أضحى الغذاء – وضمان الحفاظ على إمدادات وفيرة منه يمكننا الاعتماد عليها – ضمن الأولويات الرئيسة للحكومات، ولكل من يهتم بمستقبل هذا الكوكب والجنس البشري. ولعل ذلك يفسر الاهتمام المتزايد بالزراعة المستدامة – والتي تعني هذا النوع من الزراعة الذي يلبي الطلب المتزايد دون تدمير المنظومة الزراعية.

تقع الحرب والطاعون والمجاعات بين “فرسان نهاية العالم الأربعة”. ولكننا كنا على طريق الخلاص منهم حتى عام 2011، عندما راح المفكر والمؤرخ وأستاذ التاريخ والمؤلف يوفال هراري يؤكد : “أن العالم يشهد مجاعات سياسية لا طبيعية” [1].

وقد اجتمعت الأحداث الأخيرة التي شهدتها أوكرانيا وكذا جائحة كورونا لتذكرنا بأنه ما من سلسلة إمدادات يمكنها التصدي لكافة التحديات. فروسيا وأوكرانيا معاً تنتجان 29% من الصادرات العالمية للقمح و62% من زيت عباد الشمس[2]. ويعني ذلك أن الصادرات الغذائية  الأوكرانية توفر الطعام اللازم لـ 400 مليون شخص.[3]

 وفي سبتمبر 2022، أكد مدير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، أمام مجلس الأمن أن الحرب في أوكرانيا تفاقم مشكلة عالمية “غير مسبوقة ”، حيث إنه من المنتظر أن يتعرض ما يصل إلى 345 مليون شخص في 82 دولة إلى المجاعات. ويعد ذلك مشكلة بالنسبة للبلدان الأكثر فقراً بشكل أساسي، ولا يمكن لأحد أن يرضى عن ذلك.

و الجدير بالذكر أن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تستورد نصف غذائها – وتصل هذه النسبة هنا في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 90٪[4].

مشكلة قديمة…

ومن المنتظر أن تزداد الأوضاع سوءاً قبل أن نشهد الإنفراجة. ويعزى ذلك جزئياً إلى ظاهرة تغير المناخ وإن كان السبب الرئيس يكمن في زيادة عدد سكان العالم.

وبحسب معظم التقديرات، من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9.7 مليار شخص بحلول عام [5]2050، ويعني ذلك ضرورة زيادة إنتاج الغذاء  بنسبة 70% من أجل تلبية احتياجات هذا العدد الهائل من السكان. وليس ذلك بجديد، ففي عام 1798، ذهب توماس مالثوس إلى أنه من المنتظر أن يتجاوز عدد سكان العالم موارده في نهاية المطاف لأن عدد السكان يتصاعد هندسياً، بينما يزداد إنتاج الغذاء حسابياً. ولكن هذه التنبؤات لم تتحقق بسبب عدد من العوامل، التي تشمل: زيادة مساحة الأراضي القابلة للزراعة، مثل براري الغرب الأوسط الأمريكي، والأخذ بتقنيات الزراعة الحديثة التي عززت إنتاج الغذاء، وتطوير الأسمدة الاصطناعية. ولكن ما من هذه العوامل سيكون مجدياً الآن – فقد تبين أن كل أداة من الأدوات التي عززت إنتاج الغذاء فيما مضى تخضع لقوانين العواقب والتبعات غير المتوقعة وغير المقصودة.

لنأخذ الأسمدة مثالاً. تعد نترات الأمونيوم NH3 العنصر الأساسي في جميع أنواع الأسمدة الصناعية. وبدونها، سيفقد العالم 30٪ إلى 50٪ من محاصيله الزراعية[6]. يتم تصنيع هذه الأسمدة باستخدام عملية هابر بوش  لتثبيت النيتروجين، والتي تم تطويرها في أوائل القرن العشرين من قبل الكيميائي الألماني فريتز هابر وكارل بوش من شركة المواد الكيميائية الألمانية BASF.

لا شك أن استخدام الأسمدة، على المدى القصير، قد يؤدي إلى زيادة المحاصيل وتحسين الإنتاجية الزراعية. ولكن على المدى الطويل، تكون تكلفة ذلك باهظة وغالباً ما تكون غير ملحوظة. فالنيتروجين الذي لا تمتصه النباتات يؤدي إلى زيادة حمضية التربة وهو ما يغير تركيبها الكيميائي، وقد يذوب في المياه الجوفية في صورة أيونات النترات وينتقل عبر الجداول والأنهار إلى البحر، أو قد  يعود إلى الغلاف الجوي في صورة أكسيد النيتروز، وهو من غازات دفيئة ويعتبر 300 مرة أكثر ضررا من ثاني أكسيد الكربون.[7]

ويعد تراجع التنوع البيولوجي من النتائج الأخرى غير المتوقعة لاستخدام الأسمدة الاصطناعية. فهناك من النباتات ما قد يستخدم النيتروجين بطريقة أفضل من غيره، وهو ما يجعل تلك الأنواع تطغى على الأنواع الأخرى. ويتضح ذلك جلياً في المناطق الميتة التي فيها تصب المصارف التي تمر بالأحواض الزراعية الكبيرة في البحار. ويتيح النيتروجين والفوسفور الموجودان في مياه صرف الأراضي الزراعية لبعض أنواع الطحالب أن تنمو وتزدهر لدرجة أنها تستهلك كل الأكسجين الموجود في الماء وكل شيء – بما في ذلك الطحالب نفسها – ثم تموت.

وخلال النصف الثاني من القرن العشرين، انتشرت هذه المناطق الميتة بمعدل يفوق ما مضى بعشر مرات، حيث زاد معدل تدفق النيتروجين إلى البحار بسبب الزراعة بحوالي 50٪.

ومن التكاليف الأخرى التي يتحملها الإنسان تراجع جودة الطعام الذي يتم إنتاجه. فالزراعة التقليدية التي تقوم على الأسمدة لا تغذي التربة بالمعادن الأساسية التي تحتاجها لزراعة نباتات ذات قيمة غذائية عالية قادرة على الصمود. وبدلاً من ذلك، فإنها تنتج محاصيل عرضة للتأثر بالجفاف والأمراض والآفات. وعلى النقيض، تهتم الزراعة المستدامة وتركز على تغذية التربة، مما يؤدي في النهاية إلى تعزيز صحة النباتات والحيوانات. وباستخدام الأسمدة الطبيعية وتناوب المحاصيل وتقليل عدد الحيوانات في المزرعة، تضمن الزراعة المستدامة خلو التربة من المركبات السامة التي قد تضر بالبشر والحيوانات. ومع توافر التربة الصحية، يمكن للنباتات أن تصمد أمام هجمات الآفات والأمراض لأنها تحتوي على المعادن اللازمة لمنحها المرونة[8] والقدرة على الصمود.

التأثير على التنوع البيولوجي

تتمثل إحدى السمات المميزة للزراعة على النطاق الصناعي في الاعتماد  المفرط على الميكنة التي تستهلك الكثير من الطاقة، لا سيما الوقود الحفري، مما يجعلها أحد المصادر الرئيسة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وعلى النقيض، تعمل الزراعة المستدامة على الحد من استخدام الطاقة على جميع مستويات الإنتاج. وهي لا تعتمد فقط على أدوات الإنتاج الزراعي الأقل استهلاكاً للطاقة، بل إنها تتبنى أيضاً أنظمة الزراعة الذكية. ومن خلال القضاء على استخدام الوقود الحفري والحد من استهلاك الطاقة، تساعد الزراعة المستدامة في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لتلعب بالتالي دوراً مهماً في مكافحة تغير المناخ. ووفقاً لتقرير صدر في يونيو 2021 عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) ، تستخدم الزراعة المستدامة ما يصل إلى 56٪ طاقة أقل لكل وحدة من المحاصيل المُنتجة وتنتج 64٪ أقل من غازات الاحتباس الحراري لكل هكتار[9].

وتعد الزراعة الأحادية، ونعني بها نظام الزراعة الذي يقوم على زراعة مساحات شاسعة من الأرض بسلالة نباتية واحدة، تعد إحدى السمات المميزة للزراعة الصناعية. وعلى مدار المائة عام الماضية، قد لوحظ اختفاء أكثر من 90٪ من أصناف المحاصيل. وفي الوقت الحالي، تمثل تسعة أنواع نباتية فقط 66٪ من إجمالي إنتاج المحاصيل.[10]

إن الاعتماد المفرط على سلالة نباتية واحدة يجعل النباتات أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، والتي قد تنتقل سريعاً من نبات إلى آخر لتقضي على المحصول بأكمله. ولعل “مجاعة البطاطس” – التي شهدتها أوروبا في أربعينيات القرن التاسع عشر والتي اعتُبرت أول كارثة زراعية في العالم – خير دليل على كارثية هذا الأمر .

فالبطاطس التي تزرع محلياً تأتي من بيرو[11]، حيث تضم كل مزرعة صغيرة حوالي 73 نوعاً.

أما في أوروبا، ولأغراض تتعلق بالكفاءة، تم زراعة ثلاثة أو أربعة أنواع فقط، لذلك عندما ظهرت آفة البطاطس، دمرت محصول البطاطس بأكمله، لأن جميع البطاطس كانت متشابهة وراثياً، إن لم تكن متطابقة. وقد كانت أيرلندا البلد الأكثر تضرراً في هذا السياق، حيث لقى الملايين حتفهم وهاجر الكثيرون: ولا يزال عدد سكان أيرلندا اليوم أقل مما كان عليه في أربعينيات القرن التاسع عشر.

وتعكس زراعة البطاطس ثلاث خصائص رئيسة للزراعة التقليدية وهي: استخدام المحاصيل المتجانسة وراثياً، والاستخدام المفرط للأسمدة ومبيدات الآفات. والجدير بالذكر أن المبيدات استخدمت لأول مرة في القرن التاسع عشر لغرض مكافحة أسراب خنفساء البطاطس كولورادو والتي اجتاحت الولايات المتحدة. ويذهب البعض إلى أن الصناعة بأكملها بدأت عندما ألقى مزارع  علبة من الطلاء على سرب من هذه الحشرات في ثورة غضبه فماتوا. أما في الوقت الحالي، ونظراً لأن المحاصيل الأحادية أكثر عرضة للإصابة بالآفات والأمراض، تعتمد المزارع الصناعية الكبيرة بشكل ملحوظ على مبيدات الأعشاب ومبيدات الآفات للحفاظ على صحة نباتاتها، دون الاكتراث بالنباتات أو الحيوانات الأخرى المجاورة التي تتعرض للتسمم أيضاً.

وعلى عكس الزراعة الصناعية، تركز الزراعة المستدامة على أنظمة الزراعة المتنوعة التي تستخدم مجموعة مختلفة من المحاصيل. ويضمن تنوع النباتات في نظام الزراعة هذا أنها أصبحت أكثر مرونة لمواجهة وتحمل أي آفات أو أمراض أو حالات جفاف.

الحفاظ على إمدادات المياه

يستهلك القطاع الزراعي حوالي 69٪ من مياه كوكبنا العذبة [12]، ويكون ذلك غالباً لغرض ري الأراضي الزراعية. وعلى عكس طرق الري التقليدية، تستخدم النظم الزراعية المستدامة العديد من التقنيات الحديثة للحفاظ على المياه، ويشمل ذلك:  الري بالتنقيط والتغطية، والزراعة الكنتورية وشرائط الترشيح ويكون ذلك بالقرب من الأنهار للحد من تلوث الكتلة المائية، وكل ذلك بالإضافة إلى إعطاء الأولوية للمحاصيل المعمرة ذات الجذور العميقة التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء.

وبالنسبة للبلدان التي تكافح من أجل تلبية الطلب على الغذاء، تمثل الحل التقليدي في زيادة مساحة الأرض المزروعة، ولكن مرة أخرى، ثمة تكاليف باهظة غير متوقعة لذلك، ناهيك عن ظهور الأمراض الحيوانية المنشأ مثل فيروس كوفيد.

من ناحية أخرى، تؤدي إزالة الغابات لأغراض الزراعة إلى تراجع الحواجز الطبيعية التي تحمي البشر من الفيروسات ومسببات الأمراض الأخرى المنتشرة بين الحياة البرية. ومسببات الأمراض تنتشر بسهولة أكبر بين القطعان لاسيما المتشابهة وراثياً – وهي كلها – خاصة عندما يتم تربيتها بشكل مفرط، تكون أقرب إلى بعضها البعض مما قد تكون عليه في المعتاد. ويلاحظ ذلك في مزارع بطاريات الدجاج، والماشية والأبقار الحلوب وكذا في مزارع الخنازير. وعلى الرغم من ذلك، فخلال الفترة بين عامي 2000 و 2010، كانت الزراعة التجارية واسعة النطاق مسؤولة عن 40٪ من إزالة الغابات المدارية، بينما مثلت زراعة الكفاف المحلية 33٪ أخرى[13]. ويؤدي فقدان الغابات والممارسات الزراعية غير المستدامة إلى تآكل التربة، حتى أنه خلال الـ 150 عاماً الماضية، فقدنا نصف التربة السطحية الزراعية بالكامل.[14]

حل جديد

يبدو جلياً أن الزراعة التقليدية ضارة بالبيئة وليست مستدامة. والأكثر من ذلك، أنها غير آمنة بطبيعتها. وعلى غرار أي صناعة أخرى، يحدث الاندماج في الزراعة؛ حيث تستحوذ الكيانات الأكبر على مزارع الأفراد، ولأنها أكثر كفاءة، فهي تزج باللاعبين الأصغر خارج إطار المنافسة ثم تستحوذ عليهم. لكن الاعتماد على الشركات العملاقة في مجال الزراعة يعد أمراً محفوفاً بالمخاطر – لأنه إذا واجهت إحداها مشكلة، فقد يتحول الأمر إلى أزمة دولية.

وتعد الزراعة المستدامة إحدى طرائق توزيع المخاطر، فهي تشجع اللامركزية  وتركز على الكيانات الأصغر، ولذلك فإن فرص تعريض سلاسل التوريد للخطر تتراجع.

ولعل كافة السلبيات والمشكلات والمخاطر المرتبطة بالزراعة التقليدية تجعلنا نعرف الزراعة المستدامة من منطلق ما لا تنطبق عليه وليس ما تشتمل عليه. فوفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن التعريف العملي المفيد للزراعة المستدامة هو أنها “الزراعة التي تلبي احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة، مع ضمان تحقيق الربحية والصحة البيئية والإنصاف والعدالة الاجتماعية والاقتصادية. كما إنها تعطي الأولوية  لاستخدام التقنيات التي تحاكي الطبيعة من أجل الحفاظ على خصوبة التربة ومنع تلوث المياه وحماية التنوع البيولوجي[15]“. ومع ذلك، فإن هذا التعريف يعد مرناً إلى حد ما، وغالباً ما يعكس اهتمامات ثقافية أو تجارية.

لنأخذ على سبيل المثال منصة مبادرة الزراعة المستدامة والتي يوجد مقرها في بروكسل. تضم المنصة 170 عضواً من أعلام قطاعات الزراعة والأغذية والمشروبات على المستوى العالمي، ويوجد بها عدد من الشركات متعددة الجنسيات مثل كارلسبيرج Carlsberg وهاينكين Heineken وكارجيل Cargill ودوبونت Dupont، ووفقا للمنصة: “يضم الأعضاء الجميع بدءاً من صغار المزارعين والتعاونيات الزراعية الصغيرة، والشركات الصغيرة التي بدأت رحلتها للتو نحو الاستدامة ووصولاً إلى بعض أكبر الشركات متعددة الجنسيات في العالم”.

ولعل هذا المزيج من أصحاب المصلحة ذوي الأولويات المختلفة ينطوي على تناقضات خاصة به. إذ يعتبر بعض أعضائه مثل المائدة المستديرة الأوروبية لاستدامة لحوم البقر، والصندوق العالمي للحياة البرية والمعني بالزراعة المستدامة، عملية تربية لحوم البقر غير مستدامة بشكل واضح. فقد اشار الصندوق إلى “أن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تؤكد أن قطاع الثروة الحيوانية وحده مسؤول عن 18٪ من إجمالي إنتاج غازات الاحتباس الحراري”[16].

على الرغم من ذلك، تعتبر منصة مبادرة الزراعة المستدامة (SAI) ملتزمة “بتنمية قطاع زراعي مستدام وصحي ومرن جنباً إلى جنب مع توفير سلاسل توريد  قوية وآمنة”[17]. ونحن علينا ببساطة أن نقبل أن الزراعة المستدامة ليست “آلية واحدة تناسب الجميع” بل يلزم تكييفها وفقاً للظروف المختلفة.

إحراز التقدم

نادراً ما تتشابه تلك الظروف المتطرفة مع ما يحدث في سنغافورة – الدولة المدينة المتقدمة تقنياً – حيث يتم تخصيص أقل من 1٪ من مساحة أراضيها التي تبلغ 720 كيلومتراً مربعاً للمزارع، بينما تقوم الدولة باستيراد أكثر من 90٪ من عذائها[18]. وتستهدف سنغافورة تغيير ذلك. ففي عام 2019، أعلنت الحكومة إنه يتعين على الدولة أن تقوم بإنتاج 30٪ من غذائها بحلول عام 2030، وقد قدمت دعم مادي يصل إلى – 207 مليون دولار سنغافوري (149 مليون دولار أمريكي) – من أجل تعزيز الإنتاجية والتشجيع على البحث ودعوة المزارعين في المناطق الحضرية المستدامة للتقدم بطلبات من أجل استئجار أسطح تسع مواقف سيارات مملوكة للدولة. وكما يليق باقتصاد مثل اقتصاد سنغافورة، يستعين قطاع الزراعة بالتكنولوجيا من أجل المساعدة في إدارة العناصر المتقلبة مثل درجة الحرارة والرطوبة وثاني أكسيد الكربون والضوء والماء والعناصر المغذية بغرض إنتاج محاصيل مستدامة وأفضل من حيث المذاق مثل الخس والحميض والسلق.

ويبدو أن هذا النهج سينجح في منطقة الشرق الأوسط، حيث أنشأت شركة نوكس مانجمنت ومقرها الكويت مزرعة عمودية داخلية تجارية وذلك بالشراكة مع شركة جروي Growy المتخصصة في مجال التكنولوجيا الزراعية والتي تتخذ من هامبورج مقراً لها. وجاء إنشاء المزرعة خارج مدينة الكويت، والغرض منها إنتاج خضروات السلطة. وتمتد المزرعة على مساحة 3000 متر مربع، وتستخدم أجهزة استشعار تعمل بتقنية إنترنت الأشياء للتحكم رقمياً في البذور والإنبات والحصاد ودرجة الحرارة والرطوبة والانبعاثات وتدفق الهواء، وذلك باستخدام مياه أقل بنسبة 90٪ وأسمدة أقل بنسبة 60٪ مقارنة بالزراعة التقليدية[19].

كما تهتم بلدان مثل الهند اهتماماً كبيراً بإمكانية الجمع بين التكنولوجيا والزراعة بهدف زيادة الإنتاج، دون الإضرار بالبيئة أواستنفاد الموارد الطبيعية. فعلى سبيل المثال، قامت شركة أومنيفور[20] ذات رأس المال الاستثماري في مجال التكنولوجيا الزراعية بتمويل الشركات الناشئة التي تقدم خدمات التكنولوجيا المالية، ومنصات سوق الأعمال التجارية، وتقنيات ما بعد الحصاد من أجل زيادة الكفاءة والاستدامة. و تعد شركة فصال[21] إحدى هذه الشركات، وهي شركة متخصصة في مجال التكنولوجيا الزراعية توفر المعدات الزراعية بالغة الدقة اللازمة لأنظمة الري الدقيقة. وقد قامت بتركيب أجهزة استشعار لرطوبة التربة في أكثر من 16000 هكتار من الأراضي الزراعية في الهند للحفاظ على المياه باستخدام الذكاء الاصطناعي و تقنية إنترنت الأشياء. وقد أبلغ المستخدمون عن توفير ما يصل إلى 40٪ في المياه إلى جانب تحقيق نجاح ملحوظ في علاج أمراض المحاصيل[22].

وفي الوقت الذي يزداد فيه القبول بفكرة الزراعة المستدامة، استحوذ بديل آخر على الاهتمام. ففي يونيو 2021، أطلق برنامج الأمم المتحدة للبيئة وشركاؤه منصة الشراكة التحويلية التي تركز على الزراعة الايكولوجية أو الزراعة المتجددة[23]. ولهذه المنصة هدفان: ضمان الأمن الغذائي والتغذوي؛ ومواجهة التدهور الذي تسبب فيه الإنسان. وووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تعد الزراعة الايكولوجية جد مفيدة من أجل تحقيق 12 هدف من أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة، ولأنها تتطلب مدخلات أقل وتختصر سلاسل القيمة، فمن المنتظر أن تحقق التمكين للمزارعين والمجتمعات المحلية على حدٍ سواء.

وتحظى هذه الفكرة بدعم كبير. ففي عام 2021، أطلقت شركة نستله، وهي شركة عملاقة في مجال الأغذية والمشروبات، خطة خمسية للزراعة المتجددة باستثمارات بلغت 1.3 مليار دولار أمريكي بهدف مساعدة 500000 مزارع و 50000 مورد حول العالم على تحسين المكونات العضوية للتربة وخصوبتها.[24]

وتمثل الزراعة السبب الرئيس فيما يقرب من ثلثي إجمالي غازات الاحتباس الحراري التي تصدر عن شركة نستله، بينما تشكل منتجات الألبان والماشية حوالي النصف من ذلك. وفي مجال منتجات الألبان، على سبيل المثال، تقوم شركة نستله بتقييم أحدث العلوم والتقنيات لغرض الحد من الانبعاثات على مستوى المزارع. ومن المنتظر أن تبدأ الشركة العمل مع 30 مزرعة ألبان مرجعية في 12 دولة من أجل اختبار بعض الممارسات الزراعية المتجددة والقابلة للتطوير والتي تسهم في مواجهة ظاهرة تغير المناخ وتساعد في بلوغ صافي الانبعاثات الصفرية من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. كما تعمل نستله أيضاً مع المزارعين بغرض اختيار وزراعة بعض الاصناف لاستخدامها كبدائل للحليب.

وفي مكان ليس ببعيد، افتخر بأن معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS)، والذي شارك في تأسيسه في عام 2014 كل من مجتمع جميل ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، يساعد في دعم أبحاث التكنولوجيا الغذائية المتقدمة في مسعى توفير الغذاء لسكان هذا الكوكب بطريقة أكثر استدامة.

وقد كان من دواعي سروري أيضاً أن أرى اسهامات شركة جميل لإدارة الاستثمار جيمكو (JIMCO)، من خلال صندوق الأصول الاستراتيجي، في دعم برامج التكنولوجيا الغذائية والزراعة المستدامة في جميع أنحاء العالم، ودعم صندوق جيمكو للتكنولوجيا للتقنيات البديلة في الأسواق المجاورة، ويشمل ذلك الاستثمار في شركة فيترولابس انك، الشركة الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية، والتي تنتج جلوداً من خلايا تمت زراعتها بعيداً عن منظومة الذبح.

ويعد كل ذلك جهداً محموداً … ولكن هل يكفي؟ هناك دلائل على أن خطط تعزيز إنتاج الغذاء بشكل آمن تتحرك ببطء شديد، وأن هناك فجوة آخذة في الاتساع بين من يملكون ومن لا يملكون، وكل ذلك يزداد سوءاً بسبب تغير المناخ الذي تسهم فيه الممارسات الزراعية غير المستدامة. حيث ارتفع عدد الذين يعانون من الجوع على مستوى العالم إلى ما يصل إلى 828 مليوناً في عام [25]2021، وهو ما يمثل زيادة قدرها حوالي 46 مليوناً منذ عام 2020.

على الرغم من ذلك، لا يمكن أن ندع حجم الجبل يثنينا عن جهودنا للوصول إلى القمة. تتحمل البشرية العبء الأكبر من المسؤولية عن أزمة المناخ التي تهدد كوكبنا. والأمر متروك للبشرية أيضاً لإيجاد الحل، مهما كان ذلك صعباً. والتحرك بخطوات صغيرة من أجل إحراز التقدم يعتبر أفضل بكثيرمن الوقوف مكتوفي الأيدي.

 

[1] Homo Deus, Yuval Noah Harari, 2011.

[2] https://www.worldbank.org/en/news/video/2022/04/05/the-impact-of-the-war-in-ukraine-on-food-security-world-bank-expert-answers

[3] https://www.economist.com/leaders/2022/05/19/the-coming-food-catastrophe

[4] https://www.economist.com/leaders/2022/05/19/the-coming-food-catastrophe

[5] https://www.un.org/en/global-issues/population

[6] https://www.economist.com/christmas-specials/2022/12/20/deadly-dirty-indispensable-the-nitrogen-industry-has-changed-the-world

[7] https://www.epa.gov/ghgemissions/overview-greenhouse-gases

[8] https://www.linkedin.com/pulse/8-reasons-why-sustainable-agriculture-important-rebekah-shields/

[9] https://www.unep.org/news-and-stories/story/beginners-guide-sustainable-farming

[10] https://www.unep.org/news-and-stories/story/rethinking-food-systems

[11] The Food Programme 17:30-22.18.    https://www.bbc.co.uk/sounds/play/b08n20k3

[12] https://www.bbc.co.uk/sounds/play/b08n20k3

[13] https://www.unep.org/news-and-stories/story/rethinking-food-systems

[14] https://www.worldwildlife.org/industries/sustainable-agriculture

[15] https://www.unep.org/news-and-stories/story/beginners-guide-sustainable-farming

[16]  https://www.worldwildlife.org/industries/sustainable-agriculture

[17]  https://saiplatform.org/

[18] https://www.economist.com/asia/2020/07/04/singapore-looks-to-the-skies-for-fields

[19] https://www.prnewswire.co.uk/news-releases/nox-management-realizes-a-significant-profit-after-the-acquisition-of-amp-ever-in-a-deal-worth-euro-130-million-870911616.html

[20] https://www.omnivore.vc/impact-2/

[21] https://fasal.co/about.html

[22] https://fasal.co/case-studies.html

[23] https://glfx.globallandscapesforum.org/topics/21467/page/TPP-home

[24] https://www.nestle.com/media/pressreleases/allpressreleases/support-transition-regenerative-food-system

[25] https://www.who.int/news/item/06-07-2022-un-report–global-hunger-numbers-rose-to-as-many-as-828-million-in-2021