية في نيويورك، وبدأت باعتمادها ضمن أنظمتها القانونية (من خلال التصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام).
ولتحقيق هذا الهدف، اتفق علماء المناخ على أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يجب أن يتوقف عن الارتفاع – بحيث يتم الوصول إلى صافي انبعاثات غازات الدفيئة البشرية المنشأ في النصف الثاني من هذا القرن، أي في وقت ما بين 2030 و 2050. غير أن النمذجة الحالية تشير إلى أن الاحترار العالمي قد يظل ضمن الحد الأعلى البالغ 2 درجة مئوية حتى وإن نجح العالم في وقف ارتفاع انبعاثات الكربون بحلول ذلك الوقت.
كانت وكالة الطاقة الدولية (IEA) قد نشرت لاحقا خطة مفصلة [1] يمكن للعالم اتباعها لتحقيق هذا الهدف. تحدد الخطة أكثر من 400 هدف رئيسي تشمل من بين أمور أخرى العزل الحراري في المنازل والتقاط الكربون، وربما الأهم من ذلك كله، توليد الكهرباء وتوزيعها.
وفي مجال توليد الكهرباء، طالبت الخطة بضرورة التعجيل في تبني تغييرات جوهرية تفضي إلى تحقيق هذه الأهداف، خاصة وأن استهلاك الطاقة يُعد حالياً أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان، وهو المسؤول عن 76٪ من هذه الانبعاثات في جميع أنحاء العالم[2]. ويبدو هذا بديهياً إذا ما علمنا أن قطاع الطاقة يشمل النقل والكهرباء والتدفئة والمباني والتصنيع والبناء والانبعاثات المتسربة وغيرها من الأنشطة الأخرى التي تتطلب حرق الوقود. وفي قطاع الطاقة، يمثل توليد الحرارة والكهرباء حوالي 32٪ من إجمالي غازات الدفيئة.
ولهذا توصي خطة وكالة الطاقة الدولية بأن يتم التخلص تدريجياً من محطات الطاقة المعتمدة على الفحم في دول العالم الأول بحلول عام 2030، على أن يتزامن ذلك مع إضافة أكثر من تيراواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحلول نفس العام، ومواصلة التوسع المطرد في تبني مصادر الطاقة المتجددة. وتستهدف الخطة كذلك الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية في أنشطة توليد الطاقة بحلول عام 2035 في البلدان المتقدمة، يقابلها وقف مبيعات محركات الاحتراق الداخلي. وتعول وكالة الطاقة الدولية في ذلك على التوقعات التي تشير إلى أن الطاقة الشمسية ستسهم في توليد 70٪ من الكهرباء في العالم بحلول عام 2050 – ومن دواعي الفخر أن أشير في هذا المقام إلى أن هذا الهدف في طريقه للتحقق على أرض الواقع على يد رواد الطاقة المتجددة من أمثال فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة، وهي جزء من عبداللطيف جميل للطاقة.
قد يبدو أن هذه الخطة ترسم خارطة طريق طموحة للغاية، لكن ما يعيبها في الواقع هي أنها لا تعتمد على بعض الاختراقات التكنولوجية الحديثة التي لا غنى عنها لإنقاذنا من هذا الموقف المتأزم. والعجيب أن تقنيات الطاقة اللازمة لتمكيننا من الوصول إلى هذه الأهداف هي بالفعل قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم بدرجات متفاوتة اليوم! وفي حين أن الخطة تحث الحكومات على زيادة إنفاقها على الأبحاث في مجالات مثل أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات، وطاقة الرياح، وتوليد الطاقة من الشمس والأمواج، والطاقة النووية الآمنة، إلا أنها لا تأتي على ذكر نوع جديد تماماً من التقنيات غير المجربة.
ومهما اختلفت وجهات النظر، يبقى أن هناك شيء واحد واضح: كل عملية يمكن أن تكون، بل ويجب أن تكون مكهربة. وإذا ما أردنا تأمين إمدادات مستمرة من هذه الطاقة المتجددة كلما وحيثما كانت هناك حاجة إليها، فعلينا أن نسارع إلى تطوير قدرة توليد الكهرباء لإنتاج طاقة أكثر مما هي عليه الآن، بأساليب خالية من الكربون، مع إدخال تغييرات جذرية على الشبكة نفسها.
تقدم واعد حتى الآن…
صحيح أن التقدم المحرز على مسار الحد من الانبعاثات ليس بالقليل، لكن أزمة المناخ الحالية تضعنا على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب تفكيراً متأنياً وجهوداً متضافرة لتجاوزها. ربما تكون المملكة المتحدة، على سبيل المثال، قد قطعت شوطاً لا بأس به على هذا المسار بنجاحها في تخفيض انبعاثاتها بنسبة 44٪ منذ عام 1990، دون أن يؤثر ذلك على اقتصادها الذي نمى بنسبة 75%[3]. لكننا اليوم أمام حاجة ملحة ومتزايدة لإدخال تحسينات جوهرية على التقنيات التي نستخدمها كل يوم في المنزل وفي النقل والصناعة.
ومن المؤسف أن بعض التحسينات تعزى في غالبيتها إلى تحسين الكفاءة، وليس إلى التغيير الجذري، فلا يزال الوقود الأحفوري يستخدم على نطاق واسع جداً في التدفئة والنقل وتوليد الكهرباء والصناعات الثقيلة. وحتى التحول إلى السيارات الكهربائية والتدفئة دون تعديل طرق توليد الكهرباء لن يؤدي إلا لزيادة الانتاج من نفس كمية الوقود، مع زيادة الضغط على الشبكة.
وهذا يعني أننا إذا لم نقم بالإصلاح في مرحلة التوليد، فنحن معرضون لخطر الاعتماد على الطاقة الملوثة في تشغيل تقنيتنا النظيفة!
تمثل الطاقة المستخدمة في المباني 27٪ من انبعاثات الكربون العالمية. وفي الوقت الحالي، يعزى أكثر من نصف الانبعاثات المنزلية العادية في الولايات المتحدة إلى الغاز المستخدم في التدفئة المركزية والماء الساخن، وليس في الكهرباء. وهنا تبرز أهمية تحويل الغلايات والمشعات في العالم إلى أنظمة كهربائية تعتمد على مضخات الحرارة الأرضية والجوية، ليس لأنه يوفر فرصة كبيرة لزيادة الكفاءة وحسب، بل لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يصبح بها الاستهلاك المحلي محايداً للكربون.
تعتبر الغلايات الكهربائية أكثر كفاءة من الغاز، ولكن مجرد نقل انبعاثات الكربون مرة أخرى إلى محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري لن يأخذنا إلى صافي الصفر.
حلول التخزين
تقترح خارطة طريق الوكالة الدولية للطاقة أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية يمكن أن تمثل مصادر رئيسية للطاقة منخفضة الكربون. صحيح أن هنالك دول، مثل النرويج، تعتمد بشكل كبير على الطاقة الكهرومائية، والطاقة الحرارية الأرضية كما في أيسلندا، لكن هذه التضاريس الجبلية الصديقة القادرة على توليد الطاقة من المياه والحرارة الجوفية ليست متوفرة في كل بلد.
وعلى الرغم من استخدام الرياح والشمس لتوليد قدر كبير من الطاقة بالفعل- 19٪ من الطاقة في الاتحاد الأوروبي في عام 2021 جاءت من هذه المصادر[4] – إلا أن هذه المصادر تميل بحكم طبيعتها إلى عدم الثبات. وهنا يبرز تخزين الطاقة باعتباره الحل الأمثل للتعامل مع هذا الوضع الأبطأ ولكن الأكثر ثباتاً ونظافة في التوليد. ربما يكون التخزين طويل الأجل للطاقة بعيداً بعض الشيء، من الناحية التكنولوجية، ولكن البطاريات الصغيرة تحمل لنا في طياتها الكثير من الامكانات، سواء في المنشآت الثابتة أو في السيارات.
كما يمكن تخزين الطاقة المتجددة الرخيصة التي يتم إنتاجها في فترات شدة الرياح بالليل واستخدامها عند الحاجة إليها، على سبيل المثال، عندما يكون هناك طلب منخفض على الطاقة بينما تكون توربينات الرياح قادرة على انتاج الكثير منها. ويعتبر التخزين في هذه الحالة حلاً مثالياً للأسر أو حتى المجتمعات الصغيرة.
تظل السيارات الكهربائية غير مستخدمة معظم اليوم، وهذا يجعل من الممكن استخدامها كوحدات للتخزين المتنقل. صحيح أن توصيل سيارة كهربائية بالشبكة لا يؤدي إلى إضافة أي طاقة جديدة، ولكن يمكن لبطارية السيارة تخزين الطاقة ثم استخدامها لاحقاً في أوقات الذروة، مما يقلل الحاجة إلى بناء منشآت إضافية لتوليد الطاقة الكهربائية. وعندما تتهالك السيارة نفسها كشكل من أشكال النقل، ستظل البطارية تتمتع بمعظم سعتها الأصلية ويمكن إعادة تدويرها بتركيبها في المنازل.
وهكذا تصبح السيارات أحد أصول البنية التحتية الحديثة للطاقة، بدلاً من أن تكون عبئاً على شبكة قديمة الطراز. وقد كشفت تجربة أجريت في المملكة المتحدة بدعم من وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية أن سيارة كهربائية واحدة يمكنها تشغيل 100 منزل لمدة ساعة واحدة[5]! كما أظهرت الدراسات أن آليات التسعير المرنة واعتماد المركبات الكهربائية والإدارة الذكية للشبكة يمكن أن تقلل من ذروة الطلب بمقدار الربع تقريباً[6].
والبطاريات المنزلية يمكن أن تقدم أكثر من ذلك.
كما توفر البطاريات الضخمة حلولاً واسعة النطاق في هذا المسعى أيضاً، خاصة وأنها تحتوي على صفائف من خلايا أيونات الليثيوم- مثل مشاريع تخزين الطاقة بالبطاريات الثلاثة التي يجري تطويرها بواسطة فوتواتيو-إكس وهارموني انيرجي في المملكة المتحدة – أو المسطحات المائية التي يتم ضخها إلى مواضع مرتفعة باستخدام مضخات تعمل بالطاقة الشمسية، ثم يتم إطلاقها عند الحاجة إلى الطاقة.
وقد نشهد قريباً انضمام البطاريات الرملية إلى قائمة خيارات تخزين الطاقة هذه[7] – وهي عبارة عن قواديس ضخمة معزولة من الرمال يمكنها الاحتفاظ بسخونتها لأشهر عديدة – وهذا إلى جانب التقنيات الناشئة مثل مخازن غاز الهيدروجين.[8]
التحكم في طاقتك
حتى في البلدان التي لا تتمتع بقدر كبير من أشعة الشمس، كما هو الحال في شمال أوروبا، فإن فترة تعويض تكلفة الألواح الشمسية المنزلية وتركيبات البطاريات – وهي مقدار الوقت المستغرق لتوليد ما يكفي من الكهرباء لتغطية سعر الشراء – تقدر بما بين 10 و 15 عاماً، مع ضمان استمرار الألواح لمدة 25 أو 30 عاما[9]. وفي البلدان المشمسة مثل إسبانيا أو أستراليا أو بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا، سيكون الوقت المستغرق أقل بكثير. وسيسهم رفع أسعار الطاقة للمنازل إلى انخفاض فترة تعويض التكلفة هذه إلى أبعد من ذلك.
فمثلا، نجد أن المنزل الذي يحتوي على ألواح شمسية متوسطة الحجم وبطاريات منزلية يمكن أن يقلل من ضغطه على الشبكة بمقدار الثلث. ويمكن أن تكون التركيبات الأكبر للمجمعات السكنية والأحياء الصغيرة أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة.
تنسيق الجهود
إن المخططات المجتمعية الرامية إلى الاستفادة من مصادر الطاقة المتاحة محلياً وتقليل الفواتير ليست شيئاً جديداً، فقد كانت محطات التدفئة المركزية مستخدمة بالفعل في دريسدن وهامبورغ بألمانيا بحلول عام 1900[10]، حيث كانت تحتوي على غلايات ضخمة تعمل بالزيت لتوفر التدفئة للمنازل والمباني العامة مباشرة من خلال أنابيب معزولة بشدة، وبتكلفة أقل بكثير من الأنظمة المنزلية الفردية.
ولدينا مثال حديث جداً، فقد أعلنت شركة مايكروسوفت وشريكها فورتوم، في مارس 2022، أن الحرارة التي تمت إزالتها من مراكز البيانات الخاصة بها بالقرب من ستوكهولم، والتي تعمل بالفعل بالكهرباء الخالية من الكربون، ستستخدم لتدفئة المنازل والمدارس المجاورة[11].
ويقدر معهد تشارترد لمهندسي خدمات البناء أن 14٪ من التدفئة والمياه الساخنة في المملكة المتحدة يمكن توفيرها من خلال الحرارة المهدرة من الصناعة[12]، وهذا في حد ذاته يمثل انخفاضاً كبيراً في كمية الطاقة المطلوب توليدها.
ويتم بالفعل استخدام مرافق الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الممولة من الأحياء لتشغيل المشاريع التي يعتبر حيادها الكربوني شرطاً أساسياً للموافقة عليها. كما أن استخدام الشبكات السلكية الخاصة، وهي شبكات صغيرة تعمل بشكل مستقل داخل الشبكة الوطنية الأكبر، يضمن استخدام الطاقة المولدة محلياً في إنارة المنازل المحلية في سبيل تخفيف الأحمال على الشبكة الأم.
كهربة قطاع النقل
تشكل المركبات الكهربائية جزءاً أساسياً من الخطة الشاملة لوقف حرق الوقود والوصول إلى هدف الكربون المحايد. وتتصدر النرويج العالم في البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية. ولنا أن نتخيل أن هناك 4600 شاحن سريع في بلد يزيد عدد سكانه عن خمسة ملايين نسمة بقليل[13]، بينما لا يزيد عدد هذه الشواحن في اسكتلندا ذات التعداد السكاني المماثل عن 700[14]. وهذا يعني أن 73٪ من السيارات الجديدة في النرويج تعمل بالبطاريات تماماً[15]، ما يجعلها وسيلة نقل منخفضة الكربون حقاً، لتتكامل بذلك مع شبكة الكهرباء النرويجية الخالية من الكربون تقريباً.
وتعكف شركات أنظمة الشحن مثل جريدسيرف في المملكة المتحدة بالفعل على دمج مزارع الطاقة الشمسية الكبيرة في خططها لمراكز شحن السيارات الكهربائية، مع العلم أنها تتطلب طاقة أكثر مما يمكن أن توفره الشبكة الحالية، ولكن يكفي القول أن أكبر مجمع للطاقة الشمسية تملكه الشركة يولد ما يقرب من 10 جيجاوات في الساعة من الطاقة سنوياً، يتم تغذيتها مباشرة في مزارع البطاريات التي توفر الكهرباء بشواحنها السريعة.
صافي الصفر في القطاع التجاري
يتزايد إدراك العالم للاضطرابات الكارثية التي قد تنجم عن تغير المناخ بما تلقيه من آثار خطيرة على القطاع التجاري. ويتجلى ذلك جزئياً في التركيز المتزايد على العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة في أداء الأعمال. وقد رأينا بالفعل كيف تسببت أوجه عدم اليقين في سلسلة التوريد العالمية الناجمة عن جائحة كوفيد -19 في نقص الرقائق الدقيقة وأسمدة الأمونيا والبنزين[16] إلى حد أن الافتراضات القائلة بأن الأعمال التجارية يمكن أن تستمر دون أن تتأثر بالتحديات في أماكن أخرى لم تعد تلقى أي قبول على الإطلاق. ولهذا تدرك الشركات من جميع الأحجام وعبر جميع القطاعات الآن أن لها دوراً مهما في إزالة الكربون.
يشكل القطاع التجاري- ممثلا في المحلات التجارية والمكاتب والفنادق والأعمال اللوجستية – 20٪ من إجمالي الطلب على الكهرباء، ولعل هذا يشجعنا على التفكير في تقليل الانبعاثات الناجمة من القطاع التجاري من خلال الاستعانة بالعديد من التقنيات التي اثبتت نجاحها في المنازل، سيما وأن مساحة الأسطح في المباني التجارية غالباً ما تكون كبيرة جداً وغير مستغلة، مما يوفر إمكانات هائلة للطاقة الشمسية، خاصة في القطاعات قليلة الاستهلاك للطاقة مثل المستودعات أو مواقف السيارات.
ومع ازدياد شعبية المركبات الكهربائية، فمن المرجح أن الشبكات الكهربائية ستواجه مزيداً من الضغط الناجم عن توفير نقاط الشحن التجارية، مما يبرز الحاجة إلى تبني حلول ذكية لتنظيم الضغط على الشبكة. ونظراً لأن الشحن سيتم في الغالب ليلاً بعيداً عن ساعات ذروة الطلب المحلي؛ ولكن أيضاً عندما لا تكون الشمس مشرقة، فسيتعين على حلول التخزين المحلية أن تتحمل الضغط، أو يمكن بدلا عن ذلك كله اللجوء إلى الشحن إما من مزارع الرياح والطاقة الشمسية المركزية أو الألواح المثبتة على الأسطح، ثم إعادة شحن البطاريات عندما تكون القوى العاملة خارج مقرات العمل.
وهذا النموذج لا يمثل توفيراً كبيراً للكربون فحسب، بل يمثل توفيراً أكبر في تكاليف التشغيل. وتقدر ماكينزي أن المركبات الكهربائية تمثل توفيراً بنسبة 15٪ -25٪[17] على مدى عمر السيارة، باستخدام طاقة الشبكة فقط. ولا شك في أن الشركات التي تولد طاقتها الكهربائية بنفسها وتستخدمها لشحن مركباتها الكهربائية ستوفر المزيد.
شبكة أكثر ذكاءً
يمكن للعدادات الذكية بالفعل إبلاغ المستهلكين بتكاليف سلوكهم الاستهلاكي، لكنها مع ذلك تحمل إمكانات أكبر من ذلك. ويمكن أن تكون هذه العدادات، من خلال ربطها بآليات التسعير الذكية، المفتاح لإزالة الكربون من الشبكة مع توفير المال للمستهلكين وتحسين الحمل عندما يكون توليد الطاقة المتجددة في ذروته.
ويمكن للمنازل المزودة بأنظمة التسعير الذكية أن تضخ الطاقة في أجهزة التخزين مثل خزانات المياه الساخنة والبطاريات الثابتة والمركبات الكهربائية عندما تكون الطاقة الخضراء وفيرة ورخيصة – بل وتعود في بعض الأحيان بمنفعة مادية على المستهلكين مقابل تخزين الطاقة والمساعدة في تحقيق التوازن في الشبكة – ومن ثم يمكن الاعتماد على تلك الموارد المخزنة في أوقات الذروة. وهذا يقلل من الحاجة إلى توليد طاقة باهظة الثمن وملوثة من خلال التوربينات التي تعمل بالغاز مثلا، عند زيادة الطلب.
ويمكن للعدادات وأجهزة الشحن المتصلة بالكامل موازنة الحمل عبر حي كامل، مما يضمن حصول كل شخص على الشحن عندما يحتاج إليه، مع تقليل الحمل على الشبكة طوال الليل من خلال تزويد المنازل بالطاقة بترتيب متسلسل بدلا من الكل مرة واحدة. وهذا يمكن أن يساعد على تخفيض “ضغوط أوقات الذروة” التي تحدث عندما يتم تشغيل جميع أجهزة الشحن في نفس الوقت عندما تبدأ آليات التسعير التقليدية في حساب الرسوم خارج أوقات الذروة.
توفير المال، والعيش بشكل مستقل، ومساعدة المناخ
عبر طيف التكنولوجيا الخضراء الجديدة، تتكرر القصة: قد يكون الإنفاق الأولي أعلى، ولكن النتيجة هي انخفاض تكاليف التشغيل وانخفاض ذروات الطلب باستخدام تقنيات التوليد المصغرة والتخزين المحلي.
ستكون العواقب على كوكبنا وخيمة إذا ما سمحنا لتغير المناخ بالاستمرار بهذه الوتيرة المتسارعة. وحتى بدون الكوارث المروعة التي تنبأت بها بعض التوقعات، فإن عالماً يعتمد على الطاقة المتجددة الأنظف والأرخص والأكثر هدوءاً والنقل الكهربائي سيظل هو الخيار الأفضل دائماً.
وبالإضافة إلى المزايا الاقتصادية، يمكننا تقليل الحاجة إلى توليد الطاقة المركزية، وتقليل التلوث، وتعزيز أمن الطاقة. وعلينا أن نتذكر أن الطاقة سلعة أساسية لكل بلد في العالم، وكلما استطعنا توليد المزيد منها لأنفسنا، قل تعرضنا للخطر الناجم عن عدم الاستقرار الجيوسياسي.
لم يفت أوان العمل بعد
لم يعد تغير المناخ والحد الأقصى البالغ 2 درجة مئوية المتوخى في اتفاقية باريس تهديدين بعيدين، بل أن الحقيقة هو أن هذه التهديدات هي واقع يومي في أماكن كثيرة من العالم، ومن المحتمل جداً أن تسبب المزيد من الاضطرابات على مدى العقود الثلاثة المقبلة.
ومن المرجح أن يواجه العالم مشكلات عديدة ليس أقلها تلف المحاصيل، والطقس القاسي، والفيضانات، والجفاف، والهجرة القسرية، وندرة الغذاء والمياه التي تسبب المجاعة في أسوأ الأحوال، وتضخم الأسعار في أحسن الأحوال.
وبعيداً عن الحد الأقصى البالغ 2 درجة مئوية، ثمة عدد قليل من العلماء على استعداد لنمذجة ما سيكون عليه المناخ. ولحسن الحظ، لم نصل بعد إلى النقطة التي يتعين عليهم فيها القيام بذلك.
ولكن إذا لم نتصرف بشكل حاسم، فإن الرسوم البيانية الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أدناه لا تعطي سوى صورة مخيفة عن السيناريوهات المحتملة.
إن خارطة الطريق إلى صافي الصفر بحلول عام 2050 قد تبدو طموحة إلى حد ما، لكنني أعتقد حقاً أنها قابلة للتحقيق، إذا ما توفرت لها إرادة سياسية وتعاون عالمي. إن تحويل التدفئة والعمليات الصناعية والنقل إلى بدائل كهربائية وإزالة الكربون من شبكة الكهرباء نفسها كلها في متناول أيدينا.
وهذا لا يشمل فقط محطات الطاقة، فمنشآت الطاقة الشمسية المنزلية، وتقنيات تخزين الطاقة التجارية والمنزلية، وتوليد الكهرباء في أماكن العمل، والتدفئة المجتمعية، واستعادة الحرارة المهدرة، وموازنة الشبكة الذكية، وتحويل المركبات إلى مصادر للكهرباء، والاعتماد على المراجل الذكية، وآليات التسعير المستندة إلى الكفاءة، يمكن أن تؤدي معاً أدواراً حيوية في الوصول إلى المستقبل الخال من الكربون الذي نسعى إلى تحقيقه بحلول عام 2050.
علينا أن نعمل معاً نحو مستقبل نظيف وآمن وغير ملوث وقابل للحياة اقتصادياً، ومن حسن الحظ أن بإمكاننا تحقيق ذلك بالتعاون والعمل المشترك.
[1] https://www.iea.org/reports/net-zero-by-2050
[2]https://www.wri.org/insights/4-charts-explain-greenhouse-gas-emissions-countries-and-sectors
[3]https://assets.publishing.service.gov.uk/government/uploads/system/uploads/attachment_data/file/1033990/net-zero-strategy-beis.pdf
[4] https://ember-climate.org/insights/research/european-electricity-review-2022/
[5] صحيفة صنداي تايمز, 21 أغسطس 2022.
[6] https://www.nationalgrideso.com/news/domestic-flexibility-could-reduce-peak-electricity-demand-23-new-study-shows
[7] https://www.bbc.co.uk/news/science-environment-61996520
[8] https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0360319919310195
[9]https://www.nrk.no/norge/interessen-for-solenergi-oker-_-sa-lang-tid-tar-det-for-det-blir-lonnsomt-1.15660232
[10] https://www.sciencedirect.com/topics/earth-and-planetary-sciences/district-heating-plant
[11]https://www.fortum.com/media/2022/03/fortum-and-microsoft-announce-worlds-largest-collaboration-heat-homes-services-and-businesses-sustainable-waste-heat-new-data-centre-region
[12] https://www.cibsejournal.com/technical/wasted-opportunity-using-uk-waste-heat-in-district-heating/
[13] https://elbil.no/english/norwegian-ev-policy/
[14] https://www.gov.uk/government/statistics/electric-vehicle-charging-device-statistics-october-2021/electric-vehicle-charging-device-statistics-october-2021
[15] https://ofv.no/bilsalget/bilsalget-i-mai-2022
[16] https://www.imperial.ac.uk/stories/global-supply-chain-crisis/
[17] https://www.mckinsey.com/business-functions/sustainability/our-insights/charging-electric-vehicle-fleets-how-to-seize-the-emerging-opportunity