إذا طُلب منك أن ترسم صورة في مخيلتك عن عالم نعيشه في المستقبل القريب تهيمن عليه السيارت الكهربائية، فما الصور التي قد تتبادر إلى ذهنك؟ أساطيل من سيارات الدفع الرباعي التي تنطلق في هدوء على الطرق السريعة … وسيارات الأجرة تتوقف عند عتبة منزلك … والسيارات ذاتية القيادة التي تسمح لك بالاسترخاء لمشاهدة فيلم أو قراءة كتاب أثناء الرحلة.

على الرغم من ذلك، فإن قصر مفهومنا عن التنقل الكهربائي على السيارات فقط يعني تجاهل التطورات المثيرة التي تتكشف في أماكن أخرى من سوق السيارات الكهربائية، حيث تحدث مجموعة من المركبات التي تعمل بالبطاريات ضجة هائلة.

لقد أصبحت مركبات التنقل الكهربائية الصغيرة والمصممة لنقل راكب أو راكبين إلى حيث يشاؤون بأسلوب اقتصادي وصديق للبيئة في الوقت نفسه الخيار الأمثل للمستهلكين. و يشير نمو السوق إلى أن خيارات النقل البديلة والتي تشمل: الدراجات البخارية الكهربائية، والدراجات ثلاثية الإطارات، والسكوتر الكهربائي، والدراجات الكهربائية،  ستصبح بمثابة مكونات رئيسة في منظومة النقل الخاص في العقود القادمة، لاسيما مع استمرار تطور نظام التنقل عند الطلب … وستصبح أكثر تكاملاً.

ومن المتوقع أن يصل سوق مركبات التنقل الصغيرة عالمياً إلى 214.57 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، وهو ما يمثل ارتفاعاً من 44.12 مليار دولار أمريكي سجلت في عام [1]2020. ولا يحتاج المستهلكون إلى الكثير من التشجيع من أجل التحول لمركبات التنقل الصغيرة إذ تشير الأرقام إلى أنه خلال الجائحة، ارتفعت مبيعات الدراجات الكهربائية عالمياً بنسبة 240٪.[2]

وتشير إحدى الدراسات الاستقصائية الأخيرة التي صدرت عن مؤسسة ماكنزي لاستشارات الأعمال إلى أن حوالي 70٪ من العمال في جميع أنحاء العالم قد يفكرون في استخدام المركبات الصغيرة في تنقلاتهم اليومية. فقد جاء في التحليل أن “عدداً متزايداً من العمال قد ينجذبون إلى أشكال أصغر وأكثر حفاظا على البيئة من وسائل التنقل”.[3]

والأرقام خير دليل. فعلى الصعيد العالمي، أكد 40٪ من الجمهور أن الدراجات (بما في ذلك الأنواع الكهربائية) ستكون الخيار الأمثل للتنقل، تليها الدراجات البخارية الكهربائية (16٪) والسكوتر الكهربائي(12٪). ولم يدرج أقل من ثلث ممن شملهم هذا الاستقصاء (31 %)  مركبات التنقل الصغيرة ضمن أفضل خيارات التنقل بالنسبة لهم.

لذا يبدو أن المستقبل سيكون أكثر اعتمادا على المركبات الصغيرة وأكثر راحة وأكثر حفاظا على البيئة.

الاتجاهات العالمية تعكس تنوعا في الأسواق

وبينما تخلو الاتجاهات العالمية من أي لبس أو غموض، تكشف الدراسة الاستقصائية نفسها عن اختلافات إقليمية تتعلق باستعدادات الدول لاعتماد مركبات التنقل الكهربائية الصغيرة من عدمه. فقد أثبتت الصين أنها الدولة الأكثر تأييداً للتحول لمثل هذه المركبات، حيث صرح 86٪ ممن شملتهم الدراسة بأنهم يفضلون التنقل بالمركبات الصغيرة، بينما تراجعت هذه النسبة إلى 81٪ في ايطاليا؛ و67٪ في فرنسا؛ و65٪ في ألمانيا؛ و60٪ في الولايات المتحدة؛ و55٪ في المملكة المتحدة.[4]

وقد تساعدنا اتجاهات النقل طويلة الأجل في تفسير مثل هذه الاختلافات.

فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، لديها علاقة طويلة متعددة المراحل بالمركبات التقليدية رباعية الإطارات، وتعتبرها تراثاً راسخاً تلتزم به دوماً. وبالمثل، فإن البلدان ذات المناخ الأكثر برودة ورطوبة، مثل المملكة المتحدة، لن تتخلي عن السيارات التقليدية وما توفره من حماية من تقلبات الطقس، وما يرتبط به من مخاطر.

وعلى النقيض، راح مواطنو الدول، التي تركز ثقافاتها على الدرجات البخارية مثل الصين وايطاليا، يتابعون حلول التنقل بالمركبات الصغيرة قبل فترة طويلة من انتشار المصطلح. وتعد الصين الآن الرائدة في سوق الدراجات البخارية الكهربائية، حيث ارتفعت مبيعاتها منها من 20 مليوناً في سجلت في عام 2015 إلى 30 مليوناً في عام [5]2021. والجدير بالذكر أن ثلثي جميع الدراجات البخارية ذات الإطارين المباعة في الصين تعمل الآن بالبطاريات.

وفي الهند، والتي تعتبر موطناً لعربات التوك توك والدراجات النارية وعربات الريكاشة، ترتفع معدلات التلوث بشكل ملحوظ، وهو ما دفع الحكومة إلى اتخاذ قرارات بحظر جميع المركبات غير الكهربائية ذات الإطارين والدراجات النارية اعتباراً من عام 2025[6].

ويعتبر التنقل بالمركبات الصغيرة السبيل لسد أية الفجوة، إذ يتم الآن إنتاج أكثر من 11000 عربة ريكاشة كهربائية جديدة اسبوعياً في الهند، وذلك بالإضافة إلى 1.5 مليون عربة تسير على الطرق بالفعل[7]. ونظراً لأن تكاليف إعادة الشحن اليومية تعتبر أرخص ست مرات من بدائل الوقود الحفري، فإن نمو مثل هذا النوع من وسائل النقل يعد أمراً حتمياً من منظور الاقتصاد.

وفي الهند، بلغت قيمة سوق التنقل بالمركبات الصغيرة 273.7 مليون دولار أمريكي خلال عام 2021 . ومن المتوقع أن تتخطى هذه القيمة الملياري دولار أمريكي من الآن وحتى العام 2032.[8] 

وتعد شركة جريفز اليكتريك موبيليتي المحدودة  Greaves Electric Mobility، والتي تعمل في مجال تصنيع السيارات الكهربائية (EV) وتتخذ من الهند مقراً لها، وتعتبر مؤسسة عبد اللطيف جميل من أهم المستثمرين فيها، تعد واحدة من الشركات التي تحتل الصدارة في هذا الصدد. لقد كانت الشركة من أبرز العارضين في معرض “أوتو إكسبو” Auto Expo 2023  الذي انطلق في الهند خلال شهر يناير 2023، حيث قدمت فيه أحدث إصداراتها من المحركات الكهربائية ذات الإطارين وذات الثلاثة إطارات وكشفت عن خططها الطموحة للنمو.

(من اليسار إلى اليمين) آروب باسو، العضو المنتدب لمجموعة جريفز كوتون المحدودة، السيد سانجاي بيهل، الرئيس التنفيذي والمدير التنفيذي لشركة جريفز اليكتريك موبيليتي المحدودة، والسيد/ ناجش باسافانهالي، نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة جريفز كوتون المحدودة، مع المركبة الكهربائية الجديدة ذات الثلاثة إطارات “إيرو فيجن” Aero Vision

وتعتبر جريفز واحدة من الشركات الرائدة في البلاد في مجال التنقل بالمركبات الكهربائية ذات الإطارين والثلاثة إطارات. ولديها  مجموعة من المركبات الصديقة للبيئة والأكثر كفاءة والتي يمكن للمجتمعات في الهند الحصول عليها. وتمثل جريفز إحدى العلامات التجارية سريعة النمو للمركبات الكهربائية في الدولة، حيث بلغت مبيعات التجزئة منها 70،390 مركبة في كامل عام 2022، وهو ما يمثل زيادة تقدر بـ 398٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وقد استحوذ منتجها ذو الإطارين، والذي يتم بيعه تحت اسم العلامة التجارية Ampere ، على حصة سوقية بلغت 13٪ في عام 2022.

القوانين تحدد مستقبل التنقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة 

ومن خلال التعمق في دراسة تلك البيئة التنظيمية التي تحكم التنقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة حول العالم، تتكشف لنا حقيقة مهمة وهي أن المشرعين بإمكانهم أن يصبحوا أبطالاً في مضمار التنقل الشخصي المستدام – وأن يساعدوا في دفع عجلة التحول إلى المركبات التي تعمل بالبطاريات – وهو ما كان يجب أن يتم منذ وقت طويل.

فعندما نتحدث عن اعتماد التنقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة، نرى أن الشق العملي يمثل حجر الزاوية. فإذا تم تمرير التشريعات الصحيحة، ووضع البنية التحتية المناسبة، والوصول إلى سعر مناسب، فما من شك أن المشترون سيوجهون إنفاقهم إلى هذه المركبات. ففي الصين، على سبيل المثال، لا يحتاج سائقو السيارات إلى ترخيص للمركبات التي لا تتجاوز 25 كم / ساعة، وهو ما يؤدي إلى زيادة الطلب بشكل غير متناسب على الدراجات البخارية التقليدية (وبالتالي الكهربائية أيضاً).

ويجد راكبو السكوتر الكهربائي الذي يؤجر مراكزاً لمحبي السكوتر في فرنسا (18٪) وألمانيا (13٪) والولايات المتحدة الأمريكية (13٪)، حيث توجد بالفعل مخططات للمشاركة.

وعلى النقيض، تراجع استخدام السكوتر الكهربائي في الصين (6٪) والمملكة المتحدة (10٪) حيث وضع المشرعون حدوداً لاستخدامه بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. ففي الصين، حظرت بكين وشنجهاي، وهما أكبر مدينتين في البلاد، حظرتا السكوتر الكهربائي من الطرق في عام 2016  بعد سلسلة من الحوادث[9]. وبالمثل، تم  حظر السكوتر الكهربائي  من جميع الطرق العامة والأرصفة في المملكة المتحدة، والتهديد بحظر القيادة و فرض الغرامات ومصادرة المركبات[10]. على الرغم من ذلك، تجري حالياً تجارب لمشاركة السكوتر الكهربائي في 30 موقعاً في جميع أنحاء البلاد، وهو ما بإمكانه إحداث تغييرات جذرية في اتجاه المركبات في المملكة المتحدة.

فهل هناك ما يدعو للاندهاش أن نشهد مثل هذا الاهتمام العالمي بالتنقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة؟ بالطبع لا،  فنحن نحيا في عالم ما بعد الجائحة حيث لا يزال الكثيرون حذرين بشأن مشاركة الأماكن المغلقة مع  الغرباء. وتوضح لنا الأرقام أن استخدام الحافلات والقطارات في المملكة المتحدة قد تراجع بنسبة 20٪ إلى 30٪ مقارنة بما  كان عليه قبل الجائحة[11]. فالجميع يبحث عن حلول أصغر وأكثر خصوصية لتلبية احتياجات النقل الخاصة بهم – ومن هنا نشأت فكرة التنقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة الصديقة للبيئة.

لكن كل ذلك لن يكون ذا قيمة تذكر بدون توافر الأدوات وهياكل الدعم المناسبة لتشجيع اعتماد لمركبات الكهربائية الصغيرة وتعزيز جدواها بوصفها حل طويل الأجل لاحتياجات النقل الحضري.

البنية التحتية القوية تحفز التحول إلى المركبات الكهربائية الصغيرة

وبعد الجائحة، بدأ التركيز على التنقل من منظور جديد، وبدأ واضعوا القوانين في جميع أنحاء العالم في وضع أسس لتنامي اتجاه التنقل بالاعتماد على السيارات الكهربائية الصغيرة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تعد شبكة “الطرق الخضراء” دائمة التوسع خطوة صغيرة، ولكنها جد مهمة، نحو علاج الأمة عن إدمان السيارات. تتنامى هذه الطرق التي تخلو من حركة المرور (فهي طرق مفتوحة أمام مستخدمي الدراجات الكهربائية) بمعدل غير مسبوق، ويمكن أن تشكل في النهاية شبكة شاسعة تربط بين الولايات. وتشمل المخططات المتميزة طريق أخضر يمتد لمسافة 3000 كيلومتر في الساحل الشرقي ويربط بين مين وفلوريدا، وطريق بيلت لاين في أتلانتا في شيكاغو، و خط 606  وجو لويس جرينواي في ديترويت.[12]

وحتى مدينة نيويورك، والتي ظل اسمها دوماً مرادفاً لأبواق السيارات، فقد خصصت 723 مليون دولار أمريكي لاستكمال طريق أخضر حول مانهاتن في وقت لاحق من هذا العقد. وتشجع مثل هذه المبادرات على الابتكار أيضاً. فعلى سبيل المثال، يستخدم مصنع الدراجات الكهربائية جوكو بعض المباني الخاصة مثل المكاتب والفنادق في جميع أنحاء مانهاتن لشحن البطاريات، وهوما يجعل الطرق تخلو من المركبات المتوقفة.

لذلك، فإنه ليس من الغريب أن الأمريكيين يتحولون بشكل تدريجي إلى التنقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة. والجدير بالذكر أن  ثلثا جميع رحلات التنقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة على مدار العقد الماضي في الولايات المتحدة قد حدث خلال العامين الماضيين فقط – وهو اتجاه يمضي قدما دون تباطوء.

 

وخارج الولايات المتحدة الأمريكية، يمثل التنقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة مسعى عالمياً حقاً يمضي ببنية تحتية سريعة التطور وتقنيات تعززه.

فقد شهد مخطط تجريبي في باريس، فرنسا، قيام شركة ضاكت DUCKT الإستونية الناشئة بالكشف عن 150 محطة للتوقف والشحن مصممة لسحب الطاقة من البنية التحتية الحالية مثل مصابيح الشوارع ولوحات الإعلانات ومحطات الحافلات.

في الوقت نفسه، قامت السلطات في ريو دي جانيرو بالبرازيل بإنشاء صندوق لتطوير البنية التحتية (ويشمل ذلك ممرات المركبات الصغيرة ومواقف الدراجات البخارية) من خلال الإيرادات التي تجنى من تصاريح المركبات.

وقد ينطوي الابتكار على الشمول أيضاً. ففي زابوبان بالمكسيك، يتم تشجيع منتجي ومشغلي مركبات التنقل الكهربائية الصغيرة على قبول طرائق دفع متعددة من العملاء المحتملين – وهو ما يجعل التنقل الصديق للبيئة خياراً حتى بالنسبة للمقيمين الذين ليس لديهم حسابات بنكية أو هواتف محمولة[13].

وتقوم العديد من البلدان، مثل الهند، بتجربة خفض الضرائب وتقديم الإعانات على مركبات التنقل الكهربائية الصغيرة لتحفيز الطلب عليها. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، وكجزء من قانون إعادة البناء بشكل أفضل Build Back Better الذي قدمه جو بايدن ، تتوفر خصومات تصل إلى 900 دولار أمريكي لمشتري الدراجات الكهربائية.

كما أننا نشهد أيضاً المزيد من الانتشار لمركبات التنقل الصغيرة الكهربائية المصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات الخاصة. فإذا أخذنا أيرو AYRO في الولايات المتحدة مثالاً، نرى أن المركبات منخفضة السرعة تنتشر على نطاق واسع لنقل اللقاحات؛ كما نرى عربات الشحن الكهربائية ذات الثلاثة إطارات من جريفيز اليكتريك موبيلتي، والتي أبهرت الجماهير في معرض “أوتو إكسبو” AutoExpo 2023 ؛ وسوبي وأونو في ألمانيا، وكلها توفر خدمة التوصيل الصديقة للبيئة والتي تخلو  من الانبعاثات من خلال “دراجات الشحن” الكهربائية بدلا من شركة الشحن هيرميس .

وتقدم ألمانيا مثالاً يحتذى به عن اقتصاديات التنقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة، حيث تحتل الريادة في تحول القارة إلى استخدام السكوتر الكهربائي من خلال مجموعة من التشريعات و فرص ريادة الأعمال.

ويعكف مخططو المدن الألمان بشكل متزايد على تحويل طرق السيارات إلى ممرات للدراجات، مما يدعم اعتبارات الأمان لـ 65٪ من الألمان الذين قد يفكرون في استخدام الدراجات والعربات البخارية والدراجات البخارية الصغيرة في تنقلاتهم اليومية.[14]

من ناحية أخرى،  قام مؤجرو مركبات التنقل الصغيرة الكهربائية  بتجربة هيكلة تسعير مبتكرة، في محاولة لتحقيق التوازن بين مزايا فتح الرسوم لمرة واحدة مقابل الرسوم بالميل. وفي سوق تحركه اعتبارات الراحة  والملائمة مثل سوق التنقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة، قد تهتز ثقة العملاء ويتراجع ولائهم للمنتج  بسبب الأعطال. من ناحية أخرى، يتقن مقدمو الخدمات الألمان الخدمات اللوجستية إذ وجهوا استثمارات ضخمة نحو مضمار البيانات، كي يضمنوا وجود العدد الصحيح من الدورات/ الدراجات البخارية في الأماكن الصحيحة في الأوقات المناسبة. كما قاموا بتأمين مواقع رئيسة في وسط المدينة لمرافق الخدمات والتخزين، مما أدى إلى تحسين الموثوقية بشكل كبير.

ولأنها إستراتيجية مشتركة، كان لذلك تأثيرات ملحوظة. فاعتباراً من عام 2021، قام أكبر مشغلي الأساطيل في ألمانيا بإدارة مجموعة تضم حوالي 120.000 سكوتر كهربائي. وفي العام نفسه، قام حوالي 90٪ من الألمان برحلة واحدة على الأقل باستخدام السكوتر الكهربائي، مما أدى إلى عائداتٍ تصل إلى حوالي 110 ملايين دولار أمريكي[15].

 

السر في البنية التحتية

رأينا جميعاً أن التحول للمركبات الكهربائية الصغيرة لا يعتمد على الدعم التشريعي وإبتكارات القطاع الخاص وحسب، بل أيضاعلى الجيل التالي من البنية التحتية.

والخيط الذي يربط مختلف أنواع المركبات الكهربائية الصغيرة هو الحاجة لإعادة الشحن دورياً. لذا يمكننا تبيّن حالة هذه الصناعة بتتبع عدد محطات الشحن الكهربائي. وحتى الآن، تعكس مؤشراتها الحيوية حالة صحية وجيدة.

ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، شهد عام 2022 ارتفاعاً في عدد محطات الشحن العامة لتتجاوز 30،000 لأول مرة، أي حوالي 33% في عام واحد. ومن المؤشرات الواعدة أن عدد أجهزة الشحن السريع – ونعني هنا تلك الأجهزة القادرة على شحن المركبات المتقدمة سريعاً في خضم الحياة العملية المزدحمة – قد تصاعد حتى قارب ال 5،500. واستراتيجية البنية التحتية للمركبات الكهربائية التي أطلقتها حكومة المملكة المتحدة بقيمة 1,6 مليار جنيه إسترليني تستهدف تركيب 300،000 محطة شحن عامة بحلول 2030.[16]

وقد تخطت أوروبا في مجملها حاجز الـ300،000 شاحن بطيء في 2021، بزيادة تصل إلى 30% مقارنة بالعام السابق. وفي الفترة نفسها، تزايد عدد أجهزة الشحن العامة السريعة في أوروبا بحوالي الثلث، حتى قاربت الـ50،000 وحدة.[17]

وحول العالم، تم تركيب حوالي 500،000 محطة شحن جديدة في  عام 2021 – وهو أكثر من إجمالي عدد محطات الشحن الموجودة قبل ذلك بأربعة أعوام فقط. ويأتي في الريادة مركز ابتكارات المركبات الكهربائية الصغيرة بالصين حتماً، إذ رفع عدد أجهزة الشحن المتاحة للعامة لحوالي 680،000 في 2021 – أي زيادة بنسبة 35% عن كل عامٍ سابق.

وتمثل التكنولوجيا المفتاح السحري لترسيخ سوق المركبات الكهربائية الصغيرة حتى تصبح أحد أعمدة مزيج وسائل النقل الخاصة.

كيف تدفع التكنولوجيا سوق المركبات الصغيرة قدماً

لطالما وقع اللوم على المخاوف المتعلقة بتكلفة البطاريات وعمرها ومداها وعدد مرات الشحن، باعتبارها العائق أمام تبني كل المركبات الكهربائية، بما فيها أجهزة النقل الصغيرة. لكن التطور السريع لتكنولوجيا البطاريات أصبح يُهدئ هذه المخاوف تدريجياً.

فمن المتوقع أن تنخفض تكلفة بطارية أيون الليثيوم بنسبة 6.5% سنوياً خلال العقد التالي، مما سيخفض من سعر المركبات الكهربائية الصغيرة نسبياً.[18]

وعلاوة على ذلك، ظهرت سلالة جديدة من البطاريات القائمة على التكنولوجيا العسكرية والصناعية تبشر بشحن أكثر أماناً وسرعة واستدامة في البيئات الحضرية.

وتُستخدم بطاريات تايتانيت الليثيوم (LTO) هذه بشكل عام في أجهزة أصغر كثيراً أو أكبر كثيراً، كالهواتف المحمولة أو السيارات، ويعيبها توزيع فولطي خاص يجعلها غير ملائمة للمركبات الكهربائية الصغيرة. لكن حدثت طفرات علمية في الآونة الأخيرة طالت البرامج والأدوات الحاسوبية، وهو ما ساعد على التغلب على مشكلات البطاريات الـLTO باستخدام مجسات تضبط الفولطية تلقائياً وتحسن التكامل تحسناً ملحوظاً.[19]

والآن تفوقت بطاريات الـLTO على أداء بطاريات أيون الليثيوم التقليدية في عدة مقاييس خاصة بمركبات النقل الصغيرة. فبفضل مساحة سطح الإلكترود الفائق الحساسية أصبح من الممكن شحن البطارية تماماً في أقل من 20 دقيقة، وتتحمل دورات شحن أكثر بكثير قبل أن تنتهي صلاحيتها.

وبطاريات الـLTO خالية من النيكل والمنجنيز والألومينوم وأكسيدات الكوبالت، مما يحد من مخاطر الحريق المقرونة بالبطاريات القابلة للشحن الأولية. وتستخدم دراجة هوندا النارية الكهربائية EV-neo هذه التكنولوجيا بالفعل، وتعمل شركة زاببات ZapBatt الناشئة في كاليفورنيا على تطوير كيمياء مماثلة لاستخدامها في الدرجات الكهربائية والسكوتر.

وبما أن المركبات الكهربائية الصغيرة أخف من السيارات ولا تحتاج للتباهي بمجموعات عريضة منها، تسعى بعض الشركات لتجريب بطاريات أيون الصوديوم للدراجات الكهربائية والسكوتر.[20] وهذه البطاريات أرخص، مما يحد من تكلفة الوحدة، كما أنها تعتمد على مواد يسهل الحصول عليها مقارنةً بعناصر الأرض النادرة اللازمة في البدائل القائمة على الليثيوم.

على الرغم من كل ذلك، بينما قد تصبح البطاريات  “حلاً” لا “مشكلة”، مازالت هناك عوائق في طريق المستقبل الذي تسير فيه المركبات الكهربائية الصغيرة.

عقبات تعيق هيمنة المركبات الكهربائية الصغيرة

السمعة مهمة. إذا انطلقت أساطيل المركبات الكهربية الصغيرة أسرع مما ينبغي دون خدمات دعم ملائمة، ستمتلئ الشوارع على جانبيها بالمركبات المعطلة، مما يهدد سمعتها على المدى الطويل.

مازالت الدراجات الكهربائية والسكوتر الكهربائي التي يتشاركها المستخدمون تواجه التخريب والسرقة، حتى ورد أن ذلك كان له تأثيراً على نصفها تقريباً. وقد قامت بعض الشركات مثل موبايك Mobike وجوبي GoBee بوقف تجاربها في أوروبا بسبب تلك المشكلة.[21]

ومع نضج السوق واشتداد صلابته، بات هناك مخاوف أكثر حول اختفاء رأس المال المخاطر الجديد من القطاع. فثمة مخاوف من أن المشاركين الجدد بالسوق قد يواجهون الصعوبات عند محاولة اعتمادهم بسبب التراخيص المرهقة والتزامات التأمين.

وتعتمد الكثير من خطط المركبات الكهربائية الصغيرة على الانترنت في الحجوزات وتخطيط الرحلات. ولذا مازال ضعف الاتصال بالإنترنت وبطئه في كثير من مناطق العالم النامي يمثلان عائقاً يمنع تكنولوجيا المركبات الكهربائية الصغيرة من تحقيق أقصى إمكاناتها في تلك الأسواق.

من ناحية أخرى، تواجه الصناعة نقصاً عالمياً في الرقائق شبه الموصلة الأساسية، ونشأت هذه العقبة بسبب الجائحة وتأثيراتها على عالم الصناعة، وكذا حرب التجارة بين الولايات المتحدة والصين، وغزو روسيا لأوكرانيا.

وفي مواجهة تلك التحديات، مازال على الشركات أن تجد وسيلة لخفض التكاليف؛ فقد أظهر مسح أخير أن أكثر من ثلث عملاء المركبات الصغيرة المحتملين يتراجعون بسبب الأسعار.[22]

مثل  هذه المشكلات، وغيرها، تسهم في توضيح الأسباب التي تجعل التحول إلى المركبات الصغيرة يأخذ صورة تطور تدريجي لا ثورة مفاجئة. فحتى في أوروبا، مازالت أجهزة النقل الصغيرة لا تمثل إلا أقل من 0.1% من الرحلات داخل المدن.[23]

لكن هذا لا يعني التخلي عن هذا المشروع – خاصة أن حجم المردود المنتظر هائل.

قامت دراسة حديثة ببسط بيانات حول النقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة من ميونخ بألمانيا على أكثر من مائة مدينة أوروبية لبحث الفوائد الاجتماعية المحتملة من المركبات الكهربائية الصغيرة.[24] وقد توصل التقرير إلى أنه بحلول عام 2030 يمكن لإطلاق المركبات الكهربائية الصغيرة والحفاظ عليها أن:

  • يخلق مليون فرصة عمل جديدة بأوروبا.
  • يمنع إطلاق 30 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً ويوفر من الطاقة 127 تيراواط في الساعة.
  • يرفع إجمالي الناتج المحلي الأوروبي بقيمة 111 مليار يورو مع الحد من عدد ساعات الموظفين المهدرة بسبب الزحام المروري.
  • إخلاء أكثر من 48،000 هكتار من الأراضي الثمينة داخل المدينة.

هل نبذل جميعاً ما بوسعنا لضمان تحقق تلك الأحلام بمستقبل نظيف، وأخضر تهيمن عليه المركبات الكهربائية الصغيرة؟

قيادة المستقبل نحو طرق أنظف

إن ضمان تبوء المركبات الكهربائية الصغيرة مكانًا دائمًا في بيئاتنا الحضرية سيعني استثماراً يتسم بالجرأة وتفكيراً استراتيجياً.

ويحتاج مخططو المدن لتصميم شبكات نقل مترابطة تماماً لربط الناس بسلاسة بأماكن عملهم وتجارتهم اللاتي يرتادونها. ويعتبر التناسق أساس ذلك؛ فقليل من سيتبنى منظومة مفككة وغير مترابطة تترك الأفراد منعزلين.

إن نجاح بيئة المركبات الكهربائية الصغيرة يحتاج إلى خبرة رقمية وميكانيكية. فقد يساعد على تحقيق التنسيق والترابط تطبيقات الهاتف المصممة جيداً، باستخدام بيانات حية وبإدارة الذكاء الاصطناعي. إذ تسمح التطبيقات للمستخدمين أن يتابعوا حركة القطارات، والحافلات، والدراجات أو السكوتر الكهربائية، ليضمنوا أنه دائماً ما توجد مركبة كهربائية بانتظارهم عند مغادرتهم.

وتشجيعاً للشمول، يجب أن يضمن مصدرو التصاريح بالمدن أن خدمات المركبات الكهربائية الصغيرة تمتد للمناطق الأقل حظوة عن طريق جعل ذلك من شروط المناقصات. وعلى مشغلي النقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة أن يعملوا عن كثب مع مخططي المدن لتصميم هياكل تسعيرة مشتركة، ولضمان تمويل البنية التحتية اللازمة.

كذلك يجب على السلطات بالمدن أن تتحرك بعيد عن التوصيات بإعطاء الأولوية للسيارات، وتحوّل التركيز نحو مركبات النقل الصغيرة، مع تخصيص المزيد من الطرق للمركبات الكهربائية الصغيرة فقط. ويحتاج مشغلو النقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة أن يفكروا تفكيراً تكتيكياً، بحيث يتم تكيّيِف ما يقدمونه وفقاً لكل منطقة حول العالم بما يتناسب مع احتياجاتها الجغرافية والثقافية. و قد تتضمن توسعة نطاق أسطول الدرجات الكهربائية ليشمل الدراجات النارية الكهربائية نفقات عالية في البداية، لكنه قد يساعد على ضمان إرساء تقليد جديد طويل الأمد في حالة وجود طلب في الاسواق.

Hassan Jameel
نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة عبد اللطيف جميل، المملكة العربية السعودية

ويمكن للتفكير الإبداعي أن يسمح لخطط النقل بالمركبات الكهربائية الصغيرة أن تُدمج في منظومة النقل العامة الحالية، أو حتى تطورها. فتركيب كاميرات بث حي بالدراجات الكهربائية والدراجات النارية الكهربائية، على سبيل المثال، يمكنه أن يمد المدن بمعلومات حول الحالة المرورية ومشكلات صيانة الطرق – أو حتى يمكنه إدرار المال وتحقيق الدخل من خلال تزويد جوجل بلقطات للشوارع.

ونحن هنا في عبد اللطيف جميل، ومن خلال شراكتنا مع شركة جريفز اليكتلريك موبيليتي ، فضلا عن الاستثمار الحالي لعائلة جميل مع شركة ريفيان RIVIAN الرائدة في مجال السيارات الأمريكية، واستثمار شركة جميل لإدارة الاستثمار JIMCO في شركة جوبي للطيران Joby Aviation،  نحن نؤكد على أن القطاع الخاص الأوسع نطاقاً من الممكن أن يسهم في تيسير عملية التحول في مجال التنقل.

 ويقول حسن جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس الإدارة بشركة عبد اللطيف جميل: “إن قطاع التنقل يقع ضمن العوامل الرئيسة المسؤولة عن  انبعاثات الكربون العالمية.

ونحن سنبدأ رحلة طويلة الأمد لدعم الشركاء الذين يمكنهم المساهمة في تقديم خيارات نقل أنظف وأكثر استدامة وبأسعار معقولة للمجتمعات في جميع أنحاء العالم”.

حقا إن السيارات الكهربائية تهيمن على أفكارنا وكذا على عناوين الأخبار… لكن المركبات الكهربائية الصغيرة – بفضل أسعارها التنافسية وتنوعها المتأصل – هي ما قد يطلق العنان للإمكانات البيئية والشمولية التي توفرها منظومة النقل التي تعتمد على البطاريات.

 

[1] https://www.alliedmarketresearch.com/micro-mobility-market-A11372

[2]  https://techcrunch.com/2021/12/27/micromobility-in-2022-refined-mature-and-packed-full-of-tech/

[3] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/why-micromobility-is-here-to-stay

[4] https://www.mckinsey.com/industries/automotive-and-assembly/our-insights/why-micromobility-is-here-to-stay

[5] https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-07-11/hackers-are-helping-to-speed-up-china-s-electric-scooter-boom

[6] https://edition.cnn.com/2020/03/25/energy/altigreen-india-electric-rickshaw-spc-intl/index.html

[7]  https://www.cleanfuture.co.in/2019/01/04/tuk-tuk-the-silent-ev-revolution-of-india/

[8] https://www.futuremarketinsights.com/reports/micromobility-platform-market

[9] https://www.bbc.co.uk/news/business-37227562

[10] https://electricrideoncars.co.uk/electric-scooters-for-adults-kids-are-they-legal-in-the-uk/

[11] https://www.ice.org.uk/news-insight/news-and-blogs/ice-blogs/the-infrastructure-blog/what-is-the-future-of-public-transport-after-covid-19/

[12] https://www.forbes.com/sites/jenniferdungs/2021/07/19/why-micromobility-deserves-a-front-seat-in-the-infrastructure-discussions/

[13] https://thecityfix.com/blog/3-ways-cities-can-leverage-micromobility-services-for-good/

[14] https://www.mckinsey.com/features/mckinsey-center-for-future-mobility/mckinsey-on-urban-mobility/what-germany-can-teach-the-world-about-shared-micromobility

[15] https://www.mckinsey.com/features/mckinsey-center-for-future-mobility/mckinsey-on-urban-mobility/what-germany-can-teach-the-world-about-shared-micromobility

[16] https://www.moveelectric.com/e-cars/number-uk-electric-car-charging-points-jumps-33

[17] https://www.iea.org/reports/global-ev-outlook-2022/trends-in-charging-infrastructure

[18] https://www.grandviewresearch.com/industry-analysis/micro-mobility-market-report

[19] https://www.automotiveworld.com/articles/lithium-titanate-could-prove-the-new-driver-of-micromobility/

[20] https://www.technologyreview.com/2023/01/04/1066141/whats-next-for-batteries/

[21] https://guidehouseinsights.com/news-and-views/can-shared-micromobility-prevail-against-anti-social-behavior

[22] https://www.bcg.com/publications/2022/the-future-of-urban-mobility

[23] https://www.forbes.com/sites/jenniferdungs/2021/07/19/why-micromobility-deserves-a-front-seat-in-the-infrastructure-discussions/?sh=6cc3c4d02f59

[24] https://www.forbes.com/sites/jenniferdungs/2021/07/19/why-micromobility-deserves-a-front-seat-in-the-infrastructure-discussions/