مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين … تدابير جريئة قد تحدث فارقا
قراءة في أبرز مخرجات مؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ
يعكس توقيت انطلاق مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في نوفمبر 2024 حقيقةً واحدة لا يمكن لأحد أن ينكرها، وهي أن العمل بشأن تغير المناخ تُمليه قوى وعوامل تفوق في تعقيدها الرسوم البيانية والأرقام. فالأمر يخضع لاعتبارات عدة تتعلق بالاقتصاد والجغرافيا والأحداث السياسية التي بإمكانها أن تزعزع ما اعتنقناه من معتقدات لامد طويل.
انعقد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون (COP29) في باكو، بأذربيجان، بعد أقل من أسبوع واحد من انتخاب دونالد ترامب ليكون الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية. ومهما كانت الإجراءات التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الأطراف، فيجب ألا ننسى أنها جاءت في سياق سعي زعيم أمريكي إلى إعادة تقييم توجهات الحماية البيئية، وكذا إعادة الاستثمار في الوقود الحفري. وبالفعل، شهدت الأيام المائة الأولى من تولي الرئيس ترامب لمنصبه سحب إدارته لتمويل البرامج العلمية، والموافقة على مد خطوط أنابيب نفط جديدة، وانسحاب أمريكا من اتفاقية باريس التاريخية بشأن تغير المناخ لعام 2016[1]. كل ذلك يضفي المزيد من الأهمية على الخطوات المتفق عليها في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29) لا سيما مع دخولنا مرحلة جديدة من العمل المناخي حول العالم.
لقد قدّم مندوبو ما يقرب من 200 دولة في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين للعالم، الذي كان يتابع أعمال المؤتمر باهتمام، أسبابًا عديدة للتفاؤل، تُوّجت جميعها بمجموعة من التدابير الجديدة المصممة للحد من الظواهر المتطرفة للاحتباس الحراري، والتعامل مع آثاره بفعالية أكبر.
كان من أبرز تلك التدابير الاتفاق على صندوق جديد لتمويل المناخ بقيمة 300 مليار دولار أمريكي تخصص للدول النامية، على أن تبدأ المدفوعات السنوية بحلول عام [2]2035. ويعكس ذلك زيادة هائلة في حجم التمويل بالنظر إلى ال 100 مليار دولار أمريكي التي تُمنح سنويًا في الوقت الحالي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الصندوق – والمعروف رسميًا باسم الهدف الكمي الجماعي الجديد – قد تم إطلاقه لغرض مساعدة الأسواق الناشئة على الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة والتخلي عن اعتمادها على الوقود الحفري. ومع تزايد آثار المناخ، من المنتظر أن يسهم الصندوق أيضًا في الحفاظ على الخدمات الحيوية مثل المستشفيات والمدارس والقطاع الصناعي، مما يحمي المجتمعات من الضرر ويحافظ في نهاية المطاف على استمراريتها.
ومن المنتظر أن يتم الوفاء بالالتزامات الجديدة من خلال مجموعة من المصادر العامة والخاصة، مع اضطلاع الدول المتقدمة بدور ريادي. وقد أشار بيان مشترك صدر عن بنوك التنمية خلال المؤتمر إلى زيادة مماثلة بنسبة 25% في تمويل المناخ خلال الأشهر الاثني عشر الماضية.[3]
ومن جانبه، أشاد مفوض المناخ في الاتحاد الأوروبي، فوبكي هوكسترا، بالصندوق، معتبرا إياه أيقونة ل “عهد جديد في تمويل المناخ”[4]. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الصندوق لا يمثل المبادرة الوحيدة التي انبثقت عن مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين والتي تبعث الأمل في معركتنا ضد تغير المناخ والتي نسابق فيها الزمن.
ما هي التغييرات التي أُجريت فيما يتعلق بتداول الكربون والمساهمات الوطنية المحددة؟
للحفاظ على الأمل في الوقوف بارتفاع درجات الحرارة العالمية عند حد ال 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل التصنيع (وهو المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه اتفاقية باريس لعام 2015 للحد من الظواهر الجوية المتطرفة وارتفاع منسوب مياه البحار وفقدان التنوع البيولوجي)، يحتاج العالم إلى سوق كربون نشطة وفعّالة من ضمن جملة آليات أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون قد أضفى طابعاً رسمياً على اتفاقية سوق الكربون الدولية، واضعا معايير عالمية لآلية مركزية للأرصدة، ومعززا نظام تداول الكربون الثنائي[5].
يوضح الاتفاق كيفية إدارة الدول لتداول أرصدة الكربون، ويضع خططًا للآلية التي سترصد عملها. ولتعزيز الشرعية، يُضفي الاتفاق طابعًا رسميًا على المراجعات الفنية المستمرة، بما يضمن السلامة البيئية والشفافية.
ويأمل العالم في أن يعزز ازدهار سوق الكربون فرص الحصول على التمويل في الاقتصادات الناشئة ، ولا سيما مساعدة الدول الأقل نموًا على تطوير بنى تحتية قادرة على التصدي لتغير المناخ.
من ناحية أخرى، كشفت الدول المشاركة في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون عن مجموعة مُحدثة من المساهمات الوطنية المحددة. وتعكس هذه المساهمات تعهدات والتزامات تناسب ظروف كل دولة على حدة، وأن كان جميعها يهدف إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيف مع مستقبل يرسم ملامحه تسارع كارثة تغير المناخ. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المساهمات تملي توجهات خاصة بخفض الانبعاثات في أبرز القطاعات المُلوثة للبيئة، مثل النقل والطاقة، وتوجه سياسات المناخ الوطنية وتحفز الاستثمارات. ومن بين المساهمات الوطنية المحددة المُعلنة، يُمكن القول إن المملكة المتحدة قد شرعت في أحد أكثر المسارات طموحاً، حيث تعهد رئيس الوزراء المُنتخب حديثاً، كير ستارمر، بأنه بحلول عام 2035، ستكون المملكة المتحدة قد خفضت انبعاثات الوقود الحفري بنسبة 81% مقارنة بمستويات عام 1990.[6]
من ناحية أخرى، انتهزت البرازيل، والمُقرر لها أن تستضيف مؤتمر الأطراف القادم في بيليم، خلال نوفمبر 2026، انتهزت الفرصة للإعلان عن أنها ستُخفّض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 67% بحلول عام 2035 مقارنة بأرقام الأساس في إحصائيات عام [7]2005. وفي الوقت نفسه، تعهدت الإمارات العربية المتحدة بخفض الانبعاثات بنسبة 47% بحلول التاريخ نفسه، بناءً على المستويات المُسجلة في عام 2019.
وفي أعقاب المؤتمر، أوفت العديد من الاقتصادات الكبرى الأخرى بوعدها بتأكيد مساهماتها الوطنية المحددة. ففي الولايات المتحدة، وخلال الأيام الأخيرة لحكومة بايدن، وضع المسؤولون هدفا جديدا يتمثل في خفض الانبعاثات بنسبة 66% بحلول عام 2035 (مقارنةً بمستويات عام 2005). كما أعلنت كندا عن هدف يتعلق بخفض الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 45% و55% بحلول التاريخ نفسه. ومن جانبها، تعهدت اليابان بتحقيق هدف جديد يتمثل في خفض الانبعاثات بنسبة 60% بحلول عام 2035(مقارنة بأرقام عام 2013) – وهو ما يمثل ارتفاع جد ملحوظ مقارنة بهدف بلوغ نسبة (46%) بحلول عام 2030. ومن المتوقع أن تحذو دول أخرى حذوها، وتزيح الستار عن مساهمات وطنية محددة مهمة وذات ثقل قبل أن تتجه أنظار العالم إلى مؤتمر الأطراف الثلاثين في البرازيل.
ما هو حجم التمويل الجديد الذي تم الاتفاق عليه في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين؟
إلى جانب الإنجازات الرئيسة للمؤتمر، يجب ألا ننسى أنه أيضا أتاح فرصةً لأصحاب المصلحة في مجالات وضع اللوائح والتمويل والعلوم للتقارب وبناء شراكات جديدة بين القطاعين العام والخاص[8]. ومن المنتظر أن تساعد هذه التحالفات الواعدة في توفير سعة تخزين جديدة للطاقة، والنفاذ إلى الجيل التالي من تقنيات المناخ، والإشراف على إعادة التحريج على نطاق واسع – وجميعها تمثل ردود فعل محورية للنموذج المناخي الجديد.
ومن جانبه، أعلن بنك التنمية الآسيوي عن برنامج للتكيف مع المناخ بقيمة 3.5 مليار دولار أمريكي يهدف إلى الحد من آثار ذوبان الأنهار الجليدية في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى[9]. ومن المنتظر أن تُقدم يد المساعدة للمجتمعات والشركات كي تتكيف مع آثار ذوبان الأنهار الجليدية، لا سيما من خلال تشجيع الإدارة المستدامة للمياه والأمن الغذائي.
من ناحية أخرى، تعهدت شركة الاستثمار أكومين بتخصيص صندوق بقيمة 300 مليون دولار أمريكي على مدى خمس سنوات لتمويل مشروعات التكيف الزراعي في أفريقيا وباكستان والهند وأمريكا اللاتينية[10]. ويهدف البرنامج إلى الوصول إلى 40 مليون مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة وتوفير الغذاء لما يزيد عن مليار شخص.
وقد استغلت صناديق الاستثمار المناخي، التي تقدم تمويلًا مدعومًا للمشروعات البيئية كأداة لجذب الاستثمار الخاص، مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين للإعلان عن إدراج جديد في بورصة لندن.[11] وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تسهم في جمع حوالي 75 مليار دولار أمريكي للعمل المناخي خلال العقد المقبل.
في السياق نفسه، كشفت جمعية بنوك أذربيجان، التي تضم كبار المسؤولين الماليين من البلد المضيف، أنها قامت بتخصيص 1.2 مليار دولار أمريكي للمساعدة في تسهيل تحول البلاد إلى اقتصاد منخفض الكربون. ومن المنتظر أن تتعاون البنوك مع المؤسسات الموازية في الأسواق الأخرى من أجل استقطاب المزيد من الأموال، وأن توسع نطاق عملها بمرور الوقت لتصدر سندات خضراء.[12]
من ناحية أخرى، اكتسبت شراكة تمويل التحول في آسيا “فاست بي”، وهي مبادرة أطلقتها هيئة النقد في سنغافورة عام 2003، المزيد من المصداقية أثناء مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين. فقد أبرمت سلسلة من الشراكات الدولية الجديدة، في سياق إطلاقها لصندوق استثماري بقيمة 5 مليارات دولار أمريكي، يغطي العديد من مشروعات التحول قيد الإعداد حاليًا في جميع أنحاء آسيا[13]. وقد حصل برنامج ديون البنية التحتية للتحول الصناعي التابع لـفاست بي على دعم من مجموعة ايه أي ايه، ومؤسسة التمويل الدولية، ومجموعة ميتسوبيشي يو إف جيه المالية، وشركة نيبون إكسبورت، وبلاك روك، وشركة إنفستمنت للتأمين. بالإضافة إلى ذلك، حصلت شراكة الاستثمارات الخضراء التابعة لـفاست بي على تمويل للبنية التحتية المستدامة بقيمة مليار دولار أمريكي تقريبًا من خلال بنتاجرين كابيتال، وهو مشروع مشترك بين بنك HSBC المُقرض وشركة تيماسك، وهي شركة استثمار حكومية سنغافورية.
وبشكل عام، أثنت جهات متعددة على مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون (COP29). فقد أشاد الأمين التنفيذي للأمم المتحدة لتغير المناخ، سيمون ستيل، بالهدف المالي الجديد ووصفه بأنه “بوليصة تأمين للبشرية”. وأضاف أنه سيحمي مليارات الأرواح، بينما يساعد جميع البلدان على “المشاركة في الاستفادة من ثمار للعمل المناخي الجريء: فثمة المزيد من الوظائف، والمزيد من النمو ، بالإضافة إلى توافر الطاقة الأرخص والأنظف للجميع”.[14]
وبقدر ما تثير هذه الطموحات الهائلة الإعجاب، فقد انعقد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون (COP29) في عام كان بالفعل الأكثر احترارا على الإطلاق كما أُعلن. لقد كان عام 2024 هو أول عام تقويمي يتجاوز فيه متوسط درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية فوق متوسط درجات الحرارة الذي تم تسجيله بين عامي 1850-[15]1900. كما شهد العالم، خلال عام 2024، أكثر من 150 كارثة مناخية، من فيضانات وموجات حر وأعاصير. إلى جانب ذلك أدت الكوارث المناخية إلى نزوح نحو 800 ألف شخص، وهو أعلى رقم منذ بدء التسجيل.[16] وقد أدت موجات الحر إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل مثير للقلق لتقترب من 50 درجة في إيران وغرب أستراليا ومالي. كما ضربت فيضانات مفاجئة مجتمعات في مناطق جغرافية متباعدة في عدة دول مثل إيطاليا والسنغال وباكستان والبرازيل. وضربت أعاصير مدارية آسيا، وكان الإعصار هيلين أقوى إعصار مُسجّل على الإطلاق يضرب منطقة بيج بند بولاية فلوريدا، في الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تتجاوز خسائر التأمين العالمية الناجمة عن الكوارث الطبيعية 135 مليار دولار أمريكي لهذا العام. [17]
وعلى خلفية ذلك، عبرت أصوات معارضة عن تساؤلها عن سبب عدم قدرة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين على المضي قدمًا في تأمين ما يلزم من التزامات حاسمة تغيّر الوضع بشكل جذري فيما يتعلق بالمعركة المصيرية ضد الاحترار العالمي.
هل لا تزال أهداف المناخ العالمية على المسار الصحيح؟
حتى يتثنى لنا تقييم إشادتنا بالإنجازات العديدة التي تحققت بفضل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، دعونا نبدأ بمراجعة هذا الرقم الذي استحوذ على عناوين الأخبار: الدول الغنية تتعهد بتخصيص ما لا يقل عن 300 مليار دولار أمريكي سنويًا اعتبارا من عام 2035 لتمويل جهود التصدي للتغير المناخي.
ونظراً لحجم الكارثة، فقد سخر البعض من هذا الرقم، واصفين إياه بال “بخس”، وكان أحد التعليقات “رقم غير كافي للتعامل مع جسامة التحدي الذي نواجهه جميعًا”[18]. وفي واقع الأمر، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والمعروفة اختصارا ب UNCTAD من أنه بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين سيكون المبلغ الفعلي اللازم سنويًا لمساعدة الدول الأكثر فقراً في الاستعداد لمواجهة الاحتباس الحراري حوالي 1.5 تريليون دولار أمريكي.[19]
وفي إشارةٍ إلى ذلك، شهد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون اعتماد ما يسمى ب مبادرة خريطة الطريق باكو – بيليم بقيمة 1.3 تريليون دولار أمريكي .[20] ومن خلال دمج سياسات التجارة والاستثمار في خطط المناخ، والتأكيد على ضرورة اتساق السياسات، تقدم المبادرة نموذجًا لبلوغ التزامات مالية أكبر بكثير في السنوات القادمة الحاسمة. وعلينا أن نتذكر أن مساعدة الاقتصادات الناشئة على خفض الانبعاثات تعد إحدى أفضل الطرائق الموثوقة للتحكم في ارتفاع درجات الحرارة، حيث ظلت الأسواق الناشئة مصدرا لثلاثة أرباع جميع الانبعاثات على مدار العقد الماضي.[21]
وعلى نحو مماثل، وعلى الرغم من الترحيب بإطلاق صندوق الخسائر والأضرار (وهو آلية تمويل لأنشطة مكافحة تغير المناخ تدعم المجتمعات التي لديها استراتيجيات تكيف غير ملائمة) بقيمة 700 مليون دولار أميركي، فقد لوحظ أن الرقم أقل بكثير من المبلغ اللازم لتقديم التعويضات المطلوبة والذي يقدر بحوالي 150 مليار دولار أميركي.
وقد جاء التقاعس عن التحرك العاجل مخيبا للآمال، إذ لم يلتزم بالموعد النهائي (فبراير 2025) لتقديم المساهمات الوطنية المحددة الجديدة سوى 13 دولة فقط من أصل 195 دولة موقعة على اتفاقية باريس – وكان ذلك قبل تسعة أشهر فقط من مؤتمر الأطراف الثلاثينالمنعقد في البرازيل.[22] ومن بين اقتصادات مجموعة السبع، أصدرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فقط خططهما في الوقت المحدد. ومن المتوقع أن تقدم معظم الدول المتبقية مساهماتها الوطنية المحددة الجديدة بحلول سبتمبر على أقصى تقدير. وثمة ملاحظة مهمة هنا وهو أن مجرد وجود مساهمات وطنية محددة لا يعد دليلاً على كفايتها. فمن بين المساهمات الوطنية المحددة التي تم إصدارها بالفعل، وجدت مجموعة الأبحاث المعنية ب “تعقب العمل المناخي” أن تلك المساهمات التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وسويسرا والإمارات العربية المتحدة لا تزال غير متوافقة مع أهداف خفض درجة الحرارة العالمية.[23]
إن التقدم الذي أحرزه مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون فيما يتعلق بتحسين أسواق الكربون جدير بالثناء. على الرغم من ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي ينتظرنا لوضع أطر متينة ومنح أرصدة الكربون على مستوى العالم السلامة اللازمة كي تصبح سلعًا ذات قيمة. ومن جانبها، أكدت الدول النامية على ضرورة الحصول على الآليات المالية والتقنية الحديثة لمساعدتها على المنافسة في هذه الأسواق وتقاسم منافعها.[24]
إن الوقت ليس في صالحنا. فقد حذّر تقرير فجوة الانبعاثات الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 2024[25]، والذي صدر قبل أسابيع قليلة من مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، حذر من الحاجة الماسة إلى تحقيق تحسين حقيقي في المساهمات الوطنية المحددة للإبقاء على خطة الـ 1.5 درجة مئوية. ودعا التقرير إلى خفض الانبعاثات بنسبة 42% بحلول عام 2030 وبنسبة 57% بحلول عام 2035، ويبقى أن نرى ما إذا كان التقييم النهائي للمساهمات الوطنية المحددة سيعكس هذه الطموحات. وتجدر الإشارة إلى أن عواقب الإخفاق ستكون وخيمة وقاسية: إذ سترتفع درجات الحرارة العالمية من 2.6 لتصل إلى 3.1 درجة مئوية خلال هذا القرن… فلتتخيل الفوضى العارمة المرتبطة بذلك والذي ستعيشها المجتمعات.
ولعل التكنولوجيا، والتي كانت دوما ضمن محاور النقاش في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، تُتيح لنا سبلًا لتحقيق التوازن المرجو.
ما هو الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في مكافحة تغير المناخ؟
اجتمع المبتكرون والمستثمرون وصانعو السياسات في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في يوم التكنولوجيا الذي ركز على الصناعات التحويلية، والذي مثل فرصة لتبادل المعرفة حول الحلول التقنية لأزمة تغير المناخ العالمية. وقد تركزت المناقشات على القطاعات التي يصعب الحد من انبعاثات الكربون فيها، مثل البناء و المواد الكيميائية، كما سلّطت الضوء على تطور الهيدروجين الأخضر و استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه.
وقد أيّدت أكثر من ألف حكومة وشركة ومنظمة غير حكومية وجهات معنية أخرى إعلان مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين بشأن الأنشطة الرقمية الخضراء . ويدعو الإعلان إلى استغلال المزايا التي تقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي و التكنولوجيات المالية والبيانات الضخمة لتوفير حلول في مجالات رصد المناخ وأنظمة الإنذار المبكر والتكيف الزراعي.
وفي كلمته الافتتاحية، طالب رئيس مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين مختار باباييف بإنشاء نظام فعال لنقل التكنولوجيا العالمية ومشاركتها لضمان عدم تخلف أي مجتمع عن الركب.[26]
لا شك أن التكنولوجيا ستكون ضروريةً، لاسيما لأن أجندة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين تضمنت تعهدًا رئيسًا بزيادة سعة تخزين الطاقة على مستوى العالم بنهاية هذا العقد بمقدار ستة أضعاف، وذلك بدءًا من عام 2022[27]. ومن المنتظر أن يثبت القطاع الخاص دوره المحوري في هذه الرحلة.
كم يسعدني أن عبد اللطيف جميل ، لاسيما الطاقة والخدمات البيئية، قد برزت كرائدة في مجال حلول الطاقة المتجددة وتخزين الطاقة المتطورة. حيث تقوم شركتها الرائدة في مجال الطاقة الخضراء، فوتواتيو رينيوابل فينتشرز والمعروفة اختصارا ب (FRV)، بالاستثمار في مضمار توليد الكهرباء الخضراء من مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أمريكا اللاتينية و أوروبا و الشرق الأوسط و أستراليا. كما يُعدّ ذراعها الابتكاري، فوتواتيو – إكس ، رائدًا في مجال أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات على نطاق المرافق حول العالم. وتقوم شركة فوتواتيو رينيوابل فينتشرز بتشغيل أكثر من 50 محطة في أربع قارات، بإجمالي طاقة يصل إلى 5 جيجاواط يدعمها تمويل يتجاوز 5 مليارات دولار أمريكي.[28]
واستعداداً لمستقبل مفعم بالمزيد من التحديات، حققت شركة آلمار لحلول المياه حضورا عالميا يمتد في الشرق الأوسط و أمريكا اللاتينية أفريقيا و أستراليا و منطقة آسيا والمحيط الهادئ. حيث تقوم الشركة بتطوير وإدارة مشروعات البنية التحتية للمياه التي تتمحور حول بعض التقنيات التي تشمل إعادة الاستخدام وتحلية المياه. وفي الوقت نفسه، يختص قسم المشروعات الجديدة بتلك الأعمال التي تُحدث تأثيرًا بيئيًا واجتماعيًا إيجابيًا من خلال الابتكار. وتشمل مجالاتها في الوقت الحالي على سبيل المثال: تحويل النفايات إلى طاقة، والهيدروجين الأخضر، واستعادة المعادن.
مهما تمنينا أن تكون لدينا القدرة على التحكم في كل جانب من جوانب حياتنا، إلا أن الواقع يؤكد أننا لا نستطيع ذلك. والمؤتمرات الدولية، مثل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، تمنحنا فرصة نادرة للتأثير في الأزمات الكبرى التي تلوح في الأفق. فهي تُظهر أنه من خلال ترسيخ وعي أكبر بأزمة المناخ حول العالم، وتبني سياسات استشرافية، سوف يكون بإمكاننا البدء في إحداث تغيير جذري في قضية الاحتباس الحراري.
ربما لم يُلبِّ مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون (COP29) طموحات بعض من كانوا يأملون في الحصول على مبالغ مالية فورية تُحدث نقلة نوعية في مضمار تمويل توجه التكيف مع المناخ. على الرغم من ذلك، فإنه من خلال طرح أجندة من المبادرات المالية الجريئة، وأسواق الكربون التنافسية، والإسهامات الوطنية المحددة الفعالة، يمكننا أن نقول أن المؤتمر قد بعث بصيص أمل لكل من يسعى لاتخاذ المزيد من الخطوات نحو التغيير في مؤتمر الأطراف الثلاثين الذي سيعقد في وقت لاحق من هذا العام.
خمس حقائق سريعة عن مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين
- ما هو الالتزام المالي الرئيس الذي تم الاتفاق عليه في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين؟
تم الاتفاق على إنشاء صندوق جديد لتمويل المناخ بقيمة 300 مليار دولار أمريكي تخصص للدول النامية، على أن تبدأ المدفوعات السنوية بحلول عام 2035. ويعكس ذلك زيادة هائلة في حجم التمويل بالنظر إلى ال 100 مليار دولار أمريكي التي تُمنح سنويًا في الوقت الحالي.
- ما هو حجم التمويل الذي ترى الأمم المتحدة أنه مطلوب فعليًا بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين؟
حذّرت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أنه بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين سيكون المبلغ الفعلي اللازم سنويًا لمساعدة الدول الأكثر فقراً على الاستعداد لمواجهة الاحتباس الحراري حوالي 1.5 تريليون دولار أمريكي
- ما هو أبرز حدث مناخي شهدناه في عام 2024؟
تجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية فوق متوسط درجات الحرارة بين عامي 1850-1900 لأول مرة خلال عام 2024 وهو ما جعله العام الأكثر احتراراً على الإطلاق.
- كم عدد الدول التي التزمت بالموعد النهائي الذي حددته الأمم المتحدة لتقديم تعهداتها المناخية الجديدة (المساهمات الوطنية المحددة)؟
13 دولة فقط من أصل 195 دولة موقعة على اتفاق باريس التزمت بالموعد النهائي المحدد في فبراير 2025 لتقديم مساهماتها الوطنية المحددة الجديدة.
- ما هو الإنجاز الكبير الذي تحقق في سوق الكربون خلال مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين؟
أصدر مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين اتفاقية سوق الكربون الدولية، واضعا معايير عالمية لآلية مركزية للأرصدة، ومعززا نظام تداول الكربون الثنائي.
[1] https://www.bbc.co.uk/news/science-environment-35073297
[2] https://www.bbc.co.uk/news/articles/cp35rrvv2dpo
[3] https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2024/11/12/multilateral-development-banks-to-boost-climate-finance
[4] https://www.bbc.co.uk/news/live/c8jykpdgr08t?page=2
[5] https://unfccc.int/news/cop29-un-climate-conference-agrees-to-triple-finance-to-developing-countries-protecting-lives-and
[6] https://www.gov.uk/government/speeches/prime-ministers-national-statement-at-cop29-12-november-2024
[7] https://www.weforum.org/stories/2025/02/cop29-ndcs-and-why-they-matter/
[8] https://www.reuters.com/sustainability/sustainable-finance-reporting/finance-business-deals-announced-cop29-climate-talks-2024-11-13
[9] https://www.adb.org/news/adb-launches-major-initiative-build-resilience-melting-glaciers
[10] https://acumen.org/news/acumen-announces-300m-agricultural-adaptation-commitment/
[11] https://www.cif.org/news/CCMMlisting
[12] https://news.az/news/azerbaijan-pledges-12b-for-green-projects-to-accelerate-low-carbon-transition
[13] https://www.mas.gov.sg/news/media-releases/2024/singapore-commits-us$500-million-in-matching-concessional-funding-to-support-decarbonisation-in-asia
[15] https://wmo.int/news/media-centre/wmo-confirms-2024-warmest-year-record-about-155degc-above-pre-industrial-level
[16] https://www.theguardian.com/environment/2025/mar/19/unprecedented-climate-disasters-extreme-weather-un-report
[17] https://www.mckinsey.com/capabilities/sustainability/our-insights/reflections-post-cop29-the-landscape-has-shifted-are-you-adapting-fast-enough
[18] https://www.bbc.co.uk/news/articles/cp35rrvv2dpo
[19] https://unctad.org/news/countries-agree-300-billion-2035-new-climate-finance-goal-what-next
[20] https://unfccc.int/topics/climate-finance/workstreams/baku-to-belem-roadmap-to-13t
[21] https://www.bbc.co.uk/news/articles/cp35rrvv2dpo
[22] https://www.carbonbrief.org/analysis-95-of-countries-miss-un-deadline-to-submit-2035-climate-pledges/
[23] https://www.carbonbrief.org/analysis-95-of-countries-miss-un-deadline-to-submit-2035-climate-pledges/
[24] https://unctad.org/news/key-takeaways-cop29-and-road-ahead-developing-countries
[25] https://www.unep.org/resources/emissions-gap-report-2024
[26] https://cop29.az/en/media-hub/news/cop29-presidency-outlines-plan-to-enhance-ambition-and-enable-action-in-azerbaijan