تحفيز الرعاية الصحية :مواجهة التبعات الصحية للاحترار العالمي
هل يشكل تغير المناخ تهديدا وجوديا؟ بالطبع… ويطول هذا التهديد كل من وقع ضحية لبراثن هذه الظاهرة.
يعيش نحو 3.6 مليار شخص في مناطق توصف بأنها الأكثر عرضة لتغير المناخ وتبعاته[1]. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال العقدين الماضيين، ارتفعت الوفيات الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة بين من تزيد أعمارهم عن 65 عاما بنسبة 70%[2]. وقد خلص التقرير التقييمي السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن مخاطر المناخ تواجهنا بوتيرة أسرع من أي وقت مضى[3]. ووفقا لبيانات البنك الدولي ، من المنتظر أن يخلف ارتفاع درجات الحرارة 21 مليون حالة وفاة جديدة على الأقل بحلول عام 2050، وذلك نتيجة لخمسة مخاطر صحية وهي: ارتفاع الحرارة، وتأخر النمو، والإسهال، والملاريا، وحمى الضنك[4]. وسيظل كل من ينجو من الموت يعاني من عواقب وتبعات تغير المناخ.
أهي كارثة حتمية سيواجهها الملايين؟
من المتوقع أن تتراوح التكلفة المباشرة لتأثيرات تغير المناخ على الصحة ما بين 2 و 4 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030[5]. وتتفاقم المشكلات الصحية القائمة وتتواتربسبب تغير المناخ الذي يفاجأنا كل يوم بمشكلات جديدة – سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فهو ينطوي على مخاطر صحية قصيرة الأجل وأخرى طويلة الأجل، ويؤثر في الوقت نفسه سلبا على الأنظمة التي يعتمد عليها الإنسان كي يتمتع بصحة جيدة، ويشمل ذلك الغذاء والمياه وسبل العيش والمجتمعات والرعاية الصحية والاقتصاد. وكل ذلك يضاعف مخاطر تغير المناخ.
تشمل التأثيرات الصحية المرتبطة بتغير المناخ ما يلي:
- الإصابات والوفيات الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة
تتعرض حياة الإنسان للخطر بسبب العواصف والفيضانات وحرائق الغابات ونوبات الجفاف. وقد تعيق مثل هذه الظواهر فرص الإنسان للحصول على الرعاية الطبية، وينطبق ذلك بشكل خاص على الفئات الأكثر ضعفا مثل النساء الحوامل والأطفال وكبار السن أو الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، وقد تسهم في تفاقم بعض المخاطر الصحية أيضا.
- الأمراض المرتبطة بالحرارة
في عام 2023، سجل العالم أعلى درجات حرارة لم نشهدها منذ أكثر من 100000 عام[6]. ويسبب التعرض للحرارة الشديدة – لاسيما لفترات طويلة – الإعياء الشديد والإصابة بضربات الشمس وأمراض الكلى والقلب ناهيك عن المخاطر التي تتعرض لها الأم الحامل والجنين[7]. وتعزى حوالي 37٪ من الوفيات المرتبطة بالحرارة إلى تغير المناخ الذي سببه الإنسان[8]. وبالنظر إلى مسار الاحترار الحالي، من المنتظر أن تزداد الوفيات السنوية الناجمة عن الحرارة المرتفعة بنسبة 370٪ بحلول منتصف القرن[9].
- أمراض الجهاز التنفسي
تتأثر جودة الهواء سلبا بسبب الظواهر المناخية المتطرفة وارتفاع درجات الحرارة، ويشمل ذلك حرائق الغابات والغبار. وينجم عن ذلك أمراض الجهاز التنفسي[10]. فمع الجفاف ينتشر الغبار، ومع ارتفاع درجات الحرارة ترتفع معدلات الأوزون الضار[11]، ومع الفيضانات تتفشى الأمراض الناجمة عن انتشار البكتيريا الخطيرة والعفن[12]. وكلما تراجع مستوى جودة الهواء، كلما إزدادت مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والربو وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى وبعض أنواع السرطان وتفاقمت مضاعفات الحمل[13].[14] ويعد الأطفال وكل من يعاني من حالات صحية مزمنة الأكثر عرضة لكل تلك المخاطر.
- المخاطر الصحية التي تنتشر عبر المياه
تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن 2 مليار شخص يعيشون بلا مياه شرب آمنة[15]. وتؤدي زيادة معدلات هطول الأمطار والعواصف والفيضانات إلى تلوث موارد المياه بالفيروسات والبكتيريا، مما يسبب أمراض الجهاز الهضمي وغيرها[16]. ومع ارتفاع درجات الحرارة تزدهر الطحالب فتنتشر السموم الضارة الناتجة عنها[17].
- الأمراض التي تنقلها حوامل الفيروسات والأمراض الحيوانية المنشأ
تخلق البيئات الأكثر دفئًا ورطوبة ظروفًا مواتية لحوامل الفيروسات أو نواقل الأمراض التي يمكنها نقل الأمراض من الحيوانات إلى البشر. وتعد نواقل الأمراض حاليًا مسؤولة عن أكثر من 700000 حالة وفاة سنويًا[18]. فعلى سبيل المثال، بدأت أنواع من البعوض والقراد تنتشر في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم، وهي تحمل فيروسات غرب النيل وأوسوتو[19]. وبحلول منتصف القرن، من المتوقع أن تتوسع الخطوط الساحلية التي تدعم مسببات الأمراض من النوع فيبريو بنسبة 17٪ -25٪، كما ستزداد معدلات الإصابة بحمى الضنك بنسبة 36٪ -37٪[20].
- الغذاء والمياه والصرف الصحي
يهدد تغير المناخ أمن المياه وإنتاج الغذاء والصرف الصحي. فقد زادت مساحة الأراضي المتضررة عالميا من الجفاف الشديد من 18٪ خلال الفترة من 1951 وحتى 1960 لتصل إلى 47٪ خلال الفترة من 2013 وحتى 2022، مما يعرض الملايين لمخاطر سوء التغذية والتبعات الصحية التي قد لا يمكن معالجتها[21]. من ناحية أخرى، قد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى إطالة دورة بعض المحاصيل، وقد يحد من التنوع البيولوجي ويزيد من الآفات[22].
- الصحة العقلية والنفسية الاجتماعية
وتشمل التبعات الصحية لتغير المناخ أيضا انتشارحالات القلق والاكتئاب و اضطرابات ما بعد الصدمة وتفاقمها. وبالإضافة إلى عدم استقرار الوظائف، يمكن أن تؤدي الكوارث الطبيعية وحالات النزوح إلى التأثير سلبا على التماسك الاجتماعي وشبكات الدعم، فترتفع معدلات تعاطي المخدرات والعنف[23].
ما هي الفئات الأكثر عرضة للخطر؟
ترتبط احتمالية ومدى تأثر الفرد بعواقب تغير المناخ بعدد من العوامل التي نذكر منها: الجغرافيا والديموجرافيا والصحة والبيولوجيا والوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وإمكانات النظم الصحية والنوع.
وتشمل الفئات الأكثر [24]عرضة للخطر:
- الأطفال
- الفئات الاجتماعية الهشة
- السكان الأصليون
- كبار السن
- من يعانون من أمراض مزمنة
- ذوي الإعاقة
- العمال
- النساء الحوامل والمرضعات، ومن هن في مرحلة ما بعد الولادة
وقد وضعت وكالة حماية البيئة الأمريكية إطارًا للتقييم يقوم على ثلاثة عوامل رئيسة تتحدد بها احتمالية ومدى تعرض الفرد لعواقب تغير المناخ:
- التعرض:
لن يتعرض الجميع لمخاطر تغير المناخ بالشكل نفسه. إذ سيعتمد تعرض الإنسان لمثل هذه المخاطر على المكان وكيفية قضاء الإنسان لوقته. فعلى سبيل المثال، قد يكون الأشخاص الذين يقضون الكثير من الوقت في الهواء الطلق أكثر تعرضًا للحرارة الشديدة.
- الحساسية:
يعتبر البعض أكثر حساسية من غيرهم لمخاطر المناخ، ويعزى ذلك إلى بعض العوامل التي نذكر منها العمر والصحة. فعلى سبيل المثال، يعد الأطفال والبالغون المصابون بالربو أكثر عرضة للتأثر بالملوثات الجوية ودخان حرائق الغابات.
- القدرة على التكيف:
يمكن للبعض التكيف مع مخاطر تغير المناخ أو الاستفادة منها أو الاستجابة لها. وقد تعتمد قدرة الفرد على التكيف مع هذه المخاطر على دخله وعمره وحالته المعيشية وقدرته على الحصول على خدمات الرعاية الصحية والعديد من العوامل الأخرى.
الفئات المحرومة والبلدان ذات الدخل المنخفض هي الأكثر عرضة للخطر
ترتبط الصحة ارتباطًا وثيقًا بالتعليم والوضع الوظيفي والنوع والعرق. ويهدد تغير المناخ النوع البشري باتساع الفجوة الصحية القائمة بين البلدان وداخلها[25].
ووفقًا لورقة بحثية نشرتها الأمم المتحدة، يتم ذلك من خلال ثلاثة محاور:
- زيادة تعرض الفئات المحرومة للمخاطر المناخية
- زيادة تعرضهم للأضرار ذات الصلة
- تراجع قدرتهم على التكيف والتعافي[26]
وخلال العقد الماضي، كان معدل الوفيات الناجمة عن الأحداث الجوية المتطرفة وحدها أعلى بمقدار 15 مرة في المناطق الهشة[27] أو الأكثر عرضة للخطر، وعادة ما توجد مثل هذه المناطق في البلدان ذات الدخل المنخفض والدول الجزرية الصغيرة.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن ” الذين تتضرر صحتهم أولاً وعلى نحو أسوأ بسبب أزمة المناخ هم الأشخاص الأقل إسهاما في حدوثها والأقل قدرة على حماية أنفسهم وأسرهم منها : ويشمل ذلك البلدان والمجتمعات ذات الدخل المنخفض والمحرومة“.[28]
الأزمة تتفاقم مع صعوبة الحصول على خدمات الرعاية الصحية
ينفق حوالي 930 مليون شخص ما لا يقل عن 10٪ من ميزانية أسرهم على الرعاية الصحية، وتدفع تكلفة الرعاية الصحية 100 مليون شخص للوقوع فرائس لبراثن الفقر كل عام.[29]
ووفقا لتقديرات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لا تتوافر ل 30٪ من سكان العالم فرص الحصول على الخدمات الصحية الأساسية. ومن ناحية أخرى، يواجه 2 مليار شخص عواقب قلة الإنفاق الصحي[30]. وقد أكدت أحدى الدراسات التي أجرتها مجلة لانسيت أن 27٪ من المدن التي شملها الاستطلاع قد تأثرت أنظمتها الصحية سلبا بفعل تغير المناخ.[31]
لا شك أن اعتلال الصحة يحد من قدرة الناس على العمل، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد، وبالتبعية على إمكانات توفير خدمات الرعاية الصحية. وتبلغ التكلفة الاقتصادية للأحداث الجوية المتطرفة حوالي 264 مليار دولار أمريكي، وقد وارتفعت هذه التكلفة بنسبة 23٪ بين عامي 2010-2014 و عامي 2018 -2022[32]. وتؤكد أحدى الدراسات الصادرة عن البنك الدولي أن تغير المناخ قد يدفع 132 مليون شخص آخرين إلى الفقر المدقع بحلول عام 2030، 44 مليون منهم بسبب التأثيرات الصحية[33]. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف المتضررين يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا.
ما الذي يمكن القيام به؟
تعتبر تدابير الصمود والتكيف جد ضرورية لحماية السكان المعرضين للخطر الشديد. وفي الوقت نفسه، لابد من إحراز تقدم مستمر وطويل الأجل للحد من الانبعاثات، ومنع درجات الحرارة من تجاوز العتبات الخطيرة. فالحل المثالي يتمثل في جعل معدل ارتفاع الحرارة لا يتجاوز ال 1.5 درجة مئوية.
حان وقت الحساب
من العدل أن يتحمل العالم المتقدم الجزء الأكبر من كلفة التصدي لتغير المناخ. ولكن حتى الآن، تقاعست أغنى البلدان عن توفير مبلغ 100 مليار دولار أمريكي سنويًا لدعم العمل المناخي فيها، كما جاء في الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ
التحول إلى الطاقة النظيفة
إن الحد من الاعتماد على الوقود الملوث للبيئة من شأنه أن يقلل من عدد الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء، والتي تقدر ب 1.9 مليون نسمة، وأن يوفر فرص العمل. وعلى الصعيد العالمي، لا يزال أكثر من نصف مليار شخص يعيشون بدون كهرباء، بينما يعتمد ما يقرب من مليار شخص آخرين على مرافق الرعاية الصحية التي لا تتوافر لديها مصادر موثوقة للطاقة[34]. وفي البلدان ذات مؤشر التنمية البشرية المنخفض، يتم توليد 2.3% فقط من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة الحديثة، ولا يزال أكثر من 9 من كل 10 أسر تستخدم الكتلة الحيوية، مقارنة بـ 11% و7.5%، على التوالي، في البلدان ذات مؤشر التنمية البشرية المرتفع.[35]
وعلى الرغم من كل ذلك، تم إحراز تقدم ملحوظ. فقد تراجع عدد الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء بسبب الوقود الحفري بنسبة 15.7٪ منذ عام 2005 – ويعزى الجزء الأكبر من هذا التراجع إلى الحد من استخدام الفحم [36]. وفي عام 2022، شكلت الكهرباء المتجددة 90٪ من النمو في سعة الكهرباء، وبلغ الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة 1.6 تريليون دولار أمريكي، متجاوزًا الاستثمار في الوقود الحفري بنسبة 61٪، [37] مما يشير إلى أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.
وبالإضافة إلى التحول إلى إنتاج الطاقة الأنظف والأكثر محافظة على البيئة، يمكن للمجتمع العالمي دعم:
- النقل الأخضر:
لا يزال الوقود الحفري يشكل 95٪ من النقل البري، وهو ما يوفر فرصة هائلة لإحراز المزيد من التقدم. [38]
- المباني والمساحات الأكثر كفاءة:
إن إنشاء المزيد من المساحات الخضراء والزرقاء وتقليل الاعتماد على مكيفات الهواء من شأنه أن يعزز الصحة العقلية والجسدية.
- تحفيز تغيير نمط الحياة:
إن تشجيع الأفراد على استخدام وسائل النقل العام وممارسة المزيد من التمارين الرياضية يمكن أن يجنبنا 460.000 حالة وفاة سنويًا تحدث بسبب التلوث المرتبط بالنقل و3.2 مليون حالة وفاة تنجم عن عدم ممارسة أي نشاط بدني[39].
- الحد من الكربون في الأنظمة الغذائية:
يعتبر إنتاج وتوزيع الغذاء مسؤولا عن 30٪ من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي. وفي عام 2020، جاء 57٪ من الانبعاثات الزراعية نتيجة إنتاج اللحوم الحمراء والحليب. ولعل السعي لتوفيرأنظمة غذائية صحية وأقل اعتمادا على الكربون بأسعار معقولة من شأنه أن يحسن الصحة مع خفض التأثير المناخي.[40]
تحسين الصحة العامة وضمان الحصول على خدمات الرعاية الصحية بشكل عادل
عندما لا تتوافر فرص عادلة للحصول على خدمات الرعاية الصحية، تتراجع الانتاجية والمساهمات الضريبية وترتفع مدفوعات الرعاية الاجتماعية وكذا نفقات الرعاية الصحية. ووفقا لتقديرات البرلمان الأوروبي، تصل تكلفة غياب شمس العدالة من سموات الحصول على خدمات الرعاية الصحية إلى حوالي 1.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي – وهو ما يعادل حجم الإنفاق الكلي في مجال الدفاع. [41]
ويعتبر تحسين خدمات المياه والصرف الصحي من الحلول الفعالة. وبالمثل، يرتبط تطعيم الأطفال ضد التهديدات الشائعة المرتبطة بالمناخ مثل الدفتيريا والسعال الديكي والتيتانوس ارتباطا وثيقا بارتفاع متوسط العمر المتوقع. [42]
وفي التحليل الأخير، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من ارتفاع التكلفة الأولية للتغطية الصحية الشاملة، إلا أنها دوما ما تؤتي بثمارها في نهاية المطاف عندما يعيش الناس عمرا أطول وتكون حيواتهم أكثر صحة وإنتاجية.
الرعاية الصحية: مثالا يحتذى به
يعتبر مجال الرعاية الصحية مسؤولا عن حوالي 5% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي.[43] وتعمل منظمة الصحة العالمية على تحديد الفرص المتاحة لإزالة الكربون من الأنظمة الصحية عالية الانبعاثات ودمج الاستدامة البيئية في الاستثمارات.[44] ويعد توفير الطاقة النظيفة للبنية التحتية وأساطيل النقل وصناعة الأدوية والمعدات منخفضة الكربون نقاط انطلاق جيدة. ويساعد البنك الدولي الأنظمة الصحية على تعزيز المرونة من خلال توفير أنظمة المراقبة والإنذار المبكر الخاصة بالمناخ، وتعزيز قدرة القوى العاملة، وحماية البنية التحتية للرعاية الصحية من تبعات أزمة المناخ.[45]
التحالفات العالمية
من خلال أوجه التعاون المختلفة والعمل المشترك، يمكن لجميع أصحاب المصلحة في منظومة الرعاية الصحية العالمية الإسهام في تنفيذ المبادرات التي تنطلق عبر القطاعات المختلفة من أجل معالجة بعض أسوأ التأثيرات السلبية التي طالت مضمار الصحة بسبب أزمة المناخ.
وبالفعل، تتعاون منظمة الصحة العالمية مع قطاع الصحة العالمي من أجل تضمين أولويات الصحة مثل التغطية الصحية الشاملة والحياد الكربوني في السياسات بحلول عام 2030. وهي تستغل شبكة عالمية من الخبراء لمراقبة تغير المناخ وتوفير المعلومات لوضع سياسات فعالة. من ناحية أخرى، تقود المنظمة التحالف من أجل العمل التحويلي بشأن المناخ والصحة والمعروف اختصارا ب ATACH ، كما تتولى تدريب الشركاء والحكومات لدعم التزاماتهم بأنظمة الصحة المنخفضة الكربون.[46]
وفي الوقت نفسه، يعد البنك الدولي أكبر مستثمر في مجال المناخ و أكبرممول لأنظمة الصحة. وكجزء من برنامج المناخ والصحة، تعمل المنظمة على أخذ قضية المناخ بعين الاعتبار في محفظتها الصحية التي تقدر ب 34 مليار دولار أمريكي و تغطي أكثر من 100 دولة. وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 80٪ من الاستثمارات يتم تخصيصها للتدخلات التي تهدف إلى التكيف مع الأزمة، ويشمل ذلك دعم التغذية وأنظمة المراقبة ومراكز الاستجابة للطوارئ.[47]
ففي مدغشقر، على سبيل المثال، استفاد حوالي 3 ملايين طفل من الاستثمارات التي تمثل هدفها في توسعة نطاق الأمن الغذائي وتوفيره للفئات الأكثر عرضة لعواقب تغير المناخ. وتساعد أنظمة المراقبة والإنذار المبكر اليمن وهايتي على اكتشاف الكوليرا وغيرها من الأمراض ذات الصلة بالمناخ. وفي ناجالاند (الهند)، أمّن البنك الدولي طاقة موثوقة لـ 175 منشأة صحية من خلال توفير الطاقة الشمسية خارج الشبكة.[48]
وفي السباق الذي تقوده الأمم المتحدة لبلوغ صافي الانبعاثات الصفرية، تلتزم 77 مؤسسة رعاية صحية عامة وخاصة بتحقيق هدف بلوغ صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.[49]
ويهدف تحالف مقاومة الحرارة الشديدة والمعروف اختصارا ب EHRA، والذي يضم أكثر من 60 منظمة، إلى تعزيز قدرة 500 مليون شخص معرضين للخطر، بما في ذلك النساء، بحلول عام 2030 من خلال حلول ابداعية تشمل التأمين المعياري وأنظمة الإنذار المبكر والهياكل المظللة للتخفيف من آثار الحرارة الشديدة. وقد استفادت أكثر من 2300 امرأة بشكل مباشر من المشروعات التي تم إطلاقها في الهند وسيراليون. وتجدر الإشارة إلى أنه بإمكان التحالف مساعدة أكثر من 2 مليون شخص في المستقبل القريب.[50]
أما تحالف الصرف الصحي والمياه للجميع والمعروف اختصارا ب SWA فهو أكبر تحالف عالمي يدافع عن المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. وخلال عام 2023، قدم التحالف المساعدة الفنية لكل من بوركينا فاسو، وبنجلاديش، وتشاد، وجمهورية الدومينيكان، وفيجي، والمكسيك، ونيكاراجوا، ونيبال، ونيجيريا، وبيرو، وأمانة مجتمع البلدان الناطقة باللغة البرتغالية. [51]
قطاع الرعاية الصحية يستعد لمواجهة الأسوء
تلعب الشركات التجارية دوراً مهما، لاسيما الكبرى منها. فعلى سبيل المثال، تخطط شركة الأدوية والتكنولوجيا الحيوية متعددة الجنسيات جلاكسو سميث كلاين لاستثمار أكثر من نصف ميزانيتها العالمية، والتي تقدر بمليار جنيه استرليني، والمخصصة للبحث والتطوير في مجال الصحة، في الأمراض الناجمة عن تغير المناخ والتي تؤثر بشكل غير متناسب على البلدان ذات الدخل المنخفض.
وبالقرب من هنا، تدعم عائلة جميل أيضًا المنظمات والمبادرات التي تركز على تغير المناخ والصحة.
ففي عام 2019، أقامت مؤسسة مجتمع جميل شراكة مع إمبريال كوليدج لندن بغرض تأسيس معهد جميل (أو معهد عبد اللطيف جميل لمكافحة الأمراض المزمنة والأوبئة والأزمات الطارئة). يعتبر المعهد مركز أبحاث للاستجابة السريعة، ويهدف إلى التنبؤ بالأزمات الصحية العالمية والوقاية منها. كما يعمل كمركز يضم علماء البيانات الرائدين وعلماء الأوبئة والإحصاء الحيوي وعمال الإغاثة من أجل التعاون في التصدي للتحديات التي تواجه عالمنا، الذي يتأثر بشكل متزايد بأزمة المناخ، في قطاع الرعاية الصحية.
ويكمل معهد جميل عمل مؤسسة عالمية أخرى تابعة لمجتمع جميل في مجال الصحة، وهي عيادة عبد اللطيف جميل لتقنيات التعليم الآلي في مجال الرعاية الصحية، أو عيادة جميل، والتي تأسست بالشراكة مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وتركز عيادة جميل على دور التعليم الآلي في الوقاية من الأمراض غير المعدية التي تُضعف جسم الإنسان مثل السرطان وتسمم الدم والخرف وغيرها من الاضطرابات العصبية واكتشافها وعلاجها.
وفي الوقت نفسه، تتعاون شركة جميل للرعاية الصحية مع مقدمي حلول الرعاية الصحية المبتكرة في جميع أنحاء العالم لتعزيز الشمول الصحي، لاسيما في جنوب العالم. وفي وقت مبكر من هذا العام، استحوذت شركة جميل للرعاية الصحية على شركة جينفارم، وهي الشركة الرائدة إقليميًا في مجال الأمراض النادرة والتي تتمتع بالقدرة على النفاذ إلى الأسواق في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا. ويمثل هذا التعاون علامة فارقة ومهمة بالنسبة لكلتا الشركتين اللتان تعملان معًا من أجل تسريع حصول من هم في أمس الحاجة إلي خدمات الرعاية الطبية الحديثة على هذه الخدمات.
وفيما يتعلق بالمناخ، تدير فوتواتيو رينيوابل فينتشرز، وهي شركة الطاقة المتجددة الرائدة التابعة لشركة عبد اللطيف جميل للطاقة، تدير مجموعة من مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الهجينة والتخزين في جميع أنحاء آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وأستراليا.
وفي الوقت نفسه، تهدف فوتواتيو رينيوابل فينتشرز – إكس ، ذراع الابتكار لشركة فوتواتيو رينيوابل فينتشرز، إلى إطلاق عدد من الحلول التكنولوجية من الجيل التالي التي من شأنها تحويل أهداف المناخ الطموحة التي خرج بها مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين إلى واقع. وتدير الشركة محطات تخزين الطاقة بالبطاريات على نطاق المرافق في المملكة المتحدة في كونتيجو، وويست ساسكس؛ و هولز باي، ودورست؛ إلى جانب أكبر محطة تخزين طاقة البطاريات في أوروبا بكلاي تاي في إسيكس ، بالإضافة إلى امتلاك حصة الأغلبية في مخطط محطات تخزين الطاقة بالبطاريات على نطاق المرافق في اليونان. وهناك المزيد من المرافق في المملكة المتحدة في طور الإنشاء.
وفي أستراليا، تدير شركة فوتواتيو رينيوابل فينتشرز – إكس محطة هجينة للطاقة الشمسية و تخزين طاقة البطاريات على نطاق المرافق في دالبي بولاية كوينزلاند الشرقية. وفي فبراير 2024، دخلت الشركة في شراكة مع شركة ايه ام بي تانك فينلاند او واي لإطلاق مشروع نظام تخزين الطاقة بالبطاريات على نطاق المرافق في فنلندا. وعلاوة على ذلك، دخلت شركة فوتواتيو رينيوابل فينتشرز – إكس في شراكة مع شركة إيكوليجو، وهي شركة ألمانية متخصصة في توفير الطاقة الشمسية كخدمة ، باستثمار قدره 10.6 مليون دولار أمريكي. وتجدر الإشارة إلى أن شركة إيكوليجو قد تأسست في عام 2016، وهي تساعد الشركاء في القطاعين التجاري والصناعي في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا على تمويل مشروعات الطاقة الشمسية عبر منصة استثمار جماعي.
وبالمثل، تعمل شركة آلمار لحلول المياه، التابعة لجميل للخدمات البيئية، على تحسين فرص الحصول على المياه النظيفة و خدمات الصرف الصحي من خلال مجموعة من مشروعات البنية التحتية المستدامة للمياه في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ. وعلى مستوى العالم، يعمل حوالي 1000 موظف في شركة ألمار من خلال أكثر من 150 عقد مياه منفصل في أماكن مختلفة مثل محطة الشقيق 3 لتحلية المياه التي تقع على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، وهي واحدة من أكبر محطات تحلية المياه التي تعمل بالتناضح العكسي في العالم، ومحطة المحرق لمعالجة مياه الصرف الصحي في البحرين، والتي تعيد تدوير المياه المستخدمة المعالجة وتحويلها إلى مياه معالجة عالية الجودة.
وفي مارس 2024، بدأت شركة ألمار لحلول المياه العمل على مشروع جديد في المملكة العربية السعودية، وهو محطة الظلوف لمعالجة المياه ، والتي من المنتظر أن تصل قدرتها إلى 185000 متر مكعب في اليوم، مما يسهم بشكل كبير في حلول المياه المستدامة في المملكة العربية السعودية. وفي أوروبا، تسهم شركة التكنولوجيا الإسبانية داتاكورم، وهي شريك رئيس لشركة ألمار لحلول المياه، في تحويل استخدام المياه إلى بيانات ذكية، مما يساعد في نهاية المطاف على زيادة الكفاءة وتوفير الموارد الطبيعية الحيوية. كما أنشأت شركة ألمار لحلول المياه مشروعاً مشتركاً مع شركة حسن علام للخدمات في مصر بهدف دعم البنية التحتية للمياه في البلاد. وقد أدى ذلك إلى الاستحواذ على مجموعة ريدجوود في مصر، وهي شركة خدمات تحلية كبرى. وتدير ريدجوود 58 محطة لتحلية المياه في جميع البلاد، بقدرة تصل إلى 82440 مترًا مكعبًا من مياه الشرب الآمنة والنظيفة كل يوم.
يقول فادي جميل، نائب رئيس مجلس إدارة العمليات الدولية في عبد اللطيف جميل :
“سيصبح العالم أكثر دفئًا وأكثر فتكًا. ومعدلات ارتفاع الحرارة ستعتمد على ما يحدث الآن. و الحد من الانبعاثات لن يكون كافيًا: فأنظمة الصحة وقطاعات الصحة العامة وإنتاج الغذاء والمياه، يجب أن تولي الأولوية للمرونة والقدرة على التكيف لحماية الفئات الأكثر ضعفًا في العالم من آثار تغير المناخ الأسوء“.
[1] https://www.ipcc.ch/assessment-report/ar6/
[2] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/climate-change-and-health
[3] https://www.ipcc.ch/assessment-report/ar6/
[4] https://www.worldbank.org/en/topic/health/brief/health-and-climate-change
[5] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/climate-change-and-health
[6] https://climate.copernicus.eu/copernicus-2023-hottest-year-record
[7] https://www.epa.gov/climateimpacts/climate-change-impacts-health#9foot; https://www.epa.gov/climateimpacts/climate-change-impacts-health#10foot
[8] https://www.nature.com/articles/s41558-021-01058-x
[9] https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(23)01859-7/abstract
[10] https://www.epa.gov/climateimpacts/climate-change-impacts-air-quality
[11] https://www.epa.gov/ground-level-ozone-pollution
[12] https://www.epa.gov/climateimpacts/climate-change-impacts-health#19foot
[13] https://www.epa.gov/climateimpacts/climate-change-impacts-health#20foot
[14] https://www.epa.gov/climateimpacts/climate-change-impacts-health#21foot
[15] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/climate-change-and-health
[16] https://www.epa.gov/climateimpacts/climate-change-impacts-health#13foot
[18] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/climate-change-and-health
[19] https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC8776135/
[20] https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(23)01859-7/abstract
[21] https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(23)01859-7/abstract
[22] https://www.epa.gov/climateimpacts/climate-change-impacts-health#15foot
[23] https://www.epa.gov/climateimpacts/climate-change-impacts-health#28foot
[24] https://www.epa.gov/climateimpacts/climate-change-and-human-health
[25] https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6392452/
[26] https://www.un.org/esa/desa/papers/2017/wp152_2017.pdf
[27] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/climate-change-and-health
[28] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/climate-change-and-health
[29] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/climate-change-and-health
[30] https://wmo.int/publication-series/2023-state-of-climate-services-health
[31] https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(23)01859-7/abstract
[32] https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(23)01859-7/abstract
[33] https://openknowledge.worldbank.org/server/api/core/bitstreams/ad7eeab7-d3d8-567d-b804-59d620c3ab37/content
[34] https://www.who.int/news/item/14-01-2023-close-to-one-billion-people-globally-are-served-by-health-care-facilities-with-no-electricity-access-or-with-unreliable-electricity
[35] https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(23)01859-7/abstract
[36] https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(23)01859-7/abstract
[37] https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(23)01859-7/abstract
[38] https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(23)01859-7/abstract
[39] https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(23)01859-7/abstract
[40] https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(23)01859-7/abstract
[41] https://intelligence.weforum.org/topics/a1GTG0000000gLp2AI/key-issues/a1GTG0000000qt32AA
[42] https://intelligence.weforum.org/topics/a1GTG0000000gLp2AI/key-issues/a1GTG0000000qt32AA
[43] https://www.worldbank.org/en/topic/health/brief/health-and-climate-change
[44] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/climate-change-and-health
[45] https://www.worldbank.org/en/topic/health/brief/health-and-climate-chang
[46] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/climate-change-and-health
[47] https://www.worldbank.org/en/topic/health/brief/health-and-climate-change
[48] https://www.worldbank.org/en/topic/health/brief/health-and-climate-change
[49] https://climatechampions.unfccc.int/un-climate-change-high-level-champions/
[50] https://onebillionresilient.org/project/extreme-heat-resilience-alliance/