الهيدروجين … أنحن بصدد السبيل إلى الخلاص؟ أم لغط وكلمات جوفاء تحيد بنا عن المسار الصحيح ؟

لا يزال ملف طاقة الهيدروجين في طور الإعداد، وإرثه في طور التكوين. والآراء التي تدور حوله لا تلبث أن تتغير كتغيرات الطقس التي نشهدها كل يوم: فتارة يواجه الهيدروجين الانتقادات اللاذعة لاسهامه في زيادة انبعاثات الكربون ــ وإن كان ذلك يعزي في الأساس إلى عمليات الإنتاج التي لا تزال تعتمد  إلى حد كبير على الوقود الحفري، وتارة أخرى يشاد  به لاعتباره من العناصر المحفزة في رحلة بلوغ صافي الانبعاثات الصفرية؛ فهو يلعب دوراً في إزالة الكربون من العديد من الصناعات التي نعتمد عليها كل يوم.

فأين تكمن الحقيقة؟

وبالنظر إلى الاعتبارات البيئية، هل يستطيع الهيدروجين أن يتجاوز قطاعي الكيماويات والتكرير، كي  يصبح عنصراً مهماً في مزيج الطاقة العالمي؟

يرتبط هذان الاتجاهان وتلك التفرقة بالأساليب التي نعتمد عليها للحصول على إمدادات الهيدروجين في العالم.

لنبدأ بالأكثر ضرراً. على الإطلاق…

  • إصلاح الميثان بالبخار: تنطوي هذه العملية على تفاعل الميثان (الغاز الطبيعي) مع البخار لإنتاج الهيدروجين وثاني أوكسيد الكربون. وتمثل هذه التقنية طريقة الإنتاج الأكثر استخداماً، ولكنها تنتج حوالي 8-10 كجم من ثاني أوكسيد الكربون لكل كجم من الهيدروجين المُصنّع.[1]
  • تغويز الفحم: تنتج هذه التقنية أيضا الهيدروجين وثاني أوكسيد الكربون، ولكن من خلال تفاعل البخار مع الفحم بدلاً من الغاز. ويتسبب تغويز الفحم، والذي يستهلك الكثير من الطاقة، في خسائر فادحة على البيئة. إذ ينبعث من تلك العملية ما يصل إلى حوالي 14-15 كجم من ثاني أوكسيد الكربون لكل كجم من الهيدروجين.

و الهيدروجين الذي نحصل عليه من خلال هذه الطرائق يطلق عليه “الهيدروجين الرمادي“.

وتجدر الإشارة إلى أن السبيل للحصول على الهيدروجين النظيف موجود حولنا في كل مكان – إنه الماء.

  •  التحليل الكهربائي: تستخدم هذه العملية الكهرباء لتحليل الماء إلى أوكسجين وهيدروجين، ولا يصدر عنها سوى 1-2 كجم فقط من ثاني أوكسيد الكربون لكل كجم من الهيدروجين المنتج.
  • التحلل الضوئي: وهي عملية تستخدم الطاقة الشمسية فقط لتحليل المياه، وتخلو تماماً من الكربون.

يُعرف الهيدروجين الناتج عن عمليتي التحليل الكهربائي والتحلل الضوئي باسم “الهيدروجين الأخضر” – ويذهب خبراء استشراف المستقبل وعلماء البيئة إلى أن الهيدروجين الأخضر سيمثل العنصر الأهم في مزيج الطاقة الصديق للبيئة في المستقبل.

Graph showing options for producing hydrogen

فإذا كانت التقنية التي تضمن إنتاج الهيدروجين النظيف موجودة بالفعل، فلماذا نتحرك إلى الوراء ونتمسك بالاعتماد على الهيدروجين الرمادي؟ إنها التكلفة … فهي السبب الرئيس وراء ذلك.

ففي الوقت الحالي، تبلغ تكلفة انتاج الهيدروجين الأخضر حوالي  4 إلى 6 دولارات أمريكية لكل كيلوجرام من الهيدروجين المنتج – أي ما يعادل ضعفين أو ثلاثة أضعاف تكلفة الهيدروجين المنتج عن طريق تقنية إصلاح الميثان بالبخار أو تغويز الفحم[2]. وبينما يواجه العالم نقصًا في إمدادات الطاقة وانكماشاً وتراجعا اقتصادياً، يجد الهيدروجين نفسه في نضال صعب ومحاولات دؤوبة كي يصبح بديلا ذا جدوى اقتصادية يمكن تطويره.

تسخير قوة الهيدروجين

مع تزايد الطلب على الهيدروجين الذي يقترن بتطبيق أساليب الإنتاج الأكثر مراعاة للبيئة، تبرز أهميته في الاقتصادات التي تستهدف التخلص من الكربون. وينطبق ذلك بشكل خاص على القطاعات التي تأكدنا منذ القدم أن إزالة الكربون منها يعد أمراً صعباً مثل النقل والصناعات الثقيلة.

وفي سيناريو وكالة الطاقة الدولية 2021-2050 الخاص ببلوغ صافي الانبعاثات الصفرية، يسهم الهيدروجين بنسبة 6% من حجم التدابير المتوقعة لخفض الانبعاثات، وكذا الاستراتيجيات الأخرى مثل مصادر الطاقة المتجددة والكهرباء واحتجاز الكربون[3].

Pie chart showing Cumulative

ويعد الطلب على الهيدروجين في الوقت الحالي محدوداً، ويعزى ذلك إلى بعض العوامل التي تشمل غياب التنسيق بين اللوائح الدولية والافتقار إلى البنية التحتية المناسبة. على الرغم من ذلك، بالتصدي إلى مثل هذه المعوقات، من المتوقع أن يزداد الاقبال العالمي على الهيدروجين ليسجل سوق طاقة الهيدروجين النظيفة 642 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، و980 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2040، و1,048 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2050.[4]

وفي الوقت الحالي، تمثل الصناعات الثقيلة وقطاع النقل 0.1% من إجمالي الهيدروجين المستخدم في جميع أنحاء العالم، ومن المنتظر يكون لها حصة في هذه الزيادة في الطلب. فمن المتوقع أن تمثل مثل هذه القطاعات التي يصعب إزالة الكربون منها ما يصل إلى ثلث سوق الهيدروجين عالمياً بحلول عام 2050 [5].

وينطوي ذلك على ثلاث ميزات:

  1. [6]الحصول على هواء أنظف، في عالم يؤدي فيه استنشاق الجسيمات إلى حوالي أربعة إلى عشرة ملايين حالة وفاة سنوياً.
  2. زيادة أمن الطاقة، لأن الهيدروجين يمكن إنتاجه في أي مكان، مما يقلل الاعتماد على الوقود الحفري الذي يخضع توافره لقيود جغرافية.
  3. تعزيز مرونة الطاقة، حيث أثبت الهيدروجين أنه وسيلة تخزين مثالية وطويلة الأجل لإمدادات الطاقة المتجددة غير المستقرة.

وعلى الصعيد العالمي، يبدو أن الدعم التشريعي يروج لمستقبل يعتمد بشكل كبير على طاقة الهيدروجين. فكل دولة تصدر سياسات يمكن لدول أخرى تطبيقها، وهو ما يسهم نشر الأمر على نطاق أوسع.

جهود ضخمة من القطاعين العام والخاص

وتحتل الصين الصدارة في هذا الصدد ، فقد سعت إلى بناء  750 ميجاوات من قدرة التحليل الكهربائي الجديدة في العام الماضي، ويمثل ذلك زيادة هائلة مقارنة بال 220 ميجاوات التي تم تسجيلها في عام 2022. والصين ليست وحدها في مساعيها:

  •   فقد أطلقت الهند مبادرتها الوطنية للهيدروجين الأخضر في عام 2023، واضعة نصب أعينها أن تصبح أكبر منتج للمحللات الكهربائية في العالم، وأن تقوم بتوليد 5 ملايين طن من الهيدروجين المتجدد بحلول عام 2030.
  •   وفي المملكة المتحدة، شهد عام 2023 منح العقود الأولى لمشروعات التحليل الكهربائي للهيدروجين. جاء ذلك بعد إصدار اللوائح الرسمية لمعايير الهيدروجين منخفض الكربون في العام السابق.
  •    وفي الولايات المتحدة الأمريكية، أضفى قانون الحد من التضخم (IRA) طابعًا رسميًا على الحوافز المالية المقدمة لمنتجي الهيدروجين النظيف ضمن ميزانية الطاقة الخضراء البالغة 369 مليار دولار أمريكي.
  •  وفي الوقت نفسه، عقد الاتحاد الأوروبي مزادات افتتاحية في عام 2023 لمشروعات بنك الهيدروجين الأوروبي. ولدى إسبانيا وفرنسا وألمانيا أهداف طموحة تتمثل في إنتاج ما بين 4 إلى 6.5 جيجاواط من إنتاج الهيدروجين المحلي بحلول عام 2030.[7]

ومن جانبه، أظهر القطاع الخاص زخماً دولياً داعماً للهيدروجين[8].

فقد قامت شركة “بروتون موتور باور سيستمز” المصنعة لخلايا وقود الهيدروجين والأنظمة الكهربائية الهجينة، والتي يقع مقرها في المملكة المتحدة، بطرح حزمة متطورة لتوليد الطاقة بقدرة 90 كيلووات مع تطبيقات للطرق والسكك الحديدية والشحن. وفي مكان آخر، وقعت شركة “ساوث كورين للغاز الطبيعي” الكورية الجنوبية اتفاقية مع شركة “كوريا ساوث ايست باور” من أجل انتاج الكهرباء باستخدام الهيدروجين الأخضر والأمونيا. ومن ناحية أخرى، أعلنت شركة توشيبا اليابانية لأنظمة وحلول الطاقة عن شراكة مع الشركة السويدية “إشانديا” صاحبة الابتكارات لغرض إنتاج أنظمة خلايا وقود الهيدروجين النقي للاستخدام في البحار.

وتعتمد هذه الإنجازات على مبادرات أخرى احتلت العناوين الرئيسة مؤخراً. ففي صفقة كبرى عبرت المحيط الأطلسي، وافقت شركة صناعة السيارات الفرنسية رينو على مشروع مشترك مع شركة “بلج باور” الأمريكية لتعزيز حلول مركبات الهيدروجين في جميع أسواق النقل في أوروبا.

ويحاول هؤلاء الرواد وأمثالهم توسعة نطاق مشروعات الهيدروجين الأخضر. ولكن يبقى السؤال، هل هناك حدود لاستدامة الهيدروجين، وهل بإمكان هذا العنصر حقا أن يسهم مساهمة هائلة في بلوغ مستقبل أكثر مراعاة للبيئة وأكثر اخضراراً؟

 

من التكلفة إلى تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه التي لا تزال في طور التجربة : الهيدروجين بين شقي الرحى

على عكس طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مازال على الهيدروجين أن يقطع شوطاً طويلاً قبل أن يصبح “شائع الاستخدام” – ويعزى ذلك إلى عدد من الأسباب[9].

تحدثنا عن  التكلفة الإضافية التي نتكبدها في عملية انتاج الهيدروجين الأخضر مقارنة بالأشكال الأخرى من الهيدروجين. ولكن ماذا عن منشأة خاصة بإنتاج الهيدروجين تقترن بتقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS) – ليخرج لنا ما يعرف ب “الهيدروجين الأزرق” – بينما يتم حجز الانبعاثات تحت الأرض لحماية البيئة؟

هنا تتراوح تكلفة الكيلوجرام الواحد من 1.8 دولار أمريكي إلى 4.7 دولار أمريكي – أي أكثر من تكلفة الهيدروجين الرمادي ب 0.98 دولار أمريكي وحتى 2.93 دولار أمريكي[10].

وتجدر الإشارة إلى أن تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه ليست فقط باهظة التكلفة، ولكنها أيضا لا تزال في طور التجربة.

أطلقت المنظمات المعنية بالبيئة، بما في ذلك وكالة الطاقة الدولية، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أطلقت جميعها توقعات خاصة بالطاقة على المدى الطويل استناداً على التوسع السريع في تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه من أجل تحقيق هدف الاحتفاظ بارتفاع درجة الحرارة عالمياً عند 1.5 درجة مئوية. فهل يمكن أن يكون هذا الإعتقاد في غير محله؟

فعلى سبيل المثال، كثيراً ما يتم الإشادة بمستودع شركة شل كويست في ألبرتا بكندا باعتباره رمزاً للإمكانات التي تنطوي عليها تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه. على الرغم من ذلك، تشير التقارير إلى أن ما يتم احتجازه يتجاوز نصف الانبعاثات الصادرة عن المحطة ــ وهي نسبة تبعد كل البعد عن امكانية احتجاز 90% من الانبعاثات التي يتحدث عنها مؤيدو تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه.  وتجدر الإشارة إلى أن المصنع يترك بصمة كربونية تعادل حوالي 1.2 مليون سيارة تسير بالوقود بما في ذلك كامل انبعاثات الغازات الدفيئة.[11]

وبعد احتجازه، يحتاج ثاني أوكسيد الكربون إلى أن يتم ضغطه وتحويله إلى الشكل السائل ونقله عبر الطرق البرية أو السكك الحديدية أو البحرية حيث يتم حقنه في مستودعات جيولوجية عميقة – وكلها عمليات تنطوي على بصمة كربونية خاصة بها.

ويذهب البعض إلى أن الكربون الذي يتم احتجازه يمكن استخدامه والاستفادة منه في الصناعات بدلاً من تخزينه تحت سطح الأرض. على الرغم من ذلك يظل الحديث عن التقنيات التي يستعان بها في عملية تحويل ثاني أوكسيد الكربون كيميائياً إلى منتجات قابلة للاستخدام مثل البلاستيك ومواد البناء مجرد حديثاً نظرياً.

لا شك أن بإمكان تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه أن يكون لها دور فعال.  فهي، على سبيل المثال، من الطرائق المعروفة التي تسهم في الحد من الانبعاثات التي تصدر عن صناعة الأسمنت، والتي تمثل وحدها ما يقرب من 7% من إجمالي ما ينتجه العالم من ثاني أوكسيد الكربون[12]. وعلى الرغم من سلبيات هذه التقنية، فهي تحاول أن تثبت نفسها على ساحة مواجهة المناخ من خلال إضافة 61 منشأة جديدة لاحتجاز الكربون وتخزينه واستخدامه إلى المشروعات قيد التنفيذ في عام 2022، مما يرفع العدد الإجمالي للمنشآت قيد التطوير في جميع أنحاء العالم إلى أكثر من 150 منشأة.

على الرغم من ذلك، لا يزال أمام تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه مساراً طويلاً يجب أن تقطعه قبل أن يمكننا القول بأن “الهيدروجين الأزرق” سيمثل الحل السحري لأوجه القصور الاقتصادية والبيئية التي تنطوي عليها صناعة الهيدروجين.

وأنت إذا أمضيت وقتاً طويلاً محاولاً سبر أغوار الأمر، ستجد أن ثمة جوانب أخرى لاعتماد الهيدروجين على نطاق واسع لا تزال محاطة بهالة من الضبابية.

ويحتاج الهيدروجين حتماً إلى استثمارات هائلة كي يحظى بحصة سوقية كبيرة. فوفقاً لبعض التقديرات، يحتاج الهيدروجين إلى أكثر من 7 تريليون دولار أمريكي (يوجه معظمها إلى خطوط الأنابيب الجديدة ومحطات الأمونيا) لتلبية 5٪ من الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام[13]2050.

وتكلفة التعديلات والتكيف التي يتحملها المستخدم النهائي باهظة أيضاً.

فبالنسبة للشركات، ينطوي تعديل الآلات الموجودة حاليا لغرض الاعتماد على الهيدروجين بدلاً من الميثان على تكلفة كبيرة. وبالنسبة لإنتاج الصلب، فإن استخدام الهيدروجين الذي يتم انتاجه بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة يمكن أن يرفع االتكلفة بنسبة 35% إلى 70% مقارنة بالتقنيات التقليدية التي تتسبب في اطلاق الكربون الكثيف[14].

وبالنسبة لمستخدمي الطرق، لا يعد تعديل السيارات كي تعتمد على الهيدروجين بدلاً من البنزين أمراً مجدياً من الناحية الاقتصادية. على الرغم من ذلك، تعد المركبات التي تعتمد على خلايا الوقود الهيدروجينية واعدة  – على الأقل في الوقت الحالي.

هل تقف مركبات الهيدروجين عالقة في المسار البطيء؟

يتزايد عدد المركبات الكهربائية التي تعتمد على خلايا الوقود الهيدروجينية (FCEVs) بشكل ملحوظ على الطرق السريعة عالمياً. وقد وصل معدل زيادة عدد هذا النوع من السيارات خلال عام 2022 إلى 40٪ مقارنة بالعام الأسبق، ليتجاوز مؤخراً ال 70,000 [15]. ويعني ذلك أنه تم بيع 20,500 مركبة كهربائية جديدة من النوع الذي يعمل بخلايا الوقود الهيدروجينية خلال عام 2022، كان حوالي ثلاثة أرباعها من السيارات – ويشمل ذلك تلك المركبات التي تنتجها شركة تويوتا، الشريك القديم لعبد اللطيف جميل، بجيلها الثاني من السيارة ميراي.

وقد سجلت كوريا الجنوبية  ثلثي مبيعات المركبات الكهربائية الجديدة التي تعتمد على خلايا الوقود الهيدروجينية، وتلتها الولايات المتحدة الأمريكية فالصين فاليابان فألمانيا. وفي الوقت الحالي، يوجد أكثر من ألف محطة للتزود بالوقود الهيدروجيني حول العالم، معظمها في تلك البلدان الخمسة. ومن المتوقع أن يزداد هذا الرقم بشكل أكبر بفضل الدعم المقدم من الحكومات.  فتقوم ولاية كاليفورنيا، على سبيل المثال، بتمويل عمليات إنشاء و تطوير 100 محطة إضافية للتزود بالوقود الهيدروجيني كجزء من استراتيجيتها للوصول إلى 1.6 مليون مركبة صفرية الانبعاثات بحلول عام 2025.

Graph showing hydrogen fuel cell market

وبلغة المال والأرقام، ساهمت موجة النشاط الذي شهدتها صالات العرض في رفع حجم سوق المركبات الكهربائية التي تعتمد على خلايا الوقود الهيدروجينية عالمياً إلى ما يقرب من مليار دولار أمريكي في عام 2022. ويتوقع االقائمين على هذا القطاع تحقيق معدل نمو سنوي مركب يبلغ 52.9٪ من الآن وحتى عام 2032،  لتصل القيمة السوقية إلى حوالي 69.61 مليار دولار أمريكي.[16]

على الرغم من ذلك، تبدو أرقام المبيعات الأخيرة متواضعة مقارنة بالمركبات الكهربائية أو المركبات الهجينة غير الهيدروجينية، والتي تزايدت بنسبة 50٪ على أساس سنوي لتصل إلى أكثر من 10 ملايين في عام 2022.

وتعد  سرعة التزود بالوقود الميزة الرئيسة التي تجعل الهيدروجين يتفوق على المركبات الكهربائية، حيث لا يتجاوز الوقت الإجمالي للتزود بالوقود بضع دقائق، أما شحن البطارية فيحتاج إلى 30-60 دقيقة. على الرغم من ذلك، برز اتجاه استبدال البطاريات في الوقت الحالي في قطاع شحن السيارات الكهربائية، لا سيما مع إطلاق  ما يقرب من 2000 “محطة مبادلة” في الصين وبيع 12,000 شاحنة بها امكانية استبدال البطارية خلال عام 2022[17]. وتجدر الإشارة إلى أن تأثير اتجاه مبادلة البطاريات على سوق الهيدروجين – والذي يحرمه أحد أهم ميزاته – لن يتضح قبل سنوات.

ويواجه الهيدروجين مآزق أخرى في قطاعي الاقتصاد والفيزياء.

فعملية التحليل الكهربائي التي بها نحصل على الهيدروجين من الماء بواسطة الطاقة المتجددة تستهلك 30% من الطاقة الكامنة في عملية التحلل[18].  أضف إلى ذلك خسارة 26% من الطاقة المتبقية أثناء النقل إلى مستودعات الوقود، و تبديد ما يقرب من نصف إنتاج طاقة الهيدروجين قبل الوصول إلى السوق. وعلى النقيض، تبلغ نسبة فقدان الكهرباء أثناء النقل عبر الكابلات إلى محطات الشحن 5% فقط. والجدير بالذكر أن إنتاج الهيدروجين نادراً ما يكون ممكناً في الموقع لأن محطات التحليل الكهربائي تكلف ملايين الدولارات لكل منشأة.

ويبدو أن عدم كفاءة الهيدروجين كانت وراء قرار قسم شاحنات سكانيا في فولكس فاجن (التي كانت فيما مضى أحد أبرز المؤيدين للشاحنات التي تعمل بالهيدروجين) بالتركيز بشكل أساسي على بدائل البطاريات الكهربائية اعتباراً من عام 2021 [19].

وفي الوقت نفسه، تحرص تسلا على التأكيد على أن النقل ليس مجالاً حصرياً للديزل أو الهيدروجين. فشاحنة تسلا سيمي الكهربائية، التي تم إطلاقها في أواخر عام 2023، يمكنها قطع مسافة 500 ميل واستهلاكها للطاقة لا يتجاوز2 كيلو وات في الساعة لكل ميل [20]. وتسلا من الشركات التي تتمتع بالموارد المالية التي يمكنها القضاء على حلم الهيدروجين، فهي تستهدف إنتاج 50,000 وحدة من سيمي سنويًا اعتبارًا من عام 2024 ، وهي تنطلق مدعومة بشبكة شحن بقيمة 100 مليون دولار أمريكي تنتشر في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.[21]

أهي بارقة أمل أم مجرد زوبعة؟ لماذا تستحق ميزات الهيدروجين الدراسة والتحليل؟

وحتى لو كان الوقت قد حان كي نتوقف عن المبالغة في الحديث عن الهيدروجين، فمن المؤكد أن هذا ليس بالوقت المناسب كي نتخلي عن هذه الفكرة بالكامل. فبدلاً من ذلك، يتعين علينا أن نقبل بأن التقنيات الفرعية هي المسؤولة عن نجاح الهيدروجين أو إخفاقه.

وبالنسبة لهذه الأمور، يمكننا أن ننظر إلى ما طرء على تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه من تطور مفاجىء قد يغير قواعد اللعبة؛ أو نلاحظ الزيادة الهائلة في قدرات الطاقة المتجددة التي ستؤدي إلى خفض تكلفة عملية التحليل الكهربائي بشكل كبير.

والمحللات الكهربائية في حد ذاتها قد تكون  منارة أمل أخرى. فقد انخفضت تكلفة المحللات الكهربائية بنسبة 60% منذ عام 2010، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وقد تنخفض بنسبة 40% أخرى على المدى القصير وبنسبة 80% إضافية على المدى الطويل. إن تنامي القدرة التصنيعية وزيادة المعيارية من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع تكلفة الهيدروجين الأخضر إلى ما دون ال 2 دولار أمريكي للكيلوجرام الواحد.[22]

electolyser scale-up

لقد كان الوقت – ولا يزال وسيظل – يمثل العامل الأهم وجوهرالموضوع. فبعد إعلان عام 2023 العام الذي سجل أعلى درجات حرارة على الإطلاق[23]، لم يعد الوقت مناسباً كي نتخلى عن أي تقنية قد تسهم في مواجهة هذه المشكلة أو حتى تساعدنا في الحد منها.

والوقت جد مناسب لإجراء مناقشات حقيقية تتناول إمكانات الهيدروجين على إعادة رسم ملامح مشهد الطاقة في المستقبل، وإمكانية  تجاوزه لما اقترن به من وعود رنانة بالنجاح والتألق أو حديث محبط عن الإخفاق.

 

[1] https://www.hydrogennewsletter.com/gh2-facts/

[2] https://www.irena.org/-/media/Files/IRENA/Agency/Publication/2020/Nov/IRENA_Green_Hydrogen_breakthrough_2021.pdf

 

[3] https://www.iea.org/reports/net-zero-by-2050

[4] https://www2.deloitte.com/content/dam/Deloitte/global/Documents/gx-green-hydrogen-executive-summary.pdf

[5] https://www.iea.org/energy-system/low-emission-fuels/hydrogen#programmes

[6] https://www.forbes.com/sites/ianpalmer/2023/05/30/hydrogen-is-ramping-up-in-the-energy-transition-but-it-may-be-oversold

[7] https://www.precedenceresearch.com/hydrogen-fuel-cell-vehicle-market

[8] https://www.forbes.com/sites/ianpalmer/2023/05/30/hydrogen-is-ramping-up-in-the-energy-transition-but-it-may-be-oversold

[9] https://about.bnef.com/blog/green-hydrogen-to-undercut-gray-sibling-by-end-of-decade/

[10] https://www.globalwitness.org/en/blog/problem-hydrogen/

[11] https://www.lse.ac.uk/granthaminstitute/explainers/what-is-carbon-capture-and-storage-and-what-role-can-it-play-in-tackling-climate-change/

[12] https://www.forbes.com/sites/ianpalmer/2023/05/30/hydrogen-is-ramping-up-in-the-energy-transition-but-it-may-be-oversold

 

[13]  https://www.lse.ac.uk/granthaminstitute/explainers/what-is-carbon-capture-and-storage-and-what-role-can-it-play-in-tackling-climate-change/

[14] https://www.hydrogeninsight.com/transport/the-number-of-hydrogen-fuel-cell-vehicles-on-the-worlds-roads-grew-by-40-in-2022-says-iea-report/2-1-1444069

 

[15] https://www.precedenceresearch.com/hydrogen-fuel-cell-vehicle-market

 

[16] https://www.hydrogeninsight.com/transport/the-number-of-hydrogen-fuel-cell-vehicles-on-the-worlds-roads-grew-by-40-in-2022-says-iea-report/2-1-1444069

[17] https://www.forbes.com/sites/jamesmorris/2021/02/06/why-are-we-still-talking-about-hydrogen

[18] https://www.rechargenews.com/energy-transition/after-plotting-battery-electric-future-truck-maker-scania-hedges-bets-with-new-hydrogen-vehicles/2-1-1200800

[19]  https://www.forbes.com/sites/qai/2022/12/08/how-powerful-is-teslas-new-semi-truck

[20] https://insideevs.com/news/672016/tesla-semi-volume-production-wil-not-start-until-late-2024/

[21] https://www.irena.org/-/media/Files/IRENA/Agency/Publication/2020/Nov/IRENA_Green_Hydrogen_breakthrough_2021.pdf

[22] https://www.theguardian.com/us-news/2024/jan/03/2023-hottest-year-on-record-fossil-fuel-climate-crisis