هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم في مستقبل صديق للبيئة؟
يُقال إن الذكاء الاصطناعي هو السلاح السرّي القادر على إنقاذنا من قنبلة مناخية موقوتة. إذ يمكنه، من حيث المبدأ، توفير طرق أنظف للعيش، وتقليل الانبعاثات الكربونية غير الضرورية، وابتكار أساليب جديدة تعيد توازن غلافنا الجوي إلى حالته الطبيعية.
غير أن هناك معضلة أساسية … وهي أن الذكاء الاصطناعي نفسه يُعدّ مصدراً كبيراً للانبعاثات الكربونية.
لقد أصبح تطوير وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي من أكثر الأنشطة استهلاكاً للطاقة في المجتمعات الحديثة. فاليوم، يستهلك مركز بيانات واحد كمية من الكهرباء تعادل ما يستهلكه 100,000 منزل [1]. وإذا بدا ذلك مثيراً للقلق، فهو مجرد بداية؛ فمن المرجح أن تستهلك مراكز البيانات العملاقة الجاري تطويرها طاقة تفوق هذا المستوى بنحو 20 ضعفاً، أي ما يعادل استهلاك مليوني منزل من الكهرباء. وسرعان ما ستسحب مراكز البيانات من الشبكة طاقة تضاهي ما يستهلكه مصنع ألمنيوم ضخم شديد الطلب على الكهرباء.
ورغم تصاعد المخاوف بشأن مصدر كل هذه الطاقة، فإن الطموحات لا تُظهر أي تراجع. فقد بلغ الاستثمار العالمي في مراكز البيانات 500 مليار دولار أمريكي في عام 2024، أي ضعف ما كان عليه قبل عامين فقط. [2]
وفي العام نفسه، استهلكت مراكز البيانات 1.5% من إجمالي إنتاج الطاقة العالمي، وأطلقت 1% من إجمالي انبعاثات الغازات [3] الدفيئة عالمياً. ومع ذلك، ينمو استهلاك الطاقة في هذه المراكز بمعدل يفوق بأربع مرات معدل نمو استهلاك الكهرباء عالمياً، دون أي مؤشرات على التباطؤ. وفي الواقع، يخطط ثلثا المؤسسات حول العالم لضخ استثمارات كبيرة في الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال الأشهر الـ24 المقبلة. [4] وبناءً على هذا المنحنى المتسارع، قد يستهلك الذكاء الاصطناعي ما يصل إلى 8% من إجمالي الطاقة المنتجة عالمياً بحلول عام 2030. [5]
وبحلول ذلك الوقت، تتوقع وكالة الطاقة الدولية (IEA) أن ترتفع شهية الذكاء الاصطناعي للطاقة إلى 945 تيراواط/ساعة، وهو مستوى يماثل الاستهلاك السنوي للطاقة في دولة صناعية متوسطة الحجم. وفي الولايات المتحدة، [6] التي تُعد مركزاً عالمياً لتطوير الذكاء الاصطناعي، ستستهلك مراكز البيانات بحلول 2030 كميات من الكهرباء تفوق ما يُستخدم اليوم لإنتاج المواد الكيميائية والإسمنت والصلب مجتمعة.

وكما هو الحال دائماً، تراقب وول ستريت المشهد بترقّب شديد. فالذكاء الاصطناعي اليوم هو الوقود الصاروخي الذي يدفع أسواق الأسهم الأمريكية إلى الأمام. فمنذ عام 2022، حين ظهرت أول النماذج العملية للذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، جاءت 65% من نمو القيمة السوقية لمؤشر ستاندرد آند بورز 500— أي ما يقارب 12 تريليون دولار أمريكي— من شركات دمجت الذكاء الاصطناعي بشكل علني في صميم أعمالها [7] . وفي العام الماضي، بلغت القيمة المتوسطة للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة 5.5 مليارات دولار، أي خمسة أضعاف قيمة الشركات الناشئة التقليدية.

وبطبيعة الحال، لا تقتصر هذه الظاهرة على الولايات المتحدة. فمن المتوقع أن تشكّل مراكز البيانات في الاقتصادات المتقدمة أكثر من خمس الزيادة في الطلب العالمي على الكهرباء خلال هذا العقد. [8]
وتؤثر مراكز البيانات على البيئة بشكل مباشر من خلال استهلاك الكهرباء والمبرّدات وخلايا الوقود والمولدات، وبشكل غير مباشر عبر تصنيع المعدات المتقدّمة والخدمات السحابية المرتبطة بها، وكذلك معالجة المعدات عند نهاية عمرها التشغيلي. وتشكّل هذه العوامل مجتمعة عبئاً بيئياً فادحاً يزيد من وتيرة تغيّر المناخ، ويُفاقم تلوث الهواء والمياه، ويستنزف موارد الطبيعة. ومع ذلك، يظل السؤال قائماً: كيف، رغم كل هذه التحدّيات، لا يزال الذكاء الاصطناعي يُنظر إليه كأداة محورية في معركتنا الوجودية ضد الاحتباس الحراري؟

كيف يمكننا تقليل الأثر البيئي للذكاء الاصطناعي؟
على الرغم من العبء الهائل الذي تفرضه مراكز البيانات على شبكات الطاقة العالمية، لا يزال العلماء يُبدون قدراً من التفاؤل، وإن كان مشوباً بالحذر، إزاء قدرة الذكاء الاصطناعي على قلب الموازين في مواجهة تغيّر المناخ.
فاليوم، يعيش أربعة مليارات إنسان في مناطق شديدة التأثر بتداعيات المناخ، بينما يُتوقّع أن يشهد العالم 250,000 حالة وفاة إضافية سنوياً اعتباراً من عام 2030 بسبب الإجهاد الحراري وسوء التغذية والأمراض. [9] ومع هذا الواقع القاتم، فنحن في حاجة إلى كل مساعدة ممكنة— حتى وإن جاء هذا الحليف من عالم رقمي. فالتطور المتسارع للذكاء الاصطناعي يَعِدُ بتدخلات مناخية واسعة قد تُحدث تحولاً جذرياً في المشهد العالمي.
- الطاقة الخضراء: تُسهم مصادر الطاقة المتجددة بنسبة متزايدة في مزيج الطاقة العالمي. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، لتصل نسبة الطاقة المتجددة إلى نحو 20% بحلول عام 2030، ارتفاعاً من 13% عام 2023. [10] وسيكون الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في موازنة شبكات الطاقة اللامركزية ودمج الطاقة الشمسية والمائية والرياح في الشبكات عند نقص الإمدادات. كما يَعِد الذكاء الاصطناعي بإمكانية توليد الطاقة بكفاءة غير مسبوقة؛ إذ يُعتقد أن البنية التحتية الحالية يمكن أن توفّر 175 غيغاواط إضافية من قدرة نقل الطاقة بمجرد دمج أجهزة استشعار متصلة وأنظمة إدارة قائمة على الذكاء الاصطناعي. [11]
- التنبؤ بالطقس: مع تزايد حدّة تغيّر المناخ، ستكون المجتمعات الواقعة في المناطق المعرضة للخطر بحاجة ماسّة إلى توقعات جوية دقيقة للتخطيط لحياتها. فبعضها يحتاج إلى معرفة ما إذا كانت موجة جفاف تلوح في الأفق، لتتمكن من زراعة محاصيل مقاومة للمناخ أو تخزين الغذاء؛ بينما تحتاج مجتمعات أخرى إلى تحذيرات عاجلة للفرار من الأعاصير أو الفيضانات. وقد أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على التنبؤ بأنماط الطقس بدقة مذهلة، بفضل ما يوفره من أدوات قادرة على إنتاج توقعات أسرع بعشرات المرات من الأنظمة التقليدية [12]— وفي بعض الحالات، يكون هذا الفارق حرفياً مسألة حياة أو موت.
- مراقبة الانبعاثات: يمكن للبرمجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مساعدة القطاعات الأكثر تلويثاً للبيئة، مثل المعادن والتعدين والنفط والغاز، على تتبّع انبعاثاتها وتقليلها. ومن خلال تحليل البيانات إلى جانب صور الأقمار الصناعية المباشرة، يمكن لتقنيات مراقبة الانبعاثات مساعدة الصناعات الثقيلة، التي تُسهم مجتمعة في ما يقرب من ثلث الانبعاثات العالمية، على خفض انبعاثاتها بنسبة 20% إلى 30%. [13]
- ذوبان الجليد وإزالة الغابات: ارتفع مستوى سطح البحر العالمي بأكثر من 20 سنتيمتراً منذ عام 1880، وسجّل رقماً قياسياً جديداً في عام 2023، [14] فيما أصبحت الفيضانات أثناء المد العالي أكثر احتمالاً بنسبة 300% مقارنة بالخمسين عاماً الماضية. وإذا واصل العالم مساره الحالي في مستويات الانبعاثات، فقد ترتفع مستويات البحار على السواحل الأمريكية إلى مترين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول نهاية القرن.

ويُعدّ رصد الكتل الجليدية ضرورة ملحّة لتحذير العالم من هذا الخطر المتسارع، وتطوير استراتيجيات للتعامل معه. وقد أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على تحليل التغيّرات في الغطاء الجليدي بسرعة تفوق قدرات البشر بما يصل إلى 10,000 مرة. وبالمثل، يمكن للذكاء الاصطناعي قياس الآثار المترتبة على إزالة الغابات في المناخ العالمي. ففي عام 2022، حمّلت دراسة صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إزالة الغابات مسؤولية نحو 11% من الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة في ذلك العام. [15] ويستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل ملايين الهكتارات من الأراضي لحظياً باستخدام بيانات الأقمار الصناعية، مستنداً إلى معرفة دقيقة بكمية الكربون المخزّنة داخل كل غابة.
- إعادة التدوير: تسهم النفايات بنحو 16% من الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة. واليوم، تتولى آلات الفرز الآلي مهمة فصل المواد القابلة لإعادة الاستخدام — كالورق والعلب المعدنية والبلاستيك— من نفاياتنا المختلطة، ولكن بدقة متفاوتة. [16] وبإمكان الذكاء الاصطناعي تحسين هذا المسار بدقّة شبه مثالية، إذ يمكنه تحديد جزيئات البلاستيك حتى على المستوى النانوي. ولو طُبِّقت هذه التقنية على نطاق عالمي، فقد تمنع سنوياً وصول ملايين الأطنان من المواد القابلة لإعادة التدوير إلى مدافن النفايات عن طريق الخطأ.
بعد توضيح أهمية الذكاء الاصطناعي في مواجهة تغيّر المناخ، تتجه الأنظار إلى البحث عن حلّ ممكن. فكيف يمكن لتقنية تستهلك هذا القدر الكبير من الطاقة أن تسهم في تشكيل بيئة مستدامة، دون أن تُفاقم المشكلة نفسها عن غير قصد؟
هل يمكن للأطر التنظيمية المحسّنة أن تجعل الذكاء الاصطناعي أكثر استدامة بيئياً؟
تشير بيانات عالمية إلى أن نحو 90% من المؤسسات تخطط للاستثمار بكثافة في الذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة. ورغم أن 75% من هذه المؤسسات تدرك أن هذا التوجه يتعارض مع سياساتها البيئية الخاصة بالاستدامة، فإن أقل من نصفها يمتلك استراتيجية واضحة لتعويض البصمة الكربونية الإضافية الناتجة عنه. [17]
هنا يبرز دور السياسات الحكومية القادرة على تمكين المؤسسات من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بطريقة تُقلّل الضرر البيئي قدر الإمكان. ومع كون الذكاء الاصطناعي جزءاً أساسياً من خطط التنمية الاقتصادية في كثير من الدول، بدأت الحكومات تتجه بالفعل نحو سنّ تشريعات تعزّز بناء منظومة من مراكز البيانات أكثر مراعاة للبيئة.
ففي آسيا، يقدّم البرنامج الكوري لعام 2020 نموذجاً متوازناً بين الطموحات الرقمية والالتزامات البيئية. إذ تدعو المبادرة إلى إنشاء شبكة واسعة من مراكز البيانات الخضراء عبر البلاد بتمويل من شراكات تجمع القطاعين العام والخاص. وفي هذا السياق، يبرز الاتفاق الموقّع بين شركة «إس كيه برودباند» والسلطات المحلية في مدينة غونسان لبناء 16 مركز بيانات يعمل بالطاقة المتجددة بحلول 2029، ضمن مشروع «المجمّع الصناعي لمراكز بيانات سايمانغوم». [18]
أما قانون كفاءة الطاقة الألماني الجديد، فيضع معياراً صارماً يجعل إعادة استخدام الحرارة المهدرة من مراكز البيانات إلزامياً، إذ يتعين على مراكز البيانات في ألمانيا تحقيق حد أدنى يبلغ 10% من إعادة استخدام الحرارة بحلول العام المقبل، و20% بحلول عام 2028— وهي أهداف طموحة قد تشكّل نموذجاً عالمياً إذا نجح القطاع في الالتزام بها.
وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات أولية نحو تعزيز الاستدامة البيئية لمراكز البيانات من خلال اعتماد نظام موحّد على مستوى الاتحاد لتصنيف مستوى استدامتها. وبموجب توجيه كفاءة الطاقة، يُلزم مشغلو مراكز البيانات بتقديم مجموعة من مؤشرات الأداء الرئيسية المرتبطة بالمناخ إلى قاعدة بيانات أوروبية بحلول منتصف مايو من كل عام. ويهدف هذا التوجيه إلى خفض استهلاك الطاقة في الاتحاد الأوروبي بنسبة 11.7% بحلول عام 2030 مقارنة بالتوقعات الصادرة في عام 2020.
وبالمثل، يسعى البرنامج الصيني لإجراءات خفض الكربون إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مراكز البيانات بنسبة 10% بحلول نهاية هذا العام، مع هدف مماثل في كل عام لاحق. [19] وعلى المدى الطويل، يتوقّع أن ترتفع كفاءة استخدام الطاقة وتقلّ الانبعاثات الكربونية وأن تتوسع مبادرات إعادة استخدام الحرارة المهدرة بحلول 2030.
وفي الولايات المتحدة، أصدرت وكالة حماية البيئة (EPA) إرشادات تفصيلية لأفضل الممارسات الخاصة بتنظيم عمل مراكز البيانات بهدف تقليل بصمتها الكربونية. ويغطي برنامج «إنرجي ستار» (Energy Star) معايير متقدمة تشمل إدارة تدفّق الهواء، والحرارة التشغيلية المثلى، وجودة الكابلات، وكفاءة الخوادم. [20] وعلى المستوى الفيدرالي، تدرس الحكومة إلزام مالكي مراكز البيانات بتقديم تقارير عن بيانات التشغيل ومؤشرات الأداء البيئي، مع توقعات بصدور التشريع خلال العامين المقبلين، الأمر الذي من شأنه دعم جهود “تخضير” سوق العملات الرقمية المزدهرة في الولايات المتحدة.
ومع ازدياد متطلبات الجهات التنظيمية لرفع الكفاءة والحد من الانبعاثات، يظل السؤال قائماً: كيف يمكن لقطاع مراكز البيانات أن يبدأ فعلياً في خفض بصمته الكربونية والمساهمة في صياغة مستقبل أكثر استدامة؟
ما الأفكار والابتكارات التي يمكن أن تساعد في جعل مراكز البيانات أكثر استدامة؟
كما تشير التشريعات الناشئة، تتوافر اليوم مجموعة واسعة من الفرص التي يمكن أن تجعل مراكز البيانات—وبالتالي منظومة الذكاء الاصطناعي بأكملها— أكثر توافقاً مع البيئة.
- تُدار حرارة الخوادم في مراكز البيانات لمنع تجاوزها الحدود المسموح بها عبر وحدات التبريد التي تعتمد ضواغطها على تبخّر المياه لخفض الحرارة. ونظراً إلى أن مراكز البيانات تستهلك كميات ضخمة من المياه، ينبغي اختيار مواقع بنائها بعناية، بحيث تُقام في مناطق تتوافر فيها موارد مائية وفيرة وموثوقة، لا في المناطق التي تعاني من شحّ المياه أو التي تحتاج هذه الموارد لأغراض الاستهلاك أو الزراعة.
- ويمكن لمصممي مراكز البيانات تبنّي بدائل أكثر تطوراً، مثل تقنية «التبريد المباشر إلى الرقاقة»، حيث تُضَخ المواد المبرِّدة عبر ألواح تبريد متخصّصة تُثبَّت مباشرة على الأجزاء الأكثر عرضة للحرارة في المعدات. كما تبرز تقنية «التبريد بالغمر»، التي تقوم على غمر الخوادم داخل سائل عازل يمتص الحرارة بكفاءة عالية. ورغم أن هاتين الطريقتين لا تزالان أعلى تكلفة من أنظمة التبريد التقليدية، فمن المرجّح أن تتراجع تكلفتهما تدريجياً مع التطور التكنولوجي واتساع نطاق استخدامهما.
- تُطلق مراكز البيانات عادة حرارة مهدرة تتراوح بين 30 و35 درجة مئوية. ويمكن لمضخات الحرارة الخضراء رفع هذه الحرارة إلى ما بين 70 و80 درجة مئوية، لتصبح جاهزة للضخ في شبكات التدفئة المجاورة، سواء لتدفئة المنازل أو لتوفير المياه الساخنة. وهناك أمثلة عديدة على الاستفادة الفعّالة من هذه الحرارة: ففي النرويج تُستخدم لتدفئة مزرعة أسماك السلمون المرقّط، وفي المملكة المتحدة تُسخّن مسابح مراكز ترفيهية عبر شبكة من الأنابيب المرتبطة بمراكز بيانات قريبة. [21] وتأتي نسبة 2% فقط من التدفئة في المملكة المتحدة من هذه الشبكات اليوم، لكن لجنة تغيّر المناخ البريطانية تتوقع ارتفاع هذه النسبة إلى 18% بحلول منتصف القرن إذا جرى استثمار هذه الإمكانات بالكامل. [22]
- أثناء انقطاع الكهرباء، تعتمد مراكز البيانات على المولدات للحفاظ على أنظمة التبريد واستمرار التشغيل، وغالباً ما تعمل هذه الأنظمة الاحتياطية بالوقود الأحفوري – البنزين أو الديزل أو البروبان أو الغاز. غير أن المشهد يتغير مع ظهور خيارات أنظف، مثل الهيدروجين الأخضر، والإيثانول، والزيوت النباتية المعالجة، وهي بدائل قادرة على تقليل الانبعاثات وتقليل الاعتماد على الوقود الملوِّث
- تعمل العديد من مراكز البيانات الحالية بمعدات قديمة ترتبط ببصمة كربونية مرتفعة. ومن شأن استبدال هذه المعدات بتقنيات حديثة أن يسمح باستخدام نسبة أعلى من القدرة التشغيلية للمركز في أداء مهمته الأساسية—أي معالجة العمليات الحسابية المعقدة—وهو ما يُقاس بمؤشر كفاءة استخدام الطاقة (PUE). وكلما انخفضت قيمة هذا المؤشر، ارتفعت كفاءة المركز وانخفضت انبعاثاته.
- وأخيراً، وبما أن مراكز البيانات تستهلك كميات هائلة من الكهرباء، فإن توسيع نطاق الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة— كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة المائية— يمثل خطوة ضرورية لخفض البصمة الكربونية للقطاع ككل
وتستحق هذه النقطة الأخيرة مزيداً من التعمّق، لأنها لا تطرح مقاربة أكثر استدامة للذكاء الاصطناعي فحسب، بل تفتح أيضاً المجال أمام دور أكبر وأكثر تأثيراً للقطاع العام في هذا التحوّل العالمي.
كيف يمكن للقطاع الخاص تعزيز إمدادات الطاقة الخضراء؟
تُعرف مراكز البيانات بشهيّتها الهائلة للطاقة. وتشير أفضل التقديرات المتاحة إلى أنها تستهلك نحو 55 غيغاواط من الطاقة سنوياً، موزعة بين خدمات الحوسبة السحابية، وتخزين البريد الإلكتروني، وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. [23] ومع ذلك، تُظهر التوقعات قفزة حادة في الطلب، ليصل إلى 84 غيغاواط بحلول عام 2027، مدفوعاً أساساً بالطفرة غير المسبوقة في الذكاء الاصطناعي. وتستمد مراكز البيانات طاقتها من الشبكات الكهربائية، مثل المنازل والمباني التجارية، لذا فإن أحد معايير تقييم “مدى توافق مراكز البيانات مع الاستدامة” يكمن ببساطة في النظر إلى مزيج الطاقة العالمي الذي تعتمد عليه.
وهنا تبدو الصورة متعددة الأوجه. فقد جاءت نحو 32.1% من طاقة العالم من مصادر متجددة خلال عام 2024، موزعة بصورة رئيسية بين طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية. [24] ورغم أن هذه الحصة تُعد تطوراً كبيراً مقارنة ببداية القرن (حين لم تتجاوز الطاقة المتجددة 18.4% من الإجمالي عام 2000)، فإن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن أكثر من ثلثي الطاقة المستخدمة عالمياً ما يزال مصدره الوقود الأحفوري. ومع تزايد الثقة في إمكانية وصول الطاقة المتجددة إلى حصة سوقية تبلغ 45.6% بحلول 2030، إلا أن القدرات الإنتاجية في هذا القطاع تحتاج إلى التوسع بشكل أكبر قبل أن يُعفى الذكاء الاصطناعي من مسؤوليته تجاه أزمة الاحتباس الحراري المتفاقمة.

وترى وكالة الطاقة الدولية (IEA) أن مصادر الطاقة الخضراء تقف اليوم في موقع مثالي لسد الفجوة العالمية في الطلب على الطاقة، مستندة إلى قدرتها التنافسية من حيث التكلفة وسرعة توسيع قدراتها الإنتاجية. ووفقاً لتحليل الوكالة، سيزداد إنتاج قطاع الطاقة المتجددة بأكثر من 450 تيراواط/ساعة بحلول عام 2035 لتلبية الطلب المتصاعد من مراكز البيانات. وتشير الوكالة أيضاً إلى أن الدفعة الأولى من المفاعلات النووية الصغيرة المعيارية ستبدأ العمل بحلول نهاية هذا العقد، خصوصاً في اليابان والولايات المتحدة والصين، مما يعزز مساهمة الطاقة النووية في مزيج الطاقة منخفض الكربون. [25]
ومع هذا الطلب المتسارع، تتوقع شركة «ماكينزي» العالمية للاستشارات أن تظل الشهية التجارية مرتفعة تجاه مشروعات الطاقة المتجددة الجديدة. كما تُرجّح بروز أهمية أكبر لمصادر بديلة أقل شهرة، مثل الطاقة الحرارية الجوفية والوقود الحيوي، إلى جانب نمو سريع في عدد اتفاقيات شراء الطاقة المعتمدة على توليد الكهرباء من مصادر متجددة.
وتُعدّ عبد اللطيف جميل واحدة من أبرز الشركات الخاصة التي تعمل على تسخير قدرات الذكاء الاصطناعي بما يضمن تشغيله بطريقة مستدامة ومسؤولة في الوقت نفسه.
وتدير شركة «فوتواتيو رينيوابل فينتشرز» (FRV)، ذراع الطاقة المتجددة لدى عبداللطيف جميل، محفظة من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حول العالم، متجاوزةً حاجز 5 غيغاواط من الطاقة عبر أربع قارات. وستكون هذه المشروعات، وغيرها من المبادرات المماثلة، حاسمة في تمكين الذكاء الاصطناعي من تحقيق إمكاناته الكاملة دون الإضرار بكوكبنا. وينطبق الأمر ذاته على مشروعات تخزين الطاقة بالبطاريات (BESS) التي تقودها الذراع الابتكارية للشركة «إف آر في-إكس» (FRV-X). وتتوزع مواقع هذه المحطات في المملكة المتحدة، حيث تعمل محطة «هولز باي» في دورست، ومحطة «كونتيغو» في ويست ساسكس، و«كلاي تاي» في إسكس، فيما يجري تطوير مشروعين إضافيين في منطقة ميدلاندز. وفي أستراليا، تدير «فوتواتيو رينيوابل فينتشرز» محطة لتخزين الطاقة بالبطاريات في «تيرانغ» بولاية فيكتوريا، ومحطة هجينة في «دالبي» بولاية كوينزلاند.
وبالتوازي مع ذلك، استثمرت «المار لحلول المياه»، التابعة لمنظومة جميل للحلول البيئية، في شركة «داتاكوروم» (Datakorum) التقنية، مع تركيز مبادراتها على التحوّل الرقمي لقطاعات المياه والطاقة والتنقّل. وتعمل «داتاكوروم» حالياً في أبوظبي على تزويد أنظمة إدارة المياه والطاقة بوحدات ربط تعتمد تقنية الجيل الخامس— وهي عناصر حيوية لمجتمع يواجه ضغوطاً مناخية متزايدة.
إن فكرة الاعتماد على حل مناخي تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي تبدو جذابة، ربما لأنها تعفينا من بعض المسؤولية وتوكل مهمة إيجاد الحل إلى تكنولوجيا لم تُختبر بالكامل بعد. لكن التعامل مع معضلة استهلاك الطاقة في مراكز البيانات يتطلب استراتيجية مزدوجة، تقوم أولاً على زيادة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي بما يكفي لتعويض أي استهلاك إضافي للوقود الأحفوري؛ وثانياً، تطوير تقنيات تبريد مراكز البيانات لتصبح أقل اعتماداً على المياه، بالتوازي مع إعادة توظيف الحرارة المهدرة لخدمة المجتمعات المحيطة. وعندها فقط—حين تتوازن هذه المنظومة—يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحقق وعده في قيادة العالم نحو مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً للجميع.
خمس حقائق سريعة: كيف نُشغِّل الذكاء الاصطناعي؟
س: ما مقدار الكهرباء التي يستهلكها مركز بيانات قياسي؟
ج: يستهلك مركز البيانات القياسي مقداراً من الكهرباء يعادل استهلاك 100,000 منزل، في حين ستستهلك أكبر مراكز البيانات قيد التطوير ما يفوق ذلك بعشرين مرة — أي ما يعادل مليوني منزل.
س: ما النسبة التي قد يستهلكها الذكاء الاصطناعي من الطاقة العالمية بحلول عام 2030؟
ج: قد يستهلك الذكاء الاصطناعي ما يصل إلى 8% من إجمالي إنتاج الطاقة في العالم بحلول عام 2030، فيما تتوقّع الوكالة الدولية للطاقة (IEA) أن يصل استهلاكه إلى 945 تيراواط/ساعة – وهو مستوى يقارب استهلاك دولة صناعية متوسطة الحجم.
س: كم بلغ حجم الاستثمار العالمي في مراكز البيانات خلال عام 2024؟
ج: بلغ حجم الاستثمار العالمي في مراكز البيانات 500 مليار دولار أمريكي في عام 2024، وهو رقم تضاعف خلال عامين فقط.
س: ما الدور الذي يؤديه الذكاء الاصطناعي في إدارة الطاقة المتجددة؟
ج: يُعدّ الذكاء الاصطناعي عنصراً محورياً في موازنة شبكات الطاقة اللامركزية، ودمج الطاقة الشمسية والرياح والمياه بسلاسة في الشبكات. ويمكن للبنى التحتية الحالية توفير 175 غيغاواط إضافية من القدرة الاستيعابية بمجرد دمج أنظمة إدارة تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
س: إلى أي مدى يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في خفض الانبعاثات في الصناعات الثقيلة؟
ج: يمكن لتقنيات مراقبة الانبعاثات المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تساعد الصناعات الثقيلة – التي تتسبب بنحو ثلث الانبعاثات العالمية – على خفض انبعاثاتها بنسبة تتراوح بين 20% و30% عبر تحليل البيانات إلى جانب الصور الفضائية المباشرة.
[1] https://www.iea.org/reports/energy-and-ai/executive-summary
[2] https://www.iea.org/reports/energy-and-ai/executive-summary
[3] https://www.weforum.org/stories/2024/02/harnessing-waste-energy-data-centres//
[4] https://www.weforum.org/stories/2025/01/6-ways-data-centres-can-cut-emissions/
[5] https://www.weforum.org/videos/this-start-up-catches-waste-methane-to-power-data-centres/
[6] https://www.iea.org/news/ai-is-set-to-drive-surging-electricity-demand-from-data-centres-while-offering-the-potential-to-transform-how-the-energy-sector-works
[7] https://www.iea.org/reports/energy-and-ai/understanding-the-energy-ai-nexus
[8] https://www.iea.org/news/ai-is-set-to-drive-surging-electricity-demand-from-data-centres-while-offering-the-potential-to-transform-how-the-energy-sector-works
[9] https://www.weforum.org/stories/2024/02/ai-combat-climate-change/
[10] https://www.iea.org/reports/renewables-2024/global-overview
[11] https://www.iea.org/reports/energy-and-ai/executive-summary
[12] https://www.theguardian.com/technology/2025/mar/20/ai-aardvark-weather-prediction-forecasting-artificial-intelligence
[13] https://www.weforum.org/stories/2024/02/ai-combat-climate-change/
[14] https://www.climate.gov/news-features/understanding-climate/climate-change-global-sea-level
[15] https://fsc.org/en/blog/how-deforestation-affects-climate-change
[16] https://www.weforum.org/stories/2024/02/ai-combat-climate-change/
[17] https://www.weforum.org/stories/2025/01/6-ways-data-centres-can-cut-emissions/
[18] https://thedocs.worldbank.org/en/doc/08165a76ca0f1ef688d2782dfaab3406-0400072022/related/Greening-Digital-in-Korea-Korea-Case-Study-for-Greening-the-ICT-Sector.pdf
[19] https://english.www.gov.cn/news/202407/24/content_WS66a0b167c6d0868f4e8e96ba.html
[20] https://www.epa.gov/newsreleases/us-epas-energy-star-program-develops-energy-saving-guidance-co-location-data-centers
[21] https://www.weforum.org/stories/2024/02/harnessing-waste-energy-data-centres/
[22] https://datacentrereview.com/2024/06/making-the-most-of-data-centre-waste-heat/
[23] https://www.goldmansachs.com/insights/articles/ai-to-drive-165-increase-in-data-center-power-demand-by-2030
[24] https://www.iea.org/energy-system/renewables
[25] https://www.iea.org/reports/energy-and-ai/executive-summary
[26] https://www.mckinsey.com/industries/electric-power-and-natural-gas/our-insights/how-data-centers-and-the-energy-sector-can-sate-ais-hunger-for-power
أُضيفت إلى الملف الصحفي