وسط كل البشائر التي كانت تنبأ بطفرة تشهدها صناعة طاقة الرياح، ما كان لأحد أن يتوقع أن تصبح مزارع الرياح أيضا ضمن أماكن الجذب السياحي بعد أن كانت تواجه الاتهامات بكونها مصدرا للتلوث البصري … لكن هذا ما حدث!  وأصبح الساحل الجنوبي لإنجلترا، والذي طالما احتشدت فيه الجماهير للاحتجاج والتظاهر ضد التغيير مكانا للاستمتاع بما هو جديد. فالصيادون والغواصون في برايتون يعرضون الآن على الزائرين القيام برحلات بالقوارب لرؤية مزرعة الرياح البحرية رامبيون، والتي تبلغ قدرتها 400 ميجاوات وتدار من قبل شركة “بي دبليو إي”، والتي طالما واجهت انتقادات لاذعة لتشويه المشهد الذي تطل عليه أحد الحدائق العامة[1].

من ناحية أخرى، أوضحت الأحداث العالمية الأخيرة أن الاتجاه إلى الاعتماد على تقنيات الطاقة المتجددة وتطويرها بدلاً من الاعتماد على الوقود الأحفوري لم يعد قضية بيئية وحسب. فإذا كنت تريد طاقة آمنة ومتوافرة بأسعار معقولة، فعليك أن تضمن وجود مصادر قريبة للطاقة لا تعتمد على أساطيل الناقلات وخطوط الأنابيب التي تمتد لآلاف الأميال وتقطع حدودًا دولية متعددة.

والأمر الذي يدعو للتفاؤل أيضا هو أن التقنيات التي تقوم عليها طاقة الرياح أصبحت أكثر تطوراً وأكثر قدرة على مواجهة التحديات المتمثلة في إنتاج طاقة رخيصة وآمنة ومتوافرة. وبالنسبة للمخاوف بشأن احتمال تأثير توربينات الرياح على الحياة البرية والرادار، فهناك من الباحثين من يعملون على تفنيد ذلك بالأدلة، بينما تمضي التقنيات ذات الصلة قدماً في مسار التطور. وتعد الطفرة التي يشهدها مجال طاقة الرياح البحرية والتقنيات المبتكرة – مثل الأساسات العائمة – تعد بتوفير كميات هائلة من طاقة الرياح في مواقع ما كنا نتخيل حتى وقت قريب وصول طاقة الرياح إليها. حتى شكل توربينات الرياح المألوف لدينا قد يشهد بعض التغيرات مع محاولات الباحثين لدراسة واستكشاف إمكانات الدوامات وتوربينات الرياح ذات المحور الأفقي (HAWT).

 

إضافة إلى ذلك، بدأت أساليب التصنيع الحديثة، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، تظهر على الساحة في الوقت الذي يسعى فيه القائمون على الصناعة إلى إيجاد طرق لإنشاء مزارع الرياح في المناطق النائية أكثر من أي وقت مضى. ويبدو ان التطوير لا يقتصر على التوربينات وحسب، فشبكة التوزيع تتطور هي الأخرى، إذ يجب عليها أن تتكيف مع مصدر غير مستمر للطاقة.

سوق متنامية

وتعد التكلفة المنخفضة نسبياً للكهرباء المولدة من طاقة الرياح مقارنة بتلك التي يتم توليدها اعتماداً على الوقود الأحفوري من العوامل المهمة التي تسهم في زيادة ثروات طاقة الرياح. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تراجعت تكلفة طاقة الرياح من أكثر من 0.55 دولار أمريكي لكل كيلووات/ساعة في عام 1980، لتصل اليوم في المتوسط إلى أقل من 0.03 دولار أمريكي لكل كيلووات/ساعة[2]. وبطبيعة الحال، يتباين هذا المعدل وفقاً للظروف المحلية، وإن كان يوضح مدى كفاءة طاقة الرياح من حيث التكلفة. ولا شك أن هذا القطاع يشهد نمواً ملحوظاً، وهذا ما توضحه الإحصائيات الأخيرة التي صدرت عن معهد الطاقة[3] في يونيو 2023. والجدير بالذكر أن الإنتاج العالمي من طاقة الرياح قد ارتفع ليسجل 898824 تيراواط ساعة في عام 2022، وهو ما يعكس زيادة تقدر بـ 9.1% مقارنة بالعام السابق ومعدل نمو سنوي يقدر بـ 12.9% منذ عام 2012.

ولعل المعدل الذي تبني به دول العالم مولدات طاقة الرياح يعد من الأدلة الدامغة على أن طاقة الرياح تتصدر المشهد بشكل متزايد. فقد تمت إضافة ما يقرب من 78 جيجاوات من قدرة طاقة الرياح في عام 2022، والذي يعتبر ثالث أعلى عام في التاريخ (وكان العامان السابقان فقط أعلى من ذلك)، وهو ما يرفع إجمالي قدرة محطات طاقة الرياح إلى 906 جيجاوات، ويعكس نمو سنوي يقدر بـ 9٪.

والجدير بالذكر أن 68.8 جيجاوات من هذا الرقم الإجمالي تم توليدها من محطات طاقة الرياح البرية الجديدة، والباقي من المحطات البحرية. وقد احتلت الصين الريادة فيما يتعلق بتطوير مجال طاقة الرياح البحرية على مستوى العالم، بقدرة بلغت 5 جيجاوات. كما قامت أوروبا بإيصال حوالي 2.5 جيجاوات من القدرة في عام 2022، وقامت كل من فرنسا وإيطاليا بتشغيل أول مشاريعهما التجارية لطاقة الرياح البحرية. ويبلغ إجمالي قدرة الرياح البحرية في أوروبا 30 ميجاوات، 46% منها تأتي من المملكة المتحدة.

آفاق وتوقعات

ويسهم السياق الجيوسياسي العالمي المحاط بالضبابية في تحفيز هذا التوجه الذي يركز على الطاقة المتجددة بإعتبارها وسيلة لتعزيز أمن الطاقة وتحقيق المرونة، لا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا.[4]

ففي أوروبا، تم تقديم برنامج REPowerEU3، والذي يلزم الاتحاد الأوروبي بتقليل الاعتماد على الغاز الروسي بحلول عام 2030 أو قبل ذلك[5]. ويهدف البرنامج إلى معالجة المشكلات وتذليل العقبات الأخرى التي تعيق نشر مشروعات الطاقة المتجددة. في الوقت نفسه، سنت الولايات المتحدة[6] قانون خفض التضخم، والذي أحدث ثورة هائلة في النهج الذي تتبناه البلاد فيما يتعلق بالتعامل مع مصادر الطاقة المتجددة، والنقل الخالي من الكربون، وتخزين الطاقة، وشبكة الكهرباء، وكفاءة استخدام الطاقة. وقد شجع هذا التشريع على الاستثمار في هذا القطاع. وبالمثل، تمت المصادقة على خطة الصين الخمسية الرابعة عشرة[7]، والتي تغطي الفترة من 2021 إلى 2025، مما يشير إلى الالتزام بتحقيق تنمية تقوم على الإبداع والاستدامة والقضاء على الكربون. وتحدد الخطة أهدافاً للحد من الكربون وتسعى لبلوغ ذروة التخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030.

وعلى هذه الخلفية، تتوقع الاستخبارات السوقية للمجلس العالمي لطاقة الرياح GWEC أن يتجاوز انتاج محطات طاقة الرياح الجديدة ال 100 جيجاوات في عام 2023. وهذه مجرد البداية. إذ أنه وفقاً للمجلس من المنتظر أن يكون هناك في المتوسط أكثر من 136 جيجاوات من المحطات الجديدة كل عام حتى عام 2027، بإجمالي يصل إلى 680 جيجاوات إضافية في ظل السياسات الحالية – وهو معدل نمو سنوي مركب متوقع على مدى السنوات الخمس المقبلة تبلغ قيمته 15٪.

مزيج الطاقة

من الواضح أن قطاع طاقة الرياح يشهد نموا متسارعا، ولكن هل يحدث ذلك بشكل يسمح لقطاع الطاقة العالمي ببلوغ صافي الانبعاثات الصفرية من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050؟ لقد حددت وكالة الطاقة الدولية IEA الحد الأدنى لما هو مطلوب في تقرير “بلوغ صافي الصفر من الانبعاثات بحلول عام 2050: خارطة طريق لقطاع الطاقة العالمي”[8].

ووفقا لهذا التقرير[9]، مثل الوقود الأحفوري حوالي 82% من إجمالي استهلاك الطاقة في العالم خلال عام 2022، كما كان الحال في العام الأسبق، مما أدى إلى ارتفاع معدل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 0.8% بسبب زيادة استخدام العالم للطاقة بشكل عام. وفي العام الماضي، لم تلبي مصادر الطاقة المتجددة ــ باستثناء الطاقة المائية ــ سوى 7.5% من إجمالي الطلب العالمي على الطاقة.

يتوقع المجلس العالمي لطاقة الرياح GWEC أن تتم إضافة 680 جيجاوات من طاقة الرياح على مستوى العالم بين عامي 2023 و2027، 130 جيجاوات منها ستأتي من المحطات البحرية. ومن المنتظر أن تلعب الرياح البحرية دوراً كبيراً بالنسبة للإضافات العالمية المتوقعة لأكثر من 60 جيجاوات بين عامي 2023 و2025، و68 جيجاوات في 2026-2027.

فرص بحرية

على الرغم من صعوبة الهدف الذي نرنو إلى تحقيقه، ثمة العديد من الأسباب التي تدعو للتفاؤل، لا سميا مع بروزالأولويات الجديدة على مشهد الطاقة، والتي تثمن تحقيق أمن الطاقة وتوافر مصادر الطاقة بأسعار معقولة، وكذا مع قيام التقنيات بزيادة الكفاءة فيما يخص بناء وتشغيل مزارع الرياح وتوزيع أو تخزين الطاقة التي تنتجها. فعلى سبيل المثال، كانت توربينات الرياح التي تم بناؤها في الثمانينيات تحتوي على شفرات يبلغ طولها 15 متراً (أو 49 قدماً)، ويمكنها توليد 0.05 ميجاوات من الكهرباء. واليوم، تولد توربينات الرياح البحرية ذات الشفرات التي يزيد طولها عن 100 متر ما يصل إلى 14 ميجاوات من الطاقة[10].

وتمثل توربينات الرياح البحرية العائمة والمعروفة اختصاراً بـ  FOWT أحد التطورات التقنية التي تنطوي على أكبر الإمكانات. فهي ليست أرخص من حيث التكلفة مقارنة التوربينات الثابتة وحسب، ولكنها تتمتع أيضاً بميزتين هامتين وهما: الوصول إلى المياه التي تقع على عمق يتجاوز الـ 60 متراً والسماح بتركيب التوربينات بيسر حتى في ظروف العمق المتوسط أي ما بين 30 إلى 50 متراً.

وبالمقارنة بالمحطات الثابتة، تعتبر توربينات الرياح البحرية العائمة أسهل من حيث التصنيع والتركيب، إذ يمكن بناؤها وتجميعها على الأرض ثم سحبها إلى موقع التركيب البحري. ونتيجة لذلك، يتراجع تأثير توربينات الرياح البحرية العائمة على البيئة لأنها لا تتطلب أية نشاطات تؤثر على قاع البحر.

ومع وجود ما يقرب من 80% من إمكانات الرياح البحرية في العالم في مناطق يتجاوز عمق المياه فيها الـ 60 متراً[11]، تبرز أهمية تنامي قطاع الرياح البحرية العائمة. ويتوقع المجلس العالمي لطاقة الرياح تسارع النمو في قطاع طاقة الرياح البحرية العائمة، بقدرة سوقية تقدر بـ 16.5 جيجاوات، بحلول عام 2030. وقد قامت الصين بالفعل بتركيب أول توربينة رياح بحرية عائمة، تحمل اسم ” Three Gorges Pioneer ” أو “المضائق الثلاثة الرائدة”، وهناك المزيد من المشروعات لا تزال قيد التنفيذ.[12]

 

تطور التصميم

وبينما يعد استغلال المياه العميقة عن طريق استخدام توربينات الرياح البحرية العائمة أهم دفعة حصل عليها قطاع الطاقة المولدة من الرياح، لايزال البحث والتطوير يركز على محطات البرية وانتاجها.

ويستمر التوجه نحواستخدام توربينات الرياح الأكبر حجماً. فعلى سبيل المثال، يبلغ ارتفاع توربين Haliade-X  البحري التابع لشركة جنرال إلكتريك 853 قدماً، ويفوق انتاجه من الطاقة انتاج التوربينات البحرية الأخرى بـ 45%. وفي النرويج، يستخدم نظام التقاط الرياح البحرية عدة توربينات أصغر حجماً موضوعة في شكل متدرج، مما يبسط عملية التجميع والصيانة دون الحاجة إلى معدات ثقيلة. وقد اقترحت وزارة الطاقة الأمريكية (DOE) أن تصبح توربينات الرياح أكبر حجما بمقدار مرتين إلى ثلاث مرات بحلول عام 2035[13]، وبمتوسط 5.5 ميجاوات للتوربينات الأرضية، و17 ميجاوات للتوربينات البحرية. وترى الوزارة أن هذا سيؤدي إلى انخفاض كبير في التكلفة يتراوح بين 35% و50% بحلول عام 2050 بالنسبة لكل من محطات طاقة الرياح البرية والبحرية.

منحى جانبي

وتستطيع التوربينات أن تدور على جانبها أيضاً، وهناك مزايا عديدة لتوربينات الرياح ذات المحور الرأسي: فمحركاتها أكثر كفاءة مقارنة بتوربينات الرياح الأفقية التقليدية، ويتحسن أدائها عند تنظيمها داخل شبكة.

وقد أظهرت الأبحاث[14] أن استبدال توربينات الرياح ذات المحور الأفقي التقليدية بتوربينات الرياح ذات المحور الرأسي يمكن أن يزيد من إنتاج الطاقة بنسبة 15٪ عندما يتم وضع الدوار الثاني عن ثلاثة أقطار التوربينات في اتجاه مجرى النهر وبزاوية 60 درجة في اتجاه الريح. كما أنه عند وضع توربينات الرياح ذات المحور الرأسي في سلسلة، تزداد الطاقة المنتجة بحوالي 3%.

وثمة أيضاً العديد من الاتجاهات الحديثة التي ظهرت على الساحة من أجل خفض تكلفة التركيب والتشغيل وكذا من أجل العمل على تحسين كفاءة الكهرباء المولدة من الرياح. فعلى سبيل المثال، تعمل الشركة الإسبانية الناشئة[15] Vortex Bladeless”فورتيكس بليدليس” على تطوير مولد رياح اهتزازي يستحث بدوامة، وهو يستغل طاقة الرياح الناتجة عن ظاهرة الدوامة المعروفة باسم تساقط الدوامة – وهو توربين بدون شفرات يتميز بصيانته البسيطة لأن الأجزاء المتحركة فيه أقل من المولدات التقليدية.

ابتكار محمول جواً

وإذا كان بإمكاننا التخلص من الشفرات، فلما لا نتخلص من البرج أيضا؟ فالبرج من المكونات الأكثر تكلفة. وعنفات الرياح المحمولة جواً يمكنها المساعدة. فهذه العنفات تسخر طاقة الرياح من خلال أمرين رئيسيين. الأول يتضمن توربينات الرياح الصغيرة والمولدات المثبتة على جناح طائر، وذلك لتحويل طاقة الرياح إلى كهرباء. والأمر الآخر يتضمن سحب الجناح على حبل، مما يؤدي إلى انفصاله عن أسطوانة أرضية، والتي تقوم بعد ذلك بتشغيل المولد. وتتطلب تقنية التوليد الأرضي هذه إعادة الحبل إلى الداخل، ويسفر ذلك عن حركة الضخ أو “اليويو”.[16]

وفي أوروبا، توجد جمعية خاصة لهذا القطاع يطلق عليها اسم – Airborne Wind Europe– وهي تتعاون بالفعل مع مرافق أكبر. وقد وافقت شركتا “آر دبليو إي رينيوابلز” وسكايسيل باور”، الألمانيتان على تجربة مشروع بقدرة 200 كيلووات لتحليق طائرة 120 متراً مربعاً لارتفاع يصل إلى 400 متر فوق سطح الأرض وذلك لاستغلال الرياح الموجودة على ارتفاعات عالية في توليد الكهرباء. وقد أعلنت الشركة النرويجية “كيتميل إيه إس” AS إنها تخطط لتسويق أول حديقة تجريبية للطائرات، بعد الرحلات الجوية الأولية الناجحة ذاتية التحكم – والتي أثبتت فيها تقنيتها – والتي تبلغ قدرتها 30 كيلووات – أن بإمكانها توليد الطاقة.

وفي كوريا الجنوبية، تعمل شركة[17] “أودين إينرجي” على الترويج لفكرتها الخاصة ببرج الرياح الصامت المكون من 12 طابقاً والذي يشتمل على توربينات الرياح ذات المحور الرأسي ويمكن تركيبه فوق المباني. وقد صرحت الشركة إن هذه التقنية بإمكانها تسخير طاقة الرياح من خلال إطلاق دوامة تستغل فروق ضغط الرياح. ويمكن لهذه التقنية توليد الكهرباء من نسائم لطيفة لا تزيد سرعتها عن 3.5 م / ث. وقد أكدت الشركة أن هذه التقنية تستطيع أن تنتج ما لا يقل عن أربعة أضعاف الكهرباء مقارنة بأنظمة طاقة الرياح الحالية، وتشغل فقط 1/80 من المساحة التي تحتاجها هذه الأنظمة. ووفقا لتقديرات الشركة، تبلغ تكلفة البرج الأول من نوعه والمكون من 10 طوابق حوالي 1.4 مليون دولار أمريكي، وتبلغ تكلفة الطاقة حوالي 90 دولاراً أمريكياً لكل ميجاوات في الساعة[18].

خفض التكلفة

يتخذ التحدي المتمثل في خفض تكاليف التصنيع والتركيب أشكالاً عدة، ويشمل كل مرحلة من مراحل إنشاء مزارع طاقة الرياح، بدءاً من شفرات التوربينات ووصولا لمرحلة التركيب في الموقع.

ففيما يتعلق بتصنيع شفرات توربينات الرياح، يعد انتاج نموذج الشفرة النهائية بالحجم الكامل، والذي يستخدم فيما بعد في صناعة القالب، يعد من العمليات الأكثر استهلاكاً للوقت والعمالة. وللتغلب على هذه المشكلة، يتعاون مكتب تقنيات طاقة الرياح ومكتب التصنيع المتقدم التابع لوزارة الطاقة الأمريكية مع مؤسسات عامة وخاصة لتطبيق التصنيع الإضافي، والمعروف أيضًا باسم الطباعة ثلاثية الأبعاد، وذلك لغرض تبسيط العملية وتيسيرها.

وتسهم تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد أيضا في تيسيير الخدمات اللوجستية الهائلة التي تكون مطلوبة لنقل المكونات إلى الموقع. فكقاعدة عامة: كلما زاد حجم التوربين، زادت الكفاءة وزاد الإنتاج. ولكن إذا كان لا بد من تصنيع التوربينات أولا ثم نقلها قطعة قطعة إلى الموقع، فهناك حدود لحجم التوربينات. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لا يمكن أن يتجاوز عرض القاعدة 4.5 متر ويرجع ذلك إلى صعوبات النقل، فلا يتجاوز ارتفاع التوربين الـ 100 متر. ومن الطرائق التي تسهم في تجنب هذه المشكلة طباعة القاعدة في الموقع، وهذا هو المشروع الذي تعمل عليه الآن شركة “جي إي للطاقة المتجددة”، وشركة تصنيع الأسمنت “لافارج هولسيم”، وشركة COBOD International  [19].  وقد استطاعت COBOD تصنيع قاعدة خرسانية مطبوعة ثلاثية الأبعاد بطول 10 أمتار باستخدام التقنية الجديدة، وإن كان الهدف المرجو الوصول إلى 200 متر. وتؤثر صعوبات وقيود النقل على الشفرات الدوارة أيضاً. وهنا، ينصب التركيز على إنتاج شفرات أخف باستخدام مواد مثل ألياف الكربون بحيث يمكن نقل المكونات التي يصل طولها إلى 80 متراً بسهولة ويسر ثم تجميعها في الموقع.

حماية البيئة

يشهد قطاع صناعة طاقة الرياح تطورات ملحوظة تغير معها مفهوم طاقة الرياح وقدرتها على الاستمرار. فمزارع الرياح، التي لطالما كانت تعتبر مصدرا للتلوث البصري، أصبحت الآن مناطق جذب سياحي، مما يؤكد التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة.

والأهم من ذلك هو أن التغييرات الأخيرة في المشهد الجيوسياسي قدمت دفعة قوية للحكومات للنهوض بطاقة الرياح إلى مستوى “ضروري” بدلاً من “رائع ولكن ليس ضرورياً”.

وفي الوقت نفسه، تزداد إمكانات هذا القطاع بفضل الابتكارات والأبحاث التكنولوجية. وتسمح مزارع الرياح البحرية العائمة بالوصول إلى المياه العميقة، بينما تعد توربينات الرياح ذات المحور الرأسي   (VAWT)  والتصميمات المبتكرة مثل عنفات الرياح المحمولة جواً (AWE) بزيادة الكفاءة والحد من التأثيرات البيئية السلبية. إن التقدم الذي تم احرازه في مضمار تقنيات التصنيع، والذي يشمل الطباعة ثلاثية الأبعاد، لا يؤدي إلى خفض التكاليف وحسب، بل يسهم أيضاً في زيادة المناطق التي يكون انتاج طاقة الرياح فيها ممكناً.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه من أجل تحقيق أهداف الطاقة العالمية، لا بد من بذل المزيد من الجهود لتسريع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة وزيادة حصة طاقة الرياح في مزيج الطاقة العالمي. ومع استمرار تدفق الاستثمارات ودعم السياسات والتعاون، من المنتظر أن تلعب طاقة الرياح دوراً حاسماً في بلوغ مستقبل مستدام ومنخفض الكربون.

ونحن في عبد اللطيف جميل ملتزمون بالقيام بهذه المهمة وتحقيق هذا الهدف. فشركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة (FRV) الرائدة في مجال الطاقة المتجددة تقوم بتشغيل أكثر من 50 محطة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في خمس قارات، ومن المتوقع أن تصل قدرة طاقة المحطات إلى 4 جيجاوات بحلول عام 2024. وفي فبراير 2023، قامت الشركة بافتتاح مكتب في المملكة المتحدة، والتي تمتلك فيها في الوقت الحالي أكثر من 80 ميجاوات من المشروعات التي توفر الطاقة بالفعل فضلا عن محطات بقدرة 200 ميجاوات قيد الإنشاء ومحطة بقدرة أكثر من 1 جيجاوات قيد التطوير. ومن المنتظر أن يضم الموقع أيضاً مركزاً للبطاريات وهو مركز Global Batteries Excellence أو التميز العالمي للبطاريات. وفي الوقت نفسه، تعد محطات نظام تخزين طاقة البطاريات التابعة لها في كل من كونتيجو وهولز باي، من أهم أصول البطاريات أداءً في البلاد، وذلك وفقاً للتصنيف الذي أعدته جهة المراقبة مودو انرجي MODO Energy.[20]

كما أعلنت أيضاً عن عزمها دخول السوق الألمانية، من خلال خطط تهدف إلى تزويد 800 ألف منزل بالطاقة النظيفة[21]. ومن المنتظر أن يساهم افتتاح مكاتب لندن وألمانيا بشكل إيجابي في تحقيق هدف شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة، والمتمثل في انتاج ما يصل إلى 1 جيجاوات من الطاقة المتجددة في أوروبا وذلك بحلول عام 2025.

وكجزء من هذا التوسع المستمر، أكدت فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة في وقت مبكر من هذا العام خططها لتطوير أول محطة للطاقة الشمسية في نيوزيلندا، وهو المشروع الذي سوف يقوم بإنتاج 52 ميجاوات في لوريستون، شمال كرايستشيرش. وقد أعقب ذلك سريعاً وضع خطط لإنشاء ثلاث مزارع شمسية أخرى من المنتظر أن تقوم بإنتاج 400 ميجاوات من الطاقة الكهربائية المتجددة، وذلك مع جينيسيس إنرجي Genesis Energy[22].

وفي الوقت نفسه، وفي أستراليا المجاورة، أتمت شركة فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة الاتفاق المالي الخاص بمشروع تطوير الطاقة الشمسية في والا والا Walla Walla  في نيو ساوث ويلز، وهي خامس مزرعة للطاقة الشمسية في الولاية والعاشرة في أستراليا ككل، وتصل قدرتها الاجمالية إلى 1 جيجاوات.

Fady Jameel
فادي جميل – نائب  الرئيس ونائب رئيس مجلس الإدارة عبد اللطيف جميل

وقال فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة شركة عبد اللطيف جميل: “إننا على موعد مع مشهد جديد ومثير للطاقة … مشهد يمكن أن يحدث تحولاً في قطاع الطاقة العالمي ويحدث فارقاً كبيراً فيما يتعلق بانبعاثات الكربون”.

“يمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تسهم في خفض تكلفة إمداد منازلنا ومكاتبنا ومركباتنا بالطاقة. كما أنها قد تجعل بإمكاننا التحكم في حياتنا مرة أخرى بينما تساعدنا في الوقت نفسه في الحفاظ على نظامنا البيئي الهش من أجل الأجيال القادمة. وتتصدر طاقة الرياح هذه التغيرات المثيرة، ويتعين علينا أن نبذل كل ما في وسعنا من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من إمكاناتها. فهي بالطبع لا تستطيع أن تقوم بذلك بمفردها”.

ومع التطورات الأخيرة والمثيرة للاهتمام التي شهدها مجال تكنولوجيا طاقة الرياح، يجب علينا ألانتوقف ونشعر بالرضا بما تحقق. فهدف الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية يمثل تحدياً لا مناص من تحقيقه. ولذا فعلينا مضاعفة جهودنا لبناء مستقبل أكثر إشراقاً وأكثر استدامة لمجتمعنا وكوكبنا.”

 

[1] https://www.economist.com/britain/2023/01/05/britains-offshore-wind-farms-attract-tourists

[2] https://www.energy.gov/eere/wind/next-generation-wind-technology

[3] https://www.bp.com/content/dam/bp/business-sites/en/global/corporate/pdfs/energy-economics/statistical-review/bp-stats-review-2022-full-report.pdf

[4] https://gwec.net/wp-content/uploads/2023/04/GWEC-2023_interactive.pdf page 18

[5] https://ec.europa.eu/commission/presscorner/detail/en/IP_22_1511

[6] https://www.epa.gov/green-power-markets/inflation-reduction-act

[7] https://www.adb.org/publications/14th-five-year-plan-high-quality-development-prc

[8] https://iea.blob.core.windows.net/assets/deebef5d-0c34-4539-9d0c-10b13d840027/NetZeroby2050-ARoadmapfortheGlobalEnergySector_CORR.pdf Page 47

[9] https://www.theguardian.com/business/2023/jun/26/greenhouse-gas-emissions-from-global-energy-industry-still-rising-report

[10] https://www.economist.com/the-americas/2021/01/30/the-wind-power-boom-set-off-a-scramble-for-balsa-wood-in-ecuador

[11] https://gwec.net/wp-content/uploads/2023/04/GWEC-2023_interactive.pdf page 77

[12] https://gwec.net/wp-content/uploads/2023/04/GWEC-2023_interactive.pdf pp54-55

[13] https://www.nature.com/articles/s41560-021-00810-z

[14] https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S096014812100344X

[15] https://www.powermag.com/changing-winds-emerging-wind-turbine-technologies/

[16] https://www.powermag.com/changing-winds-emerging-wind-turbine-technologies/

[17] http://www.odinenergy.co.kr/jsp/eng/product/introduce.jsp

[18] https://www.greentechmedia.com/articles/read/south-korean-firm-touts-novel-vertical-axis-wind-turbine-tower-concept

[19] https://www.asme.org/topics-resources/content/6-advances-in-wind-energy

[20] https://frv.com/en/frv-inaugura-oficina-en-reino-unido/

[21] https://alj.com/en/news/abdul-latif-jameel-energys-frv-enters-the-german-market-with-plans-to-provide-almost-800000-homes-with-clean-energy/

[22] https://frv.com/en/frv-australia-and-genesis-joint-venture-secures-land-for-a-further-400-mw-of-solar-across-three-north-island-sites/