لا شك في أن مواجهة آثار تغير المناخ تستلزم منا تسخير كل ما هو متاح لدينا من المهارات والطاقات البشرية من أجل ابتكار أفكار ملهمة تقودنا في نهاية المطاف إلى تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، وتحفيز الإبداع الهندسي لتطوير الصناعات منزوعة الكربون، وإنشاء أبنية بنظام المدن الذكية. ويجب أن تتحد الأيدي والعقول في جميع أنحاء العالم كما لم يحدث من قبل لمنع الآثار الكارثية الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة كوكبنا.

فإلى أي مدى يمكن أن تكون تحدياتنا أسهل – وإلى أي مدى يمكن أن تكون أهدافنا أكثر واقعية – إذا ما تم تعزيز جهودنا من خلال حليف جديد مثل “الحوسبة الكمومية”؟

نتعرف على الإجابة معاً في السطور التالية.

لعلك صادفت مصطلح الحوسبة الكمومية، ولو بشكل عابر، وربما لم تعرهُ اهتماماً كبيراً. وما لم تكن تعمل في هذا المجال، فقد لا يكون لذلك حتى الآن سوى آثار ضئيلة على حياتك اليومية. ولكن إذا سارت الأمور على ما يرام كما هو مخطط لها، فقد يكون ذلك كله على وشك التغيير.

إن أفضل ما توصف به الحوسبة الكمومية هو أنها تقنية متعددة التخصصات، تجمع بين الرياضيات والفيزياء وعلوم الحاسب المتطورة، لتصميم معالجات ذات قوة وسرعة غير مسبوقين.

تعتمد الحوسبة الكمومية على ما يسمى بالتأثيرات الميكانيكية الكمية مثل التراكب والتداخل– أي السلوكيات الفيزيائية الفريدة للجسيمات على المستوى دون الذري – لحل المشكلات بشكل أسرع بكثير من أجهزة الحاسب التقليدية التي تعتمد في عملها على الترانزستور.

وهذه السرعة هي الميزة الجوهرية لإمكانات الحوسبة الكمومية. تشير التقديرات إلى أن تقنية الكم أسرع بـ 158 مليون مرة من أقوى حاسوب عملاق، بل ويمكنها إنجاز شيء يستغرق حاسوب عملاق حديث إنجازه في أكثر من 10000عام في 200 ثانية فقط![1]

اختصار 10000 سنة إلى ثوان معدودة

تعتمد الحوسبة التقليدية على الترانزستورات الثنائية التي تمثل إما 1 أو 0 (نعم أو لا؛ تشغيل أو إيقاف) في مهمة معينة. وعلى النقيض من ذلك، تعتمد الحوسبة الكمومية على قوة البتات الكمومية، أو “الكيوبتات”، والتي يمكن أن تمثل كلا من 1 و 0 في نفس الوقت – وهذا هو تراكب الحالات.

وهذا التعدد في الحالات هو الذي يمُكِن حاسباً كمومياً مكوناً من 30 كيوبت فقط، على سبيل المثال، من إجراء 10 مليارات عملية فاصلة عائمة في الثانية الواحدة.[2] ربما يعطينا هذا فكرة عن حجم التطور الهائل في مجالات البحث المعقدة والمكلفة مثل النمذجة الديناميكية الهوائية وتطوير الأدوية وتحسين سلاسل التوريد والعلاج الجيني وغيرها الكثير.

كما يمكن للمعالجات الكمومية وضع افتراضات حول جسيم ما عن طريق قياس جسيم مرتبط به في نظام وثيق الارتباط – وهذه الميزة تعرف باسم التداخل. على سبيل المثال، يجب أن يتطابق دوران أحد الكيوبتات في اتجاه عقارب الساعة مع دوران الكيوبت المقابل في عكس اتجاه عقارب الساعة. ويؤدي قياس الحالة الكمومية للكيوبت إلى انهيار دالته الموجية، وربط حالته بالكيوبتات الأخرى بغض النظر عن المسافة، والسماح بحل المشكلات المعقدة بشكل لحظي تقريباً. وبهذه الطريقة، تزداد قوة الحوسبة الكمومية كلما زاد عدد الكيوبتات.

 

قد يبدو مصطلح “الحوسبة الكمومية” في حد ذاته مضللاً بعض الشيء، من حيث أنه يجعلنا نستحضر صوراً لأجهزة الكمبيوتر المكتبية التقليدية ولوحات المفاتيح المتربة. والحقيقة هي أن الحوسبة الكمومية والتقليدية يشكلان عالمان متوازيان مع بعض أوجه التشابه والعديد من الاختلافات الجوهرية، أهمها:

  • اللغة البرمجية

لا تعتمد الحوسبة الكمومية على شفرة برمجية خاصة، وإنما تتطلب تطوير وتنفيذ خوارزميات محددة للغاية.

  • الوظيفة

أجهزة الكمبيوتر الكمومية غير مخصصة للاستخدام اليومي على نطاق واسع، على عكس أجهزة الكمبيوتر الشخصية اليوم. كما أنها معقدة للغاية ولا يمكن استخدامها إلا على نطاق المؤسسات الكبرى وفي المجالات العلمية والتكنولوجية.

  • البُنية الحاسوبية

تتمتع أجهزة الكمبيوتر الكمومية ببنية أبسط من أجهزة الكمبيوتر التقليدية، ولا تحتوي على ذاكرة أو معالج، حيث تقتصر معدات التشغيل على مجموعة من الكيوبتات وحسب.

وبالطبع سيؤدي تطور الحوسبة الكمومية إلى استحداث تطبيقات ثورية في ثلاثة مجالات واسعة – التحسين، والتعلم الآلي، ومحاكاة الأنظمة الكيميائية الفيزيائية أو الجزيئية – وسيكون لكل ذلك نتائج تتجاوز بكثير قدرة أسرع وأقوى “أجهزة الحاسب العملاقة” المستخدمة اليوم.[3]

  • التحسين: عادة ما ينطوي التنبؤ بالتحسينات داخل الصناعات على تعقيدات بالغة وتكاليف باهظة تنشأ عن اختبار فعالية هذه التحسينات، ولكن يمكن للحوسبة الكمومية التوفيق بين متغيرات متعددة لاستنباط فوائد غير متوقعة، مثل خفض تكاليف المواد، وتبسيط الخدمات اللوجستية، وتحسين أداء المنتج، وفي النهاية زيادة عائد الاستثمار. ويمكن للحوسبة الكمومية أن تحوّل الشيء البسيط إلى شيء عظيم، بأقل جهد ومخاطرة.
  • المحاكاة: لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر التقليدية قياس نوعية التفاعل بين خاصيتيّن معقدتيّن بكفاءة ودقة. ومن خلال محاكاة المواد وتشغيلها في تكرارات غير محدودة تقريباً، تعمل الحوسبة الكمومية على أتمتة عملية كانت يدوية في السابق وتستغرق وقتاً طويلاً. وسيساعد تسليط الضوء على التفاعلات بين الجزيئات في إدخال سلالة جديدة من الأدوية، والمواد، والمواد الكيميائية.
  • التعلم الآلي: سيوفر التعلم الآلي المعزز كمياً (الخوارزميات التي تحلل البيانات العادية على الحاسب الكمومي) قيمة إضافية للشركات والصناعات التي تستخدم تقنيات التعلم الآلي التقليدية بالفعل. وستوفر الأدوات الكمومية الجديدة سرعة حسابية أكبر وسعة تخزينية هائلة للبيانات.

وبالنظر إلى هذه الفوائد الضخمة، لعلنا نتساءل عن سبب تأخرنا في إحلال أجهزة الحاسب الكمومية حتى الآن محل الحواسب التقليدية البطيئة؟ لا سيما وأننا نسمع عن تطور الحوسبة الكمومية بشكل أسبوعي تقريباً، وبصورة تكاد تستحوذ على اهتمام عقولنا الأصغر سناً والأكثر ذكاءً. وما أكثر الأخبار التي تتحدث حماس المستثمرين لتمويل الشركات الناشئة الكمومية في جميع أنحاء العالم. فلماذا التأخير إذن؟؟

الحقيقة هي أن هذه التكنولوجيا ما زالت قيد التطوير على الرغم من هذا الحماس والتفاؤل تجاه فوائدها ومزاياها المرتقبة، ذلك أن جيلنا الحالي من أجهزة القياس الكمومي المتوسط (NISQ) لا تزال عرضة للأخطاء المتعلقة بنوعية الكيوبتات واستقرارها، وهي حالة تُعرف باسم عدم التماسك، مما يحد من أدائها.

لكن الاستمرار في شحذ التكنولوجيا قد يحمل إلينا ثورة كمية حقيقية في وقت أقرب مما نعتقد، خاصة وأن المؤشرات الحالية تشير إلى أن الجيل الأول من أجهزة الكمبيوتر الكمومية قليلة الأخطاء يمكن أن تصل إلى السوق بحلول نهاية عشرينيات القرن الحالي. وعندها سيصبح نطاق إمكاناتها في مواجهة تغير المناخ أكثر وضوحاً.

تنشيط الصناعة، والتقاط الكربون

إن تحقيق أهداف خفض الانبعاثات إلى مستوى الصِفر يبدو مستحيلاً تقريباً باستخدام التقنيات المستخدمة اليوم. وحتى لو تم الالتزام تماماً بمقتضيات أهداف صافي الانبعاثات الصفرية، فإن التعهدات التي قطعتها الدول على نفسها في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2021 (COP26) ستظل تترجم إلى ارتفاع في درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.7 إلى 1.8 درجة مئوية بحلول عام 2050، وهو ما يتجاوز بكثير حد 1.5 درجة مئوية الذي يعتبر ضرورياً لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ.[4]

ومن ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي الإمكانات الهائلة للحوسبة الكمومية إلى قلب هذه التوقعات القاتمة رأسا على عقب، إذ يمكن للحوسبة الكمومية، حسب بعض التقديرات، أن تدفع تطوير التقنيات القادرة على خفض إنتاج الكربون بأكثر من 7 جيجا طن سنوياً بحلول عام 2035 – مما يجعل خفض درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية هدفاً قابلاً للتحقيق مرة أخرى.

ويمكن للحوسبة الكمومية كذلك أن تقدم مساهمة كبيرة إما عن طريق تحفيز انتشار التقنيات الأكثر كفاءة ونفعاً، أو عن طريق تحييد المخاطر المتأتية من القطاعات كثيفة الانبعاثات التي كان يعتقد ذات يوم أنها منيعة على التدخل التقني. فما الذي يمكننا أن نتطلع إليه على وجه التحديد في السنوات القادمة مع تطور الحوسبة الكمومية؟

الكهربة: تُعد البطاريات ذات السعة الكبيرة والمتانة الهائلة حاجة ملحة لتخزين الطاقة المتغيرة على نطاق الشبكة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. ومع ذلك، تباطأت معدلات تحسين كثافة طاقة البطاريات بشكل حاد، حيث تراجعت زيادة كثافة الطاقة من 50% بين عامي 2011 و2016 إلى 17% بين عامي 2020 و2025. ويمكن أن تقودنا الحوسبة الكمومية، من خلال السماح بتحليل أكثر تفصيلاً لبنية الإلكتروليت المعقدة، إلى مواد بديلة للكاثودات/الأنودات تغنينا عن عوازل البطارية.

وبحسب إحدى الدراسات، يمكن أن يؤدي خفض تكلفة التخزين على نطاق الشبكة إلى زيادة استخدام الطاقة الشمسية بنسبة 60٪ في جميع أنحاء أوروبا بحلول عام 2050.[5]  وفي الوقت نفسه، ستؤدي البطاريات كثيفة الطاقة إلى تسريع الجدوى التجارية بنسبة 50% بحيث يصبح اعتمادها على نطاق واسع في مركبات البضائع الثقيلة خياراً جذاباً من حيث التكلفة.

الزراعة: يمكن أن تؤدي مركبات الأعلاف منخفضة الميثان إلى خفض الكمية الحالية البالغة 7.9 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون المنبعثة سنوياً من الماشية بنسبة 90%. ويمكن أن تساعد الحوسبة الكمومية في تطوير مصل مضاد للميثان يساعد الأجسام المضادة على ربط نفسها بالميكروبات الصحيحة في البيئة المعادية لأمعاء البقر.

التقاط الكربون: يعتبر استخلاص الكربون من الهواء مجدياً من حيث المبدأ، ولكنه مكلف للغاية في الوقت الحاضر. ومن المتوقع أن تُسهم الحوسبة الكمومية في خفض تكاليف كلا من تقنيات “الالتقاط من نقطة المصدر” و “الالتقاط الهوائي المباشر” بشكل كبير.

في حالة “الالتقاط من نقطة المصدر”، يتم التقاط ثاني أكسيد الكربون مباشرة من مصادر التلوث الشديد مثل الأفران الصناعية. وستساعد الحوسبة الكمومية في نمذجة الهياكل الجزيئية للمذيبات متعددة الأطوار التي تعد جزءاً لا يتجزأ من العملية، مما يزيد من كفاءة الالتقاط في مجموعة كبيرة من مصادر ثاني أكسيد الكربون ويخفض التكاليف بنسبة تصل إلى النصف.

أما في حالة “الالتقاط الهوائي المباشر”، فيتم التقاط ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغلاف الجوي باستخدام أنظمة باهظة الثمن وكثيفة الاستهلاك للطاقة. وستساعد الحوسبة الكمومية في تصميم مواد ماصة جديدة مثل الهياكل العضوية المعدنية (MOF)، التي يمكنها معالجة ثاني أكسيد الكربون بكفاءة تفوق بكثير قدرة التكنولوجيا المماثلة اليوم.

الطاقة والوقود: تعمل الخلايا الشمسية السليكونية البلورية الحالية بكفاءة تصل إلى 20٪. وفي المقابل، تبشر الحوسبة الكمومية بخلايا شمسية أكثر كفاءة بنسبة 40٪ بفضل هياكل البيروفسكايت البلورية. من المعلوم أن البيروفسكايت يفتقر إلى المتانة وهو سام في بعض التركيبات. لكن أجهزة الحاسب الكمومية ستساعد في تصميم حلول طويلة الأمد وغير سامة، من خلال محاكاة هياكل البيروفسكايت في تباديل متعددة باستخدام ذرات قاعدية مختلفة، مما قد يخفض تكلفة الطاقة الشمسية إلى النصف.

وفي الوقت الحالي، تمثل الأمونيا، المكلفة والمستهلكة للطاقة، ما يُعادل 2٪ فقط من استخدام الطاقة في العالم. لكن تقنية التحفيز الكهربائي الحيوي للنيتروجيناز تعطينا لمحة مثيرة عن كيفية إنتاج الأمونيا بشكل نظيف، وبجزء صغير من سعرها الحالي. تحاكي هذه التقنية آلية “تثبيت النيتروجين” ولكن بشكل اصطناعي، حيث تمتص النباتات النيتروجين مباشرة من الهواء وتحوله إلى أمونيا. وفي هذه الحالة، سينشط النيتروجيناز في درجة حرارة الغرفة وعند ضغط 1 بار، ما يعني أن هذه التقنية تفوق كفاءة طريقة هابر بوش الحالية التي تتطلب بيئة تفاعل تصل فيها درجة الحرارة إلى 500 درجة مئوية. صحيح أن هذه التكنولوجيا ما زالت قيد التطوير، ولكن من المتوقع أن تحل الحوسبة الكمومية بسرعة المشكلات المتعلقة باستقرار الإنزيم وانخفاض معدلات الإنتاج. وبصرف النظر عن خفض عبء ثاني أكسيد الكربون الناتج عن صناعة الأسمدة، فإن خفض التكاليف بنحو 67% من شأنه أن يعجل باعتماد الأمونيا على نطاق واسع كوقود للشحن البحري خلال عقد من الزمن.[6]

وبالمثل، شكلت التكلفة العالية أيضاً عائقاً أمام التوسع في استخدام الهيدروجين الأخضر، ولكن تحسين عملية التحليل الكهربائي يمكن أن تساعد في تحقيق نوع من التكافؤ التجاري للهيدروجين الأخضر مع الغاز الطبيعي. تكمن المشكلة الأساسية في أن الجيل الحالي من أجهزة التحليل الكهربائي القائمة على غشاء البوليمر (PEM)، وتحديداً تلك المستخدمة في “تقسيم” المياه، يفتقر إلى الكفاءة والمتانة بسبب ضعف التفاعل بين الأغشية والمحفزات. وهنا يبرز دور الحوسبة الكمومية متمثلاً في قدرتها على محاكاة حالات الطاقة المختلفة لزيادة الكفاءة، مع تحديد المزيد من المحفزات والأغشية المتوافقة كيميائياً. وقد نجحت مجموعة من الباحثين بالفعل في تحليل مئات الكوادريليونات من تصاميم المواد في تقنية تسمى التوسع العنقودي. وقادت النتائج الفريق إلى مجموعة غير مستكشفة من المواد التي تشمل الأنتيمون والمنغنيز والأكسجين والروثينيوم والكروم – والتي أظهر تركيبها نشاطاً محفزاً أعلى بثماني مرات من تلك الموجودة حالياً في السوق.[7] وهذا يعني أن وصول معدل كفاءة إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى نسبة 100% من شأنه أن يخفض تكلفة الإنتاج بمقدار الثلث.

الصناعة: على الرغم من خطورة الاحتباس الحراري، إلا أن البناء لا يمكن أن يتوقف بين عشية وضحاها. يستهلك العالم أكثر من 4 مليارات طن من الأسمنت سنوياً، وهو مادة مهمة جداً وأساسية في تركيبة الخرسانة المستخدمة في صنع منازلنا ومصانعنا وطرقنا ومستشفياتنا.

ومن المؤسف أن إنتاج الأسمنت يتسبب في انبعاث نحو 2.5 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أو نحو 8% من الإجمالي العالمي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ولسوء الحظ، لا توجد حاليا بدائل ميسورة التكلفة للأسمنت. وفي هذا الصدد، يمكن للحوسبة الكمومية أن تغنينا عن تكاليف الدراسات المكلفة، بحيث تقودنا إلى مجموعات مختلفة من المواد لتصميم منتج بديل متين ولا يسبب التلوث. وتشير بعض التقديرات إلى أن التوصل إلى مواد كهذه من شأنه أن يقلل الانبعاثات بنحو 1 جيجا طن سنوياً بحلول عام 2035.

وحتى مع هذه الرؤية الطموحة، فقد تُفاجئنا الحوسبة الكمومية بإنجازات تفوق توقعاتنا جميعاً، وربما تكون التقنيات التي تبشر بها الحوسبة الكمومية فوق إدراكنا الحالي. وحتى وإن اقتصر تطبيق ميكانيكا الكم على نطاق متناهي الصغر، إلا أن صداها سيكون واسعاً وعالمياً.

كيف يمكن أن تعود تكنولوجيا الكم بالخير لصالح البشرية

تنطوي الحوسبة الكمومية، إذا ما أُحسن استخدامها على غرار الذكاء الاصطناعي، على إمكانات هائلة من شأنها أن تعود بنتائج إيجابية في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وغيرها من المبادرات العالمية الأخرى مثل القضاء على الجوع، وتحسين الصحة والرفاهية، وتوفير الطاقة النظيفة بأسعار معقولة، وتحفيز الصناعة والابتكار، وتعزيز البنية التحتية، وإنشاء المدن والمجتمعات المستدامة.

وهذه أهداف جديرة بالاهتمام، وتدفعنا إلى إيجاد حلول ذكية لبعض التحديات التي تواجه الحوسبة الكمومية حالياً.

على سبيل المثال، تعمل معظم أجهزة الحاسب الكمومية حالياً داخل ثلاجات مبردة عند -273 درجة مئوية، وبسبب صرامة متطلبات التبريد هذه، لا تزال أجهزة الحاسب الكمومية تستهلك طاقة أكبر من أجهزة الكمبيوتر العادية.[8]  غير أن أجهزة الحاسب الكمومية قيد التطوير حالياً يمكنها التحايل على الحاجة إلى تبريد الكيوبت تماماً. مثلاً، يستخدم نظام الحوسبة الكمومية في شركة «أوركا كومبيوتنج» (ORCA Computing) فوتونات مفردة للبتات الكمومية في درجة حرارة الغرفة، دون حاجة إلى مبردات على الإطلاق. وبالمثل، يمكن أيضاً تشغيل الحواسيب الكمومية الأيونية في درجات حرارة أقل تطرفاً، مما يسمح لها بمعالجة المعلومات باستخدام الحد الأدنى من الطاقة وعدم توليد أي حرارة تقريباً.[9]  وتشير إحدى الدراسات إلى أن الحواسيب الكمومية يمكن أن تقلل في نهاية المطاف من استخدام الطاقة بأكثر من 20 ضعفاً مقارنة بالحواسيب العملاقة التقليدية.[10]

وثمة مخاوف وتساؤلات أخرى تستحق النظر، ومن بينها: هل ستُعمق الحوسبة الكمومية فجوة الثروة بين البلدان الغنية والفقيرة؟ هل ستستحوذ الشركات الكبرى على السوق بشكل مجحف يجعل دخول الصناعة غير ممكن للشركات الناشئة؟ وماذا عن تأثيرات الحوسبة الكمومية على سوق العمل التي لا تزال تتعافى من الضربة الثلاثية المتمثلة في الركود العالمي وكوفيد-19 والذكاء الاصطناعي؟ وهل ستصبح معايير التشفير الحديثة عديمة الفائدة بسبب القوة الحسابية الهائلة لتكنولوجيا الكم، وهل ستضرب بمتطلبات البيانات والخصوصية في عرض الحائط؟

إن هذه المخاوف المبررة تتطلب من الحكومات أن تؤدي دورها في ضمان أن الحوسبة الكمومية ستحقق فوائد للأغلبية، وليس فقط للقلة؛ وأن تساعد في تطوير وتمويل برامج أبحاث الدراسات العليا، وخاصة في المجالات التي تنطوي على مخاطر مالية (مثل التقاط الكربون) والمشاريع الإنسانية (مثل التنبؤ بالكوارث) التي تفتقر حالياً إلى الدعم. ومن حسن الحظ أن نماذج الشراكة موجودة بالفعل وتتجلى بشكل خاص في التعاون الحالي بين شركة «آي بي ام» (IBM) وحكومة المملكة المتحدة[11]، أو مشروع «كوانتوم دلتا» (Quantum Delta) بين القطاعين العام والخاص في هولندا، أو المشروع المشترك لعلوم وتكنولوجيا الكم الذي أطلقته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في عام 2021[12].

أشعر أننا حالياً في طريقنا لصعود سفوح الحوسبة الكمومية، ويمكننا بالفعل أن ننظر إلى الأعلى ونرى القمم التي تنتظرنا، ولكن علينا أن نوجد حواراً مفتوحاً بين القطاعيّن الخاص والعام، بما يكفل أن الطريق الذي نختاره للصعود إلى هذه المرتفعات الشاهقة سيكون متاحاً للجميع، وأن الوجهة النهائية ستعود بالنفع على المجتمع البشري ككل. لا شك في أن التكنولوجيا الكمومية تبشر بتغييرات عميقة وجذرية في حياتنا، من التمويل إلى الأمن القومي، إلى الاتصالات والهندسة، لكن ما أتطلع إليه حقاً هو أنه عندما يحين الوقت الذي نصل فيه إلى حالة “الذروة الكمومية” – أي عندما تتفوق في الأداء على أجهزة الكمبيوتر التقليدية – آمل أن تتمكن الحوسبة الكمومية في التغلب على أكبر تهديد وجودي لنا، ألا وهو تغير المناخ.

صحيح أن الحوسبة الكمومية بقوتها الثورية في دفع إمكانات التحسين والمحاكاة والتعلم الآلي المعزز كمياً، قد لا تؤدي بالضرورة إلى إنقاذ العالم، لكنها بالتأكيد ستغيره إلى الأبد.

[1] https://www.mckinsey.com/featured-insights/mckinsey-explainers/what-is-quantum-computing

 [2] https://www.iberdrola.com/innovation/what-is-quantum-computing

[3] https://prod.ucwe.capgemini.com/wp-content/uploads/2022/10/Quantum-Technologies__Sustainability_20-09-2022_final.pdf

[4] https://www.mckinsey.com/capabilities/mckinsey-digital/our-insights/quantum-computing-just-might-save-the-planet

[5] https://www.mckinsey.com/capabilities/mckinsey-digital/our-insights/quantum-computing-just-might-save-the-planet

[6]  https://www.mckinsey.com/capabilities/mckinsey-digital/our-insights/quantum-computing-just-might-save-the-planet

[7] https://www.powerengineeringint.com/hydrogen/quantum-computing-techniques-reveal-improved-catalyst-for-green-hydrogen/

[8] https://projectqsydney.com/could-quantum-computing-help-curb-ais-carbon-footprint/

[9] https://www.techuk.org/resource/could-quantum-computing-hold-the-key-to-sustainability.html

[10]https://www.ornl.gov/news/energy-quantum-computing-efficiency

[11]https://newsroom.ibm.com/2021-06-03-UK-STFC-Hartree-Centre-and-IBM-Begin-Five-Year,-210-Million-Partnership-to-Accelerate-Discovery-and-Innovation-with-AI-and-Quantum-Computing

[12]  https://www.whitehouse.gov/ostp/news-updates/2021/11/04/the-united-states-and-united-kingdom-issue-joint-statement-to-enhance-cooperation-on-quantum-information-science-and-technology/